-ممكن منديل..

اخرج المنديل الملطخ بألوانه, لتشمئز ملامحها فيما اسرع باخفاءه في جيبه و هو يردد اعتذاره, اخرج منديلا اخر و ناولها اياة, اخذت علي استحياء و مسحت وجهها مما تبقي من دموع و عرق جبين و تراب, تنهدت بقوة قائلة :

-ينفع اشوف الرسمة بقي و لا لسة مخلصتش..

ليفسح لها مكانا و يبسط ذراعه نحو اللوحة قائلا :

-لا لا خلصت تعالي شوفي..

احتضن كفها بكفه الضخم و ساعدها علي النهوض, وقف امام اللوحة ليعقد ذراعيه امام صدره دون ان يبث اي كلمة, فتحت عينيها من دهشتها بما رأت, كلما نظرت اليها شعرت بالخوف العارم, تنفست خجلها من اللوحة و انقبض قلبها من خوف اللوحة, ادركت ان عامر لم يرسم جسدها بل رسم طلاسم قلبها الخائفة, بكاء عينيها صاحبه بكاء ماضيها, خوفها من مجهول وكأنها تتستر منه, تفهمت لِمَ لم يرسمها مقابله و تعمد الجلوس مولية ظهرها, باكية في ضعف خائف, استطاع رسم نيرة التي تبكي في داخلها كل ليلة و ابراز بسمتها الصباحية – بسمة متظاهرة -, شعرت انه رسمها فقط لكي يواجهها بحقيقتها المرة, ذاك التشبث العنيف في امساك فستانها خوفا من الانزلاق ذكرها بايهاب, هذا الايهاب الذي كلما تحدث اليها يركز بنظره فوق نهديها, ارتجاف شفافها و اللعاب الذي سيتساقط من شفاهها السفلي ذكرها ببلهاتها في الحياة, نظرتها الجانبية اليسري ذكرها بنظرتها لحياتها نظرة الكئيبة سامة, انفرجت شفاهها بصدمة و هي تتأمل اللوحة بكل كيانها فيما شعر عامر بالفخر, صمتها الطويل و لمعان عينيها يكفي عن ثرثرتها بالمديح و المجاملات السخيفة, اكتفي بصمتها فالصمت اعظم الكلام..

قبل ان تتحدث قاطعها قائلا :

-يلا نتغدي..

فبترت جملته سريعا :

-لا لا مش جعانة..انا عاوزة الرسمة دية

هز رأسه نافيا :

-استحالة !

-لية يا عامر..هديلك كل فلوسي هديلك اي حاجة تطلبها بس اديني الرسمة

هز رأسه بصمت و قد اشعل سيجارته متخذا انفاسه منها, لتتنهد قائلة بضيق :

-هتكسفني..يعتبر دة اول طلب اطلبه منك انا محتاجة الرسمة

رفع نظره اليها و ابتسم بمكر و هو يهز رأسها نافيا, لتتوسل برجاء "ارجوك", فقال بصوت جادي :

-انا هديلك الرسمة بس بشروط

انتبهت اليه و قالت مسرعة :

-موافقة من قبل ما تطلب

نفي قولها بحزم :

-اسمعيها الاول..

-سمعاك!

-تتجوزيني؟

مسحت البسمة من وجهها و تكهفرت ملامح وجهها من دون اظهار اي تعبير من اعتراض, استنكار, سعادة, حزن او غضب, بل توجم وجهها في هدوء و نظرت له بنظرة لا معني لها, فتابع قائلا :

مدمن قلبكWhere stories live. Discover now