الفصل السادس

258 53 27
                                    

حدقت بعينيه القاتمتين طويلاً ؛ خصلات شعره السوداء الثائرة حول ملامحه الوسيمة التي امتازت بالحنان يوماً فما عادت ترى فيها سوى القنوط منذ عودتها !
فاض فيها شجن الحب وثارت مشاعرها التي حاولت الحفاظ عليها في ركود طويل لتنفجر كالحمم البركانية وهي تراه يقف مقابلاً لها بهذا القرب الفاحش الذي سمح لأنفاسهما ان تتداخل بحميمية غابت عنها الذهون بين غضبه وصيحات كبريائه ..

بدون اي مقدمات ؛ ودون ان تفكر كثيراً أسندت رأسها على صدره الواسع وتمسكت فيه بقوة ..
سمحت لنفسها ان تتوسد وطنها القابع بين ذراعيه بعد سنوات من الحرمان ، تذوقت عذوبة دفئه وأصغت الى ترنيمة نبضه الذي استقبلها بكل مشاعره ..

اما هو فوقف مشدوها في مكانه دون حراك ؛ يشعر بيديها الصغيرة وهي تتمسك بظهره ..
رائحتها الشهية عبثت بأوتار نبضه وتداخلت مع انفاسه لتأخذه من نفسه حتى كاد يعترف انه لم يشعر بالحياة حتى عادت بين زنديه ..!

لكنه كان اكثر منها صحوة لسوء حظه واشد منها ادراكاً للواقع ..
يعلم انها ما استوطنت صدره سوى بتأثير ثمالة ستأخذها من حضنه وتمحو ذكراه من عقلها صباحاً !
يعلم انها ليست سوى في حالة سكر مفرطة تغلبت على رجاحة عقلها وجعلتها تتخطى كل المسافات التي رسمتها بنفسها بينهما .

يعلم انه اذا ما تلذذ بهذا الحضن ليلاً فسيستيقظ صباحاً على فاجعة فقدها من جديد لتشج قلبه الذي لم تندمل جراحه بعد
لذلك اسدل عينيه بصمت يكتم تنهيدات قلبه ولوعة روحه ؛ لم يعانقها في المقابل ، لم يحاول ان يدخلها اعمق داخل صدره وهو يعلم يقيناً انها ستغادره مع اول شعاعات الصباح
ما الجدوى من حب يشتعل فتيله على غفلة ليلاً وتنطفئ شعلته وتتلاشى صباحاً ؟!

ذاك الصباح الذي يخشاه أطل عليها سريعاً ؛ رائحة عطره التي كانت تداعب حواسها جعلتها تبتسم منتشية بدفئه الذي اشتاقت له طويلاً
من بين انفراجة شفتيها المبتسمة همست كم انها اشتاقت له حتى داهمها صداع شديد جعلها تخرج نفسها من عميق حضنه ألماً

نظرت حولها بفتور وفركت عينيها الناعستين قبل ان تهمس بخفوت : حلم ..!

امسكت رأسها ألماً وابعدت الغطاء عن جسدها ثم ألقت نظرة على الوسادة التي كانت تعانقها وتنهدت بعمق : بدا ذلك حقيقياً لوهلة !

ارادت النهوض من فراشها لكنها عادت لتلتقط تلك الوسادة وعانقتها تشتم عبيره الذي راودها في حلمها ثم ألقتها بعيداً بيأس فهي لا تحمل شيئاً من عطره
كل ذلك كان مجرد حلم سيطر على حواسها حتى بدا واقعياً ومغرياً بشكل غريب !

نزلت بخطواتها المتعثرة نحو المطبخ دون ان تبدل ثيابها فوجدت خالتها هناك والتي حالما ألقت عليها تحية الصباح حتى وضعت يديها على خصرها وردت بغضب : اي خير سيأتي من صباحاتك ايتها الفتاة الفاسدة ؟

" شجن " Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin