Try No. 5-8

11 3 0
                                    

المُحاوَلَة رَقم خَمسَة - ثَمانِيَة

     العَديدُ مِنَ الأَيامِ قَد مَرَت عَليّ، قَضيتُ بَعضَها في المَشفى بِسَبَبِ مَرضٍ قَويٍ قَد أَوقَعني طَريحَةَ الفِراشِ أُوعاني مِن آلامٍ في مَنطِقَةِ الصَّدر، اتَصلَ خِلالَها المُعالِجُ عَليَّ وَاستَفسَرَ عَن سَبَبِ عَدَمِ ذَهابي إِلى عِيادَته، وَحينَ أخبَرتُهُ بِالأَمرِ سَكتَ قَليلًا ثُمَّ قال: «يَجبُ تَغييرُ الدَّواء المَوصوفِ لَكِ!»

     أدَم لَم يَترُكني طَوالَ تِلكَ الأيامُ السّابِقَة، لَم أَكتُب كَثيرًا أَيضًا، سِوى ما يُعبرُ عَن فَشلٍ كَبيرٍ، وَخيبَةٍ أَكبَر.

     الأَصواتُ في ذلِكَ الوَقتُ قَد كَثُرَت، وَزدادَ صَخبُها. أَصواتٌ لا أَعلَمُ أَصحابُها، تَقولُ الكَثيرُ وَالكَثير، تُثَرثِرُ بِسُرعَةٍ وَصَوتٍ عالٍ يُسَبِبُ الصُّداعَ لي وَإِن أَخذتُ مُهَدِءٍ لِهذا الصُّداعُ سَيتَسببُ بِأَوجاعٍ لِقَلبي. الشّابُ ذو الأَعيُن السَّوداء قَد عادَ مُجَدَدًا بَقيَّ يَجلسُ بهُدوءٍ إِلى جانِبِ سَريري فِي حُجرَةِ المَشفى يُحادِثُني أَحيانًا مُتجاهِلًا صَخبَ أَصواتٍ كَثيرَةٍ حَولَنا، وَيَتَأَملُني أَحيانًا أُخرى بابتِسامَةٍ مُطَمئِنَةٍ وَمُشَجعة.

     لَم أَرى أَبي،
     لَم أَرى أُمي،
     لَم يَأتي أَخي،
     وَلم تَمر عَليَّ أُختي.

     كُنتُ أَنا فَقط وَحدي رِفقَةَ شابٍ بِعَينانِ سَوداوانِ وَالنُّدبَة، صَديقَتي القَديمَة التّي تأتي دائِمًا لَتبتَسِمَ شامِتَةً بِي ثُمَّ تَرحل، الصَّبيُ الدّي وَقعَ في الماء، وَذاكَ الشَابُ مِنَ المَكتَبَة، يَأتونَ أَحيانًا وَيختَفونَ أَحيانًا أُخرى!

     صَديقَتي قالَت شامِتَة بِأنَّني أَستَحقُ ما يَحصلُ مَعي، بِأنَّ أَدم سَيرحَلُ حالَما أَخرجُ مِنَ المَشفى، ها أَنا في غُرفَتي في مَنزلي، لِمَ أَدم لَم يَرحل بَعد؟ قالَت بِأنَّهُ لا يُحبُني وَسَيترُكني، لِما لَا يَفعلُ ذلك؟

     قُلتُ: «لِما لا تَرحَل؟»
     قالَ: «كَيفَ أَرحَل وَلي عِندَكِ دَينٌ؟»
     قُلتُ: «ما دَينُكَ؟»
     قالَ: «شِفاءٌ ثُمَّ حُبٌ ثُمَّ ...-»

     ثُمَّ..؟ صَمتَ وَابتَسَم!

     أُمي قالَت أَنَّ أدم لَن يَترُكني. لكن صَديقَتي القَديمَة قَد قالَت أَيضًا أَنَّ أدم سَيرحل!
     أَبي قالَ بِأنَّني أَتَدلل. لكن أُختي قالَت بِأنَّني أَموت!
     أَخي لَم يَتصل بي مُنذُ رَحل. لكن الصَّبي الذي وَقعَ في الماءِ يَقول أَنَّهُ اختَفى دونَ رَجعة!

     المُعالِجُ قَد أَعطاني سُؤالًا، "إِذا استَطعتِ الهَرب، إِلى أَينَ سَتَذهَبين؟"

     أُريدُ الهَربَ بَعيدًا، بَعيدًا عَن الضَّوضاء التّي تُلاحِقُني، بَعيدًا عَن أُناسٍ لا أَعلمُ صِدقَهم مِن كَذبهم، بَعيدًا عَن الناسِ أَجمع، إِلى وادٍ بَعيدٍ بَينَ جَبلين، كوخٌ صَغيرٌ مِنَ الخَشبِ فيهِ مَكتَبَةٌ كَبيرَةٌ تَحوي الكَثيرَ مِنَ الكُتب، ابقى هُناكَ وَحدي، وَأدم.

     الصَّبيُ قَد عاد، يَقولُ أَن أكتُب، إِنَّهُ يَصرُخُ بي لِأَكتُب. صَوتهُ مُخيف، كَأنَّهُ صارَ كَبيرًا فَجأةً وَصرخَ مَرةً واحِدَة، صَوتٌ ضَخمٌ خَشِنٌ مُخيفٌ، لا أُريدُ النَّظر إِلَيه، أخافُ رؤيتهُ، رَأيتهُ مَرةً وكانَ مَظهرَهُ مُخيفٌ مُقَزِزٌ، ما رَأيتُ شَيئًا مُرعِبًا أَكثرَ مِنه. لَقد اقتَربَ مني، أمسكَ كُمَّ قَميصي، شَدَهُ إِلَيهِ بِقوة، يُريدُني أَن أَنظرَ لَه، أَصرُخ استَمرُ في الكِتابة، يَختَفي اقلقُ ثُمَّ يَصرخُ بِأُذني بِصَوتٍ عالٍ يَجعلني أُغمضُ عَينايَ وَأَنا أَصرُخ.

     «مَاريا ...»

     أَشعرُ بِهِ يَحتَضنُني بَينَ ذِراعَيه، هُوَ دافىء وَآمن، إِنَّهُ أدم.

     ذِئبٌ رَماديٌ يَجلِسُ عَلى قَدَميّ يَحتَضنُني عِواهُ قَد تَحولَ لِعَويل، إِنَّهُ صَوتُ بُكاء، ريكي يَبكي! مَهلًا! هُناكَ شَيءٌ سائِلٌ عَلى كَتفي، إِنَّها دُموع، دُموعُ أدم، إِنَّ أدم يَبكي!

     لا إِنَّهُ الشّابُ مِنَ المَكتَبَة!
     بَل هُوَ أدم!

     الشّابُ مِنَ المَكتَبَة هُوَ نَفسُهُ أدم؟
     الشّابُ مِن تلكَ الحادِثة هوَ ذاتُهُ الشّابُ مِنَ المكتَبَة!
     وَالشابُ مِنَ المَكتبة هُوَم ذاتُهُ أدم!
     الشابُ مِن تلكَ الحادِثة .. هُوَ أَدم؟!

     لا لا لا .. لا يُمكن، عَليَّ أن أكتب الآن، لا يَجبُ عَليَّ التَّوقف الآن، لكن لَقد تَعبت، سَأنام، لكن عَليَّ أن أكتب .. لكن ما الذّي يَجبُ عَليَّ أَن اكتُبه؟

المُحاوَلات مِن الخامِسة إِلى الثَّامِنة قَد باءَت بِالفَشل!

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Feb 10 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

مُحاوَلَة رَقم ٣٠ | فِصامWhere stories live. Discover now