Chapter 12-1

32 5 1
                                    

"كـقوس المطر أنت, تظهر فجأة, تترك ذلك الأثر العميق داخلي وترحل.. لم أعرف يوماً أنك شبحي الحارس! لكنه أنت!"
*
أكان عليّ الموافقة؟؟ لستُ أعلم, كل ما أردته في تلك اللحظة أن يُبعد عينيه عني.. كنتُ خائفة, ربما لاني اعتدت عليه بشكل بعيدٍ جداً عن الشكل الذي ظهر به!!
أحمق, من يظن نفسه هذا العمر ليصرخ في وجهي هكذا!! كان علي أن أصفعه!! ليتني فعلت..
دخلت ممرضة جعلتني أنتفض من الفزع, ظننته هو, لكن حمداً لله.. نقلتني لغرفة واسعة مقارنة بالغرفة الاولى, ونافذة على يساري وشرفة أيضاً, كنت في الطابق الرابع..
كنت أتخيل رؤيتي للثلوج من الشرفة, ووقوفي عليها وتنوق النسيم البارد.. لكن هذا مجرد تخيل في لحظة فرح, ظننتني سأُجري العملية وينتهي الكابوس ويعود كل شئ بشكل مختلف بعد صفعات القدر المؤلمة.. ومع هذا, يقول القدر ليس بعد, لم أكتفِ منك يا أمل!
لم كل هذه القسوة البالغة معي؟؟ هكذا, لا لسبب!!
كانت الامطار تهطل بقوة في الخارج, أسمع صوت ضرباتها على الزجاج, جميلة حقاً, والرائحة أجمل من الجميل بكثير, مرت دقيقة مفاوضات صامتة بيني وبين الممرضة حتى اقتنعت وتركت الشرفة والنافذة مفتوحتين, لم أكن بهذه الحرية من قبل!!
رائع جداً, رغم الجو القارس إلا أني أشعر بإنتعاش غريب, جعلني هذا أعود لأكثر التواريخ بؤساً في حياتي..
الثلاثون من أيار, رحلتَ بعيداً, أنا أريد أن أكون مثلك بحق, محامية ذات شأنٍ في المستقبل يا أبي! محامية لا تترك أحداً محتاجاً إطلاقاً..
ثم العاشر من تشرين الأول, رحلتِ فيه يا غاليتي, لست أدري كيف تجرَّأتُ على تعذيبك هكذا, كنت قاسية معك, أعتذر أمي!
فقيدتي أريد أن أكون مثلك أيضاً, أريد أن أشعر بشعورك وأنت ترينني أنتصر على الرياح, وأريد أن أعلم أطفالي ماعلمتينيه!!
أمي وأبي, لا أدري تماماً لم يقوم عمر بكل هذا!! أعني إتخاذه القرارات عني.. هل هناك شئ قلتماه له قبل رحيلكما؟؟
لا أريد منه شفقة, وأنا التي أعرف المشفق من صوته..
لا, لمَ أكذب على نفسي؟؟ هو ليس مشفقاً ولا يردُّ ديناً قديماً..
هو فقط.. هو شئ ما!!
لست أدري لمَ معدتي تضطرب!!
*
عدنا للديار بعد أن تأجل إجراء العملية الثانية لـسببٍ ما, لم يُصارحني أحدٌ به, وأنا لم تكن لديَّ رغبة في معرفة السبب, فـعدت ولم أسر بعد..
لا أشعر بأي يأس أو حسرة أو غيرهما.. إرتحت لأنها أُجلت, ليتوقف عمر عن مساعدتي, أُريده أن يشعر أنه لا فائدة من جعلي أسير, سأتقبل أي شئ إلا أن يدفع هو تكاليف عمليتي..
يا للكبرياء السخيف يا أنا!! يا للكبرياء!!
كم مرَّ على عودتي للديار؟؟ لا أدري, لقد عدت كالسابق, أخاف معرفة المدة, وليس معي أمي لتساعدني.. عموماً, عدنا منذ مدةٍ ما..
إشتقت لإسراء وحياة جداً.. حياة, الرفيقة القديمة الجديدة, ذات القلب الذي يطبع على عينيها البنِّيتين بشدة, صفاءً ونقاءً غريبين..
تعرَّفت عليها في الكلية, جاءت يوماً إلى مكاني المعتاد طالبة مني السماح لها بالجلوس قربي, واحتجَّت بأنها لم تجد مكاناً هادئاً تُذاكر فيه.. جلست ومذ ذاك اليوم وهي تتراود على المكان مرةً بعد حين..
الامر الغريب, أنها كانت تأتي وحدها, كما أنه لم يأتِ أحد إلى هذا المكان حتى بعد مجيئها, حيَّرني أنها لم تخبر أحداً عنه, مرت مدة لا بأس بها حتى أصبحنا ندرس معاً, لم تكن من المشفقات أو المتكبرات, كانت طبيعيةً جداً مع مسحة شغبٍ تملؤها..
*
دموعي الحارقة المنهمرة بغزارة, ذلك اليوم!!
عندما تذكرتكما, فجأة ودون سابق إنذار, بكيت بحرقة, ولم أجد أحداً يضمني له غيرها..
إنهمرت دموعي فجأة بين الفتيات, كانت الأمطار تهطل بقوة ولم تنكف عن ذلك, كنت واقفة قرب حياة وكانت كل واحدة منا تهمس دعواتها, بدأت أدعو بدوري, صرت أقول:
*الحمد لك يارب, الحمد على كل نعمة نحن لها غافلون, يارب أشكرك على كل شئ يارب إغفر خطيئاتي, يارب أنت الذي رأيتني بكل أحوالي, أنت وحدك تعلم ماحدث وما سيحدث!! يارب, إن كنت في طريقٍ خاطئ أرشدني للصواب, يارب إزداد عجزي وضعفي, متعبة أنا من كل شئ!! رباهُ أرحني, أرحني من تعب هذه الدنيا! أنا راضية بحكمك عليّ, لن أسأل ولن أعترض! لن أعترض....*
لم أعرف كيف لفظتها وارتميت على حياة, كنت أبكي بقوة!! ولم يعرف أحد إسكاتي.. إنتهى الامر بي لعيونٍ مغمضة ترشح بدون صوت!! تستمع فقط لهدهداتٍ تارة, وآيات قرآنٍ تارة أخرى.. كانت هي, حياة إهتمت بي وتخلّت عن محاضراتها لأجلي, كنت قد هدأتُ نوعاً ما, لكنها لم ترضَ تركي وحدي..
إنتظرتْ حتى جاء عمر لأخذي, فزع عمر لكن حياة إستطاعت أن تبُث الثقة في عينيه, تقدمت نحوه فـطمأنته عني وقالت :
*هي بخير, لا تقلق عليها*
قال عمر مرتعباً وهو ينظر بإتجاهي: *مالذي حدث لها؟ لم هي هكذا؟ هل آذاها أحد؟؟*
*أخبرتك أنها على مايُرام, عُد بها للمنزل ودعها ترتاح, لا تفتح معها الموضوع, وعندما تشعر بتحسن ستخبرك هي بنفسها.. لكن لا تقلق فلم يحصل جزء من الذي تفكر فيه.. كانت معي طيلة الوقت, ثق بي!*

نعم, أقولها وكُلِّي ثقة, حياة ليست مُشفقةً عليّ لكنها صديقة حقيقية.. أحببتها جداً, وأُفضي إليها بما لا يعلمه أحد, حتى أماني..

خريف | AutumnWhere stories live. Discover now