(٣٣) جميعنا آثمون

Start from the beginning
                                    

" رجاءً نفذي ما اقول دون نقاش "

سقطت واخيرًا دموعها التي حبستها طوال هذا الوقت، تهز رأسها بهدوء وهي تتحرك بخطوات بطيئة ميتة صوب القصر وسيفها مهدل يقطر دماءً وقد كانت أشبه بجندي عاد من حربه خاسرًا وحيدًا بعدما فقد فيها كل عزيز، وكذلك فقد نفسه، وتبارك التي لم تكن شيئًا في الوقت الحالي كان ذلك اقرب وصف لها ..فقدت نفسها .

وسالار الذي كان يتابع كل ذلك تألم من اعماق قلبه لنظرتها، لكن في الوقت الحالي لا شيء ليفعله بشأن ذلك، ابتلع ريقه ينظر حوله في الساحة وقد خمدت الحرب، وهرب بافل، جذر الفساد لم يُقطع بعد ...

تنفس بصوت عالي وهو يبصر جنوده ينتشلون أجساد شهدائهم الطاهرة من الأرض لدفنهم في مكان استشهادهم، ويبدو أن ارض سفيد ستحفظ الكثير من الجثث الطاهرة اليوم .

تحرك سالار ببطء يراقب الأجساد حوله، هذا كان تلميذه، وهذا تحدث معه بالأمس، وهذا جاء له يومًا يطالبه بإجازة لأجل ولادة طفله، آباء وأبناء وأخوة رحلوا اليوم، عائلات كثيرة ستبيت ليلتها باكية، فقدوا الكثير ومازالوا يفقدون .

جلس سالار ارضًا جوار أحد الأجساد والذي كان يعود لشاب في التاسعة عشر من عمره انضم لهم قبل عام واحد آنفًا كارهًا، مازالت صدى كلماته ترن في أذنه..

" ابي هو من أراد أن انضم لجيش المملكة، لكنني لا أريد ذلك، أبي شيخ واخي طفل، من يتكفل بهم إن حدث لي مكروه ؟!"

وبعد مرور اشهر على وجوده تعلق قلب الفتى بالجهاد وأبى إلا أن يستمر في الجيش، ورغم أن إيفان كان رافضًا أن يكون المعيل الوحيد لأسرته في الجيش إلا أن إصرار الفتى منعه من الاعتراض .

ابتسم سالار بسمة صغيرة وهو يتأمل الشاب بأعين ملتمعة بعدة مشاعر هامسًا وكأنه يجيب سؤاله بعد مرور عام كامل :

" يتكفل بهم الله يا فتى، وأنت هنيئًا لك الشهادة يا بني .."

تنفس بصوت مرتفع وهو ينهض حين وصل الجنود لانتشال جسد الشاب من أمامه، وسالار يحرك عيونه في المكان يدرك أن إيفان يتكفل بشكل كامل بجميع أسر الشهداء والسجناء، لكن أي كفالة تلك تعوضهم غياب احبائهم .

" رحمة الله عليكم .."

___________________

كان في هذه اللحظة لا يستوعب ما يحدث، مظهر زمرد مضجرة في دمائها بين ذراعي تميم قتله، ليقترب منهم يصرخ باسمها دون وعي وقبل أن يأخذ خطوة إضافية لها سمع صوت مهيار يركض في الممرات وهو يشير لتميم أن يتبعه :

" من هنا تميم بسرعة "

كان يركض وتمتم يركض خلفه بجسد زمرد وهو ما يزال يقف أمام المشفى كالجماد لا يأتي بأية حركة، لكن حالته تلك لم تستمر إلا ثواني معدودة قبل أن ينتفض يركض بسرعة كبيرة خلفهم وهو يصرخ باسمها في جنون تام، يهذي بكلمات غير مفهومة :

مملكة سفيد " أول الآثمين"Where stories live. Discover now