Chapter 1

469 29 72
                                    

" كانت مجرد ذكرى, عبرت فجأة وأخذتني لعالمها, وخزتني بشدة وآلمتني, ولم تشأ أن تُعيدني فارغة, وكأن الألم الذي سببته لم يكن كافياً!! فـنبشت عقلي محدثةً إضطراباً, ثم كتبت فيه بخط عريض واضح ' ذكرى قابعة وسط الصدور.'.. كانت فعلاً ذكرى قابعة لا يُكتب لها النسيان إطلاقاً!. "
*
الساعة: p.m. 4:03

غرفتي مظلمة رغم أشعة الشمس الحارقة ذاك النهار, فكرت قليلاً بما حصل ودموعي رافضة التوقف..
كراهية النفس لنفسها, ماذا تعني؟
ضاق بكِ الحال يا أنا, ضاق بك الحال يا أمل!!
إفراج, وإفراج من خريفي, خريف حياتي, أوراقي التي اصفرّت وهي الان تتساقط واحداً بعد آخر.. شيئاً فـشيئاً!!
متى يأتي ربيعي متى؟!!
مللت من سقوطي الدائم, وبسبب واحد!
ريـاح, أربع أحرف أثّرت في حروفي الأربع, رياحي التي هزمت خريفي, صعوباتي التي هزمت حياتي..
رغم كرهي للجغرافيا, شبهت حياتي بخريف, وصعوباتي لرياح, تزداد يوماً بعد يوم, حتى تصبح مستقبلاً إعصاراً و أنتهي!!
لـيأتي يوم شتوي, عاصف بارد يختم خريفي المشتت..
رياحي التي كنت أتحملها بسبب وقوفك معي. كنتَ كالجبل شامخاً في وجهها, كنت أختبئ خلفك دوماً, مطمئنة لوجودك, والان!! أنا حقاً فقدت الأمل من أن أستيقظ وأجدني أحلم..

سعادتي النادرة كالامطار الخريفية, رغم كثرتها أحياناً إلا أنني لا أكتفي بها!! وهي تنتهي دوماً بريح عاتية تلفح وجهي..
خريف, لم شبهت حياتي بالخريف! لم لم تكن صيفاً؟
هذا السؤال لا ينكف يراودني!! لكني أدور في ذات الحلقة المفرغة!
صيف؟ أي حرية أتمتع بها في حياتي لتكون صيفاً! أنا التي أحبس نفسي بين القضبان ولا أُنقذني منها!!
ولم لم تكن شتاءً؟ لأنه وبسبب البرودة القارصة في الشتاء كنتَ تعطيني بعض الدفء, تمدني به من حيث لا أدري! وأنا الان أركز على 'كنت'.
لهذا كانت حياتي أقرب لكونها خريفاً أكثر من أي شئٍ آخر, كانت أقرب للخريف من باقي الفصول التي تركت بصمتك بها.
ربيع؟ لا, لا أحاول حتى التفكير..

هكذا, مطري تافهٌ لأبعد الحدود مقارنة برياحي..
لم أستطع أن أُهدِّأ من روعها أبداً.. كانت هناك أشياء تحرك رياحي من الاعلى, قدر يحرك صعوباتي.. كان متحكماً بي بيديه وأنا لم أكن سوى مجرد دميةٍ خشبية هزيلة, رُبطت بحبالٍ شفافة حتى لا يراها الجمهور! قاسٍ أنت يا قدري, وكثيراً!
قدر, أقدارنا مكتوبة, نعم ولا جدال.
قدر, لا نحاول تغييره,نعم ولا جدال.
قدر, يحسم مصيرنا, نعم ولا جدال.
قدر, لا جدال, أي نعم ولا جدال..
لم لا يقدرنا قدرنا؟ لم لا تعبأ بنا نسماتنا..؟
نسمات, أيحق للقدر أن يشبه بكونه نسمات لطيفة؟؟ أيحق للقدر أن يكون لطيفاً؟؟ لا ولا جدال.
هناك من يحرك رياحي!! هناك من يبدأ في حياكة رياحي..
نسمة ونسمة ومن ثم نسمات لتصبح رياحاً..
قَدر يُقدّر فيَقتدر, فتُقتدر صعوبات..

أستغرب أمر وصفي لتكون الرياح بالحياكة!
قلتَ لي مرة:
* إن الأشياء المخيفة تبدأ من أشياء نحبها.. أعيدي ذلك الضخم لأصله وستنتهي مخاوفك!. *
هل النسمات مشتتة تحاول الفرار؟ فتحاك بخيوط من عنبكوت, لتبقى صامدة!!
الحياكة تضمن ألا تتمزق الرياح!
ياللرياح المخيفة, حاولت تصغيرها كما قلت..
تقتلني, هي تقتلني!! أخافها جداً, تعبت الألم بسببها..
صارحتك في ذاتِ اليوم
*لم لا توقفهم؟؟ لأجلي!!*
* كلا! لا أحد يبقى للأبد, تعلّمي أن تُوقِفيهم لوحدك.. قد أفارقك يوماً فـتنهارين بعد أن كنت أحميك!! عليك أن تعتادي الأمر بنفسك, وأنا معك لأساعدك على النهوض ما إن وقعتِ*
قلتَها دفعةً واحدة, وبثقةٍ عارمة, وكأنك عاودتَ قولها مراراً وتكراراً!!
'هذا غش! أنت درست ما سنقوله قبل أن يحدث! فحفظت إجاباتك عن ظهر قلب.. لا بأس! لطالما كنت الفائز!!'
أردت أن أقول هذا! لكني تشبثّتُ بالكلمة الأكثر تأثيراً..
*لكنك تُحبني, ولن تفارقني!!*
*أنا لا أتحكم في هذا.. قد أموت اليوم أو غداً..*
قلت وأنا أبكي * أنت تحب أن تذكر الموت.. أتتمنّى الموت أم ماذا!!!*
*أريد أن أرى كيف ستجتهدين وتدعين لي يا حبيبتي! أستفعلين؟*
لم أجبك! فقد كنت غارقة في ذاك الكلام المخيف!!
لكني, لم أكن عند حسن ظنك بي.. لم أدعو لك, بل أنا أندب أيامي الغريبة بدونك!

بعدها غلبني نعاس الغفلة بعد جرعة من الذكرى الأليمة ونمت!..
*
أفقت على صوت والدتي.. تهدأ من روعي وهي قد فشلت في تهدئة نفسها.. صوتها لاهث وضح عليه حشرجة بكاء..
تحدثت كثيراً إليّ ولم أنتبه لكلامها, كنت فقط مغمضة عينيّ, ظنّت أني نائمة فخرجت بألم خافت!!
مايدفع الانسان إلى الهجرة, *الهجرة في قاموسي الجغرافي: كره الانسان حياته, وأشخاص في حياته,وشخصه نفسها.. فيحاول الفرار من واقعه المرير, فإما أن ينجح, وإما أن يفشل فشلاً ذريعاً.*
مايدفعه لها على الأغلب تكوّن الأجواء العاصفة المريعة بعد يوم خريفيّ هادئ, هذا إذا إفترضت يا أنا, أن حياة الغيوم خريف!!
قد لا يمكن الجزم بهذا, لكن الامطار الصيفية لا أحد يتوقعها, عندما تكون الغيوم في أوج سعادتها وحريتها ثم يفاجئها المطر, فإما مطر سعادة مؤقت, وإما مطرٌ بارقٌ راعدٌ..
وهذه النسمات الربيعية لا تؤثر كثيراً في ذات الشخص كونه في قمة سعادته ويتجاهل كل ما يستطيع تجاهله..لكنه يرتطم بالأرض أخيراً وبقوة كبيرة!!
والرياح الشتوية, لا تستدعي أن أتحدت عنها!!
فكانت حياة أغلب الغيوم خريفاً كما قلت, وإن مرّت الغيمة في حياتها بكل الفصول, لكن الخريف, بداية نهاية!!
*ظننت الخريف أشدَّ لطفاً من إخوانه الثلاثة.*
قلت هذه الكلمات, التي تخللها صوتي المتعب المنهار بأسىً مفعم باليأس والتشاؤم! فكرت قليلاً..
كم هي المدة وأنا على هذه الحال!
لم أعد أذكر!! غلبني البؤس بشدة هذه المرة, فبكيت من أعماقي ككل مرة!.

دائماً ما تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن..
الرياح ماهي إلا هواء, ولو نستطيع إمساكها, إيقافها, خنقها وقتلها!!
و يالِـعجز قلوبنا عن التوقف في التفكير في الندى, أجل كنتَ كالندى في حياتي الربيعية الجميلة. وقبي الذي يطاوع أمري لا يكف عن التفكير..

أتدري؟ مبسمك الساحر بمثابة ربيعٍ لي, ضحكتك تجعلني أهذي! ذاك المبسم, بمثابة اللذغة الاولى في قطرة الندى..
كنتَ تمدني بالقوة من حيث لا أدري, والان أين أنا من هذه القوة؟ أهذا سبب كون حياتي خريفاً دائماً؟ ألأنك تشبه الخريف؟؟
تشبيهاتي معضلة كما هي حياتي, أتحدث بكثرةٍ بيني وبين عقلي, ثم يالعجزي على خشبة المسرح, أمام الغيوم, أمام الأعين التي تفترسني وتضربني يمنةً ويسرة..
راحة, أميل إلى تذوق رائحتها, أميل إلى التنوق..
التنوق؟ لا تسأل ماهذه!
فـكما الشاعر لا يفسر شعره! الكاتب لا يفسر كلماته, ثم نحن لم نخلق لنكون عبيد قواميسنا القديمة.. آن الوقت لابتكار قاموس جديد!
ألا ترى كيف أتصرّف مثل ذاك الشاعر في رواية *سبعة* !!
كنت تقول لي أن به شيئاً يُشبهني, وأظنني الان أدركته.. كما أنني أظن أنه مات ميتةً سيئة.. حقاً, قد يشبهني!

تحدثت كثيراً, ولا شئ يبثُّ بصلة لغيره, كلامي مشتت ومبعثر! أنا لا أدري كيف لعقلي أن يحتوي هذا الكمّ الهائل من الأحاديث العالقة ويمزجها ببعضها!!
أنا لم أعرف كيف أبدأ حديثي عني, اكتفيت بهذه الثرثرة التي خرجت تباعاً, ولم أحاول تعديلها!
أعتقد أنك تفهمني, لذا لن أشرح أكثر!!

خريف | AutumnWhere stories live. Discover now