الفصل الخامس

339 12 16
                                    

وعلى الطريق ظلت ليلى تراقب من النافذة بيتها  يبتعد شيئا فشيئا احست بالحزن و كأنها الْيَوْمَ ستفارقه . بدأت بعض الدموع تنحدر على مقلتيها لتمسحها بيدها بسرعة كي لا يلحظ محمد ذلك ، كي لا يعلم ان المجنونة ليلى فتاة ضعيفة ، كي لا يشفق عليها كي لا يطلب منها البقاء رأفة منه . لكن ليلى لم تكن الحزينة الوحيدة فمحمد أيضا كانت تخفي ابتسامته الباهتة شعوره بالالم و الذنب . كان يظنها سعيدة بفراقه و كانت تظنه أسعد . توقفت السيارة أمام بناية ضخمة سُميت المحكمة ، نزل الزوجان محمد و بعده ليلى بخطا متتابعة ، دخلا الباب الكبير و اتجها نحو مكتب الطلاق و بينما هما جالسان على مقاعد الانتظار بدأ توترهما يزيد شيئا فشيئا و هما يسمعان أصوات الشجار و يلمحان وجوها كئيبة تخرج من الباب و لكن محمد و ليلى سيكونان الزوجان الوحيدان اللذان سيخرجان بابتسامة كبيرة و سيقيمان عشاء فاخرا احتفالا بفراقهما
- السيد و السيدة عبد الله يمكنكما التفضل .نادى رجل من بعيد .
تقدم محمد و ليلى و دخلا المكتب ، جلسا على مقعدين و امامهما جلس رجل خلف مكتبه ، لا شك انه المسؤول . كان الرجل ابيض الشعر ذو شارب كثيف و كان يرتدي بدلة رسمية مع ربطة عنق صار يفك ربطها و كانت بضع قطرات عرق تسيل على جبينه توحي على تعبه و سخطه من هذا العمل . اصطنع ابتسامة ووجه كلامه الى الزوجين أمامه .
- إذن السيد و السيدة ....
- عبد الله . أجاب محمد مصحوبا كلامه بابتسامة جانبية و أردف .
- فلنتحدث عن صلب الموضوع ، لا أحب الرسميات و الكلام الزائد و أعلم كم أنك ناقم هذا العمل أيها السيد إذن فلنسهل عليك الأمر .
اندهشت ليلى من ردة فعل محمد و صارت تقول في نفسها " اعلم انه يريد التخلص مني و لكن لم اعتقد انه يريد ذلك بهذه السرعة " . ثم وجهت نظراتها نحو محمد الذي لم يلتفت اليها و واصل كلامه .
- نحن متفقان على الطلاق ، هي راضية و أنا راضٍ و نحن نفعل ذلك عن طيب خاطر فهلا تكرمت و أعطيتنا تلك الأوراق كي نمضي عليها .
احتار السيد المسؤول بل ظن انه يهدي و لكن ما يعيشه حقيقة . ابتلع ريقه بسرعة و قال مخاطبا محمد .
- اسمع يا سيدي لقد أدهشتني حقا
و قبل إكماله الكلام قاطعه محمد
- و لم الدهشة نحن نريد الطلاق ، هل في الامر عيب و كأننا دخلنا مكتبا للحصول على عمل أوليس هذا مكتب الطلاق اوليس عملك تفريق الازواج .
- عفوا سيدي و لكن لا تظن أني افعل هذا عن طيب خاطر فكما تعلم على ما اعتقد فان أبغض الحلال عند الله الطلاق .
هناك تدخلت ليلى عندما رأت ان الحديث قد اشتد .
- آسفة سيدي و لكن زوجي معه حق . نظر محمد لليلى بدهشة .
نحن نعلم أن أبغض الحلال عند الله هو الطلاق و لكن ما فائدة الزواج ان لم يكن سعيدا نحن اتفقنا على الطلاق لاعتقادنا إياه الحل الانسب ليعيش كل منا حياته كما يحب .
- و لكن لم تريدان الطلاق ؟ لم لَم تتفقا ! لم تزوجتما من البداية .
كانت هذه الكلمات ثقيلة على مسامع ليلى فلم تستطع الإجابة فرد محمد كي يقطع شك الرجل و فضوله .
- شجار بعد شجار رغم اننا تزوجنا عن حب المراهقة و كما تعلم سنوات المراهقة طائشة .
- آه ، كم تجيد الكذب يا محمد تمتمت ليلى
صمت الرجل و لم يُرِد البحث اكثر في هذه القضية فقدم للزوجين بعض أوراق وقعا عليها ثم خرجا ، و لكن قبل مرورهما من الباب قال
- أتمنى ان تعطيا لانفسكما فرصة اخرى لا ادري و لكني احس ان علاقتكما ظالمة .
- شكرًا لك ، قال محمد فاتحا الباب و يعبر هو و ليلى منه .
الزواج هذا الطقس الذي يظنه البعض من الجهلة ما هو الا متاعا دنيوي ، ماهو الا ارتباط امرأة برجل لتحمل اسمه ، ما هو الا احضار امراة لبيت رجل لتدير أعماله المنزلية ، هذه الاقوال و هذه الاعتقادات تشوه مكنون الزواج الذي هو عبارة عن امر مقدس بصفته مكملا للدين اولا و البشرية ثانيا ، فأين بنو آدم ان لم يكن الزواج ، ان لم تكن تلك الأرحام الطاهرة تنجب البنين و البنات و لكن للأسف فان الزواج في نظر البعض ما هو الا ضرورة كي يحفظ الانسان نفسه من السنة الناس .

شقّت سيارة "الايبيزا" طريقها من جديد و لكنها انعطفت يميناً عند الجادة الثالثة و توقفت عند البناية ذات الثلاث طوابق صاحبة الذهان البرتقالي .
- لم احضرتنا الى هنا ؟
- اريد ان أزف الخبز الى ابي
- محمد لا تكن قاسي القلب أرجوك .
- و لم أكون قاسي القلب ، تبا و كأنني قلت لك أني سأقتله ما بكم يا قوم فجأة تصيرون أسياد الأخلاق .
- أنا أنا لم أقصد بعبارتي هذا المعنى كل ما عنيته ان أباك سيكون تعيسا لفراقنا و أنا لا أريد ان اشعر بتأنيب الضمير .
- و لم تأنيب الضمير المهم انكِ سعيدة بقرارك فلا تهتمي بابي و بالآخرين .
- علينا احيانا ان نهتم و نراعي مشاعر من حولنا .
ابتسم محمد بعد عبارة ليلى الاخيرة و قال بمرارة
- يا ليتكم اهتممتم بمشاعري سابقا .
------------
حياة

 غدر فما بعد...Where stories live. Discover now