الفصل ٣٣ الأخير

5K 71 18
                                    

بعد شهرين ...
يقف بشرفة منزله الجديد والذي انتقل إليه مع زوجته .. أخته .. وعائلة زوجته ، فهو انتقى هذا البيت خصيصًا بدوريه حتى يكون مناسبًا للجميع فهو وزوجته يحتلان الدور العلوي منه ، والدور السفلي منقسم إلى قسمين كل منهم يمثل بيت منفصل أحدهما تشغله أخته التي تستعد إلى زفافها ، والآخر يستقر فيه عائلة زوجته ، ورغم سفره القريب وعرض العمل المغري الذي يميل إلى الاستجابة إليه ، إلا أنه قرر أن يؤثث هذا المنزل ليكون مرفأ للعائلة فيتجمعون به كلهم ، حتى لو شغلتهم الحياة عن بعضهم فيما بعد ، فها هو يضمن استقرار عائلة زوجته فلا تكن الأخيرة مشتتة مشغولة الفكر .. وحزينة القلب على عائلتها الغير قريبة عنها ، ويضمن وجود سكن لأخته التي ستتزوج وتستظل في كنف رجلًا يعشقها ويحبها ولن يضيمها أبدًا ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لها بيتًا مستقلًا ، فلا أحد يضمن مرور الزمن ولا  وطأته على نفوس البشر .
وبالأخير هناك بيتًا له .. منزلًا .. ومرساه في مسقط رأسه ، ووطن أمه سيجده حينما يحتاج إليه فسواء قبل بعرض العمل أو عاد إلى وطنه واستقر هناك مع عائلته سيظل يشتاق إلى هنا ، ويعود إلى أم الدنيا  دائمًا ، ألا يقولون من يشرب من نيلها يعود إليها دائمًا ؟! وهو لم يشرب فقط بل أكل وشرب إلى أن ارتوى وفقد قلبه في حب فتاة وتزوج منها حتى يضمن أنها ستظل تربطه بوطن أمه إلى الأبد .
زفر أنفاسه براحة وهو يستعيد ذكرياته معها في شهور كثير ماضية حملت له سعادة خالصة في قربها ، وخاصة مع اختلافها الكلي حينما توقفت عن الخوف .. الذعر .. وبدأت في التأقلم معه ومع وضع عائلته ، التي استقرت شئونها ورحبت بها دون استهجان أو استنكار ، فانطلقت روحها البهية تظلل كل شيء من حوله ، فوهبته حبها .. دفئها .. أمانها وطفل سيحمل اسمه من بعده ينتظر وصوله- سالمًا- بفارغ الصبر .
اتكأ بمرفقيه على سياج الشرفة الحديدي وهو يراقب الحديقة الصغيرة الخاصة بالمنزل ، يتفتح بها أزهار جديدة هو من زرعها بيده فتحمل معها أملًا يبزغ في الأفق من أمامه ، رن هاتفه فأخرجه من جيب بنطلونه لتتسع ابتسامته ويجيب بحفاوة وحنو صدح بنبراته : صباح الخير يا ابنة العم ، اشتقت إليكِ أنتِ وزوجك يا فريدة .
استمع إلى ضحكتها الرقيقة : ونحن اشتقنا إليك ، كيف حالك ؟! وحال دعاء وأسما  و الطفل ؟!
__ بخير ولله الحمد ، كلنا بخير ، فقط نريد الاطمئنان عليكما ، كيف حالك وحال سيف ؟!
تنهدت بقوة : بخير والحمد لله ، والدواء الجديد يأتي بثماره إلى حدٍ ما فقط يلزمنا الوقت والصبر .
هتف بصدق : رزقكما الله من فضله صبرًا ووهبكما من لدنه رزقًا يا حبيبتي .
همت بالرد عليه قبل أن يصدح صوت أسما مجلجلًا من حوله فاخترق سمعها : هل تتحدث إلى فريدة أم حورية ؟!
رمقها بطرف عينه ليبتسم بمكر ويهمس : لا هذه ولا تلك ، أنا اتحدث مع زوجتي الأخرى .
صدحت ضحكة فريده بأذنه قبل أن تتكتف الأخرى أمامه وترمقه قليلًا ثم تهتف ببرود : لا أصدقك ، فمن يتزوج مرة لا يفعلها ثانيةً أيها الأمير ، هات الهاتف فأنا أريد الحديث مع فريدة من فضلك .
هتف بمشاكسه : تواصلي معها من هاتفك فابنة عمي تتحدث إليه لأنها تريدني .
رمقته أسما بغيظ لتهتف الأخرى بأذنه : هاتها يا أيمن أنا الأخرى أريدها ، وبالمناسبة لقد اتصلت بك لأجل أن أتحدث إليها فأنا هاتفتها قبلك ولكن هاتفها مغلق .
عبس باستنكار وخاصة مع ابتسامة أسما الماكرة التي اقتربت منه لتسحب الهاتف من يده : عذرًا أيها الأمير .
ألقتها بمكر وهي تقبل وجنته برقة وتكتم سماعة الهاتف بكفها قبل أن تهمس بوعيد : سأتركك وأذهب اليوم للمبيت عند دعاء ، حتى تستطيع الحديث مع زوجتك الأخرى يا أميري الجميل .
ضحك بقوة وهو يحيطها بذراعيه ويقبل عنقها : أهون عليكِ يا اسمتي .
تبرمت بدلال ومطت شفتيها بإغواء : كما هنت أنا عليك .
ضمها إلى صدره ليقبل قمة رأسها : لا تهونين أبدًا يا حبيبتي .
ابتسمت بحب سطع برماديتيها وهامت في نظرات عشقه الصافية ليصدح صوت فريدة عاليًا من الهاتف الممسكة به فشهقت بحرج ووجهها يحتقن بقوة ، وضعت الهاتف على أذنها ليأتيها صوت فريدة المرح : هل أنهيتما وصلة الغزل أم أترككما قليلًا وأعاود الاتصال فيما بعد ؟!
ضحكت أسما برقة : لا سأنتهي من الحديث معك لأتفرغ إلى أميري بعد ذلك كاملًا ،
رفع حاجبيه بذهول لتبتعد هي عن محيط صدره قليلًا فتهتف الأخرى من بين ضحكاتها : حسنًا يا سيدة أسما ، أخبريني ما الذي ينقص الباشمهندسة وأستطيع أن آتي به من هنا .
زفرت بقوة : ليس الكثير ولكن بعض مما أرسلته لي من قبل تحتاجه دعاء بشدة ، وخاصة مع تزمتها في شراء أردية النوم ، وأنا اقترح أن تنتقيه أنتِ بعناية وليكن بعضها محتشم فهي لن تتقبل بسهولة ارتداء ما هو مكشوف بأول زواجها .
هتف أيمن بجزع : إلآم تخططان أنتما الاثنين ؟!
ردت أسما بتبرم : إذا لم نفعل هذا ، سيموت يحيى كمدًا ، اصمت من فضلك يا أيمن فأختك ستتسبب في ولادتي المبكرة .
ضحكت فريدة : لا تذكريني حينما أهديتها طاقم النوم هدية عقد قرانها وعيناها اللتان اتسعتا هلعًا وهي تنظر إليه .
ضحكت أسما بخفة قبل أن تهتف : نعم كانت سترميه من النافذة يومها ، ولكن هذا لا يمنع أنه عاريًا للغاية يا فريدة ،
تبرمت فريدة بأذنها لتتابع بهدوء : لذا وجب علي تنبيهك انتقي الأشياء بذوقك ولكن لتناسب خجل دعاء وشخصيتها .
تنهدت فريدة بقوة : حسنًا سأفعل ، تابعت - وأنتِ الا تريدين أن آتي لكِ بشيء يبهج قلب أيمن ويسعده ؟!
توردت وهي ترمق زوجها الذي جلس على كرسي المامبو الواسع لتهمس بخفوت وعيناها تتألق جزلًا : بل أريد ولكن حينما أفتح هاتفي سأتصل بك وأخبرك .
ضحكت فريدة بخفة : حسنًا يا أسما ، لا تنسي أن تنظري إلى الأشياء التي أرسلتها لك ، لقد ابتعتها البارحة من أجل الأمير القادم إن شاء الله .
تنهدت أسما بقوة وهي تداعب بطنها بحنو : توقفي عن الشراء يا فريدة سيفلس سيف بك من تحت رأسك ، ثم أنك اشتريت له الكثير من الأشياء لسنوات كثيرة قادمة .
__ لا تتدخلي بيني وبين ابن أخي ، فقط اهتمي بصحتك وبه وتغذي جيدًا حتى يأتي سليمًا معافي
تمتمت أسما بصدق : بإذن الله .
__ قبلي أيمن بالنيابة عني لأني سأغلق الآن فسيف سيخنقني لأنه استيقظ ولم يجدني بجانبه .
ابتسمت أسما بلطف : أبلغيه تحياتي .
أغلقت الهاتف لتنظر إليه فهو يركز نظراته فوقها منذ قليل ولا يحيد بها بعيدًا عنها فتسأله بعينيها ليبتسم ويمد يده لها فتستجيب وهي تعانق راحته بكفها وتقترب منه دون أن يجذبها ، أجلسها بحضنه لتقبل وجنته : هذه من فريدة .
ابتسم بمكر وهمس بصوت أجش : وأنتِ ؟!
احتضنت وجنته براحتها لتقترب منه وتقبل شفتيه برقة : هذه مني .
تألق عشقه بعينيه قبل أن يلتهم شفتيها بقبلة طويلة احتجزت أنفاسها ليضمها أكثر إليه ويغمغم : هذه مني لك ، ابتسمت و تطلعت إليه بعشق ليقبلها قبلة رقيقة : وهذه مني لطفلي .
ضحكت برقة لتهمس بخفوت : أحبك يا أيمن .
احتضنها بسعادة : وأنا أحبك يا إسمتي .
عبست بتعجب فتابع : ألا تقولونها هنا هكذا بدلًا من قسمتي  "اسمتي " ، هزت رأسها بالإيجاب فهمهم - إذًا أنتِ اسمتي ونصيبي .
اتسعت ابتسامتها وعيناها تدمع من كثرة سعادتها : وأنت هدية الله وعطاءه لي ، أنت منحة ربانية وهبني إياها رب العالمين ، اصلي شكر كل يوم حتى يحفظك لي ويحميك لي ولطفلنا .
تنهد بقوة ليكتنف وجهها بكفيه : ألف حمد وشكر له .
استكانت بصدره تتمتع بدفء روحه فبل أن تسأله : هل قررت ماذا ستفعل ، أم لازلت تفكر ؟!
مط شفتيه بتفكير : هل سيضايقك أن أخبرك بأني أنتظر قرار يحيى ؟!
اتسعت ابتسامتها بفرحة حقيقية أطلت من عينيها : بالعكس ، بل سأسعد أننا نجاورهما سواء هنا أو هناك .
قبل رأسها :  لن تحزني لفراق والدتك .
تغضن جبينها بشجن : سأحزن بالطبع ولكني سأكون مطمئنة قليلًا فعصام كبر قليلًا وغدا أكثر نضجًا ومع الوظيفة الجديدة التي ضمنتها له سيكون أكثر من قادر على رعاية الأسرة كلها ، ثم بالطبع سأظل على اتصال معهم وسنزورهم باستمرار إن شاء الله .
تمتم بهدوء : بإذن الله .
هتفت بفرحة : وجود دعاء سيخفف عني فراق الوطن والأهل ، ستدعمني كما تفعل دومًا وسأستظل أنا بوجودها في الغربة .
زفر بقوة : فقط هي تحن على الغلبان الذي قارب على فقدان عقله بسببها .
ضحكت بقوة لتهتف : لا تقلق عليه ، هو أكثر من قادر على احتواءها ولكنه يدللها كما تريد ويشد بحزم حينما يستدعي الأمر.
__ هي من تؤخره في حسم قراره إلى الآن يا أسما ، فهي رافضة فكرة السفر من منبعها .
هزت رأسها بالإيجاب : أعلم ، ولكنه يهادنها إلى أن توافق ، كما فعل في تحديد موعد الزفاف .
لوى شفتيه بضيق : إذًا لن يسافرا ، لقد قاربا على نصف سنة مخطوبان وهي ترفض أي موعد قريب .
ابتسمت : يحيى سيتصرف لا تقلق .
ضيق عينيه وهمس بصوت أجش : ماذا تقصدين ؟!
اتسعت ابتسامتها : انتظر إلى أن يخبرك بنفسه ، أو تخبرك هي كما أتوقع .
رمقها بصبر فاستطردت : يحيى سيحجز قاعة الزفاف في الموعد الذي اتفقتما عليه أنتما الاثنين كما اقترحت عليه سموك ، وسيفاجئها اليوم .
اعتلى الذهول ملامحه قبل أن يضحك بتسلية : كان الله في عونه إذًا .
صدحت ضحكتها بقوة قبل أن تهتف : توقع أن تأتي دعاء بعد قليل وأعاصيرها تسبقها لتخبرك أن الزفاف لاغي من الأساس.
ضحك بقوة : أتوقع أكثر من ذلك أيضًا .
هزت رأسها بياس : فقط لو تتوقف عن تحفظها الشديد ، ستمر الأمور بخير وسلام .
تنهد : ستتوقف مع الأيام ، دفعها بلطف لتنهض وينهض بدوره ليسيرا سويًا وهو يغمغم - وقبل أن تصل أختي العزيزة ، تعال أريدك بأمر هام .
نظرت له بعدم فهم وهو يدفعها إلى الغرفة ويغلق الشرفة من وراءه : خيرًا ، ماذا حدث ؟!
ابتسم ابتسامته المميزة ليهمهم وهو يقربها منه : لا شيء فقط ، ولكن أريدك تذكريني بمدى حبك لي .
حاوطت خصره بذراعيها : طلبات سموك أوامر .
داعبها بملامحه المشاغبة وهو يضمها إليه بحب : هذه هي زوجتي
***
تعالى الهتاف قويًا من حولها بصيحات طاقم العمل بأكمله والذي يحتفل اليوم بأخر يوم تصوير وانتهاء العمل السينمائي الذي قامت هي ببطولته وشاركها هو فيه البطولة ، ولكنه تغيب عن الاحتفال اليوم لظروف تخص زوجته ولكنه لا يخبر بها أحد بل يقتضب في الحديث عنها ، ولا يسترسل في الحديث عم يحدث معه ، محتفظًا بأسراره العائلية بعيدًا عن عمله وعنها هي شخصيًا رغم أنها لم تسأله يومًا ، ولكن نظراته الرافضة لاهتمامها تدفعها بعيدًا أكثر من تمسكها ببعدها الذي اختارته هي بمليء إرادتها وخاصة بعد حديثهما سويًا ، أو الأحرى حديثه هو الذي فاجئها به بعد يومين من مشهد التصوير الذي أفلت مشاعرها من لجامها فشعر بها رغمًا عنها ، فهو يعرفها جيدًا .. بل يحفظها كشقيق ربى أخته على يديه ، لذا حدسه أنبئه بم تكن له ، ورغم حرصه أن لا يجرحها إلا أنها ذاك اليوم شعرت بأنها تُذبح بخفة محترف أودى بحياتها على الفور وهو يسألها بهدوء عن حقيقة شعورها به ، ينظر إليها من بين رموشه وحدقتيه تضويان ببريق أرهبها فاختارت الصمت بديلًا عن الكذب ليلوي شفتيه بخيبة أمل احتلت ملامحه قبل أن ينطق بجمود : ظننتك مختلفة يا إيناس ولن تنجذبي إلى هالتي التي لا يد لي بها ، ولكنك انسقت كالبقية وراء الضياء المنبعث من حولي .
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه ليتساءل : أم لعلك رأيت فيّ ظل أمير الذي تبحثين عنه بكل الوجوه ، فأنا لا أصدق أبدًا أنك وقعت في هذا الفخ .
حينها رفعت رأسها بشموخ وهمست : وقعت أم لم أقع سأقف ثانيةً لا تقلق .
ابتسم بحنو : أعلم وموقن من ذلك .
رفت بعينيها : أعتقد أني سأبتعد ، سأسافر بعد أن ينتهي التصوير ، رمقته لتسأل بجدية - لن تعتذر عن الفيلم أليس كذلك ؟!
ابتسم بعملية : لا لن أعتذر فأنا محترف يا إيني وأستطيع أن أفرق بين عملي وحياتي .
تنهدت بقوة : لن نكون أصدقاء أليس كذلك ؟!
حينها همس بإجابة مزقت حبه من قلبها ،وبعثرته أشلاء متناثرة : لا أحب الاحتفاظ بالأبواب مواربة يا إيني وأنتِ تعلمين .
ابتسمت بألم سيطر على روحها : إذًا هو الفراق يا فنان .
رفعت رأسها تزيل مرارة حلقها وهي تتذكر أنه أكمل العمل بالفعل بل أكمله ببراعة وموهبة أثقلها احترافه ، رغم شعورها أن هناك ما يعكر صفو حياته ، وأن هناك مشكلة فعليه يتعرض لها ، إلا أنها التزمت بالحدود التي رسمها لها والتزمت بعهد قطعته على نفسها أنها لن تنحني قط ، فهي إيناس سليم وكفى ، حتى لو عاشت حياتها بمفردها دون الحصول على تؤام روحها ورفيق سكنها لا يهم ، فهي تبني نفسها ولن تتخلى عن حلمها لأجل أي شيء أو شخص يقف في طريقها .
شدت جسدها بصلابة لتخطو بشموخ وهي تبتسم بثقة أنها تقو على الاستمرار بمفردها .. الحياة لنفسها .. والسير في طريقها الذي اختارته منذ نعومة أظافرها وستخطو فيه وتصعد إلى أن تصل لقمته .
***
تجلس بفراشها تتكئ بظهرها خلفه تعقد ساعديها بعدم رضا وتعبس بضيق وهي تزم شفتيها بتفكير اعتلى ملامحها ، ليظهر أمامها من يحتل تفكيرها خارج من دورة المياه بعد أن استحم تاركًا جسده عاريًا إلا من منشفة صغيرة تكاد تخفي جزئه  الأسفل ، أغمضت عيناها وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه لتطبق فكيها بقوة وهي تمنع نفسها عن سبه بم يليق بأفعاله ، ليتصلب جسدها وهي تشعر بثقل جسده يجاورها وهو يهمس بمكر شعرته دون أن تراه : لم أجد منشقة أكبر من تلك ، هلا وضعت بعض المناشف الكبيرة بحمام الملحق لأجلي ؟!
مطت شفتيها باستنكار لتفتح عينيها على وسعهما وهي تدير رأسها ، تنظر إلى وجهه القريب منها قبل أن تهمس بحدة : هلا  توقفت عن المجيء ؟!
افتعل تفكير ظهر على ملامحه ليهمس بعد صمت دام لثواني : لا.
__وائل ،هتفت اسمه بحنق لتتبع - أنت تجبرني على ما لا أريد.
نظر إليها ببراءة وأشار إلى نفسه بدهشة : أنا ؟!
تحركت لتنهض من جواره : بم تسمي ما تفعله الآن ومن قبل ومنذ أول يوم أتيت واقتحمت خلوتي وطلبت أن تبات ليلتك معي؟!
نهض واقفًا :ها قد قلتها أنا طلبت وأنتِ وافقت بل وفرحتِ أيضًا أنني لا أستطيع النوم دونك ، بل بعد عدة أيام اقترحت أن أجاورك الفراش بعد أن شكوت لك من آلام ظهري بسبب الأريكة الغير مريحة وخاصة حينما وعدتك بأن لا اقترب منك وأعتقد أني لم أخل بوعدي قط ، بل أنا التزم بجانبي من الفراش طوال نومي
هزت رأسها بتوتر قبل أن تصيح بحدة : هلا ارتديت ملابسك ؟!
لمعت عيناه بوميض قبل أن يسألها بمكر : هل تتأثرين بي ؟!
أطبقت كفيها لتهتف باسمه في نزق وهي تدير ظهرها إليه ليبتسم بتسليه ولكنه لم يشأ أن يزيد الأمر عليها حتى لا تطرده من رحاب نعيمها دون رجعة أو تفاوض فارتدى ملابسه بصمت ليهتف باسمها حينما انتهى : تستطيعين الاستدارة الآن .
زفرت بقوة وهي تستدير بالفعل لتفاجئ بوجوده القريب فيأخذها على حين غرة وهو يضمها إليه يهمس بخبث : رغم كونك رأيتني عاريًا من قبل وفي مواضع عدة ولكن لا يهم أمر حوريتي ينفذ ولو على رقبتي
تملصت من ضمته وهي تهتف به : أتركني يا وائل من فضلك ، ها أنت تخل بالاتفاق بيننا .
أوهن مقاومتها بضمها أقرب إليه وهو يهمهم بثقل : الاتفاق ساريًا ونحن نيام ، الآن نحن متيقظين وفي كامل وعينا ، وأنا لن أرغمك أبدًا فقط أريد قبلة واحدة أروي بها ظمأي
انهارت مقاومتها تحت وطأة ثقل جسده.. لهفة مشاعره .. قوة احتضانه لها .. ورغبته العميقة التي أنارت حدقتيه فيرتخي جسدها وتقترب منه تمنع ذراعيها من الالتفاف حول عنقه وهي تقاوم شوقها له لتنتصر عزيمتها فتشد جسدها بإصرار وتهمس قبل أن تتعانق أنفاسهما : لا .
تصلب جسده لرفضها فنظر إلى عمق عينيها وهمس بجمود : ألا تشتاقين لي ؟!
تمتمت وهي تبتعد عنه بنذر يسير سمح لها به : بل أموت شوقًا.
تهدلت ذراعيه والحيرة تصيب عقله فتشتته : إذًا ما الأمر الذي يبقيك هنا وبسببه ترفضين العودة إلي ؟! ما الأمر الذي يقف حائلًا بيننا فلا تقبلين بي من جديد ؟! ما الأمر الذي تنتظرينه مني وأنا لا أدركه فأتخبط بين شوقي لك والوفاء بعهدي معك .
ابتسمت بسخرية : ما أريده لا يُطلب !!
اهتزت حدقتيه بتوتر ليهتف بتعبير ألم بجوانبه : أنا لا أفهم .
__ ولن تفهم ، ألقتها باستهزاء وهي تتركه لتدلف إلى دورة المياه وتغلق الباب من خلفها بعنف فيتنهد بقوة وهو يكمل ارتداء ملابسه لينتهي بحذائه الأنيق وساعته الفخمة ، ويقف منتظرًا أن تعود إليه فتطل عليه بوجه صبوح وملابس مغايرة لملابس نومها ، فيدير عيناه عليها بشوق ، يلتهم تفاصيلها بنهم وهو ينظر إلى جسدها الممشوق في فستان حريري أنيق بموجات متداخلة من ألوان صباحيه خلابة ، قصير يكشف عن ساقيها إلى ما فوق ركبتيها بدون أكمام و بفتحة صدر واسعة  تكشف عن أول نهديها ، ابتسم وتحرك إليها مرغمًا حينما التقطت عيناه سلساله الخاص يعانق رقبتها ويوشم جسدها باسمه ، فيهم بحصارها بذراعيه يقربها له ليلامس اسمه بأنامله في رقة كأنه يرسم حروف اسمه فوق جيدها وهو يهمهم بصوت مثقل بشوقه المتزايد لها : كلما رأيتها تعانق جسدك ، يتملكني الفخر، فأنا أشعر بأنك ترتدينها لي لتطمئنيني بأنك لازلت لي .. ملكي .. خاصتي.
رفت بعينيها لتتنهد بقوة : لطالما كنت لك ، وسأظل خاصتك فلا تشك بهذا أبدًا .
نظر إلى عميق عينيها : إذًا ما الناقص بيننا يدفعك للهروب بعيدًا
__أنا لا أهرب ، أنا أنتظرك
__لم ، ما الذي علي فعله يا فاطمة لأستطيع أن أخطو إليك ، اقترب منك ، وأبقى معك دون حواجز .. قيود .. حدود .. ووعود تثقل كتفي وتنهك روحي ، أنا أموت مشتعلًا يوميًا وأنتِ جانبي ولا أستطيع أن ألمسك .. أقربك .. أضمك .. أتوحد معك ، فقط أخبريني ما الشيء الناقص فيما بيننا ؟!
نظرت إلى عمق عينيه : لا جواب عندي ، فكر جيدًا ستعرف .
ابتعدت عنه بهدوء وهتفت بجدية وهي تقف تنظر له بندية : هلا توقفت عن المجيء حتى تصل إلى جواب أسألتك ؟!
تأملها مليًا والتفكير يعتلى ملامحه قبل أن يهز رأسه بالموافقة : أمر حوريتي .
تشكلت خيبة الأمل بعينيها وهي تراقبه يتحرك مبتعدًا .. مغادرًا دون أن يرف بجفنيه ، فتضع كفها على قلبها تهدئ من روعه .. تكفكف دموعه .. وتواسي آلامه ، قبل أن تتسع عيناها  بفرحة أجلت كل الحزن من قلبها وهو يعود بخطوات واسعة إليها ، يحتجزها بين ذراعيه يضمها إلى صدره ويحنو رأسه لها في حركة خاطفة فيمتلك ثغرها بقبلة أودع بها كل شوقه لها قبل أن يغمغم بصوت أجش وهو يعتقلها في حدقتيه اللامعتين بعشق لم يخفيه : أحبك يا حوريتي .
اعتلت الدهشة ملامحها وعيناها تضوي بحبور تملكها لتهمس برجاء :هلا أعدتها ؟!
ضمها بقوة إلى صدره ليهمهم بجانب أذنها : أحبك يا فاطمتي .. أحبك يا حوريتي .. أنتِ من ملكت قلبي وعقلي وكياني .. أنتِ روحي وجنوني .. دونك أشعر بالنقصان وبك اكتمل .
ترقرقت عينيها بدموع غزيرة تجمعت فيهما ليضع رأسه برأسها وهو يعانقها بحب : لا تبكي أرجوكِ ، يكفي شعوري بالحنق على نفسي لأني كنت غبيًا ولم أتوصل لما تريدين سوى الآن .
تابع بحيرة : ظننتك متأكدة من شعوري نحوك بعد كل ما تحدثنا بشأنه الأيام الماضية
نظرت له بدهشة لتنطق بهدوء : أنت دومًا تذكر شوقك .. ملكيتك .. رغبتك ، لم تذكر يومًا مشاعرك يا وائل ، من أين أعرف حقيقة شعورك نحوي ؟!
وضع كفها فوق قلبه : من هذا الذي ينبض باسمك ، من هذا الذي يخفق مطالبًا بك ، من هذا الذي أعلن خضوعه إليكِ ، من هذا الذي فككت تعويذته .. حررته من أسره .. وكسرت قيوده ، فيختارك ملكة .. سلطانه على عرشه .
تساقطت دموعها رغمًا عنها ليهمس باسمها متأوهًا وهو يقبل وجهها بشقاوة ، فتضحك بخفة وتهمس وهي تتلمس أمانها بين ضلوعه : كيف عرفت ما أريد ؟!
أدار عيناه على ملامحها قبل أن يقبل عينيها بشوق : من عينيك، كانتا تستجدياني بجواب أسألتي ولكنك قاسية صممت على الصمت .
مطت شفايها بإغواء : تستحق القسوة يا باشمهندس .
تأوه بقوة وهو يقبلها بجنون .. يضمها بلهفه .. ويزرعها بين جنباته بشوق ، قبل أن يبعدها مضطرًا وهو يشعر بالغضب يمتلكه ، يتمتم من بين أسنانه بالكثير من الشتائم واللعنات فعبست بتعجب وهي تراقب إمارات غضبه التي تحدد ملامحه فهمست باسمه واستفهام واضح عن حالته فزفر بقوة : لدي موعدًا هام في العمل ولن أستطيع تأجيله ،
لهث بعنف وهو يسيطر على لهفته لها بصعوبة : وأموت شوقًا لك .
ضحكت برقه ودفعته في صدره : اذهب إلى عملك وأنا سأنتظرك حينما تنتهي .
ومضت عيناه بعاطفة جارفة ليهمهم : حقًا يا فاطمة ؟!
أومأت بجفنيها والسعادة تحدد تفاصيلها ليضمها بقوة إليه : لن أتأخر .
شدت جسدها إليه لتقبل جانب ثغره : سأنتظرك .
التقط شفتيها في قبلة متمهلة قبل أن يهمهم من بينهما : حبيبتي.
تنفست بعمق وهي تتعلق برقبته قبل أن تدفعه عنها وتهمس بصوت أبح : هيا اذهب .
كح مجليًا حلقه المغلق بموجة عالية من الشوق ستغرقهما سويًا إن لم يبتعد الآن ، ليشد جسده ويتحرك ، يهم بالخروج من الباب قبل أن تهمس باسمه وهي تتبعه فينظر لها لتهمس بخفوت  : سأشتاق لك .
زمجر باسمها في عتب ليتابع وعيناه تفيضان بسعادة مزج بعشقه : وأنا مشتاق منذ الآن يا ابنة السفير .
دفعته ليغادر وسط ضحكاتها الصادحة ثم تغلق الباب وتقف من خلفه وهي تهتف بصوت عال : تعود لي سالمًا يا ويلي .
وقف في الخارج ينظر إلى الباب المغلق وهي من خلفه ليحك أسفل رأسه وابتسامته تزين ثغره فيتنهد بقوة ويتجه إلى سيارته يستقلها ثم ينطلق .
***
__ لا أفهم إلى أين تأخذني الآن ، وأجبرتني على ترك العمل لأجل ماذا ؟!
سألته بحدة ليبتسم وهو يصف سيارته جانبًا : لماذا أنتِ حانقة ؟!
كتفت ساعديها بغضب : لأن لدي تصميمات كثيرة لم تنتهي بعد وأنت صممت أن نترك العمل لأجل شيء غير مفهوم بالنسبة لي.
لمع الحنو بعينيه قبل أن يهمس برزانة : إذا صبرت قليلًا ستعرفين .
تنهدت بقوة وهزت رأسها قبل أن ترتجل فيتبعها على الفور ، فتقف وتنظر من حولها وتعبس قليلًا :نحن قريبين من منزل أيمن الجديد .
اتسعت ابتسامته وهو يقترب منها يقف خلفها ليحجب عن عينيها الرؤية بشريط ستاني عريض و يهمس بجوار أذنها حينما انتفضت بمفاجأة : أهدئي أنها مفاجأة ، فقط سيري معي .
تبرمت بحنق : توقف يا يحيى فأنا لا أرى .
__ ثقي في وسيري معي ،تلمست خطواتها وهي تتمسك بكفه القريب منها وتهمهم - أخشى الوقوع .
ضحك بخفه واحاط خصره بذراعها يقربها من صدره : لا تخافي يا حبيبتي فأنا بجانبك .
انتفض جسدها بخفة وأنفاسه الساخنة تداعب وجنتها فيدفعها برقة أن تخطو إلى جانبه ويقربها من جسده فتتورد أكثر وتحاول الابتعاد فيهمس لها برقة أن تتوقف ،دفع باب البيت ليهمس وهو يزيح الشريط الستاني من فوق عينيها :ها قد وصلنا افتحي عينيك وانظري .
اتسعت عيناها بفرحة حقيقية وهي تنظر من حولها ، تلهث بسعادة وهي تتأمل ما تراه وعقلها يستعيد التصميم الذي قامت به لتشهق بمفاجأة وهي تشعر بأنه خرج من رأسها فتجسد أمامها بأدق التفاصيل كما خُيل إليها ، التفتت تنظر إليه وهي تهمس باسمه في تساؤل فيشير بميدالية موضوع بها المفتاح أمام عينيها وهو يهمس بحبور : بيتنا .
صرخت بفرحة وهي تتعلق برقبته تهتف باسمه في نوبة سعادة غير متوقعة تملكت منها فيضمها إلى صدره وهو يضحك ، سعيد لسعادتها .. فرح لفرحتها .. ومستمتع بحبها الذي أغدقته عليه دون موعدا .
نظرت إليه تحتضن ملامحه بعينيها لتهتف : أحبك يا يحيى .
أظلمت عيناه بفورة مشاعره قبل أن يجذبها إليه بشوق يدير عينيه على ملامحها فتتعلق رماديتيه بثغرها وأنفاسه اللاهثة تعانق أنفاسها المدهوشة فيهمهم بصوت أبح لم تستمع إليه من قبل : هلا سمحت لي ؟!
رفت بعينها دون وعي لما يطلبه فتابع برجاء : فقط واحدة .
لمعت عيناها بإدراك لمقصده فأخفضت عيناها وحركت رأسها بتشنج استشف منه عدم موافقتها ، تنهد بقوة واحتفظ بها داخل صدره فأراحت رأسها فوق كتفه ليستند هو بوجنته على رأسها فتهمس بامتنان حقيقي : شكرًا يا يحيى .
تنهد بقوة : أحلامك أوامر يا قلب يحيى .
ابتسمت وأذنيها تشتعل بخجل ليبعدها قليلًا عنه ولكنه احتفظ بأحد كفيها بيده وجذبها معه : تعالى لتنظري لبقية البيت ، وأخبرك أمرًا أريد أن أحدثك به .
حصل على انتباهها كاملًا لتسأله بجدية : ما الأمر ؟!
__ أنا أفكر جديًا في قبول عرض سيف يا دعاء ، أنه عرض لا يُرفض .
تغضن جبينها بانزعاج فتابع وهو يقف مواجهًا لها يكتنف كفيها براحتيه : أعلم أن الأمر صعب عليكِ ، وأنا الآخر صعب علي أن أترك وطني ولكني أريد بداية جديدة معك ، أريد عملًا ضخمًا كالذي يعرضه علي سيف ، وأريد موافقتك .. دعمك .. سندك .
ابتسمت برقة : تعلم أني لن أخذلك يا يحيى سأوافق حتى لو لم أكن مقتنعة بالسفر ، ولكن إذا كنت قررت السفر بالفعل لماذا أثثت هذا البيت ؟!
قربها إلى صدره ليكتنف كتفيها براحتيه : لأن هذا سيكون بيتنا ، العمل مع سيف سيكون فقط بداية فأنا يومًا سأعود إلى هنا ، ثم أنا لن أقاطع ما تبقى من أهلي هنا ، ولن أقتلع جذورك من موطنك وأنا أعلم غلاته لديك ، سنعود يومًا يا دعاء لذا لابد أن يكون لنا بيت .. مرفأ .. مرسى .. وجذور لن تقتلع أبدًا من أرضنا .
ابتسمت بحب لمع بمقلتيها : أنت مميز بكل شيء .
اكتنف راحتها ليرفعها إلى شفتيه ويقبلها : أنا مميز بك .
ضحكت رغمًا عنها برقة : يا الله ، أتبعت وعيناها تنبض بعشقها له – لا حرمني الله منك .
ضمها إليه : ولا منك .
قبل جبينها ليتنهد بقوة قبل أن يهتف بجدية : بقى أمرًا آخرًا .
رفعت عينيها إليه باستفهام فصمت قليلًا : موعد زفافنا .
احتقن وجهها بقوة ليتابع بعتب : سنتزوج يومًا ما يا دعاء فلا داع لتأجيله أكثر من ذلك .
بللت شفتيها بتوتر : نعم ولكن لم يمر على خطوبتنا سنة كاملة .
عبس بتعجب ليسألها بعدم فهم : ولماذا علينا الانتظار سنة كاملة ، فالبيت معد وكامل ولا ينقصه شيء ، أنا لست شابًا صغيرًا ولا أنتِ تستكملين دراستك ، أنا لست أحدًا لا تعرفيه فتريدين التأكد من أخلاقه أو من قبولك له ، وأنا متأكد من قراري باختيارك ، نحن اثنان راشدان مخطوبان ومتحابان ، ما الذي ينقصنا لنتمم زواجنا يا دعاء ؟!
ازدردت لعابها  بتوتر ألم بها فابتعدت عنه تتحاشى النظر إليه وتفرك كفيها في خجل اعتلى ملامحها ليضحك بدهشة : أنتِ تخجلين مني .
رمشت بعينيها لتهز كتفيها بتوتر ونظرت له : أنا فقط خائفة .
تنهد بقوة قبل أن يكتنف كتفيها من جديد يهتف بها آمرًا أن تنظر إليه : وأنتِ معي لا تخافي ، أتبع بمشاكسه وهو يغمز لها بعينه– سأترفق بك لا تقلقي .
هتفت باسمه في عدم رضا ليضحك بمرح : لا تخافي يا حبيبتي ، فقط ثقي بنا سويًا .
تنهدت بقوة : حسنًا ليكن بعد أربعة اشهر على العام الجديد حتى تكون استقريت على أمر السفر وأعددت له جيدًا .
رفع حاجبيه بذهول : أربعة أشهر ، موعد بعيد يا دعاء .
هزت رأسها نافية : لا ، حتى تكون أسما وضعت مولودها بالسلامة.
زفر بحنق : ما لي أنا بزوجة أخيك .
بررت بإقناع : حتى لا أتركها بمفردها يا يحيى .
نظر لها مليًا فابتسمت : لأجلي ستوافق .
ابتسم بحنو : لأجلك افعل أي شيء ، دفعها لتسير جانبه – حسنًا تعالي معي لنحدد الموعد الذي تفضلينه .
ابتسمت وهزت رأسها موافقة ليغادرا سويًا .
***
تجلس وهي تهز ساقيها بتوتر تنتظر نتائج الفحوصات العاشرة التي أجرتها بناء على طلب الطبيبة الصهباء التي أخبرتها من قبل شهرين أن هناك بعض من التعقيدات عندها من الممكن أن تؤثر على قدرتها على الإنجاب وأن تلك الفحوص الأخيرة هي التي ستحدد بناء عليها إذا كانت قادرة أو غير قادرة على الإنجاب ، ونوع الدواء الذي ستنتهجه معها ،انتفض جسدها بخوف فاقترب منها يضمها بذراعه إليه يهمس لها بهدوء : توقفي عن القلق .
رفعت نظرها إليه وجهها شاحب والدموع تملأ عينيها لتتمتم بصوت خافت : ماذا لو ؟!
__ثقي بالله يا إيمي ، وأن كان مثلما تتوقعين فلن يفرق شيئًا ، سنتقبل قضاء الله ونرضى بقدره .
سقطت دمعة من طرف عينها : ستتركني ؟!
نظر إليها بذهول : لماذا لا يوجد مشكلة وليس لها حل ، وجودي اليوم ليس لأجلي ، فأمر الأطفال بالنسبة لي لا يهم أنا هنا لأجل ان أحقق لك حلمك يا حبيبتي ، فأنا وعدتك .
__ وإذا لم تستطع هل ..
قاطعها وهو يضع أطراف أصابعه على شفتيها : لن أفعل أبدًا ، أنا أحبك يا إيمي حتى لو أنتِ لا تحبيني بالقدر الكافي أنا أحبك بالقدر الذي يكفي كلينا .
دفنت وجهها في صدره ليربت على ظهرها ويضمها إليه يقبل رأسها : أتعلمين لو كان الأمر بيدي لأخذتك وانصرفت وتركت الأمر بيدي الله ، لكني سأفعل كل ما بوسعي حتى أحقق لك حلمك يا حبيبتي .
تمسكت به لتنتبه على الفتاة التي هتفت باسمها فربت على رأسها قبل أن يجفف دموعها ويقبل جبينها ليدفعها إلى الوقوف بجانبه والسير معه إلى أن دخلا إلى الطبيبة .
...
تجاوره بسيارته عائدان من عند الطبيبة التي أخبرتها أن الأمر ليس مستحيلًا ولكنها تحتاج إلى علاج مكثف وصبر إلى أن يشاء الله ، شعرت بالغصة تحكم حلقها فهتفت بجمود : هلا أوصلتني لبيت والدي ؟!
آثر الصمت قليلًا قبل أن يسألها بهدوء : هل تريدين الاطمئنان على والديك ؟!
__أريد الذهاب إلى أمي يا مالك من فضلك .
أجابت بحدة فزفر بقوة قبل أن يهتف بجدية : لا تفكري مجرد التفكير في المكوث هناك يا إيمي ، فحياتنا سويًا لن تتأثر لأجل أي شيء وخاصة أن الطبيبة أخبرتنا أن هناك أملًا في الحصول على طفل .
تغضنت ملامحها بحزن لتهتف بيأس تمكن منها : نعم أمل ضعيف لا يعدو عن عشرة في المائة من النسبة الطبيعية
__ لا يهم ، ما يهم أن هناك أمل ، ضعيف .. قوي ، هناك أمل لا بد أن نتمسك به سويًا ونسير معه إلى أن نحقق حلمنا ، لا أن نيأس ونستسلم .
آثرت الصمت قبل ان تهتف برجاء : فقط أعدني إلى أمي فأنا أريدها ، أريد حضنها .. احتوائها .. حنانها .. تفهمها.. دعمها
ابتسم بسخرية ليهمس : فقط أعطيني فرصة أن أمنحك كل هذا قبل أن تركضي إلى والدتك يا إيمان .
هزت رأسها بهيستريا بدأت في أن تنتابها : لا أريد ، أريد امي، ألقتها بحدة قبل أن تجهش في بكاء حاد مرير خرج بعمق جرح روحها وهي تدفن وجهها في كفيها وتنطوي على نفسها بعيدًا عنه .
زفر بقوة وهو يطبق فكيه أغمض عينيه والعند يمتلكه فلم يستجيب لها ، بل أصر على موقفه وعاد بها إلى بيتهما لتنتبه هي حينما أوقف السيارة أنه لم يلبى طلبها ، نظرت إليه بحدة ، وترجلت من السيارة وصفعت بابها بعنف ، وهي تزمجر بكلمات لا يفقه منها شيئًا ، تبعها إلى الداخل ثم غرفتهما بهدوء حينما لم يجد أثرها في صالة بيتهما ، يدرك مدى صدمتها ومهيئ لان يحتوي حزنها ، اتسعت عيناه بصدمة وهو ينظر إليها تجمع ملابسها في حقيبة ضخمة ، ازدرد لعابه بجرح شق حلقه إلى نصفين ليسالها بهدوء : ماذا تفعلين ؟!
لم تعره اهتمامها بل أكملت ما تفعله بجدية وهي تنتحب بصمت فهتف اسمها بحدة وأتبع وهو يقترب منها يجذب ملابسها من كفيها ويخرجهم من الحقيبة : أنا أسألك عم تفعلين ؟!
أعادت ما أخرجه إلى الحقيبة ثانيةً : لا شأن لك .
اتسعت عيناه بغضب أشعل زرقة حدقتيه فيزمجر : هل جننت ؟!! من إذًا صاحب الشأن ؟!
رفعت رأسها بكبر : أنا الوحيدة صاحبة الشأن ، أنا الوحيدة المعنية بالأمر ، أنا الوحيدة التي تقرر ماذا ستفعل ، فأنا هنا المريضة .. الناقصة .. الغير قادرة على الإنجاب ، لست أنت .
مسح وجهه بكفيه : الأمور لا تحل هكذا يا إيمان .
نظرت إليه والألم يتجسد فوق صفحة وجهها : إذًا كيف تحل يا زوجي العزيز ، أن أبقى معك ، أتلقى العلاج الذي من المحتمل لا يحدث أثرًا مرجوًا ، فتتركني بالأخير ، وتذهب لتتزوج من أخرى تنجب لك طفلًا .
اعتلت الدهشة ملامحه ليهتف بمرح افتعله : هل تتمرنين على كتابة سيناريو لفيلم من أفلام الستينات ؟!
نظرت إليه باستنكار ليتنهد بقوة وهو يقترب منها : ما افترضته الآن هو محض خيال .
تحدثت بجدية : بل هو واقع مرير إن لم يحدث آجلًا سيحدث عاجلًا ، وأنا لن انتظر إلى أن يحدث وأقف أشاهدك وأنت تذهب لأخرى دون ان أجرؤ على الاعتراض .
اعتلى الاستهجان ملامحه : فتتركيني بمليء إرادتك وأنتِ بكامل وعيك ورغبتك .
أشاحت ببصرها بعيدًا : أهون علي من أن تتركني أنت .
لوى شفتيه بخيبة أمل عصفت بأوردته : لازالت كرامتك فوق كل شيء يا إيمان .
زفرت بقوة : ولن أتخلى عنها أبدًا فلطالما تنازلت عنها من قبل .
صرخ بعنف وهو يضرب صوان الملابس الخشبي بقبضته في عنف : توقفي ، يكفي محاسبتي على ذنوب لم أرتكبها ، يكفي تحملي أخطاء ليست لي ، يكفي يا إيمان يكفي .
اقترب منها وجسده ينتفض غضبًا : أنا لا أريد أن أتركك ، بل سأظل معك لنذهب لأخر الدنيا حتى تتلقي العلاج وتنجبين طفل هو جُل غايتك ، وإذا لم يحدث فأنا راضٍ بقضاء الله وأمره وسأحيى معك طوال عمري .
رفت بعينيها لتنظر إليه وتهمس بثبات : ما هذه التضحية الكبيرة يا مالك ، هل ستقوى على أن تقدمها لي بهذه البساطة ؟!  وإذا تستطيع التضحية هكذا لماذا تمسكت بعملك ولم تضحي به من أجلي ؟!
زاغت حدقتيه بعدم فهم : ولماذا أضحي بعملي لأجلك ؟!
زمت شفتيها قبل أن تنطق ببرود : لأني لا أطيقه ،أرفضه ، ولا أتقبله .
تغضن جبينه بألم شع من حدقتيه ليهمس بهزيمة أُلحقت به : كيف تزوجتني إذًا ؟!
ازدردت لعابها الجاف لتهمس ببطء : ظننت أنني أستطيع أن أعيدك إلى الطريق المستقيم .
__ الطريق المستقيم ، رددها باستنكار ليتبع بحدة – تزوجتني لتعيديني إلى الطريق المستقيم ، لهذه الدرجة ترينني منحلًا ؟!
أشاحت بوجهها فتابع باستفهام : هل اعتبرتني شاردًا عن الطريق الصحيح فتزوجتني لتصلحي من شأني يا إيمان ، أهذا هو السبب الوحيد الذي دفعك للزواج مني ، أم أن هناك أسباب أخرى لديك غير أن تكسبي ثواب في وتقوميني لأن أعود إلى طريق الصواب ؟!
زفرت بقوة قبل أن تهمهم بصوت مختنق : أعدني إلي أبي .
رفع حاجبيه بدهشة ألجمته لثواني قبل أن يهتف بحدة : لا لن أفعل قبل أن تخبرينني بأسبابك كاملة ، أم أخبرك أنا إياها كلها ، فأنا أعرفهم كلهم وأهمهم رضا أبيك الذي اشتريته بزواجك مني فتفرحي قلبه فأنا النقيض عم اخترته سابقًا ، زواجك مني الذي ضمن لك زوج مثالي في مجتمعك المخملي فلا يلكونك بألسنتهم عن من اخترته سابقًا وتركك ليتزوج من ابنة عمه ،
شحبت ملامحها وهي تلهث بقوة تتحاشى النظر إليه ليتحدث بمرار صدح بنبراته : تظنين أني لا أعرف يا إيمان ، بل أنا اعلم يا زوجتي فلست بغر ساذج بل أنا أدرك ما يعتمل بداخلك ، ولكني تغاضيت وصمت وقبلت لأني أحببتك .. عشقتك .. وأردتك ، رأيت من خلف أفعالك وتمسكك بتشدد هو ليس من أصل شخصيتك روحك النقية .. نفسك الهادئة .. وقلبك الجميل .
أكمل بصوت بُح من ثقل حزنه : فتأتي أنتِ وتتشدقين الآن برغبتك في تقويمي ، أي تقويم هذا الذي تتحدثين عنه ؟!
لمعت عيناه بعمق جرحه : أنتِ أبعد عن هذه الاستقامة يا إيمي فلقد تعلمت الالتزام على يد عابث .. منحل .. أبعد ما يكون عن التدين .. شبيه رجال يستخدم الدين لمأربه الشخصية وأنتِ انسقت من خلفه لأنك جاهلة .. مغفلة .. عديمة الخبرة والحدس.
صاحت بقوة : اخرس .
صاح بغضب عارم امتلكه فقبض على أعلى ذراعيها ليهزها بقوة : بل اخرسي أنتِ ، اخرسي وأفيقي بالله عليكِ ، أنا أذوى في هواك .. أتألم في حبك .. انتثر في عشقك ، وأنتِ تجابهين كل ما أفعله بقسوة وتصلب يميتاني قهرًا .
صاحت بغضب مشابه : طلقني وابتعد عني ، فها الآن لديك سبب قوي لترميني وتمض في طريقك .
هزها بقوة أكبر : من أخبرك أني أريد التخلص منك ، أنا أريد أن أمتلكك كلك.. روحك..  قلبك .. فكرك .. عشقك .. ونفسك .
نظرت لعمق عينيه : لماذا تسعى خلف شيء مشوه لن يستوي أبدًا لمثالية تريدها وتسعى إليها ؟!
ظهر اليأس بعينيه ليغمغم بعشق تحكم به : لأني أعلم أنه ليس مشوها.
انهمرت دموعها لتدفعه بلطف حتى يتركها : من رأيي ابتعد قبل أن يلحقك تشوهي فتغدو مثلي .
تهدلا كتفيه بهزيمة ساحقة وذراعيه تسقطان إلى جانبه ، لتتابع وهي تبتعد عنه : اذهب لمن تستحقك.. لمن تشبهك .. لمن تماثلك ، تضوي بجانبك ببهاء يخصكما سويًا .. تتألقان في تناغم مثير فتجذبان الانظار .
اهتزت حدقتيه وسألها بصوت أبح : عم تتحدثين ؟!
ابتسمت بألم : عنها ، عن الصغيرة التي تعلم بقرار نفسك أنها ليست صغيرة .
احتقنت أذنيه بقوة : توقفي يا إيمان عن الهذي .
صرخت بعنف : لست أهذي ، ولكني تعبت من الكتمان ولن أستطيع أن أحيا طوال عمري وأنا أشعر جانبك بالدونية والنقص، فلا  أقدر على رؤيتها معك .. تليق بك .. تكملك ، وأنا بجوارك لا شيء .
جذبها إليه ليضمها إلى صدره جبرًا : أنتِ زوجتي .. حبيبتي من أريدها وأحيا إلى جوارها .
زرفت دموع كثيرة وهي تحاول التملص من حصاره لها لتدفعه بعيدًا عنها : طريقنا مسدود يا مالك ، طريقنا منتهي .
همت بالابتعاد ليقبض على ذراعها : لن تغادري .
نظرت إليه وهي تكتم تأوهها من ضغطة أصابعه القاسية على رسغها : سأنصرف .. سأبتعد .. سأغادر ، طلقني من فضلك ، حررني من قيد لم أعد أحتمل طوقه حول عنقي .
لمعت دموعه الحبيسة فأحالت زرقاوتيه لماستين شعتا بضياء يخطف الأبصار : لا تذهبي .
قاومت دموعها : ستكون أفضل بدوني .
تمتم بعند : لن أطلق .
ابتسمت ساخرة : يومًا ما ستفعل .
حدثها بنظراته .. توسلها .. ترجاها ، لتجابهه بعناد وصلابة قبل أن تهمس بخفوت : آسفة .
تركها وهو يشعر بأنه يختنق من كثرة آلامه ، يشعر بروحه تتصاعد وهو يراقبها تغادر من أمامه فتتدحرج دمعة وحيدة نزولًا من جنب عينه تنساب فوق وجنته فينتفض على أثرها برعدة غضب اجتاحته فيمسحها بقسوة ويشد جسده بصلابة ويرفع رأسه بكبر مسيطرًا على ألمه وهو يرسم ابتسامة حزينة على شفتيه لم تصل إلى عمق عينيه .
***
تلاعب ابنتها بضجيج تتعمده حتى تجذب انتباه هذا الجالس بجمود لا يحيد بعينيه إليها قط منذ تلك الليلة التي استجابت لوساوس عقلها وتبعته إلى منزل أخرى لا تقرب له شيئًا ولكنها لم تكن تعلم ، بل لم تتخيل قط أن من أرقتها ليالٍ طويلة تفكر فيم يجمعها بزوجها هي والدة طفلة مريضة يهتم بها زوجها من باب الإحسان ، شردت تتذكر تلك الليلة وهي تقف أمام الباب تغرق في حيرتها وتبعثرها لا تستطيع الوصول إلى بر آمن وحينما همت بالابتعاد ، تقرر الانصراف ، فُتح الباب على حين غرة وصوت زوجها يهمهم بجدية : ستكون بخير ، لا تقلقي فقط حافظي على موعد الدواء
ليصمت وعيناه تتسع ذهولًا تحول إلى غضب حينما اكتشف وجودها ، أطبق فكية بقوة وعيناه لمعت بوعيد أخافها فانتفضت رغمًا عنها ، ولكن ترحيب السيدة التي اكتشفت وجودها من اللحظة الأولى التي فَتحت بها الباب ، أجبرها أن تحافظ على ثباتها والأخرى تهتف بحفاوة : تفضلي يا زوجة أغلى الناس ، أنرت بيتي المتواضع .
جذبتها رغمًا عنها للداخل فاستجابت ولكن بقت عيناها معلقتان بعدم الرضا الذي لاح على ملامحه ، همهمت باعتذار خافت وهي تخفض نظرها بحرج فتتحدث السيدة بطريقة عفوية جذبت انتباهها وهي تقول : من المؤكد أنك أتيت للاطمئنان على سماح، كثر خيرك يا سيدتي ، بارك الله في ابنتكما وحفظها وراعاها، فلولا أغلى الناس لكانت ابنتي في عداد الأموات الآن ، ولكن أُحمد الله وأقبل يدي سيدي أحمد لأنه نظر إلى سماح وعكف عليها وعالجها على نفقة المشفى الخاصة ،
تهدج صوتها رغمًا عنها وهمست : فرغم عملي كراقصة إلا أن الدواء غالٍ وسماح تتأخر حالتها حينما لا تأخذ دوائها في موعده ، واليوم أتت لها إحدى نوباتها فتركتها مع والدتي النائمة بالغرفة المجاورة وركضت لأغلى الناس ليأتي ويراها ، وهو كثر خيره وأكثر من أمثاله ، أتى معي رغم تعبه وارهاقه .
لمعت الدموع بعيني ولاء وهي تنظر إلى زوجها الذي زفر بقوة : توقفي عن الثرثرة يا سامية ، وراعي ابنتك جيدًا وإذا احتجتِ أي شيء هاتفيني ، أتبع وهو ينظر إليها : هيا بنا .
مسحت سامية دموعها لتهتف : لا تنصرفا فبل أن أضيافكما .
نفخ أحمد بقوة : لا ، فالوقت لا يسمح ، ثم اذهبي وجاوري ابنتك ، هيا .
ابتسمت بامتنان : أشكرك يا سيدي ثم التفت إليها وهمست بصدق شع من ملامحها : جميل أحمد بك طوق لأخر يوم بعمري يحيط رقبتي ومهما فعلت لن أوفيه حقه ، اغفري لي تطفلي عليكما .
حينها انتفضت بعنف قبل أن تسرع بخطواتها إلى الخارج فتستمع إلى زوجها الذي هتف بالتحية وأغلق الباب من خلفهما واتبعها إلى الأسفل ، كانت ترتكن على جسد سيارتها تغلق أنينها بكفها الموضوع فوق فمها وتنهمر دموعها بغزارة تغرق خديها، نظر إليها بجمود قبل أن يسألها بهدوء عن مفاتيح سيارتها فناولته إياها ، ليؤمرها بقسوة أن تدلف إلى الداخل قبل أن يحتل هو مقعد القيادة ويعود بهما إلى البيت دون أن يهمس بحرف طوال الطريق  ، حاولت أكثر من مرة أن تتحدث إليه لتختنق بحديثها فلا يعدو خارج حلقها انهمرت دموعها أكثر وانتحبت في صمت أكثر وهو جالس لا يبالي بنحيبها إلى أن وصلا للبيت فاندفع إلى الداخل وانزوى بغرفة مكتبه ، حينها تبعته مسيرة ليست بمخيرة ووقفت أمامه كطفلة مذنبة استحقت عقابها ورغم اعتذارها له .. تشبثها بسترته..  شرحها لأسبابها .. واعترافها بغيرتها ، إلا أن كل هذه الأشياء مجمعة لم تشفع لها بل أنه رمقها بنظرة مطولة حينما انتهت من حديثها العشوائي ليهمس بصلابة : اعلمي أن هذه غلطتك الثانية يا ولاء ، والثالثة ثابتة يا ابنة خالتي ، إذ لم تدركي قيمتي طوال تلك السنوات الماضية ، ولم تقدري حبي ، ولم تعلمي معدن شخصيتي ، فلا قيمة -عندي – لحب لا يُكرِم صاحبه .
ومن حينها وهو يعتزلها .. يبتعد عنها .. يتحاشاها ، رغم محاولتها الحثيثة للقرب منه ومصالحته ، ولكنه تحول إلى كتلة صخرية بقلب حجري ، فقط عيناه من تخبراها عن مدى ألمه منها .. جرحه على يديها .. وخيبة أمله فيها ، فتشعر بالحزن يكتنفها وقلبها يؤلمها ، وروحها تُغلف بمرارة هي من سعت إليها وأوجدتها ، شهقت بقوة ودموعها تنهمر على خديها رغمًا عنها ، لتقترب ابنتها منها وتحتضنها بحنو تكفكف دموعها بكفها الصغيرة وتقبل وجنتها وهي تهمس بصوت طفولي رقيق : لا تبكي يا مامي .
لم تستطع أن تتوقف عن البكاء لتتحرك جنى بخطوات متلاحقة وتقترب من أبيها فتشده من كفه وتجبره على أن ينهض من مكانه وهي تهتف به آمرة أن يسير معها ثم تتبع بخوف طفولي ولهجة غير سليمة : مامي متئبة  " متعبة " .
وقف ينظر إليها من علو قليلا يراقب بكائها ويرمق ملامح ابنته الشاحبة ، ليتنهد بقوة وهو يجلس على ركبتيه أمامها فينظر إليها بعتب أزاد من ندمها ، شهقت ببكاء عنيف وهي تتعلق في رقبته ، تتمسك به وتمطره باعتذاراتها التي لا تتوقف ، فيتهدل جسده بيأس قبل أن يضمها إليه .، يربت على رأسها .. ويهدئها بحنو ، تلعثمت وهي تحاول الحديث فيشير برأسه نافيًا : لا تتحدثي فقط اهدئي .
اكتنفت وجهه بكفيها لتهمهم : أنا آسفة .
زفر بقوة : فقط اهدئي فأنت أثرت ذعر جنى بم فيه الكفاية .
أومأت برأسها في طاعة ليقبل جبينها فتنظر له بأمل فيشيح بعينيه بعيدًا ويهتف لابنته بمرح افتعله : ماما بخير يا چوچو لا تجزعي يا حبيبتي .
نظرت إليه ابنته بعدم فهم وملامحها تظهر اضطرابًا أوجغ قلبه ففتح ذراعيه لها لترتمي جنى في حضنه ، ضمها إليه وحملها بخفة ليقبل رأسها ثم يعود إلى تلك الجالسة أمامه فيضعها بحجرها ويحتضنهما سويًا في حركة اعتدتها جنى في لعبهم سويًا ، فتنطلق ضحكاتها برقة وتحرك رأسها بسعادة قبل أن تهتف بطفولية : ماما غاضبة لأنك توقفت عن اللعب معها ، لذا تبكي .
تورد وجه ولاء ليضحك رغمًا عنه ويهمس بجدية : حقًا ؟!
رمق ولاء بطرف عينه ليهمهم بمكر : هل تبكين لأنك اشتقتِ إلى لعبنا سويًا ؟!
احتقن وجهها كاملًا رغمًا عنها لترمش بعينيها قبل أن تهمهم بخفوت : اشتقت لكل شيء يا أحمد حتى شجارنا سويًا .
أنزل ابنته ليدفعها بلطف : اذهبي يا حبيبتي وشاهدي التلفاز .
ركضت جنى مبتعدة لتهتف بجدية قبل أن تختفي من أمام أعينهم : فقط لا تدعها تبكي ثانيةً .
ابتسم رغمًا عنه وهو يراقب ابنته ليهمس بحنو : ابنتك تكبر يا ولاء وبعد سنوات عديدة ستغدو عروس ، التفت إليها ليهمس بعتب - وأنتِ لا تتغيرين ، تسيرين على خطوات خالتي وطريقتها، تشككين بي .. بحبي .. وبأخلاقي  وأنا لا أقو على تحمل المزيد ، فإذا استطعت النسيان هذه المرة لن أستطيع النسيان المرة القادمة .
قاطعته وهي تحتضن كفيه وتهمس بتضرع : أقسم لك أني كنت سأنصرف دون أن أدق هذا الباب فأنا همست لنفسي أنك لست ذلك الرجل ولكن غيرتي أعمتني ، اغفر لي يا أحمد وقدر غيرتي عليك .
ابتسم بألم: أتعلمين لطالما تضايقت من عدم غيرتك وثباتك الانفعالي ، ولكني كنت أهمس لنفسي دائمًا أن سبب عدم غيرتك هو معرفتك إلى مقدار حبي لك ، لذا لا تهتم ، ولكن حينما رأيت غيرتك وما سيحدث بسببها دعوت الله أن لا تغاري علي ثانيةً .
ابتسمت رغمًا عنها لتقترب منه بلهفه : أعدك أني لن أشكك في أخلاقك ثانيةً ولكن الغيرة لا حيلة لي أمامها .
ابتسم بحب تدفق من عينيه  وهو يضمها إلى صدره يهمس : اشتقت إليكِ يا لؤلؤتي .
تنهد براحة وهي تتنعم بدفء صدره : وأنا الأخرى اشتقت إليك كثيرًا
قبلها برقة ليهمس بخفة وهو يحدق بها في شغف احتل مقلتيه : أحبك يا ولاء فانقشيها بتلافيف مخك قبل أن تقدمي على فعل شيء جديد من المحتمل أن يهدم حياتنا في المستقبل .
همست بوعد : لن أفعل أعدك .
سحب نفسًا عميقًا قبل أن ينهض واقفًا ويجذبها إليه يدفعها للسير بلطف إلى جانبه : تعالى لنلعب سويًا .
احتقن وجهها بقوة ليتبع بمكر : مع جنى ،أتبع وهو يغمز بطرف عينه : لابد من انتظار موعد نوم ابنتك يا زوجتي العزيزة .
همهمت باسمه في عدم تصديق ليضحك بخفة قبل أن ينادي على ابنته بصوت مرتفع مرح : تعالي يا قلب بابي سنلعب ثلاثتنا كما تحبين
هللت جنى بمرح قبل أن تقفز فتتعلق برقبته ليضمهما الاثنتين إلى صدره ويهمس : لا حرمني الله منكما .
تعالت ضحكات جنى بصخب قبل أن يصدح رنين جرس الباب فيتحرك وهو يحمل ابنته ليفتح باب بيته يبتسم بترحاب وحفاوة وهم يهتف : انظري يا جنى عمتو أتت .
توقف عن الحديث وهو ينظر إلى ملامح شقيقته الشاحبة ، عيناها الباكية ، وحقيبتها الكبيرة الموضوعة أرضًا لينظر إليها طويلا قبل ان تهمهم : هلا دعمتني  يا أخي ؟!
أنزل ابنته التي ركضت إلى الداخل لتخبر والدتها بصياح مرح عن قدوم عمتها ليفتح هو ذراعيه إلى شقيقته التي ارتمت بحضنه وانفجرت في البكاء من جديد .
***
جلس أمام مكتب حماه يحتل أحد الكرسيين المقابلين لوالد زوجته والذي يجلس من خلف مكتبه ، ينظر إلى ملامحه المكفهرة بتعجب ، في حين يتبادل كلا من وائل ووليد النظرات بعدم فهم وخاصة بعدما هاتفهما بنفسه وطلب منهما الحضور .
سحب نفسًا عميقًا ، ليهتف بهدوء شديد : أريد ان أقابل زوجتي يا عمي بعد إذنك .
ارتفع حاجبي سيادة الوزير بدهشة عارمة ولكنه تابع بجدية : لتعلم سيادتك أنا أشكوها لك فقد غادرت البيت دون إذني وضد رغبتي وها أنا هنا أمامك أريد استعادة زوجتي .
اعتدل سيادة الوزير بجلسته وحلقه يجف بخوف تملكه بينما استطرد مالك بحديث مرتب كعادته : رغم كل ما بدر منها اليوم إلا أني أتفهمهما وأريد أن أساعدها على اجتياز محنتها وأنا بجانبها.
تصلبت ملامح وائل ليتمتم وليد بعدم فهم : اهدأ يا مالك وأخبرنا عم حدث فنحن لا نفهم عم تتحدث .
رف بعينيه قبل أن يلتفت إلى حميه : ألم تخبرك عم حدث يا عماه؟!
استحال وجه سيادة الوزير إلى الابيض الشاحب ليفك أزرار قميصه الأولى ويغمغم بصوت ابح : إيمان لم تأتي يا بني .
انتفض مالك واقفًا ليدور من حوله : إلى أين ذهبت إذًا ؟!
انتفضا اخويها بجدية حينما أكمل مالك وهو يتحرك ينوي المغادرة : لقد أخذت حقيبتها وغادرت البيت ، بعد أن تشاجرنا سويًا .
اتسعت عينا وائل بغضب ليقبض على تلابيبه بقوة يمنعه من المغادرة : ماذا فعلت بها حتى تغادر المنزل وهي تحمل حقيبتها ؟!
تمسك وليد بأخيه وهو يصيح : انتظر يا وائل حتى نفهم ما حدث.
ليصيح مالك بحدة وهو ينفض كفي وائل بعيدًا : تشاجرت معها حتى لا تغادر ولكنها عاندت وتركت البيت .
صاح وائل بعنف : ماذا حدث بينكما ؟!
هم مالك بالحديث قبل أن يُفتح باب المكتب ويطل أحمد منه ، وهي بجانبه ليصيح بجدية : اهدأوا من فضلكم .
هتف أبيها باسمها في صوت أبح ، ليهرع هو إليها بخطوات متلهفة يريد الاطمئنان عليها ، فتتحاشاه وتركض إلى حضن أبيها وهي تبكي ، تتمسك بسترته وتدفن رأسها في صدره فيلتفت وائل إلى مالك يرمقه بغضب ، ليهتف وليد بعقلانية تمسك بها : هلا أخبرنا أحدًا منكم ماذا يحدث هنا ؟!
أشاح مالك برأسه وهو يشعر بالألم يتجذر بداخل روحه ليرمق وليد أخيه الأصغر ويسأله بجدية : هلا أخبرتنا يا احمد من الواضح أن إيمي أخبرتك ؟! 
زفر أحمد بقوة : حسنًا اجلسوا من فضلكم ، رمق والده قليلًا ليتابع – هلا أخذت إيمان يا ابي وذهبت بها إلى ماما فأيمي تحتاج إليها ؟!
تبادل النظرات مع ابنه الأصغر ليشير اليه أحمد بعينيه قبل أن يقترب منه ويهمس له : سننتظرك يا أبي ولكن إيمي تحتاج إلى أن تهدأ أولًا .
التقط والده إشارته ليدفع ابنته بلطف وينسحب من الجلسة بهدوء ،وقف أحمد ينظر إلى أخويه قبل أن يستدير إلى مالك ويهتف بهدوء : أنا اعتذر لك عم بدر منا إلى الآن يا مالك ولكن أتمنى أن تكون مقدرًا لموقف إيمان ومتفهمًا لها ، امنحها بعضا من الوقت حتى تلملم شتات نفسه .
زفر مالك بقوة : لقد أتيت لأستعيدها يا أحمد ، فأنا لن أتخلى عنها حتى بعد ما فعلته .
ابتسم أحمد بامتنان : أعلم أنك لن تتركها ولن تتخلى عنها ، لذا أستمحيك عذرًا أن تتركها بعضًا من الوقت حتى تهدأ ، أعلم أن هذا الأمر ثقيلًا عليك ولكن ليس باليد حيلة فهي رافضة لأي تواصل معك الآن .
رمش بعينيه كثيرًا قبل أن يمأ برأسه في تفهم : أبلغ تحياتي لإنعام هانم وسيادة الوزير .
استدار لينظر إلى الاثنين الواقفين من خلفه تغلفهما الدهشة والذهول ليمأ برأسه لهما  : أراكما على خير .
تمتم وليد بالتحية وهو يوصله للخارج بينما حدق وائل في شقيقه بحدة ليهتف بقوة : هلا أخبرتنا عم حدث ؟!
عاد وليد حينما رمق أحمد وائل من بين موشه : فقط اهدأ واجلس لأخبرك .
تشنج جسد وائل برفض : ملامحك تخبرني بأن هناك مصيبة قادمة في الطريق .
ازدرد أحمد لعابه قبل أن يتمتم : أنه قضاء الله ولا راد لقضائه .
اتسعت عينا وائل بصدمة بينما هتف وليد برعب : ماذا حل بإيمان ؟!
أغمض أحمد عينيه : سأخبركما .
***
دلف إلى غرفته يطلق صفارة من بين شفتيه بنغمة مميزة يحفظها عن ظهر قلب وتحمل بين طياتها ذكرى محببة إلى قلبه ومميزة إلى عقله ، خلع سترته ليلقيها بإهمال قبل أن يستلقى على الكرسي الهزاز الذي جمعهما سويًا لكثير من الأيام ، يعود برأسه إلى الوراء ويرتخي جسده بارتياح ويهتز الكرسي به في أتوماتيكية ، فيبعث إلى نفسه بهجة تتمازج مع سعادته الخاصة بقرب موعد اتصالها والذي أصبح طقس من طقوس يومه ، اعتاد عليه وينتظره في موعده المحدد والذي لم تخلفه هي يومًا منذ أن بعث لها برسالة بعد أن توصل إلى رقم هاتفها الخارجي من عمته وأخبرها فيها باشتياقه المضنى لها ، فأجابته بعدها بيومين باتصال من رقم آخر ليجيب بلهفه فتتمسك بصمتها فتنفس بارتياح وهو يزفر حينها باسمها في يقين من كونها هي من يهاتفه ، ليتبع متوسلًا ألا تغلق الهاتف فقط تمنحه فرصة وتستمتع إليه فتستجيب وتستمع إلى  ثرثرته حتى غافاه النوم ، فيستيقظ صباحًا لاعنًا نفسه التي سقطت في غياهب الحلم وخاصة حينما حاول الاتصال بها فوجد أن الهاتف مغلقًا !!
ليفاجئ باتصالها الليلة التالية في نفس الموعد فيتهلل فرحًا وقلبه يقفز بغبطة شملت مشاعره كلها ، ورغم صمتها ولكنه أخذ يثرثر لها كما الليلة الماضية إلى أن غفى نومًا ثانيةً . ولكنه لم ييأس فاتصالها الصامت نافذة أمل لهما وثرثرته العفوية لها تقرب منهما وسيأتي يومًا تستجيب إلى ثرثرته وتحكي له عن آلامها كما يفضفض هو لها .
رن هاتفه فابتسم وهو يجيب بلهفه ، يغمض عينيه ويسترخى بجلسته أكثر قبل أن يهتف لها بصوت أجش بمشاعره : اشتقت إليكِ يا ابنة العمة ، ألم يحن الوقت بعد لتصفحي وتطمئنيني عنك بكلمة .. همسة .. زفرة .. إيماءه ، لكونك غفرت لي ما تقدم من ذنبي وتعطيني أملًا في عمر نقضيه معًا .
أستمع إلى أنفاسها العميقة ليهمهم : اشتقت إليكِ يا سوزان ، اشتقت إليكِ يا حبيبتي ، اشتقت إلى سماع صوتك .. رؤيتك .. ملامستك .. والشعور بك .
تنهد بقوة فشعر بها تبكي ليتأوه بألم نغز قلبه فتابع : فقط لا تبكي ، يا الله ، أشعر بالعجز وأنا أستمع إلى بكاءك فلا أقو على التخفيف عنك أو ضمك إلى صدري كي أهدئك.
همست باسمه في صوت باك ليغلق عينيه وهو يستمتع بحروف اسمه من بين شفتيها ثم يهمس برجاء : عيديه ثانيةً .
صمتت عن البكاء وكتمت تنفسها لثواني ، فينظر إلى الهاتف متأكدًا من كون اتصالها لازال ساريًا ثم يهمس باسمها ويكرر بتوسل : أعيدي اسمي ثانيةً اشتقت لسماعه بصوتك
همهمت باسمه فتنفس بعمق وهتف بفورة مشاعره : أحبك يا روح بلال وعقله .. أحبك يا قلب بلال وفكره .. أحبك يا عشق بلال وجنونه .
همست باسمه ثانيةً فقفز واقفًا وشعر بأن الغرفة أصبحت ضيقة بسبب تكاثف مشاعر لهفته واشتياقه الذي خنق حنجرته فكتم صوته ليرهف سمعه إلى صوتها الذي انساب برقة ماء جار في جدول فيفيض خضارًا من حوله وهي تقول : أريدك أن تأتي لتعيدني إليك .
اتسعت عيناه بذهول والصدمة تلجمه لتردد اسمه بتساؤل فيزمجر بخشونة ويسألها بذهول : حقًا ، تريدين العودة ؟!
ران الصمت عليهما ثقيلًا قبل أن تهمس بهدوء : تعال وأعدني لك يا بلال ، سأنتظرك .
هم بالرد ليأتيه صوت صافرة طويلة تنم عن إغلاقها للهاتف فينظر إلى هاتفه بذهول كلل هامته قبل أن يقفز بفرحة يصرخ بانتصار ليفكر في كيفية تحقيق مطلبها بسرعة فيهتف بتصميم : أمير
***
رن جرس الباب بإلحاح قبل أن يقف ويستند عليه برأسه الثقيل وجسده المنهك ، ينتظر بصبر أن تفتح له خالته باب بيتها، بعد أن قضى الساعات الماضية يدور بسيارته دون هدف فقط يريد أن يفرغ قهر روحه الذي تعاظم بداخله ، ليجد نفسه بأخر الطريق اسفل بيت خالته الذي اعتزله منذ زيارة كامل باشا وتجديده لطلب الزواج من خالته ، نعم لم يقاطع خالته ولكنه اعتزل بيتها في إعلان لرفضه إلى ارتباطها من جديد بوالد ابنها.
تنهد بقوة ليضغط على الجرس من جديد لتفتح أخيرًا خالته الباب والنوم يحدد ملامحها ومن خلفها نبيلة مربية يحيى والتي استفاقت من النوم بدورها فزعًا على رنين جرس الباب ، والتي تسكن مع خالته منذ رحيل سارة حتى لا تبق ماهي في البيت بمفردها، نظرت إليه بفزع تجسد على ملامحها لتسأله باهتمام : ما بالك يا حبيب خالتك ؟!
ارتمى بثقله على جسدها الضئيل لتتوازن بصعوبة بالغه وهي تضمه إلى صدرها بحنان أمومي وتهتف باسمه في جزع وخاصة حينما انتفض جسده بقوة وارتعش كمن يعاني من إصابته بالحمى ، فحاولت أن تضمه إليها أكثر وهي تهمس باسمه مهدئة : ما بالك يا مالك ؟! ماذا حدث لك ؟!
تمسك بها بقوة وهمهم : أشعر بالبرد .
اتسعت عيناها فحاولت أن تتحرك لتدخله إلى البيت ولكنها لم تستطع لتهتف باستنجاد : ساعديني يا نبيلة .
اسرعت نبيله التي انتبهت لما يحدث أمامها فسارعت لإسناده معها وخاصة حينما ترنحت ماهي من ثقل جسده ، ليسحب نفسًا عميقًا ويشد جسده بصلابة وهو يتنحنح بخشونة ثم يهمهم : أنا بخير ، سأسير بمفردي ،
تبادلتا النظرات لتفسح له ماهي المكان ، رفع رأسه بكبرياء وتحرك إلى الداخل فتتمتم نبيلة بغيظ : لا تتركيه يا هانم ، من الواضح أن ابنة الوزير بدأت في ليال النكد الأزلية .
تغضن جبين ماهي بانزعاج فلوت الأخرى شفتيها وأصدرت صوتًا مستنكرًا وهي تتابع بعد أن أغلقت الباب من خلفهما : اسأليني أنا ، فتيات العائلات هؤلاء يصبن بالجنون فجأة فينقلب البيت إلى ساحة حرب دون مبرر أو سبب .
ثرثرت نبيله بعفوية : نازك هانم كانت تشعل حربًا لأجل لا شيء، بل كانت تنتهز الفرص لطرد الباشا من غرفته ، بل البيت بأكمله إذا استطاعت وخاصة في الأيام التي كان يعود بها رائق المزاج .
اكفهر وجه ماهي وهي تشيح بعينيها بعيدًا فتعض نبيله شفتها بندم وتهمس : المعذرة يا هانم لم أقصد .
تنفست ماهي بصعوبة لتتمتم : لا عليكِ يا نبيلة ، هلا أعددت القهوة لنا .
أومأت نبيلة بالإيجاب وهي تسرع إلى المطبخ ، زفرت ماهي بقوة وهي تتبع ابن أختها الذي اختفى بغرفة المعيشة ، لتجده واقفًا في منتصفها ، يضع كفيه في جيبي بنطلونه ويرفع رأسه بشمم ، وموجه من العنفوان تجتاحه فيسيطر على انفلات أعصابه ، تأملته مليًا وعيناها تتسعان برفض لحالته التي شابهت عليها تلك الأيام التي كانت شقيقتها تعاني المرض فكان هو يلجأ إلى عنفوانه كي يهزم حزنه على والدته ، رجف قلبها وهي تتذكر أنه لم يبك قط طوال مرض أختها ولكنه انفجر باكيًا بعد انتهاء مراسم دفن شقيقتها لدقائق معدودة ، ثم صمت ولم يبك من حينها ، حتى حينما مات والده لم يبك بل دمعت عيناه وحينما بدأت دموعه بالتساقط مسحها بقسوة وصمد في وجه الحزن الذي انتزعه منها لأيام ، قبل أن ينفضه عنه ويخرج من شرنقته فيحلق بالسماء من جديد .
اقتربت منه لتلامس طرف كتفه برقة فينتفض مجفلًا قبل أن يستدير إليها ناظرًا فتؤمره بعينيها : اجلس وأخبرني عم حدث معك أعادك إلى تلك القوقعة التي تحاربها بضراوة كي لا تستولى عليك من جديد .
تنهد بقوة فدفعته بلطف ليجلس على الأريكة وتجاوره : هيا قص لي كل شيء وبالتفاصيل أيضًا .
سحب نفسًا عميقًا ليزفره ببطء ،هز رأسه في صمت وهو يقرر أن يبوح لها بكل ما يعتمل في صدره .
***
زفر بقوة وهو يتحرك صاعدًا السلم في قصر عائلته ، بعد أن اطمئن على والدته التي بكت على صدره لمصيبة ابنتها الوحيدة رغم رضاها بقضاء الله ولكن يتبق قلبها المرهف لشقيقته يؤلمها على حالها ، فطمئنها .. دعمها وآزرها ، ووعدها بأنه سيكون بجانب إيمان إلى أن تنهض من هذه الكبوة التي سقطت بها .
تحدث مع والده قليلًا ليطمئنه هو الآخر ويخبره عن اتفاقه مع أخويه ليساندا إيمان ويدعمانها بتوجيهات أحمد الذي استشار طبيبة نفسية وأخبرته بمنهج سيلجؤون إليه جميعهم إلى أن تستجيب إيمان وتذهب إليها بمفردها وعلى اقتناع ورغبة في تلقي جلسات العلاج النفسي ، شعر بضيق أبيه فدعمه بابتسامه وطلب منه أن يجاور والدته الليلة فهي ضائقة للغاية فيتنهد أبيه  بقوة ويهمس له بأنه سيفعل بالطبع حتى لو رفضت ، ولكنه سيظل بجوارها !!
تنهد ثانيةً وقرر بأنه سيبيت الليلة هنا فأخرج هاتفه واتصل بها، أتاه صوتها بعد الرنة الثانية لتهمس برقة : مساء الخير ، أين انت يا باشمهندس ؟!  لديك تأخير اليوم .
ابتسم بحنو وتنهد بقوة ليهمس بصوت متعب : كم أتمنى أن أكون بجوارك الآن ولكن ليس بيدي حيلة .
عم الصمت عليها لتنطق باهتمام تجلى بنبراتها : فقط أخبرني أنك بخير .
تنهد بقوة : أنا بخير ولكن إيمان ليست بخير، وتحتاجني بجوارها هي ووالدي الليلة .
سألت بجزع : ما بالها ؟!
صمت قليلًا قبل ان يغمغم وهو يعبس بتركيز لهذا الصوت الذي تناهى إلى مسامعه : سآتي لك في الغد وأخبرك .
زفرت بيأس : حسنًا سأنتظرك ، فقط اعتني بعائلتك وبنفسك .
ابتسم رغمًا عنه وهو يقترب من غرفة شقيقته : وأنتِ الأخرى حبيبتي .
لمعت عيناها بفرحة حقيقية قبل أن تهمس له : عمت مساءً يا ويلي .
أغلق الخط وهو يرهف سمعه إلى ما يدور بالداخل لتتسع عيناه برعب وهو يسمع هتافها فيقبض كفه على مقبض الباب ويحاول أن يفتحه ليجده مغلقًا فيسرع بخطواته خوفًا على شقيقته ولكنه ملتزمًا بسيطرته على أعصابه إلى أن يأتي بمفتاح الغرفة البديل من رئيسة الخدم !!
...
وقفت بمنتصف غرفتها التي شهدت على أيام عمرها بأكمله ، تنظر في كل اتجاه من حولها ترمق كل الأشياء بها وتستعيد ذكريات حياتها كلها ، حزنها وفرحها .. صخبها وهدوئها ، صحتها ومرضها .. وأخيرًا وقوعها في حب لم يكن لها !!
أيام كثيرة ظنت فيها أنها تحب شخصًا لا يستحق حبها ، وأيام أخرى كانت تجبر نفسها على تقبل مشاعر شخصًا لم تحبه يومًا بل كان مسكن قوي فعال لدائها.. وجعها .. ألمها .. وحيرتها كانت مبعثرة فلملمها .. كانت مجروحة فداوها .. وكانت مشردة فآواها .
أحبها بكل كيانه ..طاقته .. وروحه النقية الطاهرة ولكنها لم تستطيع به تجاوز جراح قلبها .. نفور عقلها .. وشتات روحها ، استغلته تعترف ولا تستطيع الإنكار ولكنها ظنت به أنها ستعيش أيامها القادمة في هناء وسعادة ، لم تكتب لها فما تمنته طوال عمرها لن يأت أبدًا ، فهي لن تكون أمًا !!
انتفض جسدها برعدة وهي تنظر إلى نفسها خلال المرآه لتلامس بطنها المسطحة والتي كتب عليها أن تظل مسطحة لن تكبر أبدًا ، فلن تنتفخ وهي يتحمل طفلًا .. ولن تتأوه وهي تلد .. لن تربى طفلًا تكون كل حياته .. ولن ترعى طفلًا يكون هو أملها .. سندها .. روحها .. وعقلها .
لن يكون هناك من يدللها وتدللة .. من يلاعبها وتلاعبه ، لن تسهر الليل تراعي مرضه أو تهتم به أثناء مذاكرته ، لن تفرح به عريسًا أو تصحبها عروسة إلى زوجها وهي تحمل لها طرحة عرسها ، لن تصبح أم .. فهي كُتب عليها أن تكون أنثى لا تصلح إلى دورها الرئيسي الذي فطرها الله عليه !!
حدقت إلى وجهها بالمرآة لتهمس بمرار شرخ حلقها : ما قيمتك .. ما مقدارك .. ما مدى منفعتك ، أنتِ لا شيء ، لا تستطيعين أن تكوني زوجة ، ولا تقدري على أن تكوني أمًا ، ولا تصلحي أن تكوني امرأة ، لستِ مغوية .. ولا مغرية ، لستِ قوية أو صاخبة ، ما الذي يميزك ، طهرك .. نقائك .. حجابك الذي جذبه إليكِ ؟!!
ما قيمة كل هذا أمام كثير من المباهج لا تمتلكينها أنتِ ، ما قيمة حبه الذي سيخبو مع الزمن أمام رغبته في الإنجاب وأن يكون له طفلًا يحمل اسمه ؟!
هتفت بنحيب ودموعها تنهمر مدرارًا : أنتِ لا شيء .. لا شيء .. لا شيء !!
سقطت وهي تصرخ .. تبكي .. تنتحب .. وتنطوي على نفسها في وضعية جنين يبحث عن أمان تفتقده وتريده .
حدثت جلبه أمام باب غرفتها لم تهتم بها بل انطوت على نفسها أكثر وهي تنتحب بصوت خافت ، تئن بوجع روحها ، وتبكي مقدار خسارتها ، لتنتفض من موضعها على ذراعين قويين يضماها بقوة حانية وصوته أخذ يهدهدها برقة وهو يهمس : لا تبكي يا صغيرتي.. لا تبكي ، لا شيء يستحق بكاءك ، لا شيء يستحق دموعك ، أنتِ درة العائلة وزينتها ، لا تبكي.
أنّت بصمت وهي تتلمس قربه ، تحتمي بصدره ليجبرها على النظر إليه ، يمسح دموعها و يهمس باسمها مرارًا إلى أن استجابت له ، عيناها التقطتاه وأدركتا وجوده ، فيهمس بصلابة وهو يضغط على جانبي رأسها بلطف : إيمان أفيقي ، إياكِ أن تنزوي أو تنطوي على نفسك ، إياكِ أن تقعي بل قفي بثبات ، نحن معك بجوارك ندعمك ونساندك ، فقط توقفي .. توقفي عن إيذاء نفسك .. انفضي ضعفك وتشبثي بقوتك ،
تمتمت بعدم وعي : أبيه .
ضمها إلى صدره وقبل رأسها : صغيرتي أنا هنا بجانبك .. معك .. لن أتركك .
تشبثت به أكثر : لا تتركني .
هتف بقوة : لن أفعل أنا معك .
نهض وهو يجذبها لتقف معه فتخبطت ليحملها برقة يقربها من صدره بحنان زائد قبل أن يضعها بفراشها ويجاورها بعد أن دثرها بالغطاء ، يفك وشاحها من حول وجهها ويملس على رأسها بحنو ودموعه تتجمع بعينيه ، دموع وقفت شاخصة بحدقتيه وهو يشعر بالذنب اتجاهها قلبه ينتفض ندمًا وجملة أبيه تتردد في أذنيه أن أخطاءه كان من الممكن أن تتحملها شقيقته ليزفر بقوة ويلهث برجاء : يا الله لا تحملها أخطائي لا تحملها ذنوبي لا توجعها بسببي .
استدار ينظر إليها ليربت على رأسها ويرتكن بجسده للخلف ، ثابتًا إلى جوارها منتظرًا افاقتها من نوم هربت إليه !!
***
نظرت إليه مليًا تراقب ملامحه التي ازدادت شحوبًا وتفاصيله التي تشنجت بألم يخفيه بقوة بداخله ، شعرت بالأسى حياله لتسأله بصوت مثقل بحزن : هل ستظل معها ؟!
رمش جفنيه ليرفع نظره لها : هل ترين شيئًا آخرًا ؟!
__ تحبها لهذه الدرجة يا مالك ؟! سألته بتعجب فابتسم بوهن – روحي معلقه بها ، كلما نظرت إليها قلبي يغرد باسمها ، وروحي تسرع لها ، أشعر بمناجاتها الخفية لي ، وأستمع إلى أناتها الخافتة المخفية داخلها ، كلما أبعدتني عنها ، أتشبث بها أكثر ، وخاصة أنها تبعدني حتى لا اكتشف عن ضعفها .. لا أرى حزنها .. لا أُصلح عطب روحها .
تنهد بقوة وأكمل : فقط لو تسمح لي بالاقتراب .. بالمساعدة ، سأشفي كل جروحها .
صمتت ماهي لوهلة قبل أن تنطق بجدية : ولكنها أبعدتك ، رفضت مساعدتك ، ورمت بيدك التي تريد انتشالها من أوهامها .
تشنج وجهه قبل أن يهمس بصوت أبح : نعم للأسف فعلت .
تنهدت ماهي بقوة : إذًا أنت مدرك أن لابد ، قاطعها بصرامة – لابد أن تنهض بنفسها ، تحارب أوهامها بمفردها ، وتنتشل روحها من أوجاعها .
ليكمل وهو يهز رأسه إيجابًا وهو يزم شفتيه بغضب تملكه : للأسف مدرك !!
اقتربت منه لتكتنف كفيه : ماذا أنت بفاعل يا حبيبي ؟!
أشاح بوجهه بعيدًا ليهمهم بصوت أجش : ليس بيدي حيلة سوى الانتظار يا خالتي .
جذبته فصلب جسده حتى لا يرتمي بحضنها لتسحبه بكامل قوتها وتضمه إلى صدرها تربت على رأسه : اخرج حزنك يا مالك ، حتى لا تفقد روحك يا حبيبي .
تمتم دون وعي وهو يغمض عينيه مستمتعًا بأمومتها التي تغدقها عليه : اشتاق إلى أمي .
تنهدت ماهي بقوة وهي تحارب دموعها حتى لا تبكي : اقرأ لها الفاتحة يا حبيبي .
تمتم بتلقائية بالآيات القرآنية المباركة فيشعر بروحه تسكن وتهدأ في حضن من ربته من صغره فكانت والدة بديلة وصديقة وفيه ليصدق منتهيًا ثم يرفع رأسه وينظر إلى عمق عينيها بعد أن أدرك شيئًا كان تناساه : خالتو ،
انتفضت بدهشة ليسألها بجدية : هل عدت لكامل الألفي ؟!
ابتسمت رغمًا عنها لتدفع رأسه بعيدًا عنها : اذهب يا ولد واخلد إلى النوم .
تمتم من بين اسنانه : ماهي .
ضحكت برقه : الآن اطمئن قلبي عليك ، هيا اذهب .
تمتم بضيق وهو ينهض واقفًا : لن أبات هنا على كل حال .
زفرت بضيق : لم أعود ولن أفعل يا مالك فأهدا واقض ليلتك هنا.
نظر لها من بين رموشه : تعلمين موقفي حيال البقاء هنا يا ماهي .
تأففت وهي تنهض بدورها : كم مرة يجب علي أن أخبرك أن هذا بيتي ، ليس ملك لكامل ولم يكن يوما ملكًا له . 
__ ولكنه بماله ، أتبع وهو ينظر لها من علو – اشتراه لك ولأجل ولده ، بعد أن قرر أخيرًا الاعتراف بكما .
تنهدت بقوة : لا تكن قاسيًا يا ابن أختي ، أعلم رفضك لكل شيء ولكن لا تنس أن القلب له أحكامه ، نعم اخترت خطئًا ولكني أحببت فتوقف عن محاسبتي ، فأنا تعبت من كثرة اللوم والعتب ، اكتفيت من الجفاء ويكفيني كره ولدي لي .
تهدلا كتفيه بندم ليضمها إلى صدره ويقبل رأسها : أعتذر يا خالتي .
ضربته بقوة على صدره : غادر يا مالك ،
ابتسم رغمًا عنه وهمس بمشاكسه خرجت مختنقة : لن أفعل يا خالتو .
ضحكت رغمًا عنها لتحتضن وجهه بكفيها وتربت عليه : حسنًا ، سأعد لك الغرفة .
أومأ برأسه موافقًا ليراقبها تغادر الغرفة فيستل هاتفه ويتصل بشقيقها الأقرب ليطمئن عليها !!
***
بعد عدة أيام ...
دلف إلى بيت والدته بخطوات بطيئة يريد الاطمئنان عليها وتلمس وجود أخرى بعيدة عنه ولكنها أمضت في هذا البيت الكثير من الوقت فبات يحمل رائحتها .. ظلها .. روحها ، سحب نفسًا عميقًا وهو يشعر بروحه تتجدد بذكراها التي داعبت عقله في رقة تميزها ، قبل أن يعبس تلقائيًا وهو يستمع إلى صوت خشن يهمهم في الداخل يحاوره صوت والدته بخفوت وهمهمة أفقدته كل تعقله وهو يتخيل برفقتها رجلًا غريبًا .
ارتعد جسده وهو يخطو دون وعي لمصدر الصوت وعقله يهيئ له الأسوأ وخاصة مع نهنهات صوت والدته ، ورجاء رجولي بصوت أجش يهمس باسمها في توسل .. دلال .. عشق .
تهدلا كتفيه والصوت يخترق إداركه فيتعرف على صاحبه  فينغزه قلبه بألم ، ينوي الرحيل ولكنه لم يستطع أن يتوقف قبل أن يرى بعينيه ما يحدث بينهما ، قلبه يصرخ بجزع .. جسده ينتفض باستنكار .. وعقله يرفض أي علاقة تٌقَاربهما ، حتى لو تزوجته دون علمهم !!
ولكنه توقف رغمًا عنه أمام غرفة المعيشة ووجهه يشحب بقوة والذهول يمتلكه بقسوة ، حينما رأى والده يجلس على ركبتيه أمام والدته الجالسة بكرسيها المفضل، ترفع رأسها بشموخ وتشيح بعينيها بعيدًا ، ملامحها جامدة .. عيناها قاسية ، بينما والده يكتنف كفيها براحته يقبلهما بكثرة ودموعه تغرق وجهه يتوسل لها صفح .. مغفرة .. وعفو ، ولكنها تأبى بإصرار وتعنفه بهدوء تهمس باسمه في زمجرة خافته ثم تتبعه بحزم : توقف يا كامل من فضلك .
رفع رأسه لها : ماذا علي أن أفعل حتى تسامحيني ؟!
نظرت له من بين رموشها : لا شيء ، لا تفعل شيئًا فقط توقف عن الظهور أمامي فأنا لن أخسر ولدي من تحت رأسك ثانيةً .
ضغط على كفيها بلطف : سأعتذر منه حتى يرضى فقط عودي إلي .
رفضت بعينيها قبل أن تهز رأسها بنفي صارم : لن أفعل وأنت تعلم .
تحشرج صوته وهو يجيب : سأموت يا ماهي ، أيامي في الدنيا معدودة وأريدك بجواري أرجوك .
قبل كفيها وأتبع : أريد أن أرد لك مكانتك .. أمنحك اسمي .. نفوذي .. ومالي الذي تستحقيه .
حاولت أن تملص كفيها منه ولكنه تمسك بهما فهتفت بحدة : لا أريد منك شيئًا يا كامل ، ما كنت أريده لم تفلح في منحي إياه ، لم أكن أريد كل هذا مالك .. نفوذك .. اسمك ، لا قيمة لهم الآن ، وحتى بالماضي ، لم أكن أريد كل هذا ، بل كنت أريد أمانك .. احتوائك .. تفهمك .. وأبوتك لطفل ترعرع في فقدان ونكران شوه عاطفته وأحرق قلبه في جحيم مستعر ينهشنه إلى الآن ، لأنك استكرت أبوتك عليه .
هتف بحدة : فعلت هذا لأنك تحديتني .
نظرت له بقسوة  وهمست بصرير : نعم تحديتك ، لأنك كسرتني .. هشمتني .. وأهدرت أنوثتي وكبريائي أمام زوجتك التي أهانتني ، فلم تجاوبها بكلمة واحدة ، ولم تجرؤ أن تعلن زواجنا أمامها ، زوجتك التي أمرتك بأن تتبعها ففعلت دون أن ترمش بجفنيك ، بل أخفضت رأسك وأنت تسير خلفها ، ولم تنظر نحوي ثانيةً ، وبعد مرور كثير من الوقت ذقت الويل فيه اهانه وتجريح وفضيحة نالت مني ومن عائلتي أتيت تتبختر وتمن علي باسمك ونسب ولدك ، وأنت تضمن عدم رفضها فابنك الذي أنجبته منها كان أرجل منك وفرض شروطه عليكما سويًا .
نكس رأسه بذنب فانتزعت كفيها منه ونهضت بكبرياء أزادها صلابه فتحركت مبتعدة ، تدير له ظهرها : كل هذا لا يهم الآن ، ما يهمني الآن هو ولدي .. طفلي .. ابني الذي أريد أن أنجده من بحر ظلمات يتوه به ، وكلما قاوم وحاول النجاة غرق أكثر ، وأنا أقف أمامه مكبلة لا أعلم ما الذي علي فعله لإنقاذه ، وإنقاذ أسرته الصغيرة التي تفككت قبل أن تتجمع .
نهض أبيه واقفًا وهو ينظر اليها باستجداء بعث بالغصة في حلقه فخنقته لتدير والدته رأسها وتنظر بجفاء لأبيه من فوق كتفها : لو إنقاذه توقف على اغراقك يا كامل ، صدقني لن أتردد لحظة واحدة ، فولدي أقرب .. أغلى .. أبقى لي منك ومن طيفك .
جمدت ملامح أبيه ليرمش بجفنيه كثيرًا قبل أن يهمس بقنوط : أصبحت قاسية يا ماهي .
لوت شفتيها بسخرية وهي تواجهه تكتف ذراعيها أمام صدرها وتهاف بتهكم : أنه حصاد زرعتك يا كامل ، فابتلعه حنظلًا بحلقك ولا تفكر حتى في طلب قليل من الماء لتبتلع جني يديك .
اقتربت منه وعيناها تومض ببريق مخيف : بل اشعر بمذاقه المر .. وتألم من شوكه الذي سيدمي حلقك .. وتعايش مع الإعياء الذي سيصيبك بسببه ، حس بما حييت فيه عمري الماضي ، وانساني واترك لي ما بقى من سنواتي أحياها في هدوء برفقة ولدي .
__ حسنًا ، سأتركك ولكن فقط امنحيني صفحك .
تهدج صوته برجاء فأجابته بهدوء : سامحك الله يا أبو ابني .
ارتعد جسد أبيه أمام عينيه قبل أن يمأ لها برأسه ويهمهم : إلى اللقاء يا من ملكت قلبي وستظلين مليكته .
ابتسمت ساخرة : الوداع يا باشا .
انتفض بسرعة ليختبئ خلف أحد أبواب الغرف ويقف مقتربًا يراقب مغادرة أبيه الذي كان يتحرك بثقل ، بل هيأ له أن ساقية لا تتحملاه ، فيخطو هو بعد أن تأكد من انصراف أبيه إليها فترق عينيه حينما أدركتاها وهي تجلس بكرسيها من جديد تجهش في بكاء صامت ، فيقترب منها بتلقائية يجلس أمامها مثل أبيه ليكتنف كفيها بحنو تملكه ، انتفضت بوجل ظنًا منها انه والده ، ليبتسم لها مطمئنًا ، نظرت له بذهول وتساؤل سطع بمقلتيها عن كونه استمع لها أم لا ، أومأ برأسه إيجابًا في خجل تملكه ، شهقت بحرج فأمال رأسه بعدم حيلة لتنهمر دموعها ثانية فيجذبها اليه يضمها إلى صدره ، يحتضنها برجاء قبل أن يهمس وهو يربت على رأسها : سامحيني يا أمي ، سامحيني .
تعالى صوت بكائها وهي تتعلق برقبته في احتواء ظنت أنه يحتاجه ولكنها كانت تحتاجه أكثر منه وهي تنعم بقبول طفلها في الأخير !!
***
عبس بتعجب وهو ينظر إلى ظهر من أخبروه بوجوده هنا في بيته بالصباح الباكر، يقف وينظر إلى الحديقة ويعقد كفيه من خلف ظهره ، لقد دُهش حينما أخبرته منال عن زيارته المفاجئة الغير مسببه  ، ولكنه استجاب لرجائها بأن يرحب به وهي تخبره أنه ينتظره في حديقة منزله ، فنزل لاستقباله ، كح بخفة قبل أن يهتف بترحيب مطعم بلكنته الانجليزية : مرحبًا يا بك ، نورت بقدومك .
التفت إليه وائل بهدوء وملامحه متعبة ولكنه ابتسم بلباقة : شكرًا لك ، البيت منور بأصحابه .
أشار إليه خالد أن يجلس بأحد المقاعد الخرزان الملتفة حول مائدة صغيرة : تفضل بالجلوس .
استجاب إليه بأريحيه فنظر إليه خالد وتحدث بجدية : فاطمة ليست هنا .
ابتسم وائل بسخرية : أعلم ، أنها ليست هنا ، ولكني لم آتي لها ، لقد أتيت لأجل أن أتحدث معك .
عقد خالد حاجبيه ونظر إليه بتوجس فابتسم وائل مطمئنًا : لا تقلق فقط ..
سحب نفسًا عميقًا ليزفره ببطء قبل أن يتابع : أردت تصفية كل الخلافات بيننا قبل أن نعود أنا وفاطمة سويًا .
ظهرت الدهشة بعمق حدقتي خالد ولكن ملامحه لم تهتز بينما وائل يستطرد : أعلم أنك لم تكن مرحب بي زوجًا لفاطمة ، لم تكن تثق بي ، ولو في ظروف مغايرة لما كان يحدث معها وقتها لرفضت زواجها مني بإصرار ، أنت لم تعجب بي أبدًا ، وأنا المثل لا يوجد كيمياء توافقية بيننا ولكن أنا نصيب فاطمة وقدرها ، و رغم أني لا أرحب بتدخلاتك ، وأرى أنك لست مسئولًا عنها ، ولكن هذا أيضًا لا يهم في شيء ، ما أريده أنا .. ما تريده أنت لا يهم ، ما يهم الآن هو فاطمة ،
نفخ بقوة قبل أن يعتدل بجلسته : أنا زوجها شئت أنت أم أبيت . وأنت في مثابة أخيها شئت أنا أم أبيت ، لا أريد مزيدًا من الخلافات بيننا فتؤثر عليها سلبًا فيما بعد .
ومضت عنيا خالد ببريق إعجاب لأول مرة ليبتسم ببرود كعادته : لا خلاف إن شاء الله ، ماكنت أنتظره منك فعلته وأنا الآن أطمئن على فاطمة معك ، أعدك بأن لا أتدخل بالسلب أبدًا .
ابتسم وائل براحة ليهتف : جيد ، شكرًا لك .
أومأ خالد برأسه ليتابع وائل بعملية : حسنًا لدي عرض لك أتمنى أن تقبله .
نظر إليه خالد باهتمام فأكمل وائل : اصغ لي .
***
تحركت بخطوات بطيئة كما تستطيع فهي تشعر بوهن منذ أن عادت إلى بيت والديها ، تعلم أنها ليست مريضة الجسد وأن روحها هي المعطوبة ، ورغم معرفتها ويقينها بذلك إلا أنها تشعر بالألم ينتشر في عظامها .. يخترق أوردتها .. ويجري مع دمائها ، دون أن تقو على ردعه .. إيقافه .. أو حتى التحكم به ، بل هي تستلم في خزي يزيد من آلامها ، ويضعف مقاومتها .
تحكمت في دموعها كيلا تبكي كما بكت على مدار الأيام السابقة واجبرت دموعها على العودة إلى مأقيها حينما تذكرت والديها واخوانها وزوجاتهم الذين يلتفون من حولها يبحثون عن راحتها ويؤازرونها بطريقة لم تتخيلها أبدًا !!
والدتها التي تتماسك أمامها بصلابة تمنت لو أنها أورثتها لها ، أبيها الذي يحنو عليها كما لم يفعل سابقًا ، نعم كان يدللها فهي فتاته .. مدللته على ثلاث ذكور يقسو عليهم حينما يتطلب الأمر إلا هي، ولكنه لم يكن حنون مراع كالآن ، فهو يدور من حولها .. يأتي ليلًا ليطمئن عليها .. يجلس بجانبها وهي نائمة فيملس على خصلاتها ويردد بعض من الآيات القرآنية لحفظها ، كما تفعل معها والدتها دائمًا ،ارتعش جفنيها وهي تتذكره في صغرها كان دائم الانشغال بسبب عمله فترك مسئوليتها إلى أخويها الكبار اللذان لم يتأخرا عليها يومًا ، فقسما مهام أبيها بينهما ، وائل يحنو عليها .. يقوم براعيتها ويعمل على حمايتها ، ووليد يدللها .. يستجيب إلى طلباتها .. ويعمل على راحتها ، فعاشت سنوات من عمرها هانئة إلى أن دب خلاف بين الكبار ففرقهما وشتت شملهما ، هرب وليد بعيد نائيًا بنفسه حتى حينما كان يسكن معهم ثم تركها خلفه دون أن يستجيب إلى توسلاتها التي رددتها عليه حينما قرر مغادرة القصر ، فاقتربت من وائل ترجو منه أمانًا .. حنانًا .. ودلالًا ، ولكنه الآخر انغلق .. ابتعد .. غضب .. وقسى ، إلى أن استحالت ملامحه إلى أخرى لا تعرفها .. تخيفها .. وترعبها ، فتوقفت عن الاقتراب منه .. الحديث معه .. أو السؤال عنه !!
لتدور حول نفسها بعدم اتزان تبحث عن أمان افتقده .. وحنان تشتاق إليه.. واحتواء تحتاجه ، فتقربت من شقيقها الأكبر منها مباشرة ، أحمد المختلف عن الآخران ، فهو حنون مراع.. ناصح آمين ، فاصبح أقرب إلى صديقها عن أخيها ، فلم يقدر على ملئ فراغ اثنين تفرقا فقسماها إلى نصفين ، مشتتة .. تائهة .. مبعثرة بينهما ، فإن كان بعاد وليد أوجعها ، فتغير وائل على الرغم من عدم ابتعاده كسرها ، فهي كانت كلما نظرت إليه شعرت بغربة تحتلها .. وبروده تجتاحها .. ونفور يغلف قلبها ، فغدت تبحث عن حبًا يمتلكها ويطرد جميع أشباحها ، وفي ظل انشغال أحمد عنها بدراسته وزواجه تعارفت على مجموعة من الأصدقاء لا يشبهونها دفعوها إلى التحرر الزائد .. الانطلاق .. واللامبالاة ، رغم اعتراض أمها ونصح احمد لها ولكنها تمسكت بهم في إصرار جديد عليها وتعنت غبي لجات اليه دون خوف فمن كانت تخاف أن يغضبا منها .. يخاصماها ، ابتعدا عنها وتركاها تتخبط دون وعي !!
لتقع في الخطأ الأكبر وتتعلق بمن لا يستحق ، لن تنسى أبدًا أنها نصبته بطلًا وكيف لا تفعل وهو أنقذها من أن تهوى إلى قاع بئر سحيق كان سيبتلعها ، فعشقته ولا تنكر أنه كان ماهر خدعها بحنانه .. احتواءه .. خوفه عليها .. وحمايته الدائمة لها ، فأصبح من روتين حياتها اتصالاته .. رؤيته .. اهتمامه .. نصحه .. ودلاله ، وأخذ على عاتقه تعليمها أمور دينها التي كانت تفقه فيه القليل ، استغل جهلها فاستولى على عقلها كاملًا بأفكاره المتطرفة وطريقته الغريبة في تناول الأمور، والتي تناقض نفسها في بعض الأحيان ولكنها كانت مغيبة .. عمياء .. معلقه بأحبال وهم ظنته حبًا ، لتكتشف في أخر الأمر أنها لم تكن سوى سلمه أرادها للتقرب من أبيها وتسهيل بعض المعاملات إلى عائلته ، التي لم تكن حينها تقو على المطالبة بها ولكن حينما ارتبط هو بابنة الوزير أصبحت كل السبل مفتوحة له .
كم كرهت نفسها حينما صارحها بذلك وهو يخبرها أن مهمتها في حياته انتهت وأنه سيتزوج من ابنة عمه التي أحبها منذ الصغر فهي متدينة .. مستقيمة .. نقية .. طاهرة ، ليست مثلها من قابلها في حفل ماجن كانت بين ذراعي آخر كاد أن يغتصبها !!
لم تشعر بنفسها حينها إلا ج وهي تصرخ ، تهشم كل شيء بغرفتها وعقلها يذكرها بمدى خسارتها لأجله ، يعيد عليها أحداث سنة ماضية تكبدت فيها الكثير ، فهي خسرت أبيها الرافض لارتباطها بمن أرادته ووافق على مضض حينما هددته بأنها ستهرب إليه وتتزوج منه ، نفور كَبيرها الذي كرهها لعدم استماعها إلى أوامره فلم تترك من كان طامعا بها ، فوائل أخبرها بنوايا الآخر الحقيرة ولكنها لم تصدقه بل تشاجرت معه بعنف أدى إلى اتساع الهوة بينهما وخاصة حينما لطمها لقلة أدبها معه فصرخت به أنها لا تريد اخوته ، لتتوالى الخسارات حينما شعرت بالحقد اتجاه ولاء التي أخبرتها بعلاقات الآخر الماجنة فقاطعتها وبدأت في نفث سموم روحها في أذني أحمد عن تصرفات زوجته الغير لائقة ، ولكن أحمد كان متفهمًا .. مراعيًا لحالتها الغريبة عليها ، فنصحها تارة وعنفها تارة أخرى ، ولكنها أبت أن تستمع أو تفهم ، رفضت أن تعي ما يفعله بها لتدور من حولها في ضياع حتى وليد البعيد حذرها أكثر من مرة وحاول بعض المرات أن ينتزعها من دوامتها ولكنها تعنتت ، لتجد نفسها في أخر المطاف وحيدة ضائعة فيستغلها شيطانها في لحظة ضعف ألمت بها مزينا لها الموت على حياتها الموجعة !! 
تساقطت دموعها رغمًا عنها ونفسها تلومها .. تعاتبها .. تنهرها على ما فعلته نفسها ، وتخانقها على ما أضاعته من بين يديها
__ مالك ،همستها بأنين باك وهي تسقط جالسة أرضًا تنهمر دموعها في ازدياد وهي تتذكره بابتسامته الحانية .. عيناه العاشقة .. ملامحه الفاتنة .. وخفقاته الهادرة لها ، كان هدية القدر ، ولكنها خافت فتمنعت .. تبطرت .. تجبرت ، فكان الجزاء من جنس العمل ، وعدم قدرتها على الإنجاب ما هو سوى انتقام من رب العالمين فهي لم تصون هديته .. منحته .. وعطاءه ، ولكن أليس الله غفور رحيم ، يهدي من يشاء ويقبل التوبة ويمنح بعطاء وجزل ، ألا تستحق فرصة أخيرة تعود فيها إلى رشدها وتتلافي فيها أخطاءها ؟!! ألا تستحق عفوًا ومغفرة ؟!! الا تستحق عطاءً الهيًا جديدًا .. منحة ربانية ، أنها ليست شقيه ولكنها غبية ، لم تشكر الله كما ينبغي ولم تحافظ على عطائه ، ولكنها ستتوب وتأوب وتعود إليه ،إلى رحاب الله وجنة مغفرته ، ستتقيه وتحمده وتسجد له وتعبده وتدعوه وتطلبه وتحسن الظن به ، فهو عند حسن ظن عباده به ويستجيب إلى دعائهم .
انتفضت واقفة ، مسحت دموعها بهدوء ونوت الصلاة فتوضأت  ارتدت عباءتها الفضفاضة ، ووقفت بين يدي الله ، فكبرت ورتلت ، ثم ركعت وسبحت ، لتسجد بخشوع ، فبكت وتضرعت، همست  بدعاء قلبها وطلبت سكينة نفسها ، ففاضت ماقيها بدمع غسل روحها وحدد ملامحها بصورة مغايرة ، لترفع رأسها وابتسامة هانئة تلتمع على ثغرها .
***
استلقى على فراشه الصغير بتعب فها هو يوم أخر ينتهي في هذه الغربة التي تنهكه ، رغم اعتياده على السفر طوال الوقت ، فهو كطائر مرتحل ينتقل من بلد إلى بلد ، يزور العالم بأكمله فمهنته كتبت عليه التنقل والترحال والسفر من بلد لبلد وكان هذا سببًا رئيسيًا في انتقاءه لها ، فهو منذ صغره يكره التقيد .. الروتين .. الاعتياد  يصيبه بالملل ، دومًا كان حرًا في أفعاله .. جامحًا في قراراته ، روحه تجوب الفضاء وقلبه يقفز بصخب ، فاختار عملًا يضمن له الحرية والتحليق في السماء ، عملًا كان سبب في ابتعاده عن كنف أبيه وبداية قطيعة لم تعم عليهما ولكنها فرقت بينهما !!
والآن كل شيء تغير حينما تعلق وارتبط بها .. أحبها .. وأدمن وجودها ، فأصبحت مهنته شاقة .. مؤلمة .. موجعة لروحه التي لا تستكين إلا إلى جوارها ، فالبعد أصبح مٌتعِبًا .. والسفر أصبح مؤلمًا .. والترحال موجعًا .. والشوق إليها مهلكًا ، وخاصة بعدما رضت عنه أخيرًا ، بعد تلك المواجهة التي حدثت بينهما ، حينما فاض السيل وهدم السد الواقف بينهما ، حينما أجبرها على سماعه وأخبرها بقصته ، تنهد وأسند رأسه إلى الخلف أغمض عينيه وهو يتذكر ملامحها المذهولة من صراخه الغاضب حينما هتف بها : أخبريني الآن عم تتحدثين عنه ؟!
أجابته متلعثمة : لقد استمعت إليك وأنت تتحدث معها على الهاتف .
اتسعت عيناه بذهول ليتمتم : أقسم بالله لم يحدث لم أتحدث إليها قط بعد ما فعلته معك ، وافترائها علي بشيء لم يحدث بيننا ، لم أهاتفها  ثانيةً ولم أتحدث معها ، نعم ذهبت من خلفها وبحثت عنها ولكني لم أقابلها ، بل قابلت أخيها وأخبرته بكل ما كان بيننا، وأنه لم يكن هناك نصيبًا لنا سويًا ، أخبرته بأني الآن متزوج من امرأه أحبها وأن أخته كادت أن تهدم بيتي بمجيئها ، كان شابًا عصريًا ينتمي للطبقة المخملية شكلًا وعقلًا ، تفهم جيدًا موقفي واعتذر لي ووعدني أن كارلا لن تعترض طريقي ثانيةً  ، وهذا بالفعل ما حدث ، ومن حينها لا أعرف عنها شيئًا .
عبست بتعجب قبل أن تهتف بحدة : كاذب ، لقد أخبرتني أنك رأيتها وهذا كان سبب نزيفي .
زفر بقوة : نعم كانت بالمطار مع أخيها الذي ألقى التحية علي مجاملة لا أكثر وأنا لم أنظر نحوها على الإطلاق ، بل سرت في طريقي مبتعدًا وأنا أتحدث إليكِ لأخبرك أني وصلت .
اهتزت حدقتيها بحيرة : مع من كنت تتحدث إذًا ؟! نظر لها بعدم فهم فتمتمت - كنت تتحدث بالإيطالية أنا متأكدة .
رفع حاجبيه بتعجب ليلوي شفتيه بسخرية : كيف أتحدث بالإيطالية وأنا لا أفقها يا أستاذة يا معلمة الأطفال ومربية الأجيال.
عبست بحنق طفولي ليتابع باستهزاء : أنا استطيع الحديث بالإسبانية يا زوجتي وليس الإيطالية .
رفعت حاجبها بعدم تصديق لتساله بأسلوب مشابه لاستهزائه : كيف كنت تتحدث معها إذًا ؟!
__ بالإنجليزية ، رد متهكمًا فشحب وجهها قبل أن تهتف بعناد – مع من إذًا كنت تتحدث وتضحك بمرح ؟!
أسبل جفنيه ليهمس بصوت مختنق : يوجعني شكك يا منة ، يؤلم قلبي ، ويهين كرامتي ، ولكن أنا السبب فأنا الغبي الذي أخفى عنك وقرر ألا يصارحك خوفًا أن يجرحك فأدميت قلبك وأنا غافلًا.
تنهد بقوة : لذا سأجيبك كما أتوقع ، أنك استمعت لي وأنا أتحدث مع وكيل الشركة الأجنبية التي تعرض علي عملًا جديدًا بمرتب مجزي ، كنت فرحًا بالعرض وخاصة وهو يتضمن دورة تدريبية لمدة ثلاث أشهر في أمريكا أستطيع أن اصحبك معي فيهم ، لذا زادت حماستي وقررت أن أفاجئك بها وأنا أفكر أنك لم تحظي بشهر عسل خارج البلاد كديدي ، وبالفعل استخرجت لك جواز سفر وكنا سنسافر بداية الشهر المقبل ولكن الآن ، لا أعتقد أننا سنفعل ، ليس لكونك غاضبة أو لكوني مجروح من شكك في ، بل لأن حالتك الصحية لا تسمح .
عضت شفتها حينها بذنب اعتلى ملامحها ليكمل بصوت جاف : والآن سأتركك كما طلبت يا ابنة العم وأعدك أني لن أضايقك، بل سأعتني بك نفسيًا وعصبيًا على اكمل وجه فلن تري وجهي ثانيةً إلى أن تلدين بالسلامة .
هم ليغادر بالفعل قبل أن تشهق باسمه في بكاء عم صوتها ليلتفت إليها فيجد الدموع تغشى عينيها ، ذقنها يرجف بألم أثار حنانه إليها ،تشير له بالاقتراب فاستجاب بطواعية وملامحه جافة لتنفرج بابتسامة رائقة حينما رمت بنفسها على صدره وهي تنتحب وتهمس له : لا تذهب .. لا تتركني .
ضمها بقوة إلى حضنه بقوة : وهل ظننت أني سأفعل ؟!
نظرت له بدهشه فاتسعت ابتسامته بمكر كلل حدقتيه : كنت أهددك فحسب ، فأنا اقترنت بك يا حبيبتي ولا أقو لا على البعاد أو الفراق ، روحي معلقه بروحك وقلبي يسكن صدرك ، ودونك أنا لا شيء .
توردت وجنتيها والحياة تنبعث من عمق عينيها تداعب قلبه بأمل جديد معها ليتمتم بصوت أجش وهو يعتقل نظراتها داخل زيتون عينيه : أنتِ عمري كما غنت سومة يا عاشقة السِت.
ضحكت حينها برقة واستجابت لعناقه .. قبلاته .. حبه.. ووصاله الذي ادخره إلى أن عادا الى بيتهما ، وعاشا بطبيعية إلى أن أتت موعد دورته ففارقها رغمًا عنه وروحه معلقه بها ، يصبره في بعادها مكالمتهما الهاتفية وصوت سيدة الشرق الذي يستمع إليه يوميًا وهي تشدو ب " انت عمري " فيشعره بوجودها من حوله
أدار مشغل الاسطوانات على الأغنية التي أصبحت من دعائم حياتهما ، فحينما يتشاجران .. يتناقران .. يختلفان كأي زوجين ، يقوم أحدهما بإدارتها فينجلي الخلاف .. تنبعث الابتسامات .. تتصل النظرات .. ليسكنا إلى بعضهما من جديد متناسين سبب الخلاف ويتوصلان لاتفاق جديد يدعم حياتهما ويصبح ركيزة جديدة يستندان عليها .
داعب هاتفه واتصل بها ليأتيه صوتها الأبح ، تجيب بنعاس أشعل شوقه لها ليدندن مع صوت سيدة الشرق الذي يصدح من حوله
هات عينيك تسرح في دنيتهم عنيا
هات ايديك ترتاح للمستهم ايديا
يا حبيبي تعالى .. يا حبيبي تعالى
وكفاية اللي فتنا .. هو فاتنا يا حبيب الروح شوية
همهمت برقة : اشتقت إليك .
تنفس بقوة : وأنا يا حبيبة الروح ، أموت شوقًا .
تمتمت بصرامة : توقف عن ذكر الموت يا ماهر أرجوك .
ابتسم بمكر : حسنًا فقط لا تغضبي ، قابله الصمت فاتبع – هل أيقظتك ؟!
شعر بتقلبها في فراشها وهي تتنهد: كالعادة .
ضحك بمرح : في السابق كنت تستيقظين قبلي ، الآن أصابك الكسل .
ابتسمت وهي تربت على بطنها المنتفخ : بل ابنك هو السبب ، تنهدت بقوة – متى ستعود ؟!
زفر بقوة : ليس بالكثير ، فقط أخشى أن تلدين وأنا ليس بجانبك
ضحكت برقة : لا تخف سأحتجزه إلى أن تعود ، لابد أن تتألم معي وأنا أضع طفلك .
ضحك بخفة : نعم لابد أن أشاركك وجدانيًا على الأقل .
تمتمت : أخبرني كيف حالك اليوم ؟!
همس بصوت أجش وهو بشعر بجسده يسترخي : أشتاق لأن تضميني إليكِ .. تغرقيني بدفئك .. تغدقين علي قبلاتك تفقديني صوابي برقتك
ضحكت برقة فهمس بحنق : أنتِ لا تساعدين يا ابنة العم وأعدك بأني سأنتقم حينما أعود .
تمتمت وهي تتنهد بشوق : فقط عد لي سالمًا وحينها افعل ما تشاء .
زمجر بخشونة : كان علي إلا أستجيب لك وأعتذر عن العمل برمته حتى أظل إلى جوارك .
ابتسمت بسعادة تظلل عليهما لتردد بمكر مع صوت الست الذي يصلها عبر الأثير
يا أغلى من أيامي .. يا أحلى من أحلامي
خدني في حنانك خدني .. عن الوجود وابعدني
بعيد .. بعيد
أنا وأنت بعيد .. بعيد وحدينا
على الحب تصحى أيامنا .. على الشوق تنام ليالينا
تنهد بقوة وهي تكمل بعاطفة شعر بها حتى وهي بعيدة عنه مئات الأميال
صالحت بيك أيامي .. سامحت بيك الزمن
نستني بيك آلامي .. ونسيت معاك معاك الشجن
فيشدو معها بتناغم  سرى فيما بينها بصوته الأجش وأنفاسه المتسارعة ، يهدر قلبه معلنًا انتمائه لها ويشعر بقلبها – حتى وهو بعيد عنها - يخبره بحبها
رجعوني عينك .. لأيامي اللي راحوا
علموني أندم .. على الماضي وجراحه
اللي شفته .. قبل ما اشوفك عنيا
عمر ضايع .. يحسبوه إزاي عليا
اللي شفته .. اللي شفته
قبل ما تشوفك عنيا .. عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا
اللي شفته قبل ما اشوفك عنيا .. عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا
أنت عمري
أنت عمري .. اللي ابتدا بنورك صباحه
أنت .. أنت .. أنت عمري
همس باسمها في صوت مثقل بعاطفته لتغمغم هي ردًا عليه : أحبك .
***
__ هل زال مرضك ؟!
صدح صوته قويًا بأذنها لتتمتم : أصبحت أفضل .
__ صوتك لا يخبرني بذلك ، سأنهي عمليتي القادمة وآتي إليكِ .
تنهدت بوهن : لا تترك عملك لأجلي ، إن شاء الله سأكون بخير .
هتف بضيق وصلها جيدًا : لا أستطيع التركيز وأنا أفكر بأنك مريضة وأني تركتك بمفردك .
تنفست تهدئ من لوعة معدتها التي تئن تعبًا : أنا بخير صدقني ، ثم أنا من دفعتك للمغادرة ، فمرضاك يحتاجونك أكثر مني .
زم شفتيه بحنق : وهذا أكثر ما يغيظني ، لقد عاندت فرفضت أن تذهبي إلى الطبيب أو تتركيني أمكث معك .
ابتسمت برقة : سأستعين بمنة إذا احتجت شيء ، فقط توقف أنت عن القلق .
تأفف ساخرًا : منة ؟! منة تريد من يعاونها فقد قاربت على وضع جنينها .
__ محمود ، همستها بجدية لتكمل – توقف عن التبرم واذهب الى عملك وأنا سأكون بخير ، فأنا لست أول أو آخر امرأه تصاب ببرد في معدتها .
عم الصمت عليهما قليلًا ليأتيها صوته حاد رغم خفوته : أنتِ لست أية امرأة أنتِ زوجتي وأنا أخاف عليكِ .
ضحكت رغمًا عنها : أنا أعلم يا حبيبي ، ويكفيني فخرًا أنني زوجة الساحر الطبيب محمود المنصوري ، ولكن لا تنسى مرضاك وقسمك ومهنتك وتنشغل بي ، فأنا سأكون بخير .
تنهد بقوة : حسنًا استريحي اليوم ولا تتركين الفراش ، دعي سيدة تفعل شيئًا من مهام وظيفتها .
لوت شفتيها بنزق : أنت تعلم أني ..
قاطعها : أعلم أنك لست راضية عن توظيفي لها ولكن المنزل احتاج لعاملة في ظل وجود منة فأنا أشفقت عليكِ من الاعتناء بمنة والقيام بأمور المنزل فأردت أن أدللك وأدلل نفسي تباعًا فأنتِ كنت دومًا مرهقة وتوقفت عن الاعتناء بي في غمرة مشاغلك
ابتسمت : لا حرمني الله منك
__ ولا منكِ ، سلام يا حبيبتي .
تمتمت برقة : لا إله إلا الله ، فأجاب بهدوء قبل أن يغلق – محمد رسول الله .
تنهدت بقوة وهي تضم الهاتف إلى صدرها تحمد الله على السعادة التي تحيا بها ، نعم هناك اختلافات بوجهات النظر .. تباين في الآراء .. ومشاجرات في بعض الأحيان تنتهي إلى تقارب أكثر بينها وبينه ، فالاختلاف يقربهما لا يفرقهما ، فهما مرا بالأصعب والأشد من هذه الخلافات الطبيعية التي تحدث بين أي زوجين .
تألق الامتنان بعينيها وهي تفكر لو لم تتزوج محمود من كان ليتحملها غيره ، ومن كان ليعتني بها غيره .. من كان ليحبها مثله ، هتف قلبها بصخب : لا أحد ، فلا أحد مثله ، يكمل نواقص شخصيتها ، يدعمها ويساندها ، وإذا تطلب الأمر سيحملها على أعناقه ويمض بها .
تنهدت بعشق تفجر من عينيها وهي تتذكر دعمه الغير مباشر لها في هذا العشاء الذي لم ترفض حضوره ، بينما تخلف أخيها وزوجته لظروف منة الصحية السيئة ، فذهبت إليه وهي تشعر بأنها تسير على حبل رفيع إذا اهتز توازنها ستقع ، ولا سبيل للرجوع بعد الوقوع ، فكانت تجبر نفسها على التماسك والتظاهر بالقوة لتأتي لمسته الحانية وتبدد توترها فدلفت إلى جواره وكأنها ملكة زمانها ، تتأبط ذراعه وترفع رأسها بفخر استمدته منه ، وعشق مازج بين روحيهما فخفقت قلوبهما بنفس الوتيرة العالية، رمقته بطرف عينها وهو يصافح هشام بأخوة لطالما كانت بينهما وبعض التحفظ جديد عليه ولكنها لا تهتم ، فليفعل زوجها ما يشاء ليسكن نفسه ويريح قلبه ، انتبهت من أفكارها على صوت هشام الحاني وهو يرحب بها فابتسمت برقة وبادلته الترحيب بلباقة وهي تبحث عن هنادي التي أتت ترحب بهما وتعاتبها بود عن غيابها الفترة الماضية .
بعد مرور الوقت وجدت نفسها تتصرف بأريحية فزال التوتر وعمت الضحكات وكللت السعادة الأجواء فهدأت الأنفس وخاصة وهي تشعر بهدوئه وعيناه تلمع بحبه ، فاقتربت منه مسيرة حينما وجدته وحيدًا لتسأله : سعيد بالعشاء ؟!
التفت إليها ينظر إلى عمق حدقتيها اللتين تبوحان بالكثير هو فقط من يفهمه ليهمس بصوت أجش : جدًا ، ولكن سأكون أكثر سعادة إذا عدنا إلى بيتنا الآن ، فهناك حديث بيننا لا ينتهي .
توردت وجنتيها وهي تبتسم بمكر ، تتكئ بجسدها على صدره بعفوية وتهمهم : ألن ينتهي هذا الحديث ؟!
فيهمس بجانب أذنها : أبدًا .
زفرت بعمق ووجهها يحتقن بالكامل حينما تذكرت شغفه الشديد بها تلك الليلة و شوقه الذي غمرها ، ووصاله الذي امتد لساعات طويلة فمحى كل ما سبق وحدث بينهما ، فتصالحا .. وتصافيا .. وتعاهدا .. وتحابا ، ومن حينها والأمور بينهما مميزة .. مستقرة .. صادقة.. هانئة .. وهادئة .
وضعت كفها على بطنها لتبتسم بسعادة كبيرة وهي تفكر أن لو ما تشعر به صحيحًا ستصبح حياتها مكللة بسعادة لا تنتهي ، كم تتمنى أن ترزق بطفل يقر أعينهم بوجوده فتهدي إلى محمود فرحة لا مثيل لها وتمنحه حبًا لا يقدر بمال .
***
تسير بأروقة الشركة وهي تشعر بالحنق ، تتبرم بنزق وهي تفكر في أخيها الذي أجبرها على تأجيل سفرها إلى أن يعود بزوجته ، سعيدة هي بعودة سوزان وتدعو الله أن يتصالحا ويعودا سويًا ولكنها غاضبة من تعنت بلال ومنعها من السفر إلى أن يعود فهو يرى أن لا يتركا المؤسسة بمفردها ويسافرا في نفس الوقت ، تبرمت بغيظ  خافت : ماذا سيحدث بها إذا تركت لوحدها ؟ سيأكلها الوحش ؟! أم يستفرد بها الموظفون ويراودوها عن نفسها ؟! بحق الله انها شركة .. جماد .. لن يحدث لها شيء .
ضربت قدمها بالأرض في طفولية وهي تهز رأسها بضيق  حينما لم تجد الآنسة مديرة مكتب أخيها ليست بمكانها كالعادة ، فتسير بغيظ أكثر وهي تحمل بعض من الملفات التي أخذتها من القسم الهندسي لتنظر إليها وتهم بالدخول إلى مكتب أخيها الذي تستخدمه في غيابه حينما أتتها ضحكات خافته من ورائها ، عبست بتعجب وهي تلتفت لتنظر إلى من يضحك عليها .
عم الذهول على ملامحها وهي تنظر إلى الكيان الرجولي الذي نهض واقفًا في نفس لحظة التفاتها ليجبرها أن ترفع عنقها وتنظر إلى وجهه فتشعر بحلقها يجف وهي تدير عينيها على ملامحه  الوسيمة ، ابتسامته الماكرة بلمحة ساخرة تحدد عينيه الرماديتين ، كحت حتى تستعيد صوتها ، تجبر نفسها على التحكم في إعجاب عينيها وتعتدل بوقفتها في صرامة افتعلتها بتحكم وهي تنظر له باستعلاء : أفندم .
رفع حاجبيه بدهشة قبل أن يضحك ثانيةً بأريحية أغاظتها فهتفت بنزق : أنت يا حضرة ، هل اخبروك أننا نقدم مسرحيات هزلية فأتيت لتضحك عليها ؟!
برقت عيناه بتسلية واضحة فهتفت بغضب : أفصح عن كينونتك قبل أن أدعو الأمن ليلقيك خارجًا .
لوى شفتيه في شبه ابتسامة جانبية جعلت قلبها يقفز بتوتر قبل أن يهمس بصوت رخيم دافئ : أهدئي قليلًا يا آنسة ، فلا داع لكل هذا الانفعال .
اقترب خطوة أخرى منها فشعرت بتهديد لا تعرف مصدره سوى اقترابه منها وهو بتابع بخبث تعاظم بملامحه : ألستِ آنسة ؟!
رفعت رأسها بشموخ وهي تسيطر على ارتباكها الداخلي : بالطبع أنا إيناس سليم يا هذا .
اتسعت عيناه بانبهار ليهتف بلكنة أجنبيه : وااااااااو ، أنتِ إيناس ، الصغيرة إيناس .
عقدت حاجبيها بنزق لتهتف بحدة : لا تناديني بالصغيرة .
انطلقت ضحكته بقوة فتكتم هي شهقة داخليه كادت أن تفلت من بين شفتيها ، هتف بمرح : أنتِ كما أنتِ ، شرسة .. جامحة .. قوية .. وفاتنة .
اربد وجهها بغضب وصاحت : تأدب يا هذا واحفظ مقامك وأخبرني الآن من أنت قبل أن أدعو لك الأمن بالفعل .
ابتسم بطريقة مميزة ليسالها وهو يقترب خطوة أخرى فتحركت هي مبتعدة عنه : ألا تعرفينني حقًا ؟!
شدت جسدها بتصلب وأشاحت بوجهها بعيدًا وهتفت بغيظ : لا أظن .
هم بالحديث قبل أن يقاطعه وصول مديرة المكتب التي استقبلته في وقت سابق لتهتف بجدية : إيناس هانم ، الدكتور آدم عز الدين ينتظرك منذ مدة وأنا ذهبت لأبحث عنك من أجله .
ارتدت رأسها له ، تنظر له من جديد وتهتف بذهول : آدم عز الدين .
اتسعت ابتسامته فظهرت غمازته الوحيدة تضوي في وجنته اليمنى وهو يقترب منها ويمد يده ليصافحها : اشتقت إليكِ يا صغيرة .
***
وقف عند باب المنزل الساكنة فيه حسب ما أخبرته عمته التي هاتفها ليستطيع الوصول إليهما بعدما توقفت ابنتها عن الحديث إليه أغلقت هاتفها وتوقفت عن الاتصال به ، فاستعان بعمته التي رحبت للغاية بمساعدته ولبتها على الفور وأخبرته بعنوان البيت الذي استأجره عم سوزان فيمكثا به على راحتهما ، ليصل هو اليوم ويأتي رأسًا من المطار إلى العنوان الذي أملته عليه عمته، سحب نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيه استعدادًا لرؤيتها ، يشعر برائحتها تهف عليه .. تملأ رئتيه .. وتجري بأوردته .. فيقفز قلبه بهدير مطعمًا بحروف اسمها الذي اشتاق مناداته ، قرع الجرس بعدم صبر فيستقبله وجه عمته السعيد برؤيتها له فتضمه .. تقبله .. ترحب به .. وتهلي بقدومه ، سألها عنها فأجابته أنها بالداخل تنتظر وصوله في غرفة المعيشة .
سحب نفسًا آخرًا لينتبه إلى عمته التي همت بمغادرة البيت فيسألها بتعجب : أين تذهبين ؟!
ابتسمت عمته بهدوء : سأذهب للبقالة ، كنت أنتظر وصولك حتى لا أترك سوزان بمفردها .
رمق عمته بتعجب فغمزت له : اذهب إلى زوجتك ، أتمنى عندما أعود أجدكما تصالحتما .
تمتم بدعاء صادق : يا رب ، دعواتك يا عمتي .
تمتمت بالدعاء الصادق وهي تغادر بالفعل وتغلق الباب خلفها ليشد جسده بصلابه ويدفع الشجاعة لأوردته ويحث نفسه بإصرار : لن تُخطأ ، لن تُخادع ، لن تكذب ، ستخبرها بكل شيء وتحصل على غفرانها وتعيدها إليك .
تحرك بخطوات متمهلة ليقف أمام باب غرفة المعيشة المفتوح كتم أنفاسه والشوق يتحكم في ضربات قلبه التي قرعت كطبول الحرب حينما التقطتها عينيه تقف أمامه تدير له ظهرها تنظر من الشرفة وتبدو شاردة فيما تراه خارجًا ، خصلاتها التي استطالت كثيرًا مفرودة على ظهرها  فتخفي جسدها عنه ، قامتها القصيرة ممتلئة بعض الشيء عم يذكر ، تقدم دون وعي لتنتشله من استغراقه فيها حينما هتفت بصلابة : لا تقترب .
استجاب على الفور وهو يشعر بالتوتر ينخر بعظامه ،فأكملت بجدية : لابد أن تعلم قبل أي شيء سبب رغبتي في مجيئك ، وسبب رغبتي في العودة إليك ،
تنفست بقوة وهي تحاول التحكم في دموعها التي تجمعت بحلقها وتتبع بسرعة حتى لا تمنحه فرصة للحديث : كنت أظن أني قادرة على الابتعاد .. الفراق .. العيش دونك ، ولكني اكتشفت أن لا حياة لي في بعدك ، أنا تعبت من كل شيء لا أقو على تحمل المزيد ، لا أقدر على الاخفاء ، لا أستطيع الهروب .
استدارت اليه لتهتف ببكاء : أنا أحبك يا بلال أرجوك سامحني لم أقصد أبدًا أن أجرحك .. أظلمك .. أؤذيك .. أو أخدعك ، أنا آسفة على كل شيء .
عم الصمت عليهم وملامحه المذهولة تنطق بدهشته العارمة ينقل نظره بين وجهها الشاحب بدموعها المتساقطة وبين بطنها المنتفخ قليلًا ليهمس بصوت ابح : هل ما أراه صحيحًا أم أنا يهيأ لي ؟!
بللت شفتيها لترمش بعينيها ليتابع بجدية : هلا أجبتني من فضلك ؟!
هزت رأسها بتشنج لتتمتم بخفوت شديد : لا يهيأ لك .
__ يا الله ، صرخ بها وهو يقفز أمامها بحبور اجتاحه ، يضحك بصخب وهو يسرع إليها يجثى على ركبتيه امامها يقبل كفيها بكثرة وينهال تقبيلًا على بطنها المنتفخ قبل أن ينهض من جديد ويحتضنها بفرحة عارمة ، تعالت ضحكاتها مع ضحكاته التي نثرها فوق رأسها ممزوجة بقبلاته الدافئة ليضمها إلى صدره وهو يهتف بها : بل سامحيني أنتِ .. اغفري لي ، أنا آسف لأني خدعتك .. آسف لأني كذبت عليكِ .. آسف لأني أوهمتك ،
أبعدها عنه قليلًا : ولكني لم أحتمل أن تكونين لغيري أبدًا ، فأوهمتك بكوني مريضًا ولكن والله لم أتزوج منك إلا ليلة الزفاف فقلبي لم يطاوعني أن أقرنك بي وعلى ذمتي أخرى غيرك .
تصلبت ابتسامتها على شفتيها لينتفض جسدها وهي تبتعد عنه تسأله برجفة تملكت منها : ماذا تقول ؟!
ارتعشت حدقتيه ليسألها بعدم فهم : أنتِ لا تعرفين إذًا ؟!
__ لا أعرف ماذا ؟! سألت بحدة فأجاب بتلقائية – لم أتزوجك في تلك الليلة ، كنت أخدعك فحسب حتى لا ترفضين العريس ،
نظرت إليه بصدمة : وأجبرتني على الزواج منك بنفس الخدعة .
ازدرد لعابه ليتمتم : لم يكن ليلق بك إلا أتزوجك بالطريقة الصحيحة يا سوزان ، وضعت يدي بيد عمك وشهد على عقد الزواج أمير ويحيى .
اهتزت وقفتها لتتمسك بطرف الكرسي لتهمس بعدم تصديق : كنت أظنها لعبة مفتعلة منك لتوهم عمي بأننا نتزوج ، وأمير يشاركك بها حتى لا تكون هناك فضيحة إذا لم نعقد القران أمام الناس ، لم أشك للحظة أنه زواج حقيقي .
التفتت إليه لتصرخ : لم تتزوجني وأنت مجنون إذًا ؟!
رمقها بطرف عينه : لم أكن مجنون قط ، أنتِ من افتعلت هذا المرض الذي لا أساس له لتبقين معي لو كنت قمت ببحث صغير على الانترنت عن المرض النفسي لعلمت أن هذا المرض الذي افترضت وجوده ما هو إلا وهم .
صرخت بجنون : كنت تبيت لدي يوميًا .
نطق بجمود : كنت متحكم بنفسي جيدًا يا سوزان حتى تلك الليلة التي كدت أن أقبلك فيها تحكمت بمشاعري ولم أتجاوز قط ، كنت أجلس بجوار ابنة عمتي كما كنا نفعل دائمًا في الماضي ، كنت أجاورك الفراش كما كنتِ تفعلين في السابق ، أم لعلك نسيت من كان يخترع الأسباب لينام بفراشي أو لتجبريني على النوم بفراشك .
احتقن وجهها لتهتف بحدة : سأريك النجوم بعز النهار يا بلال على خداعك هذا .
ابتسم رغمًا عنه ليهمس بخبث : وأنا راضٍ ولكن وأنتِ معي بجواري وبجانبي ، لن يرضيكِ أن يصل سالمًا إلى الدنيا وأنا لست معكما.
أسبلت جفنيها لتتنهد بقوة : نعم لذا طلبت منك المجيء .
تهلل وجهه فرحًا ليهمس : سامحيني .
رفعت عينيها له : سامحت من قبل أن تأتي .
لمعت عيناه بعشقه القديم يفيض إليها دونًا عن غيرها كما اعتادت من قبل لتهمس بهدوء : أنه طفل ذكر ،ارتجف جسده ولمعت الدموع بعينيه لتكمل بهدوء - سأسميه سليم، فرغم كل شيء أنا أحب خالي جدًا .
تمتم بصدق : بإذن الله لا يرث منه سوى اسمه . ليكمل وهو يقترب منها ثانيةً – ولا يرث مني أي شيء ، أريده جميلًا يشبهك .
تمتمت بجدية : لا تقترب . لمعت الابتسامة على ثغره فأضاءت ملامحه - لا تقوي على إبعادي
__ بلال ، صرختها بحنق افتعلته حينما جذبها وضمها اليه لتتابع بخفوت - أمي في الخارج .
همس بصوت أبح وعيناه تظلم برغبته الواضحة فيها : عمتي غادرت حينما وصلت .
دفعته برقة في كتفه : ابتعد عني .
لامسها بطرف انفه في صدغها : لن أفعل ، بل سأحملك إلى غرفتك لآخذ حقي منك كاملا يا ابنة العمة .
تمتمت وهي تنظر إليه : وكيف سآخذ حقي انا منك ،
طبع قبلة عميقه فوق رأسها ليتبعها بقبلة لامست طرف ذقنها : كلي ملكك يا سوزان فقط عديني أن تعودي معي .
__ سأفعل ،
همستها بخفوت لينحي بالفعل ويحملها فتتمسك برقبته سألها بجدية : أين غرفتك ؟! اجيبِ سريعًا لأنك أصبحتِ ثقيلة الوزن جدًا وأنا أخاف أن تقعين أرضًا .
صاحت باسمه في حنق ليقهقه ضاحكًا وهو يخطو بها إلى إتجاه الغرف قبل أن يهمس بجانب أذنها : اشتقت إليك يا حبيبتي ، أوحشتني جدًا .
***
يقود سيارته وهو يفكر في مكانها أين توجد ؟! لقد اختفت من الصباح ، أخبرت والدتها أنها تريد الاسترخاء بعيدًا وحينما سألتها عن مكانها أجابتها بثقة أن لا تقلق عليها فزوجها يعلم ، لم يشأ أن يقلق والدتها حينما سألته عن ابنتها فهي بالكاد عادت إلى طبيعتها معه بعد أن انتهى الخلاف الذي كان يجعلها متحفظة معه بعض الشيء ولكنها سامحته حينما غفرت له فاطمة ، بل أنها تعامله بود ولين خاصة بعد هذه الأيام الأولى التي كان يقضيها وهو يدور من حول نفسه يبحث عن إسعاد فاطمة ومراضاتها ، زفر بقوة وهو يتذكر إصرار هنا على مقابلته بعد أن أنهى حديثه مع خالد بل أنها تعلقت برقبته كعادتها  وهمست له بأذنه أنها تريد الحديث منفردًا بعيدًا عن والديها ، فسار برفقتها في الحديقة ، لتخبره حينها أنها تحمل له رساله من خالتها فأصغى بانتباه إلى كلماتها، ولكنه لم يستنتج منها شيء ، اعتلى التفكير ملامحه وهو يردد كلمات هنا بصوت عالٍ قليلًا لعله يتوصل إلى حل لتلك المعضلة التي وضعتها أمامه حوريته : أخبريه أنه سيجدني حيث بدأ كل شيء .
زم شفتيه وهو يفكر هل تقصد مكان عقد قران أخيه أم حفل زفاف ؟!
هز رأسه بنفي ليتمتم بجدية : ولكن هذه لم تكن بداية ،
نفخ بقوة وهو يضرب بوق سيارته بعصبية بدأت تمتلكه ، ومض الإدراك والفهم الذي نبض بعينيه أشعل حماسه وهو يهتف باسمها في حبور ويضغط دواسة البنزين بقوة منطلقًا إليها                                       
...
دلف بسرعة إلى داخل شقته وهو يشعر بحماس غريب يداعبه ، ويقين بأنها هنا ، فاطمتة .. حوريته .. مليكته ، نبض قلبه بهدير ورائحة عطرها تتسلل إلى أنفه فتداعب أوردته ، تمتلك حواسه وتستولى على عقله ، خطى إلى الداخل يلف برأسه باحثًا عنها وهو يهمهم باسمها في خفوت ، لينعقد حلقه وهو ينظر إليها مستلقيه على الأريكة ترتدي فستان حريري بلون الكراميل ، يفصل جسدها بمهارة ، يلتصق بحناياها ، يكشف عن عنقها .. كتفيها ..  نهديها .. وذراعيها ، قصير إلى منتصف فخذيها ، فيترك ساقيها الممشوقتين عاريتين بشكل خلاب وهما متشابكتان كسيقان الحلوى الملونة التي كان يعشق التهامها في الصغر ، حافية فتلهب مشاعره بإغراء لم تعمد إليه ولكنها اشعلته بنيران الشوق حينما أشعرته بأنها تنتظره ، أدار عيناه عليها من جديد وكتم أنفاسه حينما أدرك أنها نائمة ، فتنفس ببطء خوفًا من اجفالها ، تناهى إلى مسامعه صوت موسيقى خافت فبحث عن مصدره ليكتشف أنه يأتي من هاتفها الملقى بجانبها وبجانبه كيس رقائق حلزونية كانت تتناول بعض منه قبل أن تغفو نائمة.
ابتسم بحنان فاض بعينيه وهو ينظر إلى ملامح وجهها المسترخية ، فيركز نظره عليها ويتذكر أن بهذه الأريكة بدأ بالفعل كل شيء ، فهنا اشتعل الشغف .. انصهر الجليد .. وذاب الوعي بين إدراك متطلب وعشق متفجر ، فامتلكها لأول مرة ليسقطا في بحر متلاطم الأمواج باعدهما وأبعدهما وها هما تلاقيا ووصلا إلى بر الأمان من جديد.
جثى على ركبتيه إلى جوارها يواجه وجهها فيتأمله بنهم ويتفحصها بشوق ، أشعل النار بين جنبات قلبه اقترب ماحيا المسافة بينهما ملتقطا شفتيها في قبلة حارة ذائبة مزجت بين انفاسه المشتعلة وأنفاسها الباردة .
انتفضت بخفة وفتحت عيناها باندهاش تملكها قبل أن تلين ملامحها بابتسامة رائقة فيترك ثغرها ، لتهمهم بأنفاسه ذاهبه : أنت هنا .
ومضت عيناه بمكر : نعم أنا هنا ،ليكمل وهو يلامس خصلاتها المنثورة من حولها  - وأنتِ هنا تنتظريني ، أليس كذلك ؟!
ابتسمت بمكر واغواء تألق بكراميل عينيها أسبلت اهدابها وحاولت النهوض فيتمسك بها ، يثبتها بموضعها : إلى أين ؟!
ضحكت بخفة : أتركني أريد أن أنهض.
لعق شفتيه بحسية وهو يتحرك بسرعة خاطفة فيجاورها جلوسًا : هل أنا مجنون لأتركك ، تابع بهمس أجش وهو يشرف عليها - أنتِ تنامين النومة المثالية ، عيناكِ تدعواني بإغواء متعمد ، ردائك يرحب بي ويفتح لي أبواب جنتك على مصرعيها ، وأنا عربيد تائب غُفر له  ، فيرحب بكل ما يمن عليه الله من فضله ، وأنتِ مِنحتي الإلهية .. معجزتي الكونية .. وهبة ربي لي
تمتمت برفض واهي : اتركني .
همهم وهو يدفن وجهه بعنقها : لا أقو ، سأكون ملعونًا لو فعلت.
__ وائل ، همستها برجاء فيجيب بهمس مثقل بعاطفته ويداه تكتسحان جسدها تلامسها بخبرة - لا أستطيع يا فاطمة ، الشوق يستبد بقلبي ، فاعطفي علي .
تعلقت بحدقتيه وانجذبت لوميض لهفته لتهمس برجاء وهي تخضع لسلطانه عليها : هلا همست بها ؟!
تنهد بقوة وابتسامته الماكرة تعتلى ثغره فيهمس بإغواء يجيده : سأسمعك الكثير ، مخزون ادخرته بداخلي وحان وقت الافضاء به كاملًا .
قبلها برقة ليهمهم بعاطفة كاسحة وهو يعتليها بعد أن تخلص من قميصه : أحبك
لامسها بشوق تملك منه : أعشقك .
ليهمس من بين شفتيها وهو يتوحد معها : أريدك .
...
استيقظ من نوم لم يخلد إليه منذ فترة بعيده كانت هي غائبة عنه رغم مجاورتهما الفراش ولكنها كانت بعيدة بروحها قبل جسدها ولكن الآن هي هانئة بين ضلوعه ، يقابله وجهها النقي .. بشرتها الشاحبة .. ملامحها المنمقة .. وكراميل حدقتيها الغائب خلف جفنان مطبقان في نوم يود لو أيقظها منه ، حتى يتمتع بمذاقه الفريد ينتشر بجسده كاملًا ، سحب نفسا عميقًا مستنشقًا رائحتها على مهل فيشعر بقلبه ينبض بلهفة ، وشوقه يجذبه إليها فيحنو رأسه ويقبل قمة رأسها ، قبل أن يلتهم شفتيها ، تململت من نومها ورمشت بعينيها قبل أن تبتسم برقة وهي تهمس له بتحية الصباح التي التقطها بين شفتيه وهو يماثلها همسًا بتحية تخصه بمفرده
غمغمت باسمه وهي تتملص من شفتيه ليبتعد قليلًا ويسأل بعينيه عم تريده فتهمس : لابد أن أهاتف منال ، لأخبرها أننا سويًا .
ابتسم بمكر : لقد أخبرتها .
اتسعت عيناها بدهشة : متى ؟!
تنفس بعمق : البارحة بعدما خلدت إلى النوم بعثت لها برسالة ، فلم يكن من اللائق محادثتها فجرًا ، وأخبرتها أنك معي حتى تطمئن والدتك .
أسبلت اهدابها : كسبت حليفًا لك أمام الخواجة يا ويلي ، أليس كذلك ؟!
اتسعت ابتسامته ليرقص حاجبيه بإغاظة : تغارين ؟!
زمت شفتيها : لا ، صمتت قليلا وهو يراقبها بترقب فتتابع – نعم أغار عليك ولكن ليس من شقيقتي .
ابتسم برضا ليضمها إلى صدره وهمس : وبمناسبة الحليف ، الخواجة نفسه أصبح حليفًا لي .
عبست بعدم فهم فأتبع : أعتقد أننا لن نصبح أصدقاء ولكن سنتقارب بشكل أو بآخر .
ابتسمت برقة وهي تضم نفسها اليه : اشتقت إليك يا ويلي .
___اووه ، هل هذا لديه معنى آخر أم ..
ضحكت بشقاوة : ألا تمل من المعنى الأخر ؟!
__ أبدًا ، همس أمام عينيها – وهل هناك من يمل من روحه ؟!
رمشت بعينيها ليملس فوق وجنتها برقة : أنتِ روحي يا فاطمة .. قلبي الذي لا أستطيع أن أحيا بدونه .. عشقي الذي تفجر أنهارًا بأوردتي فطهر كل دنس من قبله ، أنتِ نفسي التي كانت تائهة لعمر طويل وعادت أخيرًا الي .
همس وهو يضمها إلى صدره بعشق : أنتِ حوريتي التي رمتني بتعويذتها فجثيت على ركبتي أطلب صفحها ،
اكتنف وجهها بين كفيه : أنا أحببتك وأحبك وسأحبك إلى آخر نفس يخرج من صدري سأظل ملكًا لك .
تنهدت بقوة لتتعلق برقبته وتهتف بسعادة : وأنا أحبك .. أعشقك .. أغار عليك ومجنونة بك ، لامست ذقنه – لا تتركني ثانيةً
قبل طرف أنفها : لن أفعل .
دفنت رأسها في صدره قبل أن تهمس برقة : أخبرني عن الحزن الذي يومض بعينيك رغم فرحتك بعودتي إليك .
ابتسم بخفة : لا أستطيع أن أخفي عنك شيئًا .
هزت رأسها بنفي : لا تفكر في المحاولة فأنت مكشوف للغاية
ضحك ليهتف : حسنًا بم أنني مكشوف هكذا ، أريد أن أطلب منك طلبًا .
قاطعته متمتمه : سأعود لكن ليس لهذا البيت ، الملحق عندي أفضل من أن أسكن هذا البيت .
زفر بقوة : وأنا الآخر ، لا أريد العودة إليه حتى لا نتذكر ما حدث في السابق ، وهذا يدفعني لما سأطلبه منك .
نظرت إليه باهتمام فتابع : أريد أن نسكن الفترة المقبلة في القصر مع والدي وإيمي ، فهم يحتاجونني .
ابتسمت بفرحة : إذًا ستكون البكري اسمًا وفعلًا .
تغضن جبينه باستياء : لست البكري ، تقنيًا وليد هو البكري ولكن أشعر بأن إيمان تحتاجني .
اتسعت ابتسامتها والفخر يتألق بعينيها : وأنا معك بأي مكان يا ويلي .
لمعت عيناه بفرحة حقيقية : حقًا ؟!
__ بالطبع ، هتفتها بسلاسة لتتبع – ما المانع ؟! أنا أعشق والديك وسأكون بجوار إيمي متى احتاجتني لن نكون صديقات ولكن سنتقارب أنا موقنة من ذلك .
تأملها مليًا قبل ان يهمس : لم يعد في القلب بقية حتى أحبك أكثر يا فاطمة .
اقتربت منه لتهمس بشقاوة : ابحث ستجد .
قهقه ضاحكًا ليُقبل رأسها : هل هناك مرادف يصف عشقي لك ، أنا مفتون .. مجنون بك يا ابنة السفير .
زفرت أنفاسها الساخنة لتقترب منه تقبل شفتيه برقة : وأنا أحبك يا ابن الوزير .
جذبها إليه لتتعالى ضحكاتها تدفعه بمشاغبة قبل أن تغرق في بحر عشقه الصاخب فيتركا أمواجه من تسيرهما وهما موقنان بانهما سيصلان لبر الأمان .
***
آخر الأسبوع

تجلس أمامهم برأس مرفوعة ، تتحدث بثبات وهدوء ، لم تشأ أن تحضر والدتها الجلسة التي تخبرهم فيها بقرارها فاجتمعت مع إخوانها الثلاث وأبيها وتهمس لهم برفضها العودة إلى زوجها
راقبت وجوههم بثبات ، أبيها المصدوم ، وليد المتسائل ، وائل العابس ، وأحمد المتفهم ، تبادل كلًا من وائل ووليد النظرات فيم بينهم ليهمس بصوته الأبوي الحاني : هلا أخبرتني عن سبب تمسكك بالطلاق يا ابنتي رغم أن زوجك رافضًا لهذه الفكرة مطلقًا ويريد الاستمرار معك ، بل كل مناه رضاكِ ؟!
رفت بعينيها : هلا أجبتني أنت يا أبي عن موقفك مني إذا صممت على الطلاق من مالك ؟!
صمت قليلًا ليهمس : سأدعمك يا ابنتي مهما كان قرارك ولكن أعتقد من حقي أن أعلم أسبابك .
سحبت نفسًا عميقًا لتنهض واقفة وتنظر إليهم جميعًا إخوانها الثلاث ، ووالدها لتنطق بثبات : لقد تزوجت من مالك قبلًا لأجلكم، لأجل إرضائكم ، لا أنكر أنه فرصة خيالية ، فهو شاب ناجح  وسيم كل فتاة تتمناه ، وأنا انجذبت رغمًا عني فهالته وضاءة قوية ، ولكن بداخلي لم أكن راضية تمام الرضا به ، فهو مناقض لكل أحلامي، أنا أريد رجلًا بسيطًا لا يشبهكم في شيء ، يختلف عنكم جذريًا ، فلا أريده ذو غنى مثلك يا بابا ، ولا يمتلك نفوذ كوائل ، ولا يكون مشهورًا كوليد ، ولا يكون عطوفا كأحمد. أريده يشبهني بسيط مثلي لا يمتلك هالة خاصة ترهب من حوله أو تجذب من ينظر إليه ، أريده غير مرئي يماثلني ومالك لم يكن أبدًا كذلك .
زفرت بعنف وهي تتجاهل وجيب قلبها ، وصراخه الرافض لما تفعله فتسكته وتتحكم في دموعها قبل أن تهمس ببطء : مالك كان اختيار خاطئ لجأت إليه كي أرضيكم فقط وأرضي نفسي قبلكم فمن أكون أنا لأرفض حب شاب كمالك عابد ، ولماذا أرفض ؟! ولكن الآن أنا سأرفض بكل قوتي ، لن أعود إليه ثانية، فأنا أريد أن الملم نفسي ، ألعق جراحي أصنع هالتي الخاصة ، لا  أستمدها منكم كالماضي لا أكون ابنة الوزير وأخت الطبيب ، أو الفنان أو المهندس العظيم أكون أنا فقط أنا إيمان دون ألقاب .. دون شكليات .
راقبت ذهولهم لتتابع بهدوء : هلا سمحتم لي أن أبني نفسي من جديد ؟!
ابتسم أحمد بغموض ليهتف بجدية : إذًا أنتً تريدين بعض الوقت يا أختاه ، حتى تصححين أفكارك وتسألين قلبك المتنازع الآن بين رغبتك في بناء نفسك ورغبتك في العودة إلى زوجك ؟!
انتفضت أمام عينيه لتلتفت تنظر إليه وقبل أن تجيب أشار لها بيده : لتعلمين فقط قبل أن تجيبي ، أن مالك أبلغني إذا كان الوقت ما يلزمك للنهوض فهو سينتظر .
تمتمت بعفوية : ولكني لا أستطيع الإنجاب .
ابتسم أحمد بحنو : وهو راضٍ وقانع بك ومتمسك بالأمل ، هل تقنطين من رحمة الله يا إيمان ؟!
__ استغفر الله العظيم ، بل كلي ثقة برحمته .
اتسعت ابتسامة احمد وهتف : إذًا سأبلغه بردك .
توردت وخاصة بعد سريان بعض التنهدات فيما بينهم وعم على وجوههم الارتياح فتهتف بجدية : أريد أن أتابع جلسات علاجي النفسي يا أحمد ، وبعد إذنك يا بابا أريد أن أتابع دروسي الدينية.
هتف أبيها : طلباتك أوامر يا حبيبتي .
تنحنح وائل : ما رأيك أن تعملين معي أو مع وليد يا إيمي ؟!
هزت كتفيها : ماذا أعمل ، أنا لم أفكر قط بالعمل .
تمتم وليد : ولكنك خريجة كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال ، تستطيعين العمل في مجموعة الشركات أو بأي مكان تفضليه .
زمت شفتيها لتهمس : لا ، لا أريد العمل لا أشعر بأني سأنجح فيه .
هم وليد بالحديث ليشير إليه أحمد برأسه ويمأ له وائل بعينيه قبل أن يهتف : على راحتك يا حبيبتي .
ليكمل وليد : حسنًا يا إيمي كما تشائين .
تحركت : هلا سمحتما لي سأذهب لأجالس جنى وعاصم ؟!
أومأ لها أبيها بالموافقة : خذيني معك فأنا الاخر اشتقت إليهما
تأبطت ذراع والدها وهي تتلمس منه أمانًا كانت تفتقده إلى أن غادرا وأغلقت الباب من خلفها ، زفر أحمد بقوة : تقدم ملحوظ والحمد لله ، طلبها لجلسات العلاج أكثر من ممتاز ، هذا يعني أنها بدأت تتلمس حالتها وتتفهمها .
زمجر وائل بعدم رضا : لا تتحدث هكذا إنها ليست مجنونة .
خبط أحمد كفيه ببعضهما : لا حول ولا قوة إلا بالله ، بالطبع هي ليست كذلك ولكنها لديها عطبًا ما علينا إصلاحه فتوقف عن الزمجرة كلما تحدثت عن حالتها النفسية .
صرخ بحدة : لا تقل حالتها النفسية ، أغمض أحمد عينيه ليضحك وليد بخبث ويهتف بمرح فيه - على رسلك يا وائل ، اهدأ قليلًا يا رجل ، عودة فاطمة أثرت عليك سلبًا فأصبحت حساسًا وعاطفيًا بشكل غريب.
قهقه أحمد ضاحكًا ليهتف وائل بحنق : احترم نفسك .
ضحك وليد ورقص له حاجبيه : لابد أن نصورك حينما تأتي سيرتها حتى ترى القلوب وهي تقفز بعينيك .
تعالت ضحكات أحمد ثانيةً ،بينما قفز وليد بسرعة متفاديً الوسادة التي رماه بها وهو يهتف : تأدب يا وليد ،
هتف أحمد من بين ضحكاته : خذ الأمر ببساطة يا شقيق ، أنت تحب زوجتك لا مشكلة ، كل فرد منا يعشق زوجته ويصرح بها عاليًا .
أكمل وهو يبتسم بخبث : وفاطمة تستحق .
انتفض وائل واقفًا فركض أحمد إلى الخارج وهو يقهقه ضاحكًا، ليحتضن وليد وائل من الخلف ، فيمنعه من الحركة وهو يضحك بدوره فيدفعه وائل بعيدًا : أنت وأخيك قليلان الحياء .
هتف وليد بمرح ساخر: تركنا لك الحياء يا باشمهندس .
ابتسم رغمًا عنه ليهتف بدوره : إلاّ هذا لا أمتلك منه ذره واحدة .
تعالت ضحكاتهم سويًا ليهتف وليد بمرح وهو يصفق راحته براحة أخيه : مرحبًا بعودتك يا أخي .
هدأت ضحكاتهم ليبتسم وائل بامتنان و يهمس : أتعلم ، انتبه وليد فتابع – أشتاق أن نلعب الورق .
غمز له وليد بعينه : فكرة جيده
هتف وائل آمرًا : سأبحث عن الورق وأنت نادي أحمد الذي وصل إلى حدود السلوم الآن .
ضحك وليد بمرح وهتف : سأدعوهم جميعًا لنجتمع كالسابق .
__ وأنا سأعد الجلسة .
***
هموت وارجع .. وكل ما أقول وإيه يمنع
أخاف أسمع .. كلمة خلاص مبقاش ينفع
حاجات جوايا تعباني ومش بنسى
وحشااااني اه من البعاد لما بيوجع
رمقت أختها بالرضاع وهي تشدو بالأغنية الجديدة لحاتم والتي شاهداها بالتلفاز البارحة لتهتف سارة بنزق : توقفي يا إيناس .
رفعت إيناس حاجبيها بتعجب قبل أن تهز كتفيها بلا مبالاة وتكمل ببرود
وكتير من نفسي أن بهرب ..ونفسي لو أجرب
إحساسي بيقولي .،  من بعض هنقرب
وهنبقى تاني لبعض
هموت وأرجع – تامر حسني

تمتمت سارة بضيق : إيناس، توقفي أرجوكِ .
نظرت لها إيناس بدهشة مفتعلة : ما بالك يا سارة ؟! أنا أغني .
زفرت سارة بضيق : انتقي أغنية أخرى
رمقتها إيناس ببرود لتتابع بحنق : منذ متى تغني لحاتم .
ردت إيناس ببساطة : هذه حازت على إعجابي ، فزوجك أجاد الاختيار .
__ ليس بزوجي ، هدرت سارة بها لتجيب إيناس بهدوء – بل زوجك ، الشيخ أخبرنا أنك لازلت بالعدة إلى أن تضعي مولودك بالسلامة
تأففت سارة : أصبحتِ الشيخة إيناس أيضًا .
ضحكت إيني رغمًا عنها : لماذا ؟! لست أنا من سأل حضرة الشيخ بل حماتك من فعلت ، حتى تحاول إقناعك بالعودة إلى ابنها .
زفرت سارة بغضب : إذا لم تتوقفي سأغادر ولن أبق الليلة هنا .
لوت إيناس شفتيها بتهكم : لو كنت تستطيعين يا أختاه لكنت فعلت ولكنكِ أوشكت على الولادة والطبيب حذرك من السفر والعودة في نفس اليوم كما كنت تفعلين ، فتوقفي عن المكابرة .
أشاحت سارة برأسها لتهتف إيناس : ماذا عليه أن يفعل أكثر من هذا لتعودين إليه يا سارة ؟!
__ لم يفعل شيئًا من الأساس ؟! بل لم يحاول رؤيتي ولو لمرة واحدة عن طريق الصدفة .
رمقتها ايني بطرف عينها وهي تجلس أمام المرآة تضع أحمر شفاهها : حقًا ؟! تابعت بمكر – إذًا انت لم تتعرفي على سيارته الرابضة أسفل عيادة الطبيب البارحة .
احتقن وجه سارة بقوة لترمش بعينيها وتهز كتفيها : هل سأسير أتطلع إلى سيارات الناس يا إيناس .
تنهدت إيناس بطريقة مفتعلة : إذًا أنا المخطئة توقعت أنها سيارته وخاصة حينما تبعتنا إلى هنا .
عضت سارة شفتها لتتابع إيناس بتلكؤ : نعم هو لم يصعد خلفنا مباشرة ولكنه زار والدته .
هتفت سارة بعفوية : حقًا هو عند ماهي الآن ؟!
انفجرت إيناس ضاحكة لتهتف من بين ضحكاتها :البارحة يا أختاه ، هتفت سارة من بين أسنانها - أصبحتِ لا تطاقين .
هزت إيني برأسها لتقترب منها وتهمس بمودة : أيتها البائسة العنيدة ، لا أخبرك أن تتخلي عن كرامتك ، ولكن واربي الباب قليلا ، حتى يستطيع هو أن يدلف من خلاله .
رفعت نظرها إلى أختها بتساؤل وحيرة فتابعت: أنه يحبك يا سارة فلا تفقدي حبه لك .
هزت رأسها بتفهم فتعاود إيناس إستكمال ما تفعله لتضيق هي عينيها : إلى أين تذهبين ؟!
توردت إيني تلقائيًا لتتحكم في نبرات صوتها بعد أن أجفلت من تساؤل أختها : لدي موعد عمل في الشركة .
__ اليوم ، تساءلت سارة بدهشة قبل أن تتابع – ولكنه الجمعة.
هزت إيني كتفيها  : لدينا الكثير من العمل ومع غياب بلال أصبح كل شيء فوق رأسي فحددت اليوم لإمضاء عقود الأعمال الجديدة .
ابتسمت سارة بمودة : وفقك الله ، متى سيعود بلال إذًا ؟!
تمتمت إيني بحنق : بلال باشا قرر أن يمد اجازته اسبوعًا آخرًا ، لأنه لم يحظ بشهر عسل في أول زواجه وتركني هنا  أغرق بمفردي .
ضحكت سارة : تركك بمفردك لأنه يثق بك يا إيني ، انت تُسيرين الأمور أفضل منه ، أنتِ ناجحة بالفطرة يا فتاة ، متى ما لامست شيء أصبح ذهبًا .
ابتسمت إيناس بسخرية قبل ان تقترب منها وتلامسها بمزاح ثم تهمس بتهكم : لماذا لم تتحولين إذًا ؟!
ضربتها سارة بنزق : غليظة .
ضحكت إيني لتحمل حقيبتها وتهم بالخروج لتقف وتغمز لها بعينها : حبيب القلب يمكث عند والدته بالفعل ، هي من أخبرتني وهي تهمس لي بأنه قلق أن تلدي وهو بعيد عنك ولا يوجد معك رجلًا يركض بك إلى المشفى ، وخاصة في غياب بلال .
هزت سارة كتفيها بدلال : ألف شكر له ولمجهوداته العظيمة ، ما المطلوب مني لأريح قلبه وقلب مامي .
ألقتها كما يهتف بها حاتم لتقهقه إيني ضاحكة : أصبحتِ قاسية يا سارة .
لوت شفتيها بضيق فتابعت إيني بغمزة من عينها : المطلوب أن تلدي .
عبست سارة باستنكار لتكمل إيني وهي تغادر : واربي الباب يا أختاه ، والمعنى في بطن الشاعر .
ضيقت سارة عيناها قبل أن تتسع ابتسامتها وتهمهم : إيني فقدت عقلها .
***
رمقت زوجة أخيها التي تركض بحديقة القصر كعادتها لتتعجب من تغييرها لموعد ركضها من الصباح للمساء  ، لتتنهد بقوة وهي تزيح تعجبها جانبًا ففاطمة على مدار الأيام السابقة أثبتت لها أنها مختلفة جذريا عما كانت تظن ، نعم هي تنتمي إلى الاجانب في تصرفاتها .. ملابسها .. تحررها .. وروتين يومها ، ولكن قلبها .. مشاعرها .. إخلاصها .. وشهامتها يصرخون بمصريتها ويهتفون بها أيضًا ، حينما أبلغهم وائل بقراره أنهما سيسكنان القصر ، شعرت بغيرة طفيفة واستياء مزجا بدهشتها من موافقة فاطمة ، وخاصة بعد موقف ولاء من سكنها للقصر ، ولكن ما أزاد دهشتها فاستولت على حواسها بأكملها طاردة الغيرة والاستياء من قلبها ، هي أريحية فاطمة في التعامل ، ففاطمة لم تطلب جناح بمفردها ولم تصر على تغيير أثاث غرفة وائل حتى ، بل هي حملت حقيبتها وأتت بنفسها إلى القصر لتدلف إليهم بابتسامة واسعة وهتاف مرح بأن يستضيفوها لديهم لفترة من الوقت فزوجها يريد المكوث هنا وهي لن تفارقه بعد الآن .
لقد أصابها الذهول يومها ولكنها لم تغفل أبدًا عن سعادة شقيقها أو فرحة والديها بوجود فاطمة ، ولم تستنكر شعورهم بل هي نفسها كانت سعيدة لأجل أخيها ورحبت بفاطمة الصاخبة ..المرحة .. المشاكسة .. المدللة ، والتي استطاعت إخراج ضحكاتها من أعماق قلبها في ابسط أفعالها ، فهي تشاكس وائل، تثير غيرته وجنونه ثم تصالحه بأريحية وغمزة من عينها وزمة من شفتيها ، فيهز رأسه بيأس وعيناه تنبض بسعادة لم ترها من قبل ، تحنو على والدتها وتجاورها حينما تقرر والدتها إعداد الطعام فتحاول أن تتعلم منها ، وتمرح مع أبيها وتحاوره في السياسة وشئون البلاد فتثور بعنف وتصرح بشموخ عم لا يعجبها ، فيضحك أبيها ويزجرها وائل وهو يتمتم  : سيطردنا أبي من تحت رأسك ،
فتهز رأسها بدلال وتهمس وهي تتعلق برقبة حماها من الخلف وتقبل وجنته : لا أهون على عماه .
فيرمقها وائل من بين رموشه ليهتف أبيها ضاحكًا : الآن هو من سيمتني بقلب مرتاح .
فتحتضنه فاطمة أكثر وتقبل رأسه : بعيد الشر يا عماه .
ابتسمت رغمًا عنها وهي تفكر بأنها تجتاح الجميع بعفويتها وتترك أثرها ببساطتها ، وتثبت اقدامها بثبات شخصيتها ، فتتمنى هي بعضًا من هذا الثبات الذي يشع منها فتدعو الله أن يثبت أقدامها ويعينها على السير في طريقها .
انتبهت إلى اقتراب فاطمة منها فعادت بعينيها إلى كتاب الله الكريم تردد بعضا من آياته ، لتخطو إليها فاطمة بخطوات ثابتة وتجلس إلى الكرسي المجاور لها تستمع إليها ، وهي تقرأ القرآن بصوت شجي .. عذب . ابتسمت برقة وصمتت عن ترتيلها  ورفعت عينيها إليها باستفهام تجلى بحدقتيها ، فابتسمت فاطمة برقة : هل تمانعين إذا انضممت لك ؟! فأنا أحب الاستماع إليكِ وأنتِ ترتلين القرآن ، فأنا لا أستطيع ذلك .
تجلت الدهشة فوق وجهها فتابعت فاطمة : أنا لا أستطيع قراءة القرآن بالعربية ، لغتي ضعيفة للغاية ، نعم أستطيع التحدث معكم فأنا أفهم معظم حديثكم ، لكن حينما يتعلق الأمر بالقراءة أفشل فشلًا ذريعًا .
رفعت إيمان حاجبيها بدهشة فتابعت فاطمة بتوتر: لذا لا أقو على الترتيل تباعًا ، وحينما استمعت إليك المرة الماضية انبهرت بجمال صوتك ، فأتيت الآن لأجلس معك إذا لا يضايقك هذا .
ابتسمت إيمان رغمًا عنها : بالطبع لا يضايقني جلوسك والاستماع لي ، وإذا أحببت أيضًا أن أعلمك القراءة سأفعل ،
ابتسمت فاطمة بفرحة : حقًا ، تابعت بحبور حينما هزت إيمان رأسها بالإيجاب  -ok. Deal
ضحكت إيمان بخفة : اتفقنا يا زوجة أخي .
عبست فاطمة بغرابة قبل أن تهتف : ما رأيك أنتِ تعلميني العربية وأنا أعرفك على نشاط  سيرفرف له قلبك ويبهجك كما لم تفعلي من قبل .
نظرت إليها إيمان بريبة فضحكت فاطمة : لا تخافي لن أصحبك إلى ملهى ليلي يا إيمي ، فأنا لم أفعلها منذ أن تزوجت بأخيك .
ارتفعا حاجبي إيمان بذهول لتضحك فاطمة بقوة قبل أن تسيطر على ضحكاتها : كان لابد أن أصورك لترين نفسك وأنتِ مدهوشة.
ضحكت إيمان رغمًا عنها فتنهدت فاطمة بقوة وهمست : كان هذا في وقت ما مر وانتهى ، ولكني  دفعت ثمن استهتاري وجموحي غاليًا، لذا الآن أخطو بحساب واتصرف بحساب فالإنسان الغبي هو من يكرر أخطائه وأنا لست بغبية ،
شحب وجه إيمان فتابعت فاطمة بهدوء : أتعلمين  أن نعمة النسيان رحمة من الله ورفق بعباده 
رمشت إيمان بعينيها وهي تنظر لها بتعجب فابتسمت فاطمة : ماما تخبرني دائمًا بهذه المقولة ، لولا النسيان لتثاقلت الهموم علينا وأماتتنا قهرًا ، لم أفقه معناها إلا حينما فقدت طفلي .
تهدج صوتها لتهمس بألم صدح بنبراتها : هذا الطفل لم يكن كأي طفل بين زوجين ، بل كان كل ما يجمعني بوائل ، كان هو حلقة الوصل بيننا ، كان رمز الحب بين قلوبنا ، الحب الذي تكبر هو على التصريح به والعشق الذي كابرت أنا في إعلانه ، حينما ذهب شعرت بأن حياتي كلها هُدمت .. وتقهقرت دنيتي ، وأصبح الموت أهون على نفسي من الشعور بآلامي
نظرت لعمق عيني إيمان وتابعت بثبات : وحينما وصلت إلى اليأس ، تذكرت مقولة ماما ، فانتفضت .. قاومت .. ونهضت من جديد  ، وحدثت نفسي لم لا ننظر إلى الجانب المشرق في حياتنا فنجد أننا محاطون بأحبائنا وإخواننا ، فنحمد الله على وجودهم ثم نتذكر من رحلوا فندعو لهم بالمغفرة ، فنحن فقدناهم دون أن نشعر أو نحسب حساب يوم لن نراهم فيه ثانيةً ولكنه القدر وكل ما يأتي من القدر هو خير ، أليس كذلك ؟!
دمعت عينا إيمان رغمًا عنها لتبتسم فاطمة وتهمس لها بمرح : أتعلمين أنا أغبطك على وجود إخوانك ، حماهم الله وحفظهم ، كم تمنيت أن يكن لي شقيق ذكر يحافظ علي ويحميني من نفسي ، خالد لم يقصر يوما كان ونعم الأخ ، ولكن يظل كما يهتف وائل دومًا ليس بأخيك
ضحكت إيمان من بين دموعها فتابعت فاطمة بنصح : أنهم خائفين عليكِ فلا توجعي قلوبهم أرجوك .
ابتسمت ولمع الحزن بحدقتيها : ليس بيدي ، فمهما حدث وقاومت أنا أتألم رغمًا عني .
__لماذا تركته إذًا ؟! بل شددت اليوم على عدم العودة إليه ؟!
__لأننا لا نصلح سويًا .
رمقتها فاطمة بعدم فهم : ولكنه يحبك
__أعلم ولكني لست مؤهله لهذا الحب الذي يفيض منه ، أنا أؤلمه .. أؤذيه .. أضره وهو لا يستحق .
نظرت إليها فاطمة بدهشة : حسنًا توقفي عن إيذاءه وبادليه حبًا.
زفرت بقنوط : حاولت ولكن لم أستطيع أن أمنحه ما يريد .
اعتلت الدهشة ملامح فاطمة فتابعت إيمان بهدوء : هناك فروق عديدة بيننا لن تنمحي أبدًا ، ضيفي لها جراح أدميناها سويًا لن تنسى أبدًا ، البُعد أفضل بكثير عن قرب يحرمنا سويًا .
تنفست فاطمة بقوة : هل تتألمين ؟!
زفرت إيمان بقوة : ما هو الألم ؟! أن أبكي بمفردي .. أن أختنق من محاسبتي لنفسي .. أن أقسو على روحي .. أم أن أراجع ذكرياتي فأجد أني أخطأت الاختيار مرتين ، مرة عن جهل والأخرى عن معرفة ولكن أغمضت عيني وسرت دون وعي .
ألا أتألم لفراقه ؟! بل أفعل رغم أن حبه لم يتغلغل إلي لهذه الدرجة ولكني لا أتألم على حبه فقط ، بل أتألم على بيت هُدم وقلب كُسر وذنوب أضافت لعاتقي .
ابتسمت فاطمة : ألا تقولون هنا أن الله غفور رحيم ؟!
ضحكت إيمان رغمًا عنها : نعم نقول ولكنها حقيقة ثابتة ليست مقولة يا ابنة السفير .
زمت فاطمة شفتيها : عذرًا ، لا تبالي بجنوني فأنا لا أفقه الكثير
ابتسمت إيمان بألم : لا يهم ، المهم هو فطرتك النقية الطاهرة التي لمستها بك رغمًا عني فاختلفت جميع أفكاري بسببك ،
تابعت برقة : أتعلمين  أن جنونك هو ما يميزك وهو من كبل وائل إليك ؟!
__ أعلم ، نطقتها وعيناها تلمعان بعاطفة جارفة فأخفضت إيمان نظراتها بخجل قبل أن تسأل فاطمة باهتمام : لم تخبريني  ما هو الشيء الذي سيسعدني ؟!
لمعت عنيا فاطمة بجزل : تعالي معي وسأريكِ .
***
__مبارك العقد يا آدم بك . ألقتها وهي توقع نسختها من العقد الذي أبرمته للتو مع من يجلس أمامها ، فيهتف بمرح وهو يغلق قلمه الخاص : بارك الله فيك ، أنا سعيد جدًا بأننا توصلنا إلى إتفاق فيم بيننا ، أنتِ ماهره للغاية يا إيناس ،ابتسمت بمجاملة ليتابع : أم أدعوكِ كالسابق يا نوسا ؟!
شدت جسدها لتكح بجدية : بإذن الله تعجب بالعمل معنا .
نظر بدهشة ليتابع بمكر : أنا معجب من الآن .
تمتمت من بين أسنانها : توقف والتزم بحدود اللياقة يا بك .
رفع حاجبيه ليهمس بخفوت وخبث يتألق برماديتيه : لم تتغيري البته يا إيناس، أتذكرك الآن حينما كنت توشكين على الخسارة باللعب تتوترين ثم تدورين حول الهدف الأساسي حتى تفوزين
فرقع إصبعه بخفة : هكذا بمنتهى البساطة .
مطت شفتيها باستياء : لم أعد تلك الصغيرة .
أدار عيناه عليها بتأمل أجفلها ليهتف بصوت خشن : وأنا أشهد بذلك .
انتفضت واقفة لتهتف بانفعال : آدم توقف أرجوك .
تأوه بخفوت : يا الله ، اقترب منها ليتمتم بصوت أبح – كلما تنطقين اسمي أتذكرك سابقًا وأنتِ تتعلقين برقبتي في دلال ، آدم احملني أنا لا أقو على السير .. آدم دللني فأنا متعبة .. آدم عانقني فأنا حزينة .. آدم قبل جرحي حتى يزول الألم .. وبالأخير تهمسين أحبك آدم ، فافقد أنا عقلي .
احتقن وجهها بقوة لتهمس مبررة : كنت طفلة وأنت بمثابة أخي الأكبر ،كنت أعاملك كما أعامل بلال .
ابتسم برقة : أعلم يا صغيرتي ، ولكن هذا لا يمنع أن ذكرياتك ظلت معي .
تنفست بقوة : كنا أصدقاء بالماضي ولكن الآن كل شيء اختلف ، أنت رجلًا كبيرًا ، وأنا غدوت آنسه كبيرة ، ولا يصح أن تردد هذا الحديث ثانيةً ، حتى لا تضر سمعتي .
تمتم بهدوء وهو يعتقلها بعينيه : إذا وافقت على طلبي لن يمس أحدًا سمعتك .
عبست بغرابة فهم بالحديث قبل أن يصدح صوت هاتفها فتهمس بخفوت: المعذرة
أجابت الهاتف حينما رأت اسم سارة : أهلًا يا اختاه ، كيف حالك ؟
أتاها صوت حاتم يصرخ : إيني انجديني ، مامي ليست هنا والخادمة خاصتكم أتت لتطلب منها المساعدة فسارة تلد .
__ ماذا ؟! صرخت بقوة لتتابع – اهدأ حتى أفهم ماذا تقول
صرخ بدوره : لا وقت لذلك ، سأخذ سارة إلى المشفى واتبعينا أنتِ من فضلك .
__ حسنًا سأفعل ، أغلقت الهاتف لتلف من حولها بتوتر فتشهق بقوة على كفيه اللذين أمسكا بها فتنتفض مبتعدة تنظر له بدهشه فيهتف آمرًا : أهدئي قليلًا ، وأخبريني عم حدث ؟!
تمتمت : أختي تلد ولابد أن أذهب إليها  .
__ حسنًا أهدئي ، أنتِ لن تقودين سيارتك وأنتِ بهذه الحالة فتعالي معي ، سأوصلك فقط  دليني على الطريق فأنا لم أحفظ الطرق بعد .
أومأت برأسها في طاعة راقت له فابتسم بخفة وهو يشير إليها أن تتقدمه .
***
__ما بها سارة ؟! هتفت بها في قلق ليدور حاتم من حول نفسه ويهتف بخوف تملك منه – لا أعلم ، لقد أتت الخادمة خاصتكم تطرق الباب بهلع وتبحث عن مامي وحينما أخبرتها أنها ليست موجوده ،هتفت  بي بأن سارة متعبة ، أسرعت إليها لأجدها تتأوه ووالدتك أخبرتني أن وصفها للألم ما هو إلا شك في حالة وضع ، فهاتفتك وأسرعت بها إلى هنا .
نظرت من حولها : أين هي ؟!
أشار إلى باب الدخول إلى غرف العمليات  : بالداخل .
أومأت له بتفهم وهي تلعن نفسها التي أوعزت لأختها بهذه الفكرة التي من الممكن تودي بحياتها وحياة جنينها .
ارتجفت بخوف لتنتبه على صوته الذي هتف بخشونة : إيناس تمالكي نفسك قليلًا ، فأنتِ ترتجفين .
التفت حاتم لهذا الغريب الذي يتحدث مع إيناس ، يقترب منها بشكل مبالغ فيه فيعبس بضجر ويقترب منهما ينظر إلى إيناس التي أوشكت على السقوط أرضًا فيتلقفها بدلًا عن هذا الغريب الذي أزاحه من الطريق بخشونة وهتف بجدية وهو ينظر إلى إيناس بقلق : ما بالك يا إيني ؟!
ترنحت قبل أن تتماسك : خائفة على سارة .
زفر حاتم بخوف : بإذن الله سنطمئن عليها  .
تنهدت بقوة وهي تتحكم في وجيب قلبها لتنتبه على همسة حاتم الخافتة : من هذا ؟!
انتبهت لوجود آدم الذي يقف ينظر إلى اقتراب حاتم منها بعدم رضا فهتفت بتردد : دكتور آدم عز الدين ، التفتت إلى آدم – حاتم كامل زوج أختي سارة .
__ آها ، أنت زوج سارة إذًا صافحه آدم بلباقة ليبتسم له حاتم من بين أسنانه قبل أن يسألها بجدية :من هذا ، ومن أين يعرف سارة ، و لماذا أتى معك ؟!
عبست بتعجب لتتمتم بعفوية : سأخبرك فيما بعد ، من الجيد أنه كان لديه موعد عمل معي حينما اتصلت بي فأوصلني حينما أشفق علي من قيادة السيارة .
__ كثر خيره ، تمتم بهدوء ليتابع سائلًا – هل سيظل معك ؟!
تأففت بضيق وهي ترمق حاتم بغضب لينتبها على وصول ماهي التي تركض بكعب حذائها الذي أصدر صوتا مزعجًا وهتافها المربك : ماذا حدث يا حاتم ؟! ماجدة أخبرتني حينما عدت ومن الجيد أني قابلت مالك بالشارع كان قادم لزيارتي فأتي بي إلى هنا.
تمتم مالك بجدية : أهدئي يا ماهي .
التفت إلى ابن خالته ليصافحه قبل أن يسأل باهتمام : كيف حالها الآن ؟!
هز حاتم كتفيه : لا أعرف الطبيب لم يخرج منذ أن دخل إليها .
هز مالك رأسه بتفهم ليربت على كتفه : خير بإذن الله .
زفر حاتم بقوة ليعبس مالك وهو يلتقط وجود هذا الغريب فيسأل حاتم بفضول : من هذا ؟!
__صديق إيناس ، ألقاها حاتم بعدم اهتمام ليعقد الآخر حاجبيه بتعجب وخاصة مع اقتراب الآخر الغير مفهوم من إيني التي لم تنتبه إلى وصوله بل كانت ترتجف بفزع أثار حميته لها ، فاقترب منها رغمًا عنه وهو يهمس باسمها ، رفعت عينيها إليه لتهمس ببكاء : هل هناك أخبار عن سارة ؟!
نظر إليها بتعجب : ما بالك ؟!
تمتمت : أنا خائفة عليها جدًا ، ألم يخرج الطبيب للآن ؟!
هز رأسه نافيًا قبل أن يهتف الآخر بصلابة : تماسكي قليلًا .
التفت ينظر إلى الواقف أمامه بتحدي وضح من تصلب جسده فتهتف هي بصوت مرتعش : آسفة نسيت أن أعرفكما ، أشارت إليه – مالك عابد ،
لتستدير وتشير إلى الآخر : دكتور آدم عز الدين صديق قديم لي.
أومأ له مالك مرحبًا ليهز الآخر رأسه بلباقة قبل أن يهتف بها حينما ارتجفت مرة أخرى: أهدئي يا إيناس ستكون بخير إن شاء الله .
أومأت برأسها في تفهم لتتمتم باكية رغمًا عنها وهي تتمسك بساعده : إن شاء الله ، أنا اسفة أتعبتك وأزعجتك معي .
ابتسم بحنو لمع بعينيه : تعبك راحة يا صغيرتي ، فقط تدللي وأنا أنفذ .
ابتسمت رغمًا عنها : توقف يا آدم .
ومضت عيناه ببريق ذكرها بحديثه السابق فتتورد رغمًا عنها وهي تشيح بعينيها بعيدًا وتهمس بخفوت بينهما  : أرجوك امحي هذه الذكريات .
اتسعت ابتسامته ليتألق المكر بحدقتيه ويرد بهمس مشابه : أبدًا أنه عمري بأكمله ، هل هناك عاقلًا يمحي عمره كله يا نوسا ؟!
أسبلت اهدابها وخفضت رأسها وهي تتنهد ببطء تحاول السيطرة على خفقاتها التي باتت غير منتظمة ، لينتشلها صوت باب غرفة العمليات الذي فُتح والممرضة التي خرجت منه تهتف بحبور : ولد .. ولد .. ولد .
صرخت بمرح ليتمتم حاتم بالشكر قبل أن يتلقى التهاني من والدته وابن خالته ثم هي وهذا الغريب الذي أومأ له بلباقة وهناه بدماثة أخلاق ليتمتم بمرح إليها : مبارك ما أتاكم .
اتسعت ابتسامتها : بارك الله فيك ، العقبى لك .
ثبت نظره عليها : ولك أنتِ الأخرى .
رفت بعينيها كثيرًا قبل أن تهمس : لا أريد أن أؤخرك عن أعمالك.
أشار لها بحزم : فقط توقفي عن المجاملة وأخبريني أن أذهب إلى الجحيم فلا داع لوجودي .
ضحكت رغمًا عنها بسعادة صافية ليضحك بدوره فتهتف : أنت غير طبيعي بالمرة ، كيف تستطيع المزاح بكل هذه الجدية ؟!
أشار برأسه في شقاوة : أنها قدرات يا عزيزتي .
ابتسمت بألق : نعم قدرات خاصة .
زفر بقوة : حسنًا سأنصرف ، ولكن عديني أن تدعوني إلى السبوع فأنا أريد أن أرى والدتك وأطمئن عليها وأبارك لسارة أيضًا .
ضحكت بخفة : ولماذا تنتظر إلى السبوع أنت مرحب بك في كل وقت ؟!
لمعت عيناه ببريق : أعلم ولكني سأنتظر إلى السبوع .
صافحته بلباقة فشد على كفها بين كفيه بحنو فهمست بلطف : سأدعوك بإذن الله .
رفع كفها إلى شفتيه فقلبه برقة أثارت اندهاش الآخرين المراقبين لهما ، وسعادة ماهي التي فاضت من حدقتيها ليتمتم قبل أن ينصرف : سأنتظرك .
أشارت له بأصابعها في تحيه وهي تبتسم ببلاهة جديدة عليها لتنتبه إلى صوت ماهي التي هتفت برقة: واااو ، من هذا يا إيناس ؟!
توردت وجنتيها لتهمس بصوت أبح : أنه صديق قديم يا ماهي .
غمزت لها ماهي بطرف عينها فرددت بزفرة حارة  : صديق طفولتي .
***
بعد ثلاثة أشهر

أغلقت الهاتف وهي تبتسم بسعادة بالغه فرمقها بتعجب ليسألها بهدوء وهو يعاود التطلع إلى جريدته : كيف حالها ؟!
اتسعت ابتسامتها : بخير والحمد لله تبلغك سلامها هي ووائل .
__ سلمهما الله . رد بهدوء لتنهض واقفة فتستولى على انتباه حدقتيه اللتين حادتا إليها رغمًا عنه مع ثبات ملامحه ليلمع المكر بهما حينما اقتربت منه ، فيترك الجريدة عندما حطت على فخذيه لتتعلق برقبته وتقبل وجنته برقة ، فينظر إليها من بين رموشه : ما المناسبة ؟!
زمت شفتيها بطفولية : ألا أقبلك إلا عندما تكون هناك مناسبة يا خالد ؟!
ابتسم بحنو : بالطبع لا ، ولكن أشعر أن القبلة تحمل حديثا تريدين البوح به .
ابتسمت بعشق تفجر من عينيها : دومًا إحساسك بي لا يخطئ .
ابتسم وهو يرمقها بطرف عينه فتابعت بهدوء وهي تسبل اهدابها فلا تتصل نظراتها بعينيه – هذه القبلة اعتذار مني لك لشكي بك سابقًا .
عبس بعدم فهم لتكمل بجدية : لقد ظننت بك السوء حين مشكلة فاطمة ، توقعت أن كرهك لوائل غلب تفهمك لحالة فاطمة وحرصك على حياتها  ولكن أنت أثبت لي العكس ، أثبت لي أنك دومًا على حق وأنك تنظر إلى الأمور بنظرة مختلفة ثاقبة ، لو حييت عمرًا بأكمله لن أستطيع فهمها كما يجب .
تنهد بقوة وهو يحيط خصرها بذراعيه ليضمها إليه : رغم استيائي منك ، ومن ظنك السيء بي ، ذهابك إلى وائل وتحالفك معه ، إلا أني متفهم موقفك وأقدر مساعدتك لشقيقتك يا منال ، ثم إن اعترافك الآن واقرارك بخطأك يبهجني ،
ضيقت عيناها بمشاكسة فينظر إلى ثغرها بلهفة ويكمل : ليس كل يوم أنال اعترافًا مماثلًا منك
ضحكت برقة وهي تنحو رأسها له لتقبله برقة فيبادلها تقبيلًا وهو يشدد من ضمته لها قبل أن يبعدها عنه قسرًا ويهمهم بصوت أجش : منال ، نحن بالحديقة .
غمغمت وهي تحاول الاقتراب منه : إذًا ، ظننتك لن تعترض .
لامس وجنتها برقة : لا أعترض بالطبع ، أنا أنبهك فحسب فأنتِ دومًا قلقة بشان أن يرانا الآخرون .
عضت شفتها بدلال تعمدته : أصبحت لا أهتم .
قهقه ضاحكًا قبل أن ينظر إلى عمق عينيها : هناك ما يبهجك ، أخبرتك به فاطمة وأنتِ تمنعين نفسك أن لا تخبريني به .
هزت رأسها بيأس : ألن أستطيع أن أخفي عليك شيئًا .
رفع حاجبه باعتداد فأكملت : هي ستخبرك بنفسها .
ابتسم بخبث : امم ،هناك فردًا قادم لآل الجمال .
ضحكت بتسلية : حسنًا بم أنك عرفت ، تفاجئ حينما تخبرك كما تريد منك .
ابتسم و أومأ برأسه موافقًا همت بالحديث ولكنها صمتت حينما انتبها إلى جلبة قادمة من حديقة الفيلا المجاورة ، انتفضت واقفة ليضحك بخفة ويهمس بخبث : ظننتك لا تهتمي .
عبست ونظرت له باستنكار لتهمهم وهي تعاود النظر إلى الناس الذين احتشدوا في حديقة الفيلا المقابلة لهم يتحدثون بصخب ولهجة مغايرة للهجة المصرية : من هؤلاء ؟!
نهض بدوره لينظر إلى العائلة التي جاورتهم في السكن : أعتقد أنهم الساكنين الجدد .
ابتسمت برقة : أنهم عائلة كبيرة .
ابتسم وهو يضع ذراعه حول كتفيها وينظر إلى العدد الكبير أمامه و ينصت إلى لهجتهم المختلفة : وغير مصريين أيضًا .
أومأت برأسها : شوام .
__ أعتقد سوريين ، تحرك وهو يتبع – سأذهب لأرحب بهم وأصحب معي أحمد .
ابتسمت : وأنا سأعد لهم الفطائر ترحيبًا بهم .
توقف لينظر إليها بعشق قبل أن يعود إليها فيقبل رأسها : أنتِ كما تمنيت دومًا .
ضمت نفسها إلى صدره وقبلت كتفه : أحبك .
ضمها بقوة قبل أن يتركها وهو ينادي على أحمد لتتحرك عي إلى داخل المنزل تدعو هنا التي أتت مهرولة فتخبرها بجدية وعي ترتدي مريلة المطبخ : تعالي لتساعديني في إعداد الفطائر .
قفزت هنا بصخب : هل ويلي قادم لذا تعدين الفطائر لهم .
ضحكت منال : سأعد بعضًا منها ونرسلها إلى زوج خالتك ولكن الآن سنعد الفطائر ترحيبًا بجيراننا الجدد .
تمتمت هنا بتعجب : جيراننا الجدد ،
__ نعم ، هيا آتي بالطبق الكبير لأضع به الدقيق .
استجابت هنا على الفور وهي تفكر بتعجب في جيرانهم الجدد .
***
__ لا توقظه .
هتفت بها في حدة ليرقص لها حاجبيه : سأفعل .
تنهدت بقوة : أنت توقظه وتلاعبه ثم حينما يبكي تتركه لي فأتورط معه .
لم يعيرها اهتمام وهو يتجه إلى غرفة ابنه والتي كانت غرفته في السابق وهو يهتف : ألستِ والدته فلتتحملي بكاءه .
دلفت من خلفه تحاول أن تمنعه أن يوقظه ليهتف بحبور : ها هو ولي عهدي استيقظ بمفردة شاعرًا بي وبوجودي .
ابتسمت برقة وهي تنظر إلى طفلها الذي استيقظ بالفعل حينما دخل أبيه إلى الغرفة وبدأ في مناغاه خافته ويحرك ذراعيه ورجليه طالبًا من والده حمله ، فيستجيب إليه حاتم بالفعل ويحمله لينهمر عليه تقبيلًا ، يجلله ويضمه إلى صدره قبل أن يهتف به : تعالى لنذهب إلى نناه ونلعب معها .
تحرك مغادرًا ليتوقف وينظر إليها تعقد ساعديها أمام صدرها فيقترب منها ليقبل رأسها : لن أورطك فيه اليوم سأهتم به ، اذهبي لتنامي قليلًا الارهاق يبدو عليك من الواضح أنك لم تذوقي طعم النوم من البارحة .
تنهدت بقوة : نعم إنه لم ينم طوال الليل ولا أفهم للآن لماذا يظل مستيقظًا في الليل ؟!
ضمها بذراعه الآخر ليقبل راسها ثانيةً : من الواضح أنه كائن ليلي مثلي .
غضنت وجهها بمشاكسه : يا سلام ، زفر بقوة – أخبرتك أن آتي له بمربية تعاونك وأنتِ من رفضت وصممت عن اعتذار هذا الفصل أيضًا لتقومي برعايته .
لوت شفتيها بنزق فأكمل : أنتِ حتى لا تتركين فرصة لماما أو نبيلة أن يعاونوك في الاعتناء به .
هزت كتفيها باعتراض : لا أستطيع وهو صغير أن أتركه يا حاتم ، أرجوك افهم هذا .
تنفس بقوة : حسنًا على راحتك ، هيا اذهبي واخلدي للنوم ، ولا تخافي عليه فهو معي
هزت رأسها ليكمل بتهكم : وأنا تخلصت من عقدي المتمثلة فيه .
لكزته بكتفه القريب منها : أصبحت غليظ يا حاتم .
ابتسم وجعد أنفه بمشاكسه ليهمس لها : ما رأيك اتركه في رعاية مامي وبلبله وآتي لاعتني بك .
دفعته بمرح هذه المرة: لا شكرًا لك ، لا أريد عنايتك أنا أريد النوم .
ضحك بخفة وهو يحمل طفلة باعتدال : أرأيت يا سومي ، مامي تطردني من جنتها .
هزت رأسها بياس : توقف عن مناداته بهذا اللقب ، أسميته حسام لتدعوه سومي ؟!
أجاب ببرود وهو يبتعد : أنا من أسماه ولي الحق في دلاله كما أريد .
تنهدت بقوة واتجهت لتجلس على الكرسي الهزاز المجاور لفراش طفلها لتركن رأسها للخلف تغمض عينيها ، وهي تستعيد ذكرى هذا اليوم الذي أنجبت فيه دون سابق إنذار ، لتخرج من غرفة العمليات فتجد الجميع مجتمع من حولها ،ماهي وسارة ومالك الذين باركوا لها وحاوطها إلى أن نقلت إلى غرفتها فتجده يقف في استقبالها ، ليعاونها على الانتقال إلى فراشها وهو ينظر إليها يتأملها بملامح شاحبه وفزع يعتلي وجهه ليهمس لها حينما استفاقت : أنتِ بخير ؟!
أومأت له بالإيجاب لتهمس بصوت أبح : أين هو ؟!
تمتم وهو يقترب منها : في غرفة الاطفال ، جلس بالكرسي القريب منها ليكتنف كفها براحته – سيأتون به الآن .
ابتسمت برقة ليهمس متابعًا : ألم يرق قلبك لي ؟! الا ظلت كارهه لوجودي وقربي ؟! ألا تريدين له حياة طبيعية بيننا ؟!
تمتمت بجفاء تملك قلبها : برأيك ستكون طبيعية ؟!
تنهد بقوة : نعم ، فأنا تبدلت واختلفت ، فقط امنحيني عفوك ورضا قلبك
ابتسمت رغمًا عنها ليفز قلبها حينما دلفت الممرضة تحمل طفلها بين ذراعيها فتضعه بحضنها وتهمس : مبارك عليكم .
اقترب منها بعفويه ليحاوطها بذراعه فيحتضنهما سويًا ،التفتت إليه وهمست : تريد أن تحمله ؟!
أومأ برأسه ليتناوله من بين ذراعيها فيقربه منه يقبل جبينه قبل يديره ناحية اليمين ويبدأ في التكبير بأذنه اليمنى ، ليردد الإقامة بأذنه اليسرى ثم يقبل جبينه ويهمس له بدعاء من الواضح أنه حفظه مسبقًا ، نظرت له بذهول وعيناها تتسع بعدم تصديق ، أعاد لها طفلهما ليقبل رأسها ويهمس بهدوء في أذنها : سألت يحيى منذ يومين وأخبرني أن هذا ما يتم فعله للمواليد الجدد .
ضحكت رغمًا عنها ليتابع برجاء : عودي لي .
آثرت الصمت ليطرق الباب ويدلف منه يحيى الذي هتف : سأقتلك يا حاتم لو لم يخبرني مالك لم أكن لأدرى بولادة ولدك .
التفت إليها : مبارك يا سارة .
ابتسمت وردت عليه بخفوت : بارك الله فيك ، العقبى لك .
هتف حاتم مازحًا : فقط ليتزوج أولًا .
تعالت الضحكات وخاصة حينما لكز يحيى حاتم في كتفه : تأدب يا ولد ، اقترب منها – هلا سمحت لي بحمله ؟!
ناولته له : بالطبع ، حمله يحيى ليقربه منه يقبل رأسه قبل أن يعاود ما فعله حاتم من قبل فتهتف ماهي : أباه أيضًا كبر بأذنيه .
نظر يحيى اليه : آها ، لذا كنت تسألني منذ يومين .
تمتم حاتم : ألا تحفظ السر أبدًا ؟!
حمله مالك بدوره : يتبق عمه الأخر .
حينما انتهى مالك من التكبير بأذنيه هتفت إيناس : هلا تركتم حلموس لخالته قليلًا ؟!
ناوله مالك لها لتقبل جبينه وتضمه لها فيسأل يحيى : ألم تستقرا على اسمه بعد ؟!
هتف حينها حاتم بجدية : سأسميه حسام ، عبست بعدم فهم ونظرت إليه فيتابع بمشاغبة – ولدي ومن حقي أسميه كما يحلو لي.
أتبع سائلًا : متى سيعود بلال يا إيناس ؟!
هزت رأسها بعدم يقين : بعد اسبوع إن شاء الله كما أخبرني ،
__حسنًا سنقيم احتفال بمولد حسام وعودتنا سويًا بعدما يعود خاله ،
توردت رغمًا عنها لتغمز لها إيناس بطرف عينها فتتبرم : لم أوافق على العودة .
أسبل جفنيه ورد ببرود : لا يهم موافقتك ، حسام وافق .
هتفت إيني حينها: فقط أبلغاني بالموعد قبلها حتى أدعو آدم .
عبست حينها بتساؤل لأختها التي ضحكت : ألم أخبرك ؟! آدم عز الدين يبلغك تحياته ومباركاته .
شهقت سارة بسعادة : اووه ، هل عاد ؟!
زمجر حاتم بعدم رضا ليهتف بجدية : الآن تخبراني من هذا الآدم ، الذي لا أفهم مدى صلته بكما ؟!
هتفت سارة بعفوية : هل لازال وسيمًا كما هو يا إيني ؟!
ردت ماهي وهي تغمز لإيني : ما رأيته يفوق الوسامة بمراحل يا سارة ، أنه معجب سري للفنانة على ما يبدو .
ضحكت سارة بمرح : بل هو متوله بها منذ الصغر ، أتذكر عدد المرات التي ضربه بلال بها لأجل أن يبتعد عنها فلا يمتثل أبدًا .
تمتمت إيناس : توقفي ، ولكنها لم تفعل بل أكملت – وكيف يبتعد والآنسة نوسا تفضله دونًا عن الآخرين وتتقرب منه دون أن تعبأ بغضب أخيها أو ثورته .
__ سارة . تجاهلت تحذيرها لتسأل حماتها – أين رأيته ؟!
أجابت إيناس : أتى بي حينما توترت من معرفتي بولادتك ، أكملت بخفوتظننتك عملت بنصيحتي وأجبرت نفسك على الولادة .
قهقهت سارة قبل أن تهمس لها بخفوت : هل أنا مجنونة مثلك لأضر ولدي لأصالح أبيه .
همت بالحديث ليصرخ حاتم : توقفا عن الثرثرة عن هذا الرجل وأخبراني من هو .
تأففت إيناس لتهتف سارة : صديق من أيام طفولتنا ، كان جارنا في الخارج يقارب بلال سنًا .
صححت إيني وهي تهز الطفل بنعومة : بل يكبر بلال بعامين ، لقد أصبح طبيبًا .
سألتها سارة : متى عاد ؟!
تمتمت بجدية : لا أعرف ولكن ما فهمته من حديثه أنه بحث عن شركة أبي إلى أن وجدها وأتى لها لأجل العمل الذي يريده
غمزتها بمشاغبة وهي تهمس بخفوت  : لأجل العمل ، أم لأجلك أنتِ ؟!
__ توقفي إن زوجك يستشيط غضبًا ،هتفت إيني بحدة لتهمهم هي ببرود - دعيه يعاني قليلًا .
وبالفعل صرخ حاتم بعضب : لا تتحدثا بخفوت اسمعاني ما تفوهتما به حالًا.
ضحكت إيني بصخب فأتبع آمرًا : لا تدعي هذا الرجل بحفل ولدي.
رفعت حاجبها باقتدار : بل سأفعل ، أنه حفل ولد أختي وسأفعل به ما أشاء ، لا يحق لك أن تعترض وإلا غضبت منك زوجتك.
زمجر بغيرة اندلعت بعينيه لتتحدث ماهي بهدوء : لماذا أنت غاضب يا حاتم ، الرجل معجب بإيناس ، لم يقترب من زوجتك .
اتسعت عينا إيناس بدهشة : ماهي ، هل تصدقين هذه المجنونة ؟!
رفعت ماهي حاجبيها : بل أصدق عيناي يا حبيبتي ، وما رأيته كثير ، أليس كذلك يا مالك ؟!
رفع مالك  – الذي تحاشى الحديث هو ويحيى منذ بدايته - عينيه لينظر لهما : ألم تراه أنت أيضًا ؟!
ابتسم بهدوء لينطق بحمود وهو ينظر إلى إيناس بجدية : ما رأيته لا يهم ، ما يهم هو ما تريده إيناس .
تنفست إيناس بعمق : هذا صحيح يا أخي ، ما أريده هو المهم ، وما أريده الآن هي إيناس سليم وفقط .
ابتسم بثقة وخفض رأسه ليهتف يحيى : موفقة يا فتاة ، دومًا أنتِ مختلفة .
حينها ضحكت إيناس : وسأظل يا باشمهندس .
__ هاتي هذا الولد الشبيه لأبيه لأقبله قبل أن أنصرف ، التفت إليها – سآتي بالغد لأبارك له أنا ودودو .
تمتم حاتم : لم تسمعك الباشمهندسة لحررت لك مخالفة عدم مناداتها بشكل لائق .
ضجت الغرفة بضحكاتهم حينما ضرب يحيى أخيه على رأسه من الخلف : انضج قليلًا ، حتى أتوقف عن ضربك ، فأنت أصبحت أبًا ولا يصح أن أفعلها أمام طفلك .
راقبت حينها السعادة المحيطة بها وشكرت الله عليها بل واستجابت إلى رغبته حينما عقد عليها من جديد في احتفال ضخم أعده إلى طفلهما حضره جميع الأقارب والمعارف وأباه الذي ضم حفيده لصدره وقبل رأسه بفرحة حقيقية ليقبل رأسها هي الأخرى ويعتذر منها عم بدر منه سابقًا فمنحته صفحًا لم تعلنه جهرًا ولكن عيناها سطعت به فأراحت له قلبه .
انتهبت من شرودها على حركة قريبة منها فرمشت بعينيها لتفاجئ بوجهه القريب للغاية يبتسم لها قبل أن يحملها فتشهق بمفاجأة وتتعلق برقبته في ردة فعل تلقائية وتسأل بدهشة : أين حسام ؟!
همس بجانب أذنها : مع جدته .
وضعها بفراشهما ليقبل أذنها وهو يجاورها : لقد نام بحضن أمي كالمعتاد فتركته لها وأتيت أبحث عنك .
ابتسمت برقة وهي تضمه إلى صدرها بحنو فيهمهم : اشتقت إلى حنانك يا سارة .
تمتمت برقة : أنا هنا لم أذهب ولن أذهب .
ضمها إليه بقوة ليغلق عينيه بنعاس داعبه : ردديها ثانيةً .
قبلت رأسه لتهمس : لن أذهب يا حاتم ، نام واطمئن .
همهم وهو يغفى بالفعل : أنا مطمئن طالما أنتِ هنا ، هيا اخلدي إلى النوم بجواري ، ليطمئن قلبي أكثر .
ابتسمت وقبلت رأسه من جديد لتغمض عيناها وتستسلم إلى نوم عميق داعب جفونها .
***
تعالى صوتيهما فيعبس وليد بتعجب ويسأل أخيه : هل تتشاجران ؟!
ابتسم وائل بهدوء وتابع إعداد المائدة : لا إنهما تتناقشان ، ولكن بطريقتهما ، فاطمة بصخبها ، وأختك بعنادها ، إيمان تتدلل وفاطمة تدفعها بقوة لتتخلى عن هدوئها المعتاد .
ضحك وليد بخفة ليتابع وائل : لا تهتم بهما ، ستجدهما تضحكان سويًا الآن .
رفع وليد حاجبيه ليراقب إيمان وفاطمة القادمتان بالفعل تتضحكان سويًا وتهمهمان بحديث خافت انقطع حينما اقتربتا لتهتف فاطمة : أين زوجتك وفليك يا فنان ؟!
__ بالداخل ، ياسمين تبدل لهما ملابسهما فعاصم بك غرق أخيه وغرق نفسه بالماء .
ضحكت فاطمة : حماهما الله .
سألت إيمان التي تعلقت بساعد وائل : ألم يصل أحمد بعد ؟!
__ من يأتي بسيرتي ؟! صدح صوت أحمد الذي وصل لتوه
فرحبوا به وبزوجته جميعهم قبل أن تندفع جنى لتتسلم على عميها وتسأل وليد عن عاصم فيهتف وائل : هذا الفتى محبوب من الجميع .
رقص له وليد حاجبيه بمشاكسة : أليس طفلي ؟!
تابع أحمد : لا تنسى أنه ملون ، لقد أخذ من الجانب الإيطالي في والده الكثير .
عبست فاطمة بتفكير وهي تتناول بعض حبات الزيتون المخللة من المائدة : أنه يمتلك وسامة آل الجمال وهذا سر جاذبيته ، مع مرور الأيام يشبه جده أكثر مع لمحة من وليد وغرور وعنجهية وائل .
ضحك أحمد بقوة : صراحتك تدرس يا فاطمة .
شاكسه وائل ببساطة : المهم أنه لا يشبهك .
ردت ولاء بمحاباة : أحمد لا شبيه له .
شاكس ابنة خالته : من يشهد للعريس يا ولاء ، ردت بمرح وهي تقترب من زوجها – زوجته .
ضمها أحمد من خصرها له ليسأل : أين والدي ؟!
أشار وليد برأسه : ها هما .
غمزت فاطمة لأيمي بعينها : فقط دعي الحديث لي .
أومأت إيمان برأسها في تفهم لينقل وائل عينيه بينهما قبل أن يهمس لهما : ماذا تدبران أنتما الاثنتين ؟!
ابتسمت إيمان باتساع لتغمز فاطمة بعينها : لا تقلق كل شيء تحت السيطرة .
عبس بريبة : بعد حديثك هذا ، لقد قلقت بالفعل .
ضحكي إيمي لتخرج له لسانها بغيظ فيضحك بدوره قبل أن يبدأ بالترحيب بوالديه اللذان اجتمعا معهم على المائدة كالعادة .
بعد قليل هتفت إنعام هانم بجدية : ألم تدعوه يا أحمد ؟!
زفر أحمد بقوة : فعلت يا أمي ولكنه رفض وأخبرني أنه سيأتي حينما يتلق الدعوة من زوجته .
__معه حق . غمغم بها وليد لتتوقف هي عن تناول الطعام وتخفض رأسها فيهتف وائل بجدية – لا تضغطا عليها من فضلكم ، هي حينما تشعر بأنها تريد العودة ستذهب إليه ،
التفت إليها : أليس كذلك يا إيمي ؟!
أومأت برأسها في خضوع ليرمق أخويه بغضب فيكتم أحمد ضحمته ليبتسم وليد بتسلية هز رأسه بعدم فهم ويباشر تناول طعامه قبل أن يهمهم لها : لنخبرهم الآن .
هزت رأسها نافية : توقف عن إحراجي .
رفع حاجبيه بتعجب : منذ متى تتحدثين عن الإحراج ؟!
تمتمت باسمه في غضب ليبتسم بخفة قبل أن يتنحنح بطريقة مميزة فيلفت الانتباه له ثم يهتف بفرحة حقيقة امتلكته : سينضم بعد سبعة أشهر بالتمام فرد جديد لآل الجمال
تلقت التهاني بحبور وتعالت المباركات لهما وخاصة من أبيه الذي ضمها إلى صدره وهتف : يربى في عز العائلة بإذن الله .
__في وجودك وعزك يا بابا إن شاء الله .
هتف بها وائل في مرح ليتلقى مباركات أخوية وحضن أمه الدافئ الذي تلقفته لتقبل رأسه وتهمس له : يصل سالمًا يا حبيبي ويعوضك عما ذهب بإذن الله
تنهد بقوة : بإذن الله يا ماما .
رمق أحمد شقيقته التي تجلس مقابلا له ، ولم تهنئ فاطمة فهمس لها  : لم تباركي لفاطمة .
تمتمت : لأني باركت لها من قبل ، أنا أول من اكتشف حملها .
نظرت إلى فاطمة : أليس كذلك يا طمطم ؟!
ضحكت فاطمة بخفة : آها نعم إيمان هي من شكت بكوني حاملا وصحبتني إلى المعمل لأجري التحليل ثم إلى الطبيبة من بعده .
هتفت إيمي بتسلية في حديث خافت لزوجتي أخويها اللتين تجاورانها : كانت تعاني من الغثيان والدوار ولم تنتبه أن من المحتمل تكون حامل.
هزت فاطمة كتفيها بلا مبالاة : لم يجنح تفكيري لهذه النقطة .
نظرت لها ياسمين بدهشة لتسألها ولاء : كيف يا فاطمة ؟!
زفرت : لا أعلم ، لم أشعر به كسابقه ، أكملت بصوت أبح – أو لعلني شعرت به ولكني كذبت نفسي .
ابتسمت  ياسمين لها : سيعوضك الله به إن شاء الله .
تنفست بقوة : إن شاء الله ،
لتهتف إيمي بمرح : يأتي سالمًا بإذن الله يكفي أني سأشارك في تربيته .
رمقتها فاطمة بطرف عينها لتهمس لها بخفوت : ستعودين إلى زوجك أولًا حتى أدعك تحمليه يا إيمان هانم .
شاكستها إيمي : لا يهمني رأيك يكفيني رأي أخي .
تمتمت فاطمة بتحدي وهي تتناول بعض من الزيتون المخلل أمامها : سنرى
انتبهت على صوت وائل يهتف بها : توقفي عن أكل المخلل يا فاطمة .
لوت شفتيها بنزق قبل أن تهتف بجدية : عماه لدي اقتراح أرجو منك الموافقة عليه .
انتبه إليها حماها :تفضلي يا فاطمة .
رفعت فاطمة حاجبيها : لدي مشروع أنا وإيمان نريد من سيادتك الموافقة عليه
انتبهوا جميعا لتداعب الابتسامة شفتي أحمد حينما أكملت : نريد إنشاء حضانة للأطفال .
عبس عاصم بعدم فهم ليسأل وائل بجدية : لماذا ؟!
ليهتف وليد : من سيشرف عليها ؟!
أجابت : أنا وإيمي سنشرف عليها ولدي صديقة أخرى ، أنت تعرفها يا وائل ، ابنة عمها مدرسة رياض أطفال ، سنستخرج التصريح باسمها ، وهناك ليلى ستشاركنا  فهي معلمة ، وولاء ستدعمنا بخبرتها في المجالات الخيرية ، ومنال ستكون مسئولة الحسابات وياسمين ستشرف على الديكور والجانب الفني .
كتم أحمد ضحكته وهو يراقب الثلاث وجوه المذهولة من أمامه لتضحك والدته : ونعم التخطيط يا فاطمة .
__ أنتِ تعرفين يا ماما ، سأل وائل لتجيبه والدته – لقد تناقشت معهم كثيرًا قبل أن تقررا مفاتحتكم بالأمر .
التفت وائل إلى شقيقه : أنت مشترك في هذه الخطة أليس كذلك؟!
أجابت فاطمة في هدوء : أحمد من أتى بالمحامي الذي أخبرني بالتفصيل عن إجراءات الإنشاء .
رماها أحمد بنظرة غير راضية حينما التفت وائل إليه يرمقه بغيظ ليتمتم : زوجتك قصدتني في خدمة أتنصل منها .
ابتسم وائل بسخرية : لا يصح بالطبع
انفجر وليد ضاحكًا ليهتف وائل بحدة : أنت الآخر كنت تعلم .
رفع وليد كفيه في سلام : أبدًا والله ولكني أجد الأمر مبهجًا
__ ما المبهج فيه ؟!
رد وليد بتسلية : روح التعاون .
التفت ليسألها بجدية : وأنتِ ماذا ستفعلين مع الأطفال ، تدرسينهم الحضارة الأمريكية ؟!
ردت بسماجة : لا يهم ماذا سأفعل المهم أن أفعل شيئًا
التفتت إلى حماها : ما رأيك يا عماه ؟!
ابتسم عاصم بحنو : جيد يا ابنتي ولكن لا أفهم ماذا تريدين
صفقت بكفيها :هذا هو الهام في الأمر أولًا نريد دعم سيادتك فتنهي إجراءات الإنشاء بسرعة ، و مبلغًا ماليًا ضخما كتبرع منك للحضانة .
ابتسم عاصم بحنو ليمأ بالإيجاب : من عيوني يا عيوني ، كم فاطمة عندي .
اتسعت ابتسامتها وقالت بفخر : واحدة .
أكمل وهو ينظر إلى ابنته الصامتة فيهتف : هل وجدتم مكانًا أم لازلتم تبحثون ؟!
صمتت لتنظر إلى أحمد بتساؤل فيتلكأ بالحديث لتهتف به : أخبره عن أمر المبنى يا أحمد .
دعك أحمد جبهته ليكتم وليد ضحكته حينما توجه وائل بعينيه إلى أحمد الذي هتف : هناك أكثر من مكان ولكن لم يستقرن على شيء منهم .
رمق ابنته قليلًا ليهتف : حسنًا لأجل ايمان سأنقل لها ملكية فيلا التجمع الصغيرة لتنشأوا بها الحضانة ، وسأتحدث مع المحافظ  لأجل الإجراءات
تهلل وجه إيمي بفرحة طردت جميع أحزانها وهي تنهض لتعانق أبيها الذي ضمها إليه وهمهم بأذنها : لأجلك أفعل أي شيء وكل شيء ، فقط لتسعدي يا صغيرتي .
قبلت رأسه : لا حرمني الله منك يا أبي .
قبل وجنتها قبل أن يتبع : والآن كل من يجلس على المائدة من الرجال يتبرع لأجل إنشاء مشروع الحضانة القومي وأنا سأضع ما يساوي مجموع تبرعاتكم يا سادة .
هتفت فاطمة : يعيش عاصم باشا
ضجت الضحكات فيم بينهم ليستجيب كلًا من وليد وأحمد على الفور بكتابة شيكين ماليين لتنظر إلى وائل بعبوس : ألن تتبرع يا باشمهندس .
تنهد بقوة : سأفعل يا فاطمة فلا أقو على غضبك ولا عدم الاستجابة لأمر أبي .
حرر لها شيكًا ماليا لتنظر إلى المبلغ المكتوب به في ذهول : واو أنه مبلغ ضخم يا وائل .
اكتنف جانب وجهها برقة : فقط عديني ألا تؤذي نفسك .
تعلقت برقبته وهي تصرخ بسعادة ليضمها إليه ويهمس بجانب أذنها : أحبك يا فاطمة .
***
في المساء...
هتفت وهي تجاوره السيارة في طقس اسبوعي يفعله فيأخذها هي وشقيقته في نزهة إحداهما تقترحها ، واليوم دور فاطمة كما يبدو إذ انها صاحت بمرح : أريد الذهاب إلى السينما .
جمدت ملامحه ليرمقها بعتب وهو يشير بعينيه إلى من  تجلس على الأريكة الخلفية فنظرت إليه بدهشة قبل أن تهتف بحنق : رفضت الذهاب إلى الديسكو لأني سأصبح أمًا ، ولأن إيمان لن توافق على الذهاب وأنا تفهمت وجهة نظرها ، ولكن لا أفهم ما الضرر في الذهاب للسينما ؟!
أطبق فكيه بجمود ليتمتم باسمها في لوم نضح بصوته لتزفر بقوة : حسنًا لا يهم لنذهب إلى أي مكان تختاره إيمي ، وأنا سأتفق مع خالد أن يذهب بي إلى السينما .
رفع وائل حاجبه لتنطلق ضحكة إيمي التي كانت تراقبهما في صمت لتهتف بغيظ مفتعل : توقفي عن إغاظته يا فاطمة حتى لا أغيظك أنا الأخرى ، اقتربت لتحتضن كتفه القريب منها وتهمس بدلال - لا تغضب يا أبية فلنذهب إلى السينما غيظًا في فاطمتك التي تريد إثارة غيرتك .
ضحك بخفة وإيمان تخرج  لسانها إلى فاطمة التي مطت شفتيها بمشاكسة : توقفي عن مناداته بهذا اللقب الغريب فهو يشعرني بأني زوجة أبيك والفارق بيننا في السن لا يتجاوز الأربع سنوات يا إيمان .
ضحكت إيمي بصخب لتمازحها بلطف : نعم أنتِ لا تكبريني بالكثير ولكن هذا لا يمنع أن وائل يكبرك بثلاثة عشر عامًا .
ابتسمت فاطمة وهي تنظر إلى وائل الذي اكفهر وجهه بمكر أنثوي فأشاح بعينيه بعيدًا وهو يتنحنح بخفة فتتبع إيمان التي التقطت نظراتهما فقبلت وجنة أخيها وهمست بفخر : أنت شيخ الشباب كلهم يا أبية ، لا يوجد مثلك .
التمعت ابتسامة وائل بزهو فلوت فاطمة شفتيها وتبرمت : سينتفخ كالطاووس الآن .
انفجر وائل ضاحكًا لتهتف إيمي بعتب : يحق له يا ابنة السفير .
غضنت فاطمة ملامح وجهها بمشاكسة قبل أن تهتف : حسنًا يا حبيبة أخيك ، قررت إلى أين سنذهب ؟!
هتفت إيمي بطبيعية : إلى السينما كما أردتِ .
رفع وائل حاجبيه بدهشة قبل أن يلتفت إليها بكامل جسده : حقا يا إيمي ، سنذهب إلى المكان الذي تريدين و فاطمة ستؤجل رغبتها في الدخول إلى السينما إلى أن يذهب بها خالد بك كما تريد ،أتبع وهو يرمق فاطمة بطرف عينه - توقفت عن الغيرة منذ وقت يا زوجتي العزيزة .
ضحكت فاطمة برقة لتبتسم إيمي قبل ان تهمس : أريد أن أذهب يا وائل اشتقت لهذه الأجواء من حولي .
اتسعت ابتسامة وعيناه تحتويها بتفهم وحب : حسنًا يا صغيرتي.
***
دلف إلى غرفتهما ليبتسم باتساع وهو ينظر إليها مستلقيه بالفراش تتابع التلفاز فيخلع سترته ويلقيها بإهمال قبل أن يقترب منها يجلس بجانبها بعد أن قبل وجنتيها : كيف حالك اليوم ؟!
ربتت على بطنها المنتفخ : أفضل الحمد لله ، أنت كيف حالك ؟!
زفر بقوة قبل أن ينهض واقفًا يباشر بتبديل ملابسه : بخير ، فقط ثقل العمل مع غيابك أنتِ وإيناس يرهقني .
تمتمت : كان الله في عونك ، متى ستعود إيناس ألم تخبرك ؟!
غمغم بضيق : قالت قريبًا ، ذهبت وتركتني متورط مع هذا الآدم الذي يسأل عنها يوميًا .
كتمت سوزان ضحكتها لتسأله بحيرة مفتعلة : لا أعلم ما الذي يضايقك ،
__ أنا لا أطيقه من الصغر وأنتِ تعلمين .
__ نعم أعلم ، لأنه كان متوله بإيناس .
نفخ بغضب : ولا زال ، وهي سافرت هربًا منه ، هل ظننتِ  أنني لا أفهم تصرفاتها ؟! كان يضغط عليها بقوة فتحججت بالسفر  لتهرب من الاستجابة لطلبه .
تحركت لتقف من خلفه : إذًا أنت تدرك ما يريده منها .
زم شفتيه بضيق : نعم لقد أخبرني بوضوح دون مواربة ولكني لم أعطه ردًا ، فالرأي الأول والأخير لإيناس ، رغم معرفتي برفضها .
هزت سوزان رأسها بحيرة : لماذا سترفض ؟!
تنهد بقوة : لأنها تريد نجوميتها هذا ما أخبرتني به على الهاتف ، غضن جبينه بضيق – دعينا من تلك السيرة وأخبريني كيف حال سليم ؟!
ابتسمت برقة : بخير والحمد لله .
جذبها من كفها ليذهب ويجلس على الكرسي الهزاز قبل أن يجذبها إليه ويجلسها بحضنه ، فتضع رأسها بصدره ، فيلامس خصلاتها برفق ويهمس : ما رأيك في الانتقال لبيت جديد ، نسكن فيه جميعًا ، أنا وأنتِ وإيني وماما وعمتي ، فيلا كبيرة لنا جزء خاص بها ، في مكان جديد هادئ بعيدًا عن اختناق قلب العاصمة .
ابتسمت ولم تجيب فتابع بحنان : حديقة يلعب بها سليم وإخوة سليم حينما يأتون ، وسأقنع أمير أيضًا بالانتقال فيجاورنا ببيت أكبر له ولطفليه .
ضحكت برقة ونظرت له :حقًا ستترك هنا ووالدتك ستوافق .
غمز لها بعينه :سأقنعها ،فقط وافقي أنتِ .
قبلت وجنته لتهتف بسعادة : بالطبع موافقة .
***
__ منوووون ، هيا يا حبيبتي لقد فاتنا نصف الحفل بسببك أنتِ وولدك .
زفرت بقوة وهي تأتي من الداخل تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها : فقط احمله قليلًا إلى أن أرتدي وشاحي .
حمله برفق ليهتف : حسنا ولكن أسرعي قليلًا .
تمتمت بنزق : لم أتأخر يومًا ، ولكن ولدك من يؤخرني ، فهو مزعج مثلك بالضبط
رفع حاجبيه بدهشة : أنا مزعج .
ابتسمت لتشاكسه : نعم ولكن أحلى إزعاج على قلبي .
ابتسم بمكر ليتبعها ويضمها من خصرها إليه وبقبل جانب رقبتها : حسنًا يا حبيبتي أسرعي حتى لا يغضب هشام منا ، فهو أكد علي الحضور باكرًا .
__لن أتأخر فقط اتركني .
***
__ مبارك الترقية يا هشام .
ألقاها محمود بود وهو يقف مجاورًا له ليبتسم هشام برزانة : بارك الله فيك .
أتبع سائلًا باستفسار :كيف حالك يا ابن العم ؟!
ابتسم محمود بمرح : بخير حال والحمد لله يا ابن العم ،فقط قلق على ديدي فصحتها ليست بخير وتعاند فقط من أجل تصلب الرأي.
هتفت من ورائهما لتقترب وتقف بجواره : سمعت اسمي .
ضحكا سويًا ليضمها محمود من خصرها له : وهل نقو على الاستغناء يا أم عبد الحميد ؟! 
عبست بضيق لتتمتم : أتمنى أن تأتي فتاة حتى لا تسميه هكذا .
ضحك محمود بقوة ليزجرها هشام بعتب : أنه تقليد متوارث فيما بيننا يا مديحة الطفل الذكر الأول في العائلة يسمى باسم جده .
هتفت بتبرم : أنت لم تفعل هذا ، ثم أنا لست معترضة على التقليد ولكن الاسم قديم وثقيل على طفل .
أسبل محمود اهدابه ليهمس برزانه : سيكبر ويصبح رجلًا .
همت بالحديث ليرمقها هشام بحدة فتهمهم : هذا سابق لأوانه ، حينما يأتي بفضل الله ليسميه محمود كما يشاء فأنا أبدًا لن اعترض .
لمعة ابتسامة محمود بثغره ليتمتم : بإذن الله تأتي فتاة فأنا أريد أمنية خاصة بي .
ضربت الأرض بقدمها لتغمغم بخفوت : أبدًا لن تسميها هكذا أبدًا ، أنا فقط أمنيتك ولن أسمح لك أن تأت بفتاة حتى لو كانت ابنتك وتشاركني كنيتي .
نظر لها بمكر : ما عاش من يشاركك كنيتك يا حبيبتي .
رمقته بعتب فاستدرك : يا أمنيتي
تمتمت وهي تلامس صدره وتقترب منه لتهمهم : إذا أتت فتاة سنسميها رقية على اسم عمتي .
تهدجت أنفاسه ليتمتم بصوت أبح : رحمها الله
قبلت وجنته برقة لتهتف : سأذهب وألاعب كريم ، أكملت وهي تنظر إلى هشام – مكانته لدي مختلفة ، بارك الله فيه وحفظه هو وإخوته .
ابتعدت ليتمتم محمود : أنا أيضًا أشعر بهذا ، أحب أكرم وكارمن ولكن يبق كريم ذو مكانة مختلفة عندي .
تنهد هشام بقوة : أنه عطية الله والحمد لله على عطيته ، هو مختلف لذا محبوب ، رغم أن أكرم وكارمن أتيا طفلين طبيعيين كبقية الأطفال رحمة من الله بنا ، و لكن أنا أشعر بما تشعره أنت وزوجتك فكريم يمتلك ذكاء وجاذبية خاصة به ، الحمد لله على كل شيء .
__ حفظهم الله وحماهم لك يا هشام .
__ وبارك لك في ذريتك ، صدح جرس الباب ليهتف متابعا – هذا بالتأكيد أبا محمود .
فتح الباب ليدلف ماهر يحمل طفلة الصغير وتتبعه منة التي هرولت إلى أخيها فيرحب بها ويضمها إليه وماهر يهتف : عذرًا على التأخير ولكن الذنب ذنب محمود الصغير .
تمتمت منة بتسلية : وأبا محمود الذي استيقظ متأخرًا كعادته
غمزها ماهر : استري علي ، شاكسته - أبدًا .
هتف هنادي بحبور : أنرتم البيت بوجودكم ، هيا الطعام معد وجاهز في انتظار وصولكم
هتف هشام وهو يجاور زوجته : هيا تفضلوا .
***
سار بجوارهما وهو يرمق شقيقته بطرف عينه بترقب لردة فعلها على الفيلم الذي أصرت أن تدخله بعد أن اختارته زوجته حينما رأت لافتته الإعلانية فصرخت بحبور أنها تريد مشاهدة إيناس سليم وهي تمثل ليقف محتارًا حينها بينها وبين شقيقته التي أصرت أن يشاهدوا الفيلم نزولًا على رغبة فاطمة ، فيزفر بقوة ويستجيب لهما ، ولكنه الآن يشعر بالندم لأن الفيلم بقصته الرومانسية من المؤكد أنه ضايقتها بشكل أو بآخر ، يريد الحديث معها  يناقشها ويفهم ما يدور بداخلها ، ولكن ثرثرة فاطمة التي لا تتوقف عن براعة إيناس ومالك في التمثيل تكاد أن تفقده صوابه ، زفر بقوة ليهتف من بين أسنانه حينما سألت فاطمة إيمان بصراحة شديدة عن رأيها في الفيلم : فاطمة ؟!
حدته أثارت تعجب فاطمة ونبهت إيمان إلى ملامحه المستاءة فضحكت برقة وقالت : ها هو يغار من جديد .
عبس بعدم فهم ليهتف بجدية : لا لم أشعر بالغيرة أنا فقط .
صمت قليلًا ليتحدث بجدية وهو يدفعهما للسير بجانبه : أريد أن أتأكد من مشاعرك حيال ما شاهدتيه وأشدد عليكِ أنهما كانا يمثلان ليس إلا .
ابتسمت ايمان برقة وأسبلت اهدابها : أنا لست متضايقة يا أبية .
هتفت فاطمة بتعجب : لماذا تتضايقي لا يوجد ما تتضايقين لأجله؟!
تمتم بجدية : فاطمة حبًا في الله اسكتي قليلًا .
زمت فاطمة شفتيها واستجابت على الفور لتتمتم إيمان بهدوء: لماذا أنها تتحدث بمنطقية لا يوجد  شيء أغضب من أجله ؟!
رفع حاجبه بتعجب فأكملت ووجنتيها تتوردان : بالعكس أنا سعيدة.
اعتلى الذهول ملامحه وهو يراقب ملامحها المسترخية لينتبه إلى ضحكة فاطمة الدافئة التي أشعرته بأنها تلهم شقيقته اكثر منه  فيسأل إيمان باهتمام : هلا أخبرتني سبب سعادتك ؟!
احتقن وجهها بقوة وأشاحت بعينيها هربًا منه فأكمل بحنان : تخجلين ان تعبرين عن رأيك لي يا إيمي .
بللت شفتيها : ليس خجلا منك بل حرجا ، فأنت أخي الأكبر وأنا ..
ضمها من كتفيها إليه ليهمس : وهو زوجك ومشاعرك له لا تقع ضمن نطاق الخجل يا إيمي .
أتبع بمشاكسة : تعلمي من فاطمة فهي مستعدة أن تصيح من فوق برج القاهرة بعشقها نحوي .
التفتت إليه فاطمة باستنكار لترفع حجابها وتضوي نظراتها بإغواء وهي تقترب منه تلمس ساعده القريب منها : بالطبع يا باشمهندس أنا على أتم استعداد أن أصرخ بمشاعري في أي مكان وأي وقت ولكن هل تضمن رد فعلك أنت ؟!
لعق شفتيه بحسيه وهو يدير عينيه عليها ، ترك إيمي بعفوية ليلتفت إليها بكامل حواسه وهمس بصوت أجش : لا .
انطلقت ضحكة فاطمة وهي تقترب منه فيضمها من خصرها إليه وهو يهيم بها ، ليصدح صوت إيمان من خلفهما : أكره أن اقاطعكما ولكن الأمن سيطردنا بسببكما .
ضحك وائل بقوة ليضم فاطمة من خصرها إلى جانبه ويعود إلى شقيقته يحاوط كتفيها بذراعه ليهتف بصوت رائق : حسنًا يا أختاه نعتذر عن الإحراج ، هيا أخبريني عن سبب سعادتك .
ابتسمت برقة وهمهمت بخفوت : أنا سعيدة لأني متأكدة من كونه   يُمثل .
عبس بغرابة ونظر إليها بعدم فهم أكملت وهي تبتعد عنه بتلقائيه فتركها بطواعية لتتابع ببوح : لم تكن عيناه تضوي ببريق أزرقهما الغني لم تلتمع بوميض خصني به مرارًا ، حدقتيه افتقدتا لمعتهما التي أعرفها جيدًا، بل أنا أكثر من يعرفها .
ابتسم رغمًا عنه لتصفق فاطمة بكفيها : وبمناسبة هذا الاعتراف الصريح من كريمة آل الجمال ، اقترح أن نذهب لنشتري فساتين جديدة لأجل العرس القادم ،عبس وائل بغرابة - أي عرس ؟!
__ عرس صديقك ، أنت من أخبرتني عنه ابن مستشار الرئيس.
هز رأسه بتفهم ليسأل : أنتِ ستشترين فستانًا ، وايمان ماذا ستفعل  ،
نظرت له فاطمة بتعجب : ستبتاع فستانًا بدورها ، التفتت إلى شقيقة زوجها – ألن تحضري العرس ؟!
هزت إيمان كتفيها : لا أعلم ، هل أنا مدعوة ؟!
رد وائل بجدية : بالطبع آل الجمال كلهم مدعوين .
رفعت فاطمة رأسها بشموخ : إذًا ستحضر ، تأبطت ذراع إيمي وأكملت بخفوت وهي تبتعد بها عن وائل  – أنتِ تعلمين بالطبع أن الفنان سيكون هناك فيحيى قريب لمالك بشكل أو باخر ، هكذا أخبرتني ياسمين ،هزت رأسها بالإيجاب وتمتمت - وأخبرتني أيضًا .
تمتمت فاطمة بخبث : إذًا لننتقي فستانًا يأخذ بعقل الفنان حينما يراكِ ، رمقتها فاطمة بجدية – فأنتِ ستذهبين وتتحدثين معه يا إيمي دون تراجع .
ازدردت لعابها : إن شاء الله سأفعل .
***
بعد يومين ...

__توقفي عن الركض .
هتف بها في حدة لتصيح وهي تركض بطريقة طفولية وتخرج له لسانها فيهتف بغيظ : سأقص لسانك هذا الذي تخرجينه لي .
ضحكت بتسلية وهي تعيد إخراج لسانها مرة أخرى وتتحرك برشاقة حول أحد الكراسي المنتشرة في الجناح الذي أصرت والدته على تجهيزه لهما فانتقلا من غرفته إليه فيدور هو الآخر من أمامها ليزفر بقوة : توقفي يا فاطمة .
هزت كتفيها بلا مبالاة : لن أفعل .
سحب نفسًا عميقًا وهو يتوقف عن الحركة تمامًا : لابد أن تأخذين الدواء كما قالت الطبيبة .
زمت شفتيها بطفولية : طبيبة غبية ، أنا لا أحب الدواء ، أخبرتها أن توصي لي بحقن وأنت من مانعت .
زفر بقوة : إن هذا الدواء يؤخذ عن طريق الحقن في العضل يا تامي .
هزت كتفيها بعدم فهم : حسنًا ، ما المشكلة ؟!
أطبق فكيه بقوة : أنتِ تمانعين أن تُحقني بذراعيك .
تحكمت في ابتسامتها بقوة وهي تجيبه باستهتار : حسنًا ، لا أفهم ما مشكلتك إلى الآن ؟!
صرخت بمفاجأة وهو يقبض على ذراعيها يجذبها إليه : توقفي عن إشعال غيرتي ، لن يراك أحدًا غيري حتى لو كانت سيدة .
رقصت حاجبيها بمشاكسة : إذًا كيف سألد برأيك ؟!
__ يا اللهي ، تمتم بصبر – توقفي يا فاطمة .
لانت ملامحها لتفرد كفها فوق وجنته : توقف أنت عن غيرتك الغير مبررة ،تأملها بشغف فهمست - حسنًا لتحقنني أنت .
ابتسم والحنان يفيض بعينيه : ناهيك أنني لا أعلم كيفية الحقن ، لا أستطيع أن أخدش جسدك بسن مدبب من المحتمل أن يؤلمك .
فاض كراميل عينيها بعشقها له ليتنهد بقوة : هيا خذي الدواء .
قارن قوله وهو يجلس على الكرسي القريب ويجلسها فوق ساقيه فتغمغم برفض : أنه مر .
ثبتها بذراعيه وضغط جسدها بجسده حتى لا تقفز من بين ذراعيه كما فعلت أخر مرة ليتأملها جيدًا قبل أن يهمس بصوت أجش : بعد كل مرة سأعطيك سكر .
ابتسمت بغنج : فقط سكر .
علا صوت أنفاسه : بل سأغرقك في العسل فقط افتحي فمك .
استجابت بطواعية ليحشر الدواء بفمها ويتبعه بقليل من الماء فابتلعته وملامحها تتغضن بانزعاج همت بالحديث ليلتقط شفتيها في قبلة هدجت أنفاسها قبل أن تهمس : أليس مرًا ؟!
علقت نظراته بثغرها : بل شهد مكرر .
انطلقت ضحكتها برقة فسلبت لبه لينهض واقفًا وهو يحملها بين ذراعيه فتعلقت برقبته وهمست بدلال : ألن تذهب إلى عملك ؟!
هز رأسه نافيًا وهو يضعها بمنتصف فراشهما : سأخبر وليد أن يحل محلي اليوم .
همست بتعجب : وائل أنه اليوم الثالث الذي تحمل فيه وليد أعباء عملك ، منذ أن أخبرتهم بحملي وأنت تذهب يوم إلى عملك ويوم تجلس بجانبي ، ووليد ووالدك من يتحملا العمل .
دفن وجهه برقبتها وهو يزيح سترتها القطنية من كتفيها ويفك أزرار قميصه : فقط سأتغيب اليوم ، أنها لآخر مرة .
همهمت باسمه وهو يشعلها بقبلاته التي تناثرت فوق جيدها لتتعلق برقبته وهي تشعر بأنها تغرق في بحر عشقه لها وخاصة بعدما همس وهو يثقل أذنها بقبلته : أحبك يا فاطمتي .
لينتفضا سويًا على طرقات قوية فوق باب الجناح من الخارج ، أطبق فكيه بقوة وهو يغمض عينيه ليقفز ويهتف بها : لا تتحركي من مكانك ، سأرى ما الأمر وأعود إليكِ .
ضحكت برقة وهي تعدل من جلستها ليهرع هو إلى الخارج ويفتح الباب وملامحه حانقة لينظر إلى وجه أبيه الذي ينظر إليه بتعجب يدير عينيه على مظهره الفوضوي ليرفع حاجبيه وهو يتأمل قميصه المفتوح ، حزام بنطلونه المفكوك وقدمه الحافية والأخرى ينتعل بها حذاءه ليكتم ضحكته وينظر إليه بتساؤل ، تضرج وجهه باحمرار طفيف وهو ينظر إلى أبيه بعدم فهم ليضحك أبيه بقوة وهو يهتف به : نسيتني يا ولد حينما رأيت فاطمتك ؟!
اتسعت عيناه بإدراك وهو يتذكر أنه اتفق مع أبيه أن يذهبا سويًا إلى المصنع اليوم ، فقط استأذنه وصعد للأعلى ،ليؤكد على فاطمة موعد الدواء لينسى كل شيء وهو يغرق في كراميل عينيها .
كح بحرج وهم بالحديث لتظهر هي من الخلف تحمل سترته وفردة حذاءه الناقصة لتبتسم برقة وهي تناوله حمولتها قبل أن تهتف بسعادة : صباح الخير يا عماه ، سيجهز خلال دقائق فقط .
أخفض سيادة الوزير عينيه وابتسامته الماكرة تتألق على ثغره فيتمتم وائل من بين فكيه : كنت سأتغيب اليوم يا أبي ، ففاطمة متعبة قليلًا .
رفعت حاجبيها وهمت بالحديث ليقاطعها أبيه : حسنًا يا بني ، سأذهب مع السائق وسأتولى أمورك اليوم ،
اقترب منه ليغمز له بعينه : ارفع رأس أباك .
ضحك وائل بخفة وهو يهتف بسعادة : مرفوعة دومًا يا أبي لا تقلق .
شهقت بتعجب وهو يغلق الباب بعد أن انصرف والده ، يجذبها إليه من خصرها فتدفعه برقه : أنت وقح ، ولكن أباك ..
صمتت ليهتف من بين ضحكاته وهو يحملها من خصرها : برأيك من أين أتيت بوقاحتي يا فاطمة ، تعلقت برقبته وهي تلف ساقيها حول خصره ليكمل : أنها جينات وراثية يا حبيبتي .
انطلقت ضحكاتها ليقبلها بلهفة : كم أحبك يا حوريتي .
***
__ صباح الخير .
رفع رأسه من فوق أوراقه لينظر إليها تدلف من باب غرفة مكتبه في الإذاعة لينهض واقفًا بمجاملة : صباح النور ، حمدًا لله على سلامتك .
__ سلمك الله ، تنحنحت بحرج – أتمنى أن لا أكون أؤخرك عن عملك .
ابتسم دون أن تصل ابتسامته لعينيه : أبدًا .
زفرت بقوة : جئت أعتذر لك عم سبق وبدر مني ، وأطمئن عليك أيضًا ، كيف حالك ؟!
ابتسم رغمًا عنه : بخير ، كيف حالك أنتِ هل سعدت في سفرتك ؟!
ضحكت بخفة وتقدمت لتجلس على الكرسي أمامه بينما جلس بدوره : بالتأكيد ،أمضيت وقت جميل ساعدني على الاسترخاء والتفكير ، انتعشت حينما صفيت ذهني وعدت مقبلة على العمل وخاصة مع إيرادات الفيلم الخيالية .
هز رأسه بالإيجاب : نعم إنه يحقق إيرادات ممتازة .
كحت بحرج : هل لازلت غاضب مني ؟!
تنهد بقوة :لطالما اعتبرتك أختي الصغيرة يا إيني ، ولكن ..
صمت لتبتسم ووجنتيها تتلونان بحرجها : ولازلت أختك الصغيرة يا مالك ، ما حدث كان مجرد غيرة بحتة على أخي الأكبر الذي تزوج ، لم أشعر بهذا مع بلال لأن سوزان كانت دومًا جزء من العائلة ، ولكن معك أنت شعرت بأن هناك من أخذتك مني ، لقد ترجمت شعوري بشكل خاطئ وصدقت ترجمتي دون التفكير بها مرتين ، أنا أعتذر وأتمنى أن احتفظ بأخوتك ، ولكن القرار لم بالأخير .
ابتسم بحنو : لو ظروف زيجتي طبيعية كنت سأرحب بك من جديد ، ولكن في ظروفي الحالية ، لا أستطيع أن أقدم على أي فعل  به شك يثير حفيظة زوجتي .
ابتسمت بفخر : معك حق ، أنا أقدر حبك لزوجتك واهتمامك بشعورها ، وعليه سأبتعد إلى أن يصير خيرًا .
نهضت واقفة : أراك على خير .
__ بإذن الله .
***
__ متى سينتهي درسك ؟!
سألها أحمد بجديه وهو يصف سيارته جانبًا فأجابت : لا تهتم اذهب أنت إلى عملك وأنا سأطلب سيارة أجرة تعود بي .
زفر بقوة : يا الله من عنادك يا إيمان ، تعلمين أننا لا نحبذ تنقلك في سيارة أجرة ، كيف لم تخبري أحدًا بأن سيارتك معطلة ، لماذا لم تخبري بابا ليترك لك السائق ، لو لم آتي مصادفةً وأجدك ترحلين لم كنت علمت .
ابتسمت بخفة : بابا ذهب مع السائق إلى المصنع بعد أن اعتذر وائل عن الذهاب وجلس بجانب فاطمته ، التي كانت ستأتي بي وتحضر معي الدرس أيضًا ،
رفع حاجبيه بتعجب : إذًا أنتِ تحضرين بابنة السفير إلى الدروس الدينية ، وهي تأخذك للسينما ؟! تقاربت مع فاطمة بشكل لم يتخيله أحدًا منا .
ابتسمت برقة : أنها مختلفة عما تبدو ، وأنا سعيدة بتقاربنا .
نظر إليها بحنو : إذًا أخبريني ، هل تتراجعين ؟!
هزت رأسها نافية : بالعكس أنا أتفهم ، أطرد الظلام الذي كنت أحيا به لأبدله بنور الحق الذي أتفهمه من جديد ، بدأت أدرك أن الأمر كله يتعلق باختياراتنا ، أنت الوحيد المسئول عن أعمالك وأفعالك وأنت من ستحاسب عليها ، لذا عليك اتقاء الله وابتغاء مرضاته في كل فعل صغير ستقوم بفعله .
تظللت عيناه بحنان : أتعلمين يا إيمان أنا مبهور بتبدلك وسعيد به.
تنفست بعمق : جزاه خيرًا الشيخ عبد الرحمن هو من أتلقى الدروس على يديه ، بارك الله فيه وحفظه لزوجته وولده .
__ اللهم آمين ، هل هو من تستفسرين منه عن شئون الدين ؟!
هزت رأسها بالإيجاب : نعم ، لقد أبدل مفاهيم كثيرة كنت أظنها صحيحة لكنها كانت تزمت شديد لا علاقة له بصحيح ديننا .
تمتم بجدية : ديننا وسطي يا إيمان لا يدعو للتشدد أو للتزمت ، نعم هناك الكثير مما يحدث في المجتمع من حولنا خاطئًا ولكن هذا لا يدعونا للتشدد ، بل يحثنا أن ندعو الناس بالحسنى ونفهمهم صحيح أمورهم .
أومأت برأسها إيجابًا لتهمس بخفوت : أتعلم سأخبرك بسر لم أبوح لأحدًا قبلك به .
نظر إليها باهتمام فتوردت وجنتيها وخفضت رأسها بخجل : هذا الشيخ الذي أخبرك عنه تعارفت عليه بعد أزمتي التي كنت أمر بها ، قصصت عليه مشكلتي السابقة فنصحني  ونبهني شعرت حينها بإعجاب خفي يداعب قلبي وهو الآخر لا أدعو أنه اعجب بي ولكني شعرت بأنه مال لي ، ولكن في الحقيقة حتى لا أكون افتري على الرجل كذبًا ، هو أشفق على ابنة الوزير التي وقعت في فخ شبه رجل خدعها ، كان من الممكن أن أتقرب إليه أكثر ولكني خفت من رفضكم له ، وظهر مالك بنفس الوقت ، لا أنكر أني أعجبت به قبل أن أرى عبد الرحمن بل إن مالك جذب نظري وأنا مخطوبة ، بل هو كان النعش الأخير الذي هدم خطوبتي ، فالآخر رآني مرة وأنا أتحدث معه فإنهال علي تجريحًا وإهانه ثم أخبرني بعدها بقراره في تركي وخطبته لابن  عمه .
زفرت أنفاسها بعمق : لم أستطع لتخلص من بعض الحقد الذي استقر بقلبي تجاه مالك ، بل حملته بعض من فشلي  وحينما أعلن عن رغبته في الزواج مني تذكرت انجذابي السابق له وشعرت برغبة أبي الشديدة في زواجي منه فوافقت عليه ولكن مع مرور الأيام تصارعت رغبتين بداخلي إحداهما حبي له الذي بدأ ينمو مع العشرة و غيظي منه وحقدي عليه ، لم أكن مستقرة نفسيًا كنت مذبذبة متخبطة تائهة ، فترجمت كل مشاعري بطريقة خاطئة ،تمنعت عن الغرق في حبه خوفًا من أن أجرح من جديد ، خوفا من أن يتركني  ويمض حينما يكتشف كم أنا مشوهه من الداخل ، وكان أمر عدم انجابي القشة التي قسمت ظهر البعير ، فلوحت بالابتعاد قبل أن يشير هو به .
__ والآن ؟!
ابتسمت برقة لونت ملامحها : أنا صديقة زوجة الشيخ عبد الرحمن التي بدورها صححت أمورًا كثيرة كنت أراها بطريقة خاطئة، صديقة لفاطمة التي أضاءت نورًا بعقلي الذي كان معتمًا ، فرحة جدًا بعملي في ملجأ الفتيات ، وسعيدة ببداية المشروع ومتحمسة له للغاية ،
سحبت نفسًا عميقًا لتزفره ببطء وتنظر لعمق عيني شقيقها : وأريد العودة لزوجي بعد أن أصبح لدي هالة تخصني ،ابتسم أحمد بسعادة فأشاحت بعينيها بعيدًا لتهمس بلهفة داعبت قلبها - بل في الحقيقة أشتاق إليه .
ضحك أحمد بمرح ليضربها على رأسها بخفة : بعضًا من الحياء يا فتاة .
ابتسمت ووجهها يحتقن بقوة لتغمغم : أنه زوجي .
قهقه أحمد : يحق لك ، هيا اذهبي وأنا سأنتظرك ريثما تنتهي .
أومأت برأسها إيجابًا : سأتصل بك حينما ينتهي الدرس .
لوح لها بيده وراقبها الى احتفت خلف الباب المخصص للسيدات ليتنهد بقوة ويداعب هاتفه ليصيح بمرح : كيف حالك يا فنان ؟!
***
الزفاف ...
يدور بخطوات واسعة يتأكد من كون كل شيء معد بطريقة لائقة مميزة تليق بأخته وزوجها ليرن هاتفه فيحمله ويجيب دون النظر فيأتيه صوتًا أجشًا : أين أنت يا ابن العم ؟!
التفتت من حوله ليضحك بأريحيه وهو يرى سيف الواقف على باب القاعة فيشير إليه قبل أن يغلق الهاتف ليقترب منه يحتضنه ويصافحه بترحاب قبل أن يرحب بابن عمته الذي بارك له زفاف أخته الوحيدة ، هتف أيمن بحبور : أنرتما مصر بوجودكما ، كيف حالكما ، وأين بنات عمي العزيزات .
ربت سيف على كتفه : صعدا إلى الجناح الخاص بأختك ، صحبتهما زوجتك ، ليتابع إياد – أتينا باكرًا لنكون بجوارك فلا تكن وحيدًا .
ابتسم بزهو وهو يقف في المنتصف بينهما ليستقبل توافد المدعوين : لن أكون وحيدًا طالما أنتما معي .
جاوراه ليشدا من أزره وهما يبتسمان بلباقة وزهو يليق بهم .
***
يقف أمام المرآه ينهي ارتدائه لملابسه  ليهتف بأخيه الذي جاوره : هاتف زوجتك واسألها هل انتهين أم لازال هناك بقية ؟!
ضحك حاتم ليهتف : اهدأ يا باشمهندس ، لازالت الليلة في أولها فحافظ على أعصابك ، حتى لا تتوتر دون فائدة ، فالتوتر بليلة كهذه مضر للصالح العام .
زفر يحيى بقوة قبل أن يتنحنح حاتم بطريقة مميزة وهو يقف خلفه فينظر له يحيى عابسًا من خلال المرآه ، فيلف حاتم ويقف أمامه يعدل له من وضع رباطة عنقه وهو يتمتم بخفوت شديد : ألا تريد أية مساعدة ؟!
هز يحيى كتفيه بهدوء : لا ، كل شيء جاهز ومعد وها أنت تساعدني في ارتداء ملابسي ليبدأ الزفاف
زم حاتم شفتيه لتهمس: لا أتحدث عن الزفاف
رمقه يحيى مطولًا قبل ان يسأله بهدوء : عم تتحدث إذًا ؟!
حرك حاتم رأسه جانبًا مرتين متتاليتين بطريقة خاصة : عن ال..
صمت قاطعا حديثه بإيماءة من رأسه ليضيق يحيى عينيه قبل أن تتسع بذهول : لا تتواقح يا ولد .
لوى حاتم شفتيه وتمتم من بينهما : يحيى أنت مادة خام غير مصنعه وهي معدن استُخرج من باطن الأرض ، هل لديك خطة معينة لهذه الليلة العصيبة ؟!
احتقن وجه يحيى بقوة وهدر بجدية : لا تأت بسيرة زوجتي ثانيةً، ثم توقف عن قلة الحياء ، خطة ماذا أيها الأبله هل هي حرب ؟!
كتم حاتم ضحكته ليتابع يحيى وهو يستعيد هدوءه : ثم أنها ستكون ليلة مميزة إن شاء الله .
قهقه حاتم ضاحكًا ليهتف بمرح: إن شاء الله فستقضيها على الأريكة بعد أن تطردك أبلة الناظرة خارجا متهمة إياك بالتحرش
انتفض متاوهًا بعد أن لكمه يحيى في كتفه بقوة وهو يهتف : لا تأت بسيرة زوجتي ثانيةً ، سمعت
دلك حاتم كتفه ليهمهم : على راحتك ، فقط إذا احتجت مساعدة اطلبها
أطبق يحيى فكيه ليشير إليه برأسه : إلى الخارج ، الآن .
أومأ حاتم براسه وهو يهم بالخروج ليغمز بعينه لأخيه : زفاف مبارك يا عريس .
زفر بقوة وهو يراقب خروج أخيه ليبتسم رغمًا عنه وهو ينظر إلى نفسه بالمرآة ويهمس : ستكون ليلة مميزة إن شاء الله .
***
__ إذا شعرت بأي تعب ، أخبريني لنتصرف على الفور .
تنهدت بقوة : هذه المرة العاشرة يا بلال ، اهدأ من فضلك ودعنا نستمتع بالزفاف .
لوى شفتيه بضيق فابتسمت وأكملت برقة وهي تستند بجسدها عليه : أعلم أنك أتيت متضررًا ولو استطعت عدم الحضور لفعلت ولكن ألا آن الأوان لتتناسى كل شيء حدث في الماضي ، فالأمور الآن مستقرة بين سارة وحاتم ، ويحيى في الأساس لم يقع في نطاق المشكلة بينك وبين كامل الألفي ، بل هو ساند سارة ودعمها .
هز رأسه بتفهم فأكملت : ولنترك كل هذا جانبًا ، يحيى لديه فضل كبير على المؤسسة يا بلال لا تغلفه أو تتناساه ، أعتقد أنه يستحق منك أن تحضر زفافه ليس لمجاملات اجتماعية بل لروابط أسرية جمعت بينه وبين والدينا .
ابتسم بحنان شع من عينيه وهو يضمها إلى صدره : بل هذا السبب الرئيسي الذي أتى بي اليوم ، سنوات العشرة التي جمعت بيني وبين يحيى ، سنوات قضاها هو بالشركة وكان عمودًا مؤسسا فيها .
تنهد بقوة : يحيى يستحق كل خير ، أتبع وهو ينظر لها – ولكن هذا لا يمنع أني خائف عليك فأنتِ في شهرك الأخير يا سوزان .
ابتسمت برقة : لا تخف سأكون بخير وإن شاء الله  لن ألد اليوم.
***
__ لا أفهم سر إصرارك على إرتداء هذا الحذاء اليوم ، أخاف أن تقعين بسببه ؟!
تأففت بنزق : توقف عن التبرم ، لن يحدث شيئًا بإذن الله ، رمقها بحدة وهي تتأبط ذراعه تبتسم بخيلاء ليزفر بضيق - ألم يكن من الأسهل أن ترتدي حذاء أرضي وتريحي قلبي الذي يفز مع كل خطوة تخطينها ؟!
تنهدت بقوة لتلتفت إليه تتوقف عن السير وتجبره على التوقف وهي تلامس صدره بطرف أناملها وتهمس بإغواء وعي تنظر إليه من بين رموشها : وقلبك يفز خوفًا أم إعجابًا يا ابن الوزير؟!
لعق شفتيه ثم ابتسم بمكر وهو يفرد ذراعه ليحاوط خصرها به ويقربها إليه : الاثنين يا حبيبة ابن الوزير .
همت بالرد عليه قبل أن يقاطعهما صوتًا مميزا بلكنته الأجنبية  : مساء الخير .
زم شفتيه بضيق من المقاطعة قبل أن يلتفتا سويًا فتسرع هي إلى الترحيب بشقيقتها واحتضانها ليصافح هو خالد بقوة فيهتف خالد بلباقة : انضما إلينا ،
ابتسم وائل ليلتقط موافقة زوجته فيهتف : بكل سرور .
***
__ تأخرت في الحضور اليوم يا سيادة الرائد على غير عادتك .
ابتسم امير بأريحية وهو يصافح صديقه ويمأ لياسمين التي جاورت زوجها قبل أن تتجه لتحتضن ابنة عمها التي هتفت : لا ذنب له الصغيرين هما السبب .
ضحكت ياسمين : كما فعلا القردين معي .
دلفوا جميعا إلى الداخل ليشير وليد إلى الطاولة التي يجلس عليها خالد ووائل : انظر أنهما هناك ، تعال لنجلس معهما .
ابتسم أمير ليرمق ليلى التي تقدمت ياسمين وهي تهمس لها : ذكريني أن أتناقش مع فاطمة بعدة أمور تخص الحضانة يا ياسمين.
تبرمت ياسمين : ليس اليوم من فضلكما فأنتما حينما تبدأن في الحديث لا تتوقفا .
ابتسمت ليلى لتهمس إلى ياسمين بخفوت : لا أصدق إلى الآن أن من أتحدث معها ، أتناقش ونتحاور سويًا هي فاطمة ، لقد تبدلت إلى أخرى وكأني لم أعرفها يومًا .
ابتسمت ياسمين : لقد مرت بالكثير وعليه الإنسان يتغير يا ليلى.
أومأت ليلى رأسها في تفهم لتبتسم بصدق وهي تنضم للزوجين الآخرين فيرحبون بهم ويجلسون جميعهم سويًا .
***
__ أين تركت الفتاة يا أسما ؟!
زفرت أسما بقوة قبل أن تهتف : بحق الله يا دعاء لقد سألتني أكثر من عشر مرات للآن وأجبتك ، توقفي عن التفكير في ابنتي واهتمي بنفسك فزفافك اليوم .
تبرمت دعاء بنزق : أريد الاطمئنان على زوزو .
ضحكت أسما وهي تنظر إليها تعدل من وضع طرحتها  : زينب بخير يا عمة زينب ، مع أمي والمربية فقط ابتسمي لأجل زفافك ودعي خوفك جانبًا .
همت بالحديث لتهتف فريدة التي اقتحمت الغرفة للتو : هيا يا دعاء أيمن ينتظرك ويحيى يكاد يقتحم الجناح لأجلك .
ابتسمت أسما برقة وربتت على كتفها : هيا يا عروس .
سحبت نفسًا عميقًا لتنهض واقفة فتتمتم فريدة : بسم الله ما شاء الله ، حفظك الله وحماك من الأعين ، تبدين خلابة .
توردت دعاء لتخفض رأسها في حين سمعت صوت أخيها يهتف من الباب : هيا حتى لا يخطفك يحيى ويهرب تاركًا الزفاف إذا تأخرنا أكثر من ذلك .
تعالت الضحكات من حولها لتسير بجوار أخيها تتأبط ذراعه وتتنفس بعمق تحاول تنحية توترها جانبًا .
***
__اهدأ قليلًا .
زفر بقوة قبل أن يتعالى صوت دق الدفوف فينبهه بنزولها جوار أخيها بأول السلم الذي يقف أسفله ، حبس أنفاسه وتطلع إليها بعشق تملكه وهو يدير عينيه على فستانها الأبيض الطويل بقماشه الستاني ، يرسم جسدها الممشوق دون أن يظهره ، ولكنه يحدد طول ساقيها بذيله غير المنفوش ولكنه مترامي الأطراف بطريقة خلابة ، ضيق من عند الخصر ، ويحدد كتفيها من فتحته المضمومة إلى رقبتها فلا تكشف عن جسدها ولكن تظهر طول عنقها الذي فتنه وخاصة مع رفعها إلى خصلاتها الناعمة في تسريحة مميزة أضفت إلى فننتها المزيد من الرقة ، كمين الفستان من التُل المطرز ضيقان فيحددان انسيابية ذراعيها دون أن يكشفا عنهما ،رمش بعينيه وأطلق نفسه الحار حينما توقفت أمامه .
نبهه أخاه بلكزة خفيفة منه ليصافح أيمن ويستجيب بذهن شارد وعيناه ملعقتان بها ، ليعود إليها ويقبل رأسها بنحو قبل أن يضمها إلى صدره بتملك و يهمس بجوار أذنها : مبارك علي أنتِ يا صديقي .
توردت بقوة وخاصة حينما شعرت بأنه لا ينوي إفلاتها .
اقترب منه حاتم وصاح بمرح : لازال الزفاف بأوله يا أخي ، دع شيء لما بعد الزفاف .
ابتعد عنها مرغمًا ليهتف بأخيه في نزق : اذهب إلى زوجتك واتركني قليلًا .
ضحك حاتم قبل أن يهتف: مبارك يا دعاء ، هيا استعدا ، لتدلفا إلى القاعة .
تأبطت ذراعه ليضع راحته فوق كفها المتعلقة بذراعه مطمئنا لتبتسم برقة فيهمس لها  : هيا بنا .
***
تمتمت برقة : لقد انتهت الزفة .
ضحك أحمد وهو ينظر إلى شقيقته التي التفتت إليه بخيبة أمل اعتلت ملامحها قبل أن يدلفا إلى القاعة فيقفا منتظرين اقتراب والديهما وزوجته التي جاورت خالتها في خطواتها البطيئة إلى حدٍ ما واتبعهما إياه الذي يتحرك ببطء مجبر عليه بسبب الحرس الذي يحاوطه من كل جانب ، فيهمس بمرح : أعتذر لأني أفشلت خططك في حضور الزفة يا إيمي .
توردت رغمًا عنها : لا أقصد ، ولكني أحب صوت الدفوف ، لذا الزفة تعتبر الجزء المفضل لي في حفلات الزفاف .
ابتسم وهو يشيح بعينيه بعيدًا : كان من المفترض أن تأتي برفقة وائل إذًا .
كحت بحرج ووجنتيها تحتقن بقوة لتهمس بخفوت وهي تقترب منه بعفوية : كنت بالفعل أنوي أن أرافقهما ولكني استحيت حينما تطلع أخيك لزوجته بعدما انتهت من ارتداء ملابسها ،
كتم أحمد ضحكته لتتابع وهي تحاول التحكم في حرجها : رغم أنها اليوم ترتدي فستانًا محتشمًا للغاية بالنسبة إلى ما اعتدت عليه منها ، ولكن انبهار وائل أجبرني على الاعتذار من رفقتهما واخبراهم بأني سآتي معك ومع والديّ .
ضحك أحمد وهو يقف بجوارها  لينظر إليها بعتب : الأمر ليس منوط بالملابس يا إيمي ، لا بشعور المرء نحو رفيقة عمره ، ضغط شفتيه ببعضهما ليهمس بصوت جادي عملي يلجأ إليه في عمله دومًا – إذا كان الأمر منوط بالعري ، فالمرء يرى زوجته كثيرًا هكذا ، ورغم ذلك لا تفقد رونقها في عينيه مهما حدث طالما مشاعرهما متقدة بحب .. بعشق .. بشغف ، يتحول مع مرور الزمن إلى حنان .. مودة .. وعشرة ، فلا تفقد مكانتها لديه بل تزيد وتزداد وتعلو في قلبه وعقله .
توترت وقفتها وهي تحاول أن تنبه أحمد أن يتوقف عن حديثه فيقبض على مرفقها ويضغط عليه بلطف : أنا أتحدث معك بطريقة عملية كالتي استخدمها في الحديث إلى صغار الأطباء ، فلا تتوتري ، ثم إن الزوجة الذكية هي التي تعرف مفاتيح عقل زوجها وتسيطر عليها باقتدار ومرونة ، بمعنى تعلم ماذا يحب .. ماذا يفضل .. ما يفلت نظره .. وما يثير شغفه ، فلا ينظر إلى الخارج ، وخاصةً أن الخارج مليء بالكثير .
ألقى جملته الأخيرة بلهجة مميزة وهو يرمقها بنظرة من يعلم فشعرت بجفاف حلقها قبل أن يتابع بهدوء مبدلًا الأمر برمته : بالمناسبة، فستانك اليوم خلاب ومحتشم جدًا .
ردت بعفوية : أنه انتقاء فاطمة .
ابتسم بتسلية : ذوقها فريد وغريب  فاطمة هانم ، لا ضير أنها أحبت  وائل .
ضحكت إيمي برقة وأبويها ينضمان اليهما وولاء التي سألت بهدوء وهي تجاور زوجها : علام تضحكان ؟!
أجابتها إيمي بعفوية وهي تثرثر لها عن فستانها بينما هو ابتسم بخبث وآثر الصمت وهو يشير لأبيه بعينيه فيلتقط سيادة الوزير إشارته ويلتفت ينظر إلى الخلف فيبتسم باتساع ويهتف مرحبًا : يا مرحبًا بالفنان .
ابتسم مالك وهو يقترب من عائلة الوزير فيتحكم بنظراته ألا تتعلق بها ، يسيطر على خفقات قلبه بإيباء وعزة نفس اعتلت ملامحه التي تصلبت بشموخ وهو يجيب الوزير بصوت خشن : مرحبًا يا باشا .
صافحه سيادة الوزير وهو يبارك له زفاف يحيى فيرد بمجاملة قبل أن يصافح أحمد بترحيب جم لاقاه من الأخير ، قبل أن يقترب من السيدة إنعام فينحني لها ليقبل رأسها ويصافحها فتضمه إلى صدرها وتهمس له بالعديد من الحديث الخافت فيبتسم برقة وهو يتمتم لها : حمدًا لله على سلامتك يا أمي . ليمأ برأسه في حركة ذكية للبقية دون أن ينظر إليها : مرحبًا .
تجمدت ضحكتها رغمًا عنها حينما شعرت بوجوده رغم أنها لم تحاول النظر نحوه بل أجبرت عيناها عن الحيد بعيدًا عنه إلى أن لكزها أخيها ونظر لها بغضب اشتد بنظراته وخاصة بعد أن ردت ولاء تحية مالك الخافتة فتزدرد هي لعابها وتهمهم وهي تجبر نفسها لتطلع نحوه : مرحبًا .
تعلقت عيناها بزرقاوتيه القاتمتين على غير العادة فيرتجف جسدها رغمًا عنه وهي تشعر بتبدله فيسطع تساؤلاها الرقيق عن حاله وذنب أسود يعانق ملامحها فتلتمع ابتسامة ساخرة فوق ثغره وهو يتحاشى تساؤلها ويمأ برأسه إلى سيادة الوزير : بعد إذنك يا سيدي ، فأنا تأخرت عن يحيى كثيرًا ولكن رغمًا عني .
تمسك عاصم بساعده ليهتف به في جدية : انضم لنا .
حافظ على ابتسامته : طلباتك أوامر يا باشا وأنت تعلم ولكن اليوم لن أقو على تلبية أوامرك ، فخالتي تحتاجني معها وابن خالتي وأخيه أيضًا ، فاسمح لي واعذرني .
ابتسم عاصم بتفهم : حسنًا يا بني على راحتك .
أومأ إلى أحمد برأسه قبل أن يلتفت إلى حماته : سعيد بالاطمئنان عليك يا هانم ، هتف متابعا وهو يبتعد عنهم – بعد إذنكم .
شعرت بقلبها يتمزق ألمًا وهي تراه يبتعد غير مهتمًا .. غير آبهًا .. غير عابئًا بها ، فتلتمع الدموع بعينيها لتنتبه على صوت أخيها الخشن وهو يضغط بقسوة تلك المرة على مرفقها : إياكِ أن تبكي ، فلتتحملي نتائج أفعالك برأس مرفوعة .
تمتمت لأحمد بخفوت وصوت به بحة بكاء وشيك : نويت اليوم أن أتحدث إليه .
قاطعها بغضب : وماذا فعلتِ تجاهلته يا إيمان ؟!
تمتمت : رغمًا عني ، فزفر بقوة – اهدئي ولتذهبي إليه بنفسك .
أومأت برأسها وردت سريعًا : فاطمة نصحتني بذلك .
ابتسم رغمًا عنه : بارك الله فيها زوجة البكري ، وأكثر من نصائحها .
ابتسمت رغمًا عنها وهي تهدئ روحها الخائفة من رفضه لتهمس إلى نفسها بثقة بثت بها في أوردتها " مالك لن يفعلها " .
***
تحرك بخطوات واسعة بعد أن هنأ يحيى وبارك إليه ، صافح بعض من المدعوين ورحب بالبعض الآخر ، تلقى بعض الاطراء والتقط بعض الصور مع المعجبات ، ثم تحدث إلى حاتم واستفسر منه عن بعض الأشياء  قبل أن يستأذن منه ويتحرك متجهًا إلى الخارج مرة أخرى ولكن هذه المرة كان في اتجاه الشرفة ، يريد أن يبق بمفرده قليلًا .. أن يلتقط أنفاسه قليلًا .. أن يهدئ من خفقات قلبه قليلًا ، قلبه الذي أعلن عصيان تام حينما تعلقت حدقتيه بطيفها ، قلبه الذي أجبر عيناه على أن يمشطاها من اخمص قدميها إلى وشاح رأسها قبل أن يقترب منها ، قلبه الذي تمرد وثار .. صاح وشجب .. ندد وندب ، حينما تركها وذهب ، فظل – قلبه- معلقًا بها .. هائما بها .. طائفًا في محرابها ، فلم يجديه تعقله نفعًا ، ولم يفده شموخه ربحًا ، بل أزاده خسارة مررت حلقه وهو يبتعد عنها وكل ما يبتغيه قربها .. وجودها .. حبها ، ابتسم ساخرًا وهو يحرر رباطة عنقه قليلا ليهمس إلى نفسه "  وهل أحبتك يومًا يا مالك ؟!! "
***
توقفت بطريقتها الاستعراضية بعدما دلفت من باب القاعة ، فتلتقطها عدسات المصورين ، فتبتسم بمكر ، تومئ بغنج ، وتبتسم بنجومية تستحقها ، قبل أن تشير بكفيها فيبتعدون عنها وهي تخطو بخطوات أنثوية بحته ، فتتعلق بها النظرات من كل حدب وصوب ، تنطلق تأوهات الإعجاب ، وتكلل النظرات بحبور ، وتتوالى  التعليقات عن مدى جاذبيتها .. أنثويتها .. جمالها .. وتحرر روحها المميزة به دونًا عن غيرها ، تبتسم فتسبي إعجاب الكثيرون ، وتشير برأسها في التحية فتتسع الابتسامات ، وترفع يدها بتحية تخصها لبعض الأفراد فيتيه أصحابها في فخر وحبور وتثير الحقد في نفوس البعض الآخر ، توقفت رغمًا عنها وهي تصطدم به يقطع طريقها في صمت وعيناه تتأملها بإعجاب فترفع حاجبيها بتساؤل قبل أن تهتف : مبارك زفاف بكريك يا باشا .
ابتسم بمكر : بارك الله فيك يا جميلة .
ابتسمت بلباقة فتابع : العقبى لك .
غضنت جبينها باستياء لتهتف بمرح مفتعل : لا أعتقد ، أنا أحب نفسي أكثر من أي شيء آخر .
ابتسم ولمعت عيناه بوميض خبث أثار انتباهها وأوقد تركيزها ليهمس بخفوت وهو يقترب منها : تذكريني بأحدهن ، أتمنى أن لا تنتهي مثلها .
جمدت ملامحها وهي تلتقط إشارته لتهتف من بين أسنانها وترسم ابتسامة باهته : لا تخف يا بك ، حينما سأقرر اختيار شريك حياتي ، سأجيد الاختيار ،اقتربت خطوة منه لتكمل هامسه - فأنا لا أنجذب لأشباه الرجال .
ومضت عيناه بغضب لتتحداه بنظراتها دون خوف فيطبق فكيه بقوة ويهمس بخفوت بنبرة مخيفة لم تؤثر بها : إياكِ والتجاوز معي ثانيةً .
نظرت له من بين رموشها باستهزاء وهمت بأن ترد عليه بطريقة لاذعة قبل أن يصدح صوت رخيم من خلفه : لا تستأثر بنجمتنا يا كامل  وتمنعها عن معجبيها.
رفعت عيناها لتتوهج بإعجاب وهي تنظر إلى عاصم الجمال فبل أن تتحرك متخطية هذا العابس الذي أثارت غضبه : لا أحد يقو على منعي من المعجبين يا باشا ، وخاصة لو كانوا المعجبين متمثلين في شخصك العظيم .
قهقه عاصم ضاحكًا قبل أن يمد يده لها مصافحًا فتصافحه بأريحية فيكتنف كفها بين راحتيه ويضغط عليها بلطف : اشتقت إليكِ يا فتاة ، أين كنت مختفية ؟!
أشارت برأسها في مشاغبة : كنت بالهند يا باشا ، حررت كفها من كفيه لتفرد راحتيها وتلصقهما ببعضهما قبل أن تضعها تحت ذقنها وتنحني بطريقة الهنود المميزة  وهي تهتف بمرح : نماستي .
هز رأسه لها وهو يضحك : حمدًا لله على سلامتك يا بنيتي .
اقتربت منه بدلال : سلمك الله يا باشا .
غمز لها بطرف عينه في شقاوة : إذًا هذا سبب  طابع فستانك الهندي ؟!
__ اووه ، لاحظت فستاني يا باشا
اقترب منها بمشاكسة : الأمة كلها لاحظت ، فما يميزه هو ارتدائك له يا صغيرة .
تعالت ضحكاتها قبل أن تهتف بفخر : أطريتني يا سيادة الوزير .
أومأ بعينيه : تستحقين يا إيناس .
أحنت رأسها في دلال : هلا سمحت لي بالاستئذان لأبارك للعروسين .
تمتم : حفظك الله يا صغيرتي .
راقبها وهي تبتعد ليلف إلى من وقف صامت يتابع حديثهم وعيناه تومض ببريق غاضب مخيف فيقترب منه بتؤدة ليقف أمامه بشموخ : إياك والاقتراب منها يا كامل .
اتسعت عيناه بعنفوان وغضب اعتلى ملامحه : لا داع للغضب ، أنت تعلم سبب تحذيري وتدركه ، لن أذكرك بأبيها صديق عمرك وكاتم أسرارك ومن حافظ على ابنك وزوجتك في غيابك ، فأنت مدرك لكل هذا ، ولا تحتاج لتذكيري ، ولكن سأخبرك بأمر ، أنا أعد هذه الفتاة كابنتي فإياك وأذيتها بأي شكل وإلا ستواجهني شخصيًا ، ولا تنس أبدًا أني عاصم الجمال ، ومنصبك لن يحميك مني
تمتم بخفوت من بين أسنانه : تجاوزت حدودها معي .
ابتسم عاصم بسخرية : اعتبرها ابنتك وتجاوزت دون قصد ،
رفع كامل عينيه له متبادلان النظرات بتحدي وعنفوان فيتابع عاصم بجدية محذرًا : لن أسمح لك ، يكفي ماهي واحدة ، نعم عي لن تخطئ كما أخطأت ماهي ، ولكن لن أتركك تدمرها لأنها فقط استطاعت الوقوف أمام سطوتك
رمقه باستياء : أنت معجب بها .
ابتسم عاصم ساخرًا : أنا أرى ماهي فيها ، كما تفعل أنت ولكن قديمًا ماهي أحبتك فلم أستطع إنقاذها ، ولكن الآن أستطيع أن أنقذ من في مكانة ابنتي ولن أتردد ثانيةً .
ربت على كتفه  بطريقة تظهر موجة بين صديقين قديمين ليتابع بنصح : الأفضل أن نظل أصدقاء .
ابتسم كامل من بين أسنانه : بالطبع .
زفر عاصم بقوة ليساله بطبيعية : كيف أخبار صحتك الآن ؟!
ضيق كامل عينيه ليجيب بتوتر : بخير والحمد لله .
نظر له عاصم مليًا ليهز رأسه بيأس : أدام الله عليك الصحة والعافية يا كامل ، مبارك زواج يحيى ، رزقه الله الذرية الصالحة
__ اللهم آمين .
رددها بصدق ليتجاذبا أطراف الحديث بود ليس حقيقي ولكنه ظاهر للعلن على أنه حقيقي .
***
غمزت لأختها  بالرضاع : زوجك متألق اليوم .
ابتسمت سارة وهي تنظر إلى زوجها الذي أحيا نصف الحفل بصوته : أنه فرح لأجل يحيى .
__ يحيى يستحق .
شاكستها سارة بأنفها : وأنتِ أيضًا تألقت في الأغنية الهادئة التي أهديتها للعروسين ، شعرت بشدوها يخرج من قلبك .
رمقتها بطرف عينها : سارة توقفي عن استجوابي .
زفرت سارة بنزق : أريد أن أعلم ماذا فعلت مع آدم .
هزت كتفها : لا شيء ، ماذا علي أن افعل ؟!
__ ايني . رددتها سارة بعتب فتنهدت ايني بقوة – اتركي الأمور تسير بطبيعية ، وأنا سأضع ثقتي الكاملة بتراتيب القدر .
ابتسمت سارة بتفهم فأكملت إيناس : ما يهمني الآن تثبيت نجوميتي والإبقاء عليها ، ما يهمني الآن هو إيناس سليم وفقط .
رتبت سارة على كفها : وفقك الله يا حبيبتي .
هتفت بمرح : سأذهب وأتدلل على أمير قليلًا وأتحاشى غضب بلال الذي ينتظر لينفجر في مع أقل همسه
ضحكت سارة: لقد انتابه التوتر حينما أوقفك حماي العزيز ثم كاد أن يقتلك حينما تعالت ضحكاتك مع سيادة الوزير يا إيناس .
ابتسمت بسخرية : هذا ما أتحدث عنه ، إذا كان أخي لا يحتمل شهرتي ومطالبها ، لا يحتمل المعجبين وحديثي معهم ومجاملتي لهم ، هل سيتحمل زوجي هذا ؟! هل يوجد رجلًا في مصر يتحمل يا سارة ؟!
اتسعت عينا سارة بصدمة قبل أن تلوي شفتيها وتؤثر الصمت لتضحك إيناس بتهكم : كما توقعت تمامًا .
تحركت لتقترب من طاولة أمير لتشاكس أختها بدلال محبب فتتعالى الضحكات الرجولية من بينهم بينما يتعالى ترحيبهم بأن تجلس معهم .
استجابت في حين صدح صوت حاتم بالميكرفون يرحب بجمع الحضور من كل الأصعدة ليبارك لأخيه للمرة الغير معلومة العدد ، قبل أن يهتف بصوت بُح من فرحته : الأغنية التي سأشدو بها الآن ، ليست أغنيتي  بل هي أغنية زميل عزيز ، أتمنى أن يروقه غنائي لها ، سأبدل بها بعض الكلمات ولكني شعرت حينما استمعت إليها للمرة الأولى أنها تصف يحيى دون غيره ، نعم هي شعبية جدًا ويحيى فارس من فرسان الزمن الجميل الذي اندثر كما نقول ، ولكني أحببت اهداءها له .
لمعت عينا يحيى بوميض قوي فابتسم له حاتم بتشجيع ليهتف بالحضور : أتمنى أن تشاركونا .
تعالى التصفيق لتهتف إيناس لمن تجلس برفقتهم : أعتقد أنه يريدكم أن تشاركوا يحيى في الرقص .
عبس أمير ليمط خالد شفتيه ليقفز وليد واقفًا : أنا سأفعل ، أشار لوائل – هيا يا باشمهندس .
هز وائل رأسه نافيًا : لقد كبرنا يا وليد توقف عن المزاح .
أشاح وليد بيده : تحدث عن نفسك ، أنا لازلت شابًا .
ضحكت إيني وأشارت له بإبهامها في علامة إعجاب ليرمقه وائل بحده فتهتف فاطمة : اصحبه معك يا وليد ، فأنا احب رؤيتكما وأنتما ترقصان ، تصبحان بهجة للناظرين .
التفت إليها بتساؤل فلوت شفتيها وهي تقترب برأسها منه وتهمس : لازلت أتذكر رقصكما سويًا في زفافنا ، لقد انبهرت حقًا ليلتها .
غمز لها بشقاوة وهو يهمهم بدوره ويلصق رأسه برأسها : لنبهرك ثانيةً يا حوريتي ولكن أتمنى  أن لا تنتهي هذه الليلة كليلة الزفاف .
أسبلت اهدابها وهمست بدلال : سأبهرك بدوري .
لعق شفتيه وهو يدير حدقتيه على ثغرها ليهتف وليد : ستأتي أم أذهب بمفردي .
نهض واقفًا ليخلع سترته ويضعها فوق ظهر الكرسي بعنجهية فضحكت برقة وهي تحنو رأسها في دلال يميزه بينما صدح صوت حاتم

لو جبنا سيرة الجدعنه .. اسمك لازم يتقال
اخويا اللي بيه بفتخر .. من يوم ما كنا عيال
مهما الايام تتعبه .. عمره ما بص شمال
في الشدة راجل جدع .. واقف كما الأبطال
والدنيا مهما ادته .. ميغيروش المال
لا عمره مني اشتكى .. ولا عمر قلبه ما شال

التفت إليها بدهشة وهي تردد مع حاتم كلمات الأغنية بل تشجو بها في استمتاع وعيناها مظللتان بفخر موجه إليه فيسالها بتعجب : تعرفينها ؟!
ضحكت برقة : أنها أغنية شعبية مفضلة لسائقي الميكروباص ، وأنا أستقل المواصلات العامة ، حفظتها من كثرة استماعي إليها.
أكملت وهي تنظر إليه بحب : أجاد حاتم الاختيار ،فأنت تستحقها بجدارة .
أكملت شدوها بتسلية أثارت ضحكاته وهي تتابع مع حاتم :
تشرف أي حد .. عشان راجل بجد .. لو وسط النار تسد
عمرك ما تجيب ورا
بتكبر اللى منك .. جدع من صغر سنك .. مقدرش أستغنى عنك
حبيبي وربنا
بحبك يا صاحبي .. من وأنا لسه بحبي .. وأنا مسنود عليك
أخويا وحبيبي .. في الأوجاع طبيبي .. حلوة حياتي بيك
بحبك يا صاحبي – أحمد سعد
تعالت ضحكاته بسعادة ليقترب حاتم منه وهو يرقص بمرح لتدفعه هي بأن يذهب معه وهي تهتف : سأصفق لك هيا أريني إبداعات مدرسة الرقص خاصتك .
هز رأسه بيأس ليهتف إليها وهو يتحاشى أخيه الذي بدأ يتمايل مع الموسيقى : لا أستطيع أن أرقص هكذا ، ولكن اجيد رقص السلسا .
تعالت ضحكاتها وأشارت له لينتبه إلى الشباب اللذين يحاوطنه ويجبرونه على مجاراتهم في خطواتهم الراقصة وحاتم يقترب من طاولة مالك ويحرك كفه بحركة كأنه يجذب مالك إليه فينهض مالك وابتسامته تتسع ليستجيب إليه بأريحية وخطوات منمقة مختالة جذابة فتتعالى الصيحات والصافرات من الحاضرات اللائي بدأن بالاقتراب لرؤيته وهو يرقص بجاذبية ورقي يخصانه فيستولى على الأنظار وخاصة لإجادته الرقص الشعبي الحديث فيتوحد هو وحاتم في الحركات  فيرقصان بتناغم قبل أن يجذب وليد  الذي جذب وائل بدوره إلى الدائرة التي انغلقت من توافد الحضور قبل أن تستقبل أيمن الذي فاجأهم جميعًا برقص مصري شعبي أجبرهم على الهتاف له والحبور وهم يحملون يحيى فيقفزونه لأعلى في تقليد متبع بين الشباب ويلتقطونه بسهولة  وهم يرددون مع حاتم الغناء إلى أن انتهت الأغنية في موجة سعادة اجتاحت الجميع .
***
تنفست بانبهار وهي تنظر إلى طريقة رقصه في الشاشة الكبيرة التي تريهم ما يحدث داخل حلبة الرقص بعد أن تكاثف الشباب من حول الراقصين منهم فلم تستطيع الرؤية جيدًا لتتلفت من حولها فتنظر إلى الشاشة وتركز بصرها عليه بانبهار تجلى من حدقتيها ، لقد رأته يرقص من قبل في هذا الفيديو الذي أثار غيرتها ولكن الآن كان مبهر عن المرة الماضية ، شعرت بالغيرة تأكلها وهي تلاحظ اقتراب الفتيات من حلبة الرقص لينظروا إليه  عن قرب لتتأمل ملامح وجهه الغائبة عن نظرات إعجابهم بل كل سعادته موجهه لمن يراقصونه من أصدقائه ، وسعادته التي تدفقت بحدقتيه انتقلت إليها تلقائيًا فابتسمت برقة وهي تتابعه إلى أن انتهت الأغنية فاحتضن حاتم ومن بعده يحيى ليبارك له بفرحة خصه بها ، قبل أن ينضم لأخويها اللذين شاركاه الرقص فيتحدث معهم قليلًا جانبًا قبل تتجهم ملامحه من بعض حديث لا تفقهه ولكنه صدر من وائل على ما يبدو ، إذ أن وليد رمقه بعتب فأشاح له وائل بيده قبل أن يبتعد عنهما ، ليمتد الحديث مع وليد كثيرًا عن المعتاد إلى أن تعلن الموسيقى بفقرة كعكة الزفاف .
فتمط هي شفتيها باستياء وتراقبه وهو يبتعد لركن قصي من القاعة فتنهض واقفه وتتبعه إلى أن اقتربت منه وهو يقف يراقب العروسان يقطعان قالب الحلوى سويًا لتهمس بخفوت : مساء الخير .
التفت ينظر إليها بدهشة قبل أن تتجمد ملامحه فتتبع بتوتر : هلا تحدثنا قليلًا ؟!
زم شفتيه قبل أن يمأ برأسه موافقًا  فتشير إلى الشرفة الذي هرب منها إليها بأول الزفاف وتمتمت برقة : هناك .
زفر بقوة واتبعها دون أن يهمس بحرف فيقف أمامها في الشرفة الواسعة والفارغة إلا منهما ، فيرجف جفنيه وهو يتذكر وقفتهما سويًا في زفاف شقيقها الذي أغضبه منذ قليل فتختلج قسماته بتعابير متتاليه أخافتها وخاصة حينما زفر بقوة وهتف بحدة خافته : تفضلي أنا أسمعك .
أحنت رأسها قبل أن تتمتم ببطء : جئت لاعتذر منك .
رفع حاجبيه بدهشة مزجت بسخرية نظراته : لماذا هل دست على قدمي وأنتِ تعبرين الطريق .
اعتلى الذنب ملامحها : بل فعلت ما هو أفظع ، ومعترفة بذنبي ومقرة به وأتيت اطلب صفحك .
أشاح بعينيه بعيدًا فتابعت بصوت مفعم بندمها : أعلم أني جرحتك جرحًا غائرًا لا تستطيع الخلاص منه وأن كلماتي كلها لن تداوي ألمك .. لن تهدئ وجعك .. ولن تطيب جرحك ، ولكني سأتكلم لعل وعسى أستطيع أن أخفف عنك حزنك ، أنت شاب لا مثيل له ، ناجح .. مشهور .. وسيم .. جذاب وأهم ما تمتلكه هو حنانك .. عطفك .. عطائك.
رفعت عيناها لتنظر إلى محيط حدقتيه الساكن لتنطق بثبات : أنا آسفة .. آسفة على أني آلمتك .. جرحتك .. وكسرت قلبك .. آسفة لأني لم أستطع أن أحبك كما يستحق شخص مثلك ، أنت تستحق فتاة كاملة تعشقك وتحيى لأجلك وتمنحك أطفالًا من صلبك وأنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء من هذا ، ليس لعيب فيك ولكن المشكلة تكمن بي ، لذا أتيت لأعتذر منك .
ابتسم بألم نبض بعينيه : رغم أن حديثك لم يقلل شيء مما شعرت وأشعر به ولكني أشكرك لحرصك على الحديث معي وإخباري بم يعتمل بداخلك ،
أطبق فكيه بحدة : أتعلمين المشكلة لا تكمن بك كما تظنين فأنا لم أطالبك بأي شيء مما سردته قبلًا يا إيمان ، ولكن المشكلة تكمن في هروبك .. تعنتك .. رفضك .. وخوفك .
انتفض جسدها بقوة : صدقني لم أعد كذلك .
هز رأسه بتفهم ليهمس : جيد أنا أتمنى لك السعادة مهما كان قرارك  ، وأن تصلي لمرفأ امن تجدين به نفسك ،
زاغت حدقتيها بتوتر ليبتسم بتهكم ملأ روحه وتابع : الخطأ منقسم بيننا يا ابنة الوزير أنتِ أخطأت حينما استجبت لاختيار عائلتك ونحيت قلبك من اختيارك ، وأنا أخطأت حينما سرت وراء قلبي ونحيت عقلي من المعادلة ، لذا أنا لا أصب جام غضبي و جرحي عليكِ بل أنا أحاسب نفسي أولًا قبل أن أحاسبك
تمتمت بخوف قبض على قلبها : والآن ، ما الحل ؟!
نظر لها من بين رموشه :  لا أعلم لابد أن تقرري بمفردك .
بللت شفتيها ووجهها يحتقن قويًا فتابع وعيناه تومض بقوة : قرري بمفردك  هل تريدين العودة ومحاولة استكمال حياتك معي أم تريدين الطلاق ، وأبلغيني أنتِ بقرارك دون أن تختبئ وراء أحدهم .
ألقى آخر كلماته بصوت محشرج مختنق رافض ، أو هكذا خيل إليها لترفع عيناها وتتفرس في ملامحه قليلًا قبل أن تساله بهدوء : أنت ماذا تريد ؟!
لوى شفتيه بابتسامة متهكمة : لا يهم ما أريده أنا ، فما أريده صرحت به اكثر من مائة مرة أنا أريد أن أستمع إلآم تريده أنتِ .
رفت بعينيها كثيرًا وهي تزدرد لعابها بتوتر قبل أن تهمهم بخفوت : هل ستمنحني فرصة ثانيةً ؟!
ومضت عيناه ببريق أثار تورد وجنتيها قبل أن يهتف ببرود أثار خيبتها : إذا أردتِ فقط .
عضت شفتيها وهي تشعر بالخجل يعتريها فيبتسم بخيبة أمل تملكته : فكري وقرري يا إيمان ، وأنا أنتظر قرارك .
ألقى كلماته بهدوء شتت ذهنها وهي تراقبه ينصرف مبتعدًا عنها فتتنهد بقنوط وتصيح بغضب من تلعثمها : غبية لماذا لم تخبريه أنك اشتقت إليه وأنك تريدين العودة إليه ، وأنك راضيه وقانعة بالحياة معه .
لوت شفتيها بنزق قبل أن تقرر العودة إلى طاولة أبيها وهي تفكر فيم سيحدث بينهما فيما بعد .
***
صدحت الموسيقى قرب انتهاء الزفاف بصوت الدفوف يتبعها صوت رقيق لمغنية شابه فيتعالى صوت التصفيق الخاص بالفتيات اللائي كن يقفن خلف العروس التي قامت برمي باقة الورود فالتقطتها إيني لتهلل بصخب فتجذب ياسمين دعاء - التي جاورت يحيى- من كفها بعيدًا عن عريسها الذي حاول التمسك بها لتشير إلى بقية الفتيات فتستجيب سارة وإيناس قبل أن تتبعهما أسما ويحاوطنهم  وهن يصفقن في صخب وسعادة فتتحرك ياسمين وتشير إلى فاطمة ومنال بعينيها قبل أن تذهب لتجذب ليلى من كفيها فيزمجر أمير دون رضا لتهتف به : ستقف معنا فقط .
انضمت إليهم فريدة التي رددت كلمات الأغنية في دلال وهي تراقص دعاء بأريحية فتتمايل دعاء معها رغمًا عنها في خجل لتتحرك إيني بصخب وهي تدفع بماهي فيتبعها حاتم معترضًا دفعته إيني بعيدًا وهي تشيح له برأسها قبل أن تهلل و ماهي تتمايل مع دعاء فيصفقا إيني وسارة وهما يشدوان بقوة مع كلمات الأغنية الناعمة ، وياسمين التي جاورتهما وتمايلت برقة معهن ، وهي تشير إلى فاطمة بحركات سلسة حتى تستطيع فاطمة تأديتها فتهز منال كتفيها بدلال وهي تجاور شقيقتها التي أخرجت لسانها إلى زوجها الذي نهض واقفًا ينظر إليها باستياء وهو يتحدث بحدة وينظر إليها بعتب فتمايلت برقة وهي تتعمد إغاظته .
بيت حبيبي – يارا
***
صرخ في أخيه : أنا لا أفهم هل هناك دماء تجري بأوردتك أم ماء بارد يا بارد ؟!
قهقه وليد ضاحكًا لتتسع عينا وائل بصدمة قبل أن يتبع بصراخ : توقف عن الضحك واذهب وآتي بزوجتك التي أحدثت ثورة في صفوف النساء وأجبرتهم على الرقص .
هتف وليد من بين ضحكاته : إنهن يتمايلن فقط ، ثم أنا لا أشعر بالضيق اذهب وآتي بزوجتك إذا كنت غاضبًا أو أرقص معها .
التفت كلا من خالد وأمير إليه بحدة ليهتف وائل : انظر حتى الإنجليزي ، التفت إلى خالد - لا أقصد الإهانة يا بك .
ليستدير إلى أخيه : ليس راضيًا عم تتفوه به .
ضحك وليد وأشار إلى خالد : هذا صعيدي متخفي في ملامح أجنبية .
خبط وائل كفيه ببعضهما ليهز امير رأسه بيأس ، نهض وليد واقفًا وهو يهتف : ثم أنا نصف إيطالي يا أخي العزيز  ، لذا سأذهب وأرقص مع زوجتي ولتقف أنت في صف المتفرجين .
نهض خالد بدوره : انتظر وخذني معك ،لم أراقص منال منذ فترة طويلة ،غمز لوائل بعينه ليهمس إليه قبل أن يبتعد - رقصة هادئة ستفي بالغرض وتقمع الثورة في مهدها يا باشمهندس .
رفع وائل حاجبية قبل أن تتسع ابتسامته : من الواضح أنك مفيد يا خواجة .
اقترب أمير منه  الذي نهض بدوره : تعال لتنضم إليهم بعد أن يجبر خالد الدى جي على تغيير نوعية الموسيقى .
أومأ برأسه متفهمًا : نعم معك حق يا أمير .
تحرك باتجاه حلبة الرقص فتتغير الموسيقى إلى موسيقى هادئة ليتفرق تجمع النساء حينما سحب يحيى عروسه إليه فيجذبها إلى صدره ويرقصا سويًا على أنغام صوت رجولي شجي .

في قلبي مكان ..  مكنش بيوصله إنسان
لأنه أمان .. مكنش بيدي حد أمان
فتحته أنا ليك .. دخلته أنت وقفلت عليك
بقى ملكك .. ولا قبلك .. ولا بعديك

ضمها من خصرها إليه فابتسمت برقة ليقبل شامتها الظاهرة من عنق فستانها المتسع للخلف قليلًا ولكنه مزموم على عنقها من الأمام : راقصيني يا فاطمة .
التفتت للتعلق برقبته وتضع رأسها فوق قلبه تتحرك بانسجام  مع خطواته وهي تشعر بغيمة ورديه تحاوطهما ضمها إليه بقوة فتتنهد بصوت مسموع قبل أن تهمس له : أحبك .

خليني معاك .. ده أنا راحة قلبي معاك
هو اللي يحس هواك .. فيه إيه بعده يكفيه
من بين الناس .. أنا عشت معاك إحساس
بعد ما جربته خلاص .. مقدرش أعيش غير بيه

تبرم بأذنها : ألن ينتهي هذا الزفاف ؟!
رفعت حاجبيها بدهشة : ما بالك أصبحت نزقًا ؟!
تمتم : اشتقت لسومي أريد العودة له .
__ توقف عن التذمر وفكر في سعادة أخيك .
ضحك وهو يديرها بمهارة ثم يعيدها إلى صدره و يهمس : يحيى يبتهل حتى ينتهي الزفاف يا سارة .
__توقف عن الوقاحة .
__ لا أرى أية وقاحة أنها زوجته .. حلاله .. من حقه أن يطوق للاستفراد بها كما أريد أن أفعل معك .
لكزته بطرف مرفقها : بل تريد العودة لابنك .
همس بجانب أذنها: بل أشتاق لإنجاب الكثير من الأطفال يكونوا رفقاء لسومي .
رفعت حاجبيها بذهول قبل أن تبتسم : لن أنجب ثانيةً قبل أن أحصل على شهادتي الجامعية .
__حسنًا أنا موافق بعدها نبدأ بالإنجاب ثانيةً .
ضحكت برقه وهي تتعلق برقبته وتهمس: أحبك يا حاتمي .

خليني معاك .. ده أنا راحة قلبي معاك
هو اللي يحس هواك .. فيه إيه بعده يكفيه
من بين الناس .. أنا عشت معاك إحساس
بعد ما جربته خلاص .. مقدرش أعيش غير بيه

تعلقت برقبته لتهمس له : أحمد ،همهم وهو يراقصها برقة لتتابع بدلال : حمادة.
ضحك بخفة : اطلبي وتمني وحمادة صبي المصباح سيحقق لك أمنياتك ، ماذا تريدين يا ابنة الخالة ؟!
ابتسمت برقة : أريد أن آتي بأخ لجنى فلا أريدها ان تنشأ وحيدة.
زفر بقوة : ألم نتحدث من قبل ؟
هزت رأسها بتفهم : أعلم ولكن لا ضير من المحاولة .
زم شفتيه بضيق : بنيتك ضعيفة يا ولاء لن تتحملي ، أنا راضٍ وقانع بجنى .
__ ولكن أنا أريد طفلًا آخرًا .
ابتسم بحنان : ألا أكفيكِ ؟! سطع الحزن بعينيها فتابع - أنا خائف عليكِ .
وضعت رأسها على كتفه : أعلم ولكن شوقي للأطفال يغلبني .
ضمها إليه بقوة : حسنًا سآخذك إلى الطبيب إذا سمح لنا بالحمل سنفعل وإذا لم يسمح ستنسي الأمر برمته يا لؤلؤتي.
ابتسمت بسعادة : أحبك يا حمادة .
اتسعت ابتسامته قبل أن بضمها إلى صدره ويقبل رأسها بحنان سطع بعينيه .

بحس معاك .. حاجات مش حلوة إلا معاك
بطعم هواك .. جميلة وطالعه من جواك
ترد الروح .. تنسي قلبي أي جروح
أنا ملكك وأديني قلتها بوضوح

بحثت عنه بعينيها من حولها وهي تشعر بأن كلمات الأغنية الصادحة من حولها تتحدث عنه ، لتجده يقف بعيدًا في ركن القاعة قبل أن ينسحب وحيدًا إلى الخارج  عائدًا الى الشرفة من جديد ، نهضت لتتبعه بعفوية وخطوات ثابته لتقف أمامه وهي تشعر بأنها تلهث قلبها يقرع بقوة و جسدها متوتر .. خائف .. متصلب ، انتبه إلى وجودها فرفع حاجبيه بدهشة متسائلًا فتمتمت برقة : شعرت أنها تصفك .
اعتلى الذهول ملامحه قبل أن تنفرج بابتسامة عذبة وتفهمه لقصدها اُعلن بوميض أزرق قوي- شع من عينيه - هي أكثر من تعرفه ، فتقترب منه : هلا راقصتني كالمرة الماضية ؟!
ضحك بخفة ليهمس بمكر : الأفراح تثير أشجانك يا ابنة الوزير .
تهدلا كتفيها بخيبة أمل : اعتبر هذا رفضًا .
خطى باتجاهها يجذبها من كفيها إلى صدره : وهل أجرؤ أن أرفض لكِ طلبا يا زوجتي ؟!
صمتت عن الحديث حينما ضمها إلى صدره بحنو فتشعر بخفقات قلبها تهدر ثم تستكين إلى بره الآمن .
أغمض عينيه يستمتع برائحتها القريبة .. دفء جسدها .. وقلبه الملتاع الذي هدأ بجوارها ، قبل أن يدفعها بعيدًا قليلًا ويكح بحرج ليهمهم : المعذرة ولكن ..
ابتسمت بخجل : لا تعتذر عن شيء أنت محق فيه .
وضع كفيه فوق خصرها لتفرد راحتيها على كتفيه قبل أن تتنفس بعمق فتشتم رائحته ثم تريح رأسها فوق صدره لتهمس بتلقائيه : اشتقت إليك يا مالك .
أغمض عينيه وهو يتصلب بعنف شوقه لها فيضمها بقوة إلى صدره ويدفع أنفه في طيات وشاحها ملتزمًا الصمت رافضًا أن يضيع استمتاعه بقربها ليهمهم بخفوت شديد : ومالك مات شوقًا يا قلب مالك
ابتسمت باتساع وهي تتمسك به بقوة تلف ذراعيها حول خصره بدورها قبل أن ترفع رأسها إليه : أريد فقط بعضًا من الوقت قبل أن أعود إلى المنزل
ركن رأسه برأسها وعيناه تتصلان بنظراتها ليغمغم بصوت أجش : لك كل الوقت .

خليني معاك .. ده أنا راحة قلبي معاك
هو اللي يحس هواك .. فيه إيه بعده يكفيه
من بين الناس .. أنا عشت معاك إحساس
بعد ما جربته خلاص .. مقدرش أعيش غير بيه
في قلبي مكان – محمد محسن
ترشيح الصديقة شاهندة 

__ ألن تراقص زوجتك يا بيلي ؟!
رفع حاجبيه بدهشة : كيف ببطنها المنتفخ هذا ؟! ثم هذا هو أمير لم يراقص ليلى بل جلسا يتحدثان سويًا .
غمزت له إيناس : تصرف يا شقيقي  ، ثم لا دخل لك بأمير وليلى فأختك من رفضت الرقص .
نظر لزوجته : تريدين الرقص ؟!
تأبطت ذراعه القريب منها لتسند رأسها إليه : حينما نعود إلى بيتنا سأراقصك ولكن الآن لا أخاف أن ألد فتنقلب ساحة الرقص إلى ساحة قبول مواليد جدد .
ابتسم بحنو : ما رأيك ننصرف فالزفاف أوشك على الانتهاء؟! وأنتِ تعبتِ كثيرًا الليلة .
ابتسمت بإغواء تعمدته : فكرة جيدة .
رفع رأسه الى شقيقته : ألن تأتي معنا ؟!
هزت رأسها نافية : لا لقد اتفقت مع ليلى أن أبيت معها الليلة ، فأمير لديه سفر فجرًا ، فلا أتركها بمفردها ، ثم أنا اشتقت إلى التؤامين ، هيا ضعي مولودك يا سوزان حتى ألتهي به عن طفلي ليلى قليلًا .
تمتمت سوزان بمكر : وما رأيك أن تتزوجي أنتِ وتأتي بقرد خاص بك تلتهي به بمفردك ؟!
شاكستها إيني بوجهها : لا شكرًا .
هز بلال رأسه بيأس وهو ينهض واقفًا ليعاون زوجته قبل أن يتجها ليتمنيا ليلة سعيدة لأخته ويباركا للعروسين وينصرفا .
***
" اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه "
ردده بدعاء صادق خرج من قلبه وهو يبتسم لها بحنو ظلل رماديتيه ، فابتسمت بتوتر لتتسع ابتسامته ويهمس لها : لا تتوتري .
هزت كتفيها بحركة أزادت من تشنج جسدها أمامه قبل أن تتفوه بعفوية : ألن تطمئن على دادة نبيلة ، لقد كانت منهارة من البكاء وهي تودعك ؟!
ضحك بخفة : سأطمئن عليها في الغد ،
تحركت بعصبية وهي تزيح وشاح رأسها وهي تبتعد عنه لآخر الغرفة فينهض بدوره ويحمل سجادتي الصلاة من الأرض وهو يرمقها بتسلية اعتلت ملامحه وهي تدور حول نفسها دون هدف حقيقي فيقترب منها بهدوء : دعاء .
انتفضت برهبه أمام عينيه فيمد كفه لها ويما لها بعينيه : تعالي .
هزت رأسها نافية فينظر إليها بتعجب لتتمتم : أريد أن أخلع إسدال الصلاة ولا أستطيع وأنت هنا بالغرفة .
أخفض عينيه حتى لا ينفجر ضاحكًا ليهمس ببساطة : لا تخلعيه .
رمشت بعدم فهم فأكمل وهو يقترب منها : لا تفعلي شيئًا لا تريده ، وأنا لن أطالبك بشيء إلا حينما أشعر بموافقتك وسماحك .
لانت ملامحها بدهشة لتمتم ووجنتيها تتوردان : لا أفهم .
تنهد بقوة واقترب منها ببطء ليكتنف أعلى ذراعيها بكفيه : ما تخافين منه ليس بالضروري حدوثه اليوم ، أمامنا العمر بأكمله سويًا ، لا ضير أن أنتظر ليلة أو اثنين إلى أن تنجحي في طرد خوفك بعيدًا ، وترتاحي وتأقلمي على البيت الجديد وعلى وجودي الدائم من حولك .
اهتزت حدقتيها فزفر ببطء : فقط تعالي لننام فأنا متعب للغاية ، وكل ما أريده أن أضمك إلى صدري ليستكين قلبي إلى جوارك .
دمعت عيناها بتأثر لم تستطع في السيطرة عليه لتتعلق برقبته بعفوية : يا الله  ، أنت لا مثيل لك ،و أنا أحبك يا يحيى .
ضمها إليه بقوة : وأنا أعشقك يا حبيبة يحيى وصديقه .
***


رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن