Try No. 3

15 4 0
                                    

المُحاوَلَة رَقم ثَلاثَة

مِن جَديد، أُحاوِلُ قَدرَ المُستَطاعِ أن أُرَتِبَ مَكنوناتِ عَقلي داخِلَ أَدراجِها كَما قالَ المُعالِج، لكن لا شَيءَ يَستَجيبُ لي، عَقلي قَد خانَني وتَمرَدَ عليّ مَراتٍ وَمراتٍ أُخرى وَأُخرى وَرفَضَ الانصِياعَ لي! كَيفَ أَمكنَهُ ذلك؟ أَلسنا واحِد؟ لِما يُريدُ قَتلي؟

مُعالِجي مُقتَنِعٌ بِأَنَّ عَلَيَّ الكِتابَةُ وَمُحادَثتهُ عَما كَتبتُ في اليَومِ التّالي، لِما عَليَّ أن أَكتُب إِن كنتُ سَأُخبرهُ بِما كَتبتُهُ في اليَومِ التّالي؟ مِنَ الأَسهَلِ لي أَن أَذهبَ لهُ وَأُخبرُهُ كُلَّ شيءٍ كَالعادَة، دونَ الحاجَةِ لِلكِتابة.

مُعالِجي يَقولُ بِأَن أُرَكزَ بِكُلِّ حَواسي في الكِتابة، يَقول بِأَنَّ ذاكَ الشُّعورُ المُقيت عَليَّ أن أَكتُبَه، يَقولُ بَأنَّ تِلكَ الذِّكرى السَّعيدة عَليَّ أَن أُدونَها في دَفتَري. لَم يَقل شَيئًا عَن دَفتري، أَي أنَّهُ الدَّفترُ المَطلوب! قالَ بِأنَّ عَليَّ أن أكتُبَ عن ذاكَ الشُّعور، ثُمَّ كَيفَ كانَ يأتي وَيرحل، ثُمَّ يعودُ وَيَختَفي.

أَنا الآنَ في الباص، لَقد رَكِبتُ باصًا لِأَوَلِ مَرة!
الشّابُ مِنَ المَكتَبَة يَجلِسُ بِجانبي، لكن كَيف؟ كَيف بِمَلابِسهِ المُبتَلَة؟
أُختي أَصَرت عَلى رُكوبِ الباص، والاتِجاهِ إلى وَسطِ المَدينة كَي تَبتاعَ مِنَ المَكتبَة ما تُريد.

قالَ المُعالِجُ بِأن أُجرِبَ القِراءة، لِذا سَأشتري مِن هُناكَ كِتابًا ما. إِنَّهُم يَتَحدَثونَ عني، أَنا أعلَمُ ذلك، وُجوهِهم المُكَشِرَة وَالحانِقة تَدلُ أنَّهم يَتحدَثونَ عَني. داخِلَهم هُم يَقولونَ: "ما هذِهِ الفَتاة؟" أُريدُ النُّزولَ الآن، لا أَطيقُ الجُلوسَ هُنا أَكثر مِن هذا، لَم نَصل وَسطَ المَدينة بَعد لكن .. أُريدُ الاختِفاءَ مِن هُنا. أُريدُ العَودَةَ لِغُرفَتي!

حَلمتُ حُلمًا، كانَ مُخيفًا، حَلِمتُ بِأنَّني خَرجتُ مِنَ المَنزل! رَكبتُ باصًا! زُرتُ مَكتبةَ المَدينة! حَلمتُ حُلمًا، كانَ غَريبًا، الشّابُ مِنَ المَكتبة دَفعَ ثَمنَ كِتابٍ ما! لِما فَعلَ ذلك؟ بِأَيِ حَق؟ كَيفَ يَحتَفظُ بِالأموالِ في ثِيابِهِ المُبَلَلة؟

قالَ المُعالِجُ أنَّ عَقلي يُصورُ أَشياءً تَبدو حَقيقة لكنَّها لَيسَت حَقيقة! قالَ المُعالِجُ أنَّ عَقلي مَريض! قالَ المُعالِجُ أن عَليَّ عِلاجَ مَرض عَقلي بِالكِتابة! لِذا أنا أَكتُب.

لكن عَقلي مازالَ يُريدُ قَتلي!

لَقد سَمعتُ صَوتًا مِن أَسفلِ سَريري، صَوتًا مُرعِبًا، هَل الأَصواتُ بهذا الرُّعب؟ أنا خائِفَة!

لا .. لا .. لا أريدُ الكِتابَة، الكِتابَةُ مُقرِفة!
وَالكِتابُ الذّي شَريتُه وَدفعَ شابُ المَكتَبَةِ ثَمَنَهُ يَقولُ ذلكَ أَيضًا!

لكنَّ مُعالِجي قَد قالَ أنَّ عَليَّ ذلك، قالَ أن أَضعَ قائِمَةً بِالأَشخاصِ المُفضَلينَ لي، وَلِماذا. أَلا يَعرِفُ المُعالِجُ بِأنَّني لا أَثقُ بِأحد؟

أمي؛ هيَ مَن وَلدَتني، رَعتني..- لا .. لا .. أُمي صَرخَت بي في الأَمسِ لِأني حاوَلتُ إِغلاقَ سِتارَ النَّافِذة!
أَبي؛ هُوَ مَن أَعطاني المالَ لِشِراءِ الكِتابِ القَذرِ هذا ..- لا .. لا .. أَبي ضَربَني قَبلَ فَترَة لِأَني قُلتُ لا أُحِبُ زِيارَةَ عمتي التّي تَكرَهُني وَتَسخرُ مِن مَظهري ابنَتُها!
أَخي؛ هُوَ سَندي، وَجَبلي الكَبير ..- لا .. لا .. أَخي لَم أَرَهُ مُنذُ أن سافَرَ بَعيدًا جِدًا عَن الشُّطئانِ وَرحلَ تارِكًا إيايَ بِلا وَداع!
أُختي؛ هِيَ صَديقَتي الوَحيدَة ..- لا .. لا .. أُختي دَفعَت الصَّبي الذّي تَكرَهَهُ في الماء وَقالَت بِأني الفاعِلة!

الصَّوتُ أَسفَلُ سَريري قَد ازدادَ حِدة! لا أُريدُ النَّوم، لا أُريدُ الكِتابة، لا أُريدُ العِلاج، أَنا لَستُ مَجنونَة.

الكِتابُ يَقولُ بِأنَّ البَطلَ ارتاحَ حِنَ قتلَ عَقلَه، كَيفَ يُمكنُ أن أَقتُلَ عَقلي؟

مُعالِجي قالَ: «لا تَستَمعي لِصَوتِ أَحدٍ ذو شَكلٍ غَريب، استَمعي لِصَوتِ قَلبَكِ فَقط!»

قَلبي يَقولُ اكتُبي كَي لا تَموتي. يَقولُ أَكتُبي عَن تِلكَ الحادِثة، حَيثُ بَدَأَ كُلُّ شَيءٍ هُناك، حَيثُ حَصلَ شابُ المَكتَبَةِ عَلى نُدبَتَهُ المُخيفة، حَيثُ حاولَت صَديقَتُكِ القَديمة دَفعَكِ مِن فَوقِ ذاكَ المُنحدر.

لِذا سَأكتُب، لكن ما أَكتُب؟

المُحاوَلَة الثّالِثَة قَد باءَت بِالفَشَل!

مُحاوَلَة رَقم ٣٠ | فِصامWhere stories live. Discover now