-17-

8.5K 225 10
                                    

-17-
-عامر..انا و خالك بنفكر نجوز بسمة لمهاب انت اية رأيك!
ضرب عامر علي ذراع الكرسي و صاح :
-دة علي جثتي..
فتقلصت ملامحها بضيق و قالت محاولة استعطافه :
-لية كدة يا حبيبي فيها اية..مهاب شاب محترم..
فقاطعها :
-بس متربي في كندا..يعني متربي علي معتقدات و مفاهيم غير مفاهيمنا..و تقاليده غيرنا و انا مش هرمي اختي الرمية السودة دية..
ثم قال بانفعال :
-و بعدين انتم ازاي بتفكروا تجوزوها دلوقتي و هي لسة متمتش ال15 سنة انتوا بتفكروا ازاي؟
فقالت نعمة باضطراب :
-خالك مقترح اننا نعمل خطوبة دلوقتي و لما تخلص ثانوي نجوزها..
-مستحيل الكلام دة..اختي مش هتتجوز الا لما تخلص جامعتها و تكون مستقبلها..
-طب و لية كل دة كدة هتكون عنست
فقال بعناد :
-تعنس و تقعد جمبي بكرامتها افضل..انا مش موافق حتي لو هي وافقت..هي اصلا غبية و مبتفكرش..
و تساءل بضيق :
-هي تعرف عن الحكاية دية ؟
حركت رأسها بالنفي, فتنهد بارتياح و هو يغمغم :
-كويس..و ياريت تيشلوا الافكار دية من دماغكم..
لوت فوها في حنق, فكانت تود الاطمئنان علي مستقبل طفلتها مثل اي أم, لكن كيف و عامر موجود, هو مجنون لدرجة انها تتخيل انه لن يوافق علي اي متقدم لخطبتها, مسحت علي وجهها كي تهدئ اعصابها و عادت تجلس امام التلفاز, فهم عامر بالقيام و التوجة لغرفته, لتسأله بصوت مسموع نسبيا :
-هتصالحها؟
رد بهدوء :
-لا هي المفروض تصالحني و تتأسف..انا مغلطش..
                              ***
وقفت امام المرآة تتجمل في جمالها, تود الاتصال بعامر لكن خجلة, فبعد الخطاب لو حدثها لزلت لسانها و اعترفت بحبها فورا, لكن علي اي حال ستحتفظ بسرها لنفسها, فهي لن ترضي ان تتزوج منه, عكصت شعرها و اقبضت علي بتوكة, و تركت خصلة تطرئ علي وجهها, لم تكن اول مرة تضع علي وجهها مستحضرات التجميل, لكن ذوق والدتها الرقيق و احترافه في التزين جعلها بمنظر براق جذاب هادئ, لم تتوقع حسن المعاملة, ظنت لوهلة انها ستكون شرير قاسية كما اخبرها شقيقيها, كانت تسمعهما دوما يتحدثون عنها بسوء و لا ننكر انها بالفعل كانت سيئة في الماضي, و انتقامها ترتب علي حياة نيرة, فتح احدهم باب غرفتها, و اطلت صوفيا من الباب و هي تقول بحزم :
-آنستي هناك من ينتظرك بالخارج..
لم تنظر اليها بل ظلت تعدل في خصلات شعرها امام المرآة و هي تتساءل :
-من, صوفيا ؟
اجابتها صوفيا بلا اكتراث :
-اعتقد ان اسمه حسام, يدعي انه شقيقك و الآن هو يتشاجر مع سيدة كلوديا..أأحضر له شاي أم قهوة أم اطلب له الشرطي؟
ارتبكت نيرة و سارعت بالالتفات لصوفيا بعينين مذعورتان و هي تغمغم :
-حسام !!
فتابعت صوفيا :
-ارجح الاختيار الاخير..
                            ***
ظلت ايامها بكاء و نشيج, حزينة عما فعله شقيقها بها, كانت العصافير الجزء الاجمل في حياتها, كانت سعيدة بهما خاصة انهما هدية من مهاب, لم تخطئ حينما قبلت الهدية, رغم ان هناك مشاعر دافئة بينهما لكن أخذتها علي محمل الاخوة, فهو لا يعاملها كحبيبة ابدا بل كشقيقة صغري له, شرعت تزيد لهيبها بقوله, ان عامر الخاطئ لم يكن ملاكا هابطا من السماء, هو يخطئ كثيرا و ليس هناك من يعاقبه علي عكسها حين تخطئ يبدأ بالزعيق و الصريخ, احيانا تقف نعمة في صفه و تدافع عن مبادئه, مازالت مصدومة من اللطمة العنيفة التي انزلها علي خدها الرخو, كأنه يصر علي تكرهيها به, مشاعرها الآن تجاه عامر تتمثل في بغض و حقد, و حقد و بغض لا اكثر و لا اقل..
رغم صدمتها في انه بدء عمل, و اصبح يأتي مبكرا عن عادته, تلصصت عليه اثناء عمله, فقد اعتقدت  انه سينام او سيأتي باصدقاءه لحديث و قطع فترة العمل المملة, فصدمت بكونه يعمل بهمة و نشاط و لا يخجل بل العكس يقف متفاخرا و قد احب التعب و الارهاق, و مغازلة الفتيات فيكسب زبونا او مشاكسة الاطفال و احترام السيدات و التبجيل في جمالهن, لم يدرك من أين ورث شطارة التجارة, لو كان والده حيا الآن لأعتز بأبنه كثيرا, كانت الزبائن تزداد و تزدحم يوما بعد يوم, فلم يكن هناك بقالة لعطار غيره في هذا المنطقة و ايضا بسبب حسن انتقاء منتجاته, تبسمت بسمة في رضاء و قد شعرت اخيرا ان اخاها باء رجلا يعتمد عليه, فلن تضطر لطلب من خالها مالا او زيادة بالمصروف بل ستزيد العبء علي عامر اكثر و اكثر, ما ضايقها انه مر اكثر من عشرة ليال لا يحاول عامر ان يحادثها رغم انه يراها يوميا حينما يعود من عمله, تكون ساهرة تدرس او تشاهد التلفاز, فلا يرمقها بنظرة و يتركها و يرحل, حزنت لكن هي ايضا تماسكت بالتجاهل..
استيقظت علي هزات خفيفة علي كتفها, فعبست بوجهها و استدارت لجهة المعاكسة, فازداد الاهتزاز اكثر و اكثر, حتي قامت من مكانها علي مضض و فركت عينيها و هي تقول بضيق :
-يا ماما حرام عليكِ بتصحيني بدري كدة لية..
ثم رمت بنظرتها الي جانبها, لتتفاجئ بعامر يجلس جوارها, ابتسم ابتسامة صغيرة و قال :
-صباح النور!
اشاحت برأسها بعيدا و لم تبث بكلمة, سكت ايضا و وضع امامها حقيبة هدايا كان فضولها يدفعها لفحص الهدية لكن عاندت و سكتت, فجذب برأسها علي الي صدره و لف ذراعه حولها و هو يقول بعتاب :
-انا خايف عليكِ يا عبيطة مش قصدي ازعلك..بس انا عاقبتك لأنك كدبتي عليّ..
و كأنها استحضرت الاحداث في ذهنها مرة اخري, و تذكرت موت العصفوران و الصفعة القوية, فانفجرت باكية ليمسح بيده علي ظهرها و يقول :
-خلاص ملوش لزوم العياط الي حصل حصل..
ودت لو تدفعه لكنها لم تقدر, اخذت تزيد بكاءا ليترك قبلة صغيرة فوق رأسها و هو يقول بلهجة لا تدل علي المزاح :
-رغم انك المفروض الي تعتذري بس هعديها المرة دية..
ثم وضع امامها صندوق صغير, وضع فوق غطاء, تأكدت فورا انه عصفوران اخران اتي بهما لكي تصفو الاجواء و كأن شيئا لم يكن, لكن المختلف ان الصندوق اصغر حجما و ليس هناك صوت لعصفور, ابعد الغطاء فظهر صندوق مستطيل ليس بقفص عصافير, ازداد فضولها, ففتح الصندوق و اخرج منه قط ابيض صغير و وضعه فوق حجرها, كادت تقفز من الرعب لكنه قال مطمئنا :
-متخفيش دة قط صغير..
و امسك بكفها المرتجف و وضعه فوق القط الذي اصدر مواء صغير, اعجبها ملمسه الناعم فتبسمت و تجرأت علي مداعبته, فيما قال عامر مقلدا مواء القط بصوت مضحك :
-مياو مياو!
ضحكت برقة و حملت القط الصغير علي ذراعيها و ابتسمت ابتسامة واسعة, تساءل عامر :
-هتسميه اية؟
سكتت لفترة, ثم رفعت نظرها اليه قائلة بخبث :
-هسميه ميمو..
اماء برأسه معجبا :
-حلو ميمو تمام يا ستي..
ثم اشار ببسبابته نحو الهدية الاخر و قال بتحذير :
-دة مايك آب انا عارف انك نفسك فيه بس حسك عينك اشوفك بيه في الشارع..
هزت رأسها بالنفي و قالت :
-متخفش..
فقام من مجلسه و اخبرها انه سيذهب لعمله لأنه تأخر, و قبل ان يلامس اعتاب باب غرفتها, صاحت باسمه, تلفت اليها بنظرات متسائلة لتقول بنبرة مفعمة بالشعور بالذنب :
-انا اسفة اني كدبت عليك
ابتسم بارضاء فقد اعتذرت و كان هذا رجاءه, خرج و من ثم نزل الي عمله, و قد اخذ طاقة ايجابية كثيرة مع الحديث و مصالحة بسمة, ان بسمة بالفعل بسمة حياته, بسمة المنزل ومصدر قهقه الجميع, فتكفي طلتها الكوميدية و مزاحها الدائم و عدم رضاها بكون اي انسان عابس, حمد الله علي نعمة بسمة في حياته, و تمني لو يستطع الحفاظ عليها من جميع الانياب المحاطة ببراءتها, فهي ارق من ان تؤذي من حب و أرقي من ان تترك من رجل غبي, و اجمل من تحتقر او تهان, لهذا كان يحرص علي دراستها و علي نباهة عقلها و ذكاءه, يحرص عليها و كأنها طفلته الصغري فالفارق الكبير بين سنهما ما يساعده علي ذلك, مذ ولادتها و هو متخذ دور الاب و رب المنزل, بالفعل هو يشعر بالابوة مع بسمة..
كانت تحادثه عجوز اعنة في السن, كتبت طلبات منزلها في ورقة, لها اكثر من نصف ساعة تطلب ان ياتيها بطلباته فيما بعد عرف انه عيد ميلاد حفيدها الثالث من ابنها الذي تعشقه, و مع ذلك كانت تمقت زوجته و تقول انها مهملة بالمنزل و بزوجها و علي الزوجة عدم العمل و الاهتمام بالبيت اكثر, فيما بعد عرف انها بنتها الكبري تعمل في خارج البلاد, ضحك كثيرا و تعب من بطء حديثها, و كلما ظن انه انتهي من طلباتها يجد ورقة اخري, فيضرب بيده علي رأسه, دخل احدهم البقالة فلم يلحظه - فقد كان مشغولا مع العجوز- اقتربت فتاة بدا من ظلها انها في العشرين من عمرها, لم يحاول النظر اليها, لكنه تفاجئ بأنها تمسك بيده و تتركه بيده ورقة ما, فتح الورقة مستغربا فوجد المكتوب :
-اشتقت اليك عامر..
رفع مسرعا نظره اليها و اتسعت حدقتاة بصدمة و قد لجم لسانه عن الحديث, فيما ابتسمت اليه بصمت, ظل لثوان لا يقوي علي الحراك ثم غمغم بدهشة :
-نيرة !
*
*
*
يتبع
اسفة علي التأخير, رأيكم و بلاش متابعة صامتة :D

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن