الفصل ال٣٠ ج١

2.2K 70 9
                                    

ابتسم بدبلوماسية وهو يمنح العامل بقشيش سخي قبل أن يغلق الباب خلفه ويقف مستندًا بظهره إليه ، يتأمل وقفتها بمنتصف الشاليه الذي أهداه إليهما والدها بمناسبة زفافهما ، لقد وصلا منذ قليل ورغم نومها طوال الرحلة إلا أن الإرهاق باد على وجهها ، وتوترها يخيم عليها ممزوجًا بخجلها الذي يغلفها بغلاف لامع يشعره أنها قطعة حلوى ذات رونق خاص  .
أسبل اهدابه وهو يتحكم في خفقان قلبه الذي هدر بمشاعر صاخبه حينما التفت تنظر إليه باستفهام متساءل عن تأمله لها ، اقترب منها وهو يضع كفيه بجيبي بنطلونه ، بعد أن تخلص من سترته فبقى بالسديري الداخلي لطاقمه الرسمي ، ولكن بقميص مفتوح أول زرين به ، فهو خلع رابطة عنقه قبل أن ينتهى الزفاف ورماها لأصدقائه بمرح ، أخفضت رأسها بحرج فتقع عيناها على ذراعيه النافذين من كمي قميصه المتراجعين للخلف فتظهر ساعديه القويين ، شعرت بوجنتيها تحتقن بخجل وخوف عذري بجوار هذا العملاق الذي تزوجت منه ، نعم هو ليس أطول منها بكثير فهي فتاة تعد من طوال القامة ، ورثت طولها ورشاقة الجسد من عائلة أبيها كما تخبرها والدتها دائمًا ، فأمها وخالتها وجدتها لأمها من قبلهما يتميزن بقصر القامة والجسد الأنثوي الملفوف ، بينما هي أتت رشيقة القد .. نحيفة الجسد وطويلة القامة تشبه وائل في انسيابية جسدها ، فتماثل أحمد طولًا فهو يعد متوسط الطول في الرجال، ووليد يعد الاقصر فيما بينهم ، اهتز جسدها بتوتر وانعدام ثقة يجتاح أوردتها لتشهق بخوف عفوي صدر من حنجرتها حينما اقترب منها كثيرًا ، ليهمس هو برقة : أهدئي     
رمشت بعينيها ، فهمهم بصوت أجش : ما بالك يا حبيبتي ؟!
هزت رأسها بلا إجابة فابتسم بحنو قبل أن يقبل رأسها ويهمس : هيا اذهبي وبدلي ملابسك .
رجفت بين يديه ليهمس بخفوت : لا داع لكل هذا الخوف يا إيمي ، فأنا لست وحشًا ، أنا مالك .
عضت شفتها بتوتر ليهمس باسمها في حنان ظلل حدقتيه ويجبرها أن ترفع رأسها إليه : أنا مالك يا إيمي ، وأنتِ حبيبتي .. زوجتي ، تنهدت بقوة ليقبل جبينها مرة أخرى ويهمس بخفوت - استعدي لنصلي سويًا .
اعتلى الذهول ملامحها فابتسم بعتب خيم عليه لتهمس بموافقتها بخفوت وهي تتحرك مبتعدة عنه ، تهرول إلى داخل الغرفة وتغلق الباب خلفها .
سحب نفسًا عميقًا وهو ينظر إلى الباب المغلق ، يفكر في خوفها منه ، ليس حرجًا عاديًا .. أو خجلًا فطري بل خوف وكأنها تتوقع بأنه سينقض عليها حينما اقترب منها ، نبض قلبه بقوة فيربت عليه براحته مهدئا وهو يهمس لنفسه : اهدأ وتحلى بالصبر ، فمن الواضح أن علينا الانتظار قبل أن نقترب منها .
تنهد بقوة وهو يجلس ليخلع حذائه فهو يريد أن ينعش نفسه من عناء السفر ليجمد عن الحركة حينما طلت هي من باب الغرفة الذي فُتح فجأة ، تخطو إليه بخطوات سريعة متلاحقة وهي تحمل بيدها شيء لم يتبينه في أول الأمر ، لتلوح به– أمام وجهه - في غضب تمكن منها : ما هذا ؟!
حاول السيطرة على تركيزه الذي سرقته منه عنوة حينما طلت برداء الصلاة الأبيض ، يهفهف من حولها بطريقة ملائكية ولكنها نست أن ترتدي وشاحها فتهدلت خصلاتها بلونها البندقي تحيط وجهها فتزيدها فتنة في عينيه ،انتفض على هتافها الغاضب ،وهي تلوح أمامه بزجاجة نبيذ لا يعلم من أين أتت بها !!
نظر إليها بذهول قبل أن ينهض واقفًا مواجها لها فتتابع بحدة : لماذا أحضرتها إلى هنا ؟! هل تتوقع مني أني سأوافق على هذه المعصية ؟!
حاول أن يفهمها بأنه لا يعلم عن هذا الأمر شيئًا ولكنها اندفعت بغضب أعماها : أنا مخطئة أنني تزوجت منك على أمل أنك ستتغير وتعود إلى الطريق السليم ولكن من الواضح أن من شب على شيء شاب عليه .
اتسعت عيناه بصدمة ليهتف باسمها في حنق قبل أن يتبع بغضب جاد : اصمتي  .
نظرت إليه باستنكار فاكمل غير مباليًا بغضبها : ما لي أنا بهذه الزجاجة ؟! هل وجدتها في شقتي ؟! أنها غرفة بمنتجع سياحي ، شاليه من قام بحجزه لنا أباك وليس أنا .
__ اخرس ، أبي لا يحتسي الخمر .
صاحت بعنجهية وكبر اعتلا هامتها ليردد بصدمة – اخرس ، أطبق فكيه بعنف قبل أن يهمس من بين أسنانه : حسنًا اسمعيني جيدًا يا ابنة الوزير، إذا كان أباك فاضلًا لا يحتسي الخمر فأنا الآخر لم ولن افعل ، إذا أردت التصديق فلتصدقي ، وإذا لم تريدي فعلى راحتك افعلي ما تريدينه .
ألقى كلماته بفحيح غاضب قبل أن يتركها مبتعدًا بخطوات حازمة ليصفع باب دورة المياه من خلفه ، انتفضت برجفة امتلكتها وهي تنظر إلى الباب بندم زحف الى عقلها الذي اشتعل غضبا حينما رأت تلك الزجاجة فتتغلب ظنونها على عقلها ،لتهاجمه بتلك الطريقة المخزية ، تهدلا كتفيها بحزن وهي تعاتب نفسها على تسرعها وغبائها الذي لا تستطيع التغلب عليهما !!
***
__ لقد انتهيت ، ألقاها بمرح وهو يحمل الطبق الكبير ليضعه فوق فخذيها فتبتسم برقة وتهمس بعتب - هذا لا يصح ، أن تطهو الطعام وأنا موجودة أيها الأمير .
ابتسم بحنو وهو يجلس بجانبها ويقبل وجنتها :هاك قلتها ، أنا الأمير وأنتِ الأميرة زوجة الامير وتحملين ولي عهدي ، لذا وجب علي تدليلك ، يا حبيبتي .
اتسعت ابتسامتها وهي تنظر إلى الطبق أمامها فتهمس باشتهاء : رائحته خلابة يا أيمن ، أعتقد أنك ستمليني الوصفة فيما بعد ، ناولها أحد الأرغفة الشامية الملفوفة وهتف : لن تستطيعي إعدادها أبدًا يا أسمتي ، فالشاورما السوري من يدي تختلف عن الآخرون نهائيًا ، فالسر في طريقتي اللولبية الفذة .
ضحكت برقة لتقبل وجنته بسعادة : سلمت يداك يا حبيبي .
استدار ينظر إلى عمق عينيها فاصبحا متواجهين فيغمغم بصوت أجش : ولا حرمني الله منك يا حبيبتي .
أخفضت بصرها بخجل من نظراته المفعمة بعاطفته لتهمس : ألن تأكل معي ؟!
__ بل سأفعل بالطبع ، تناول أحد الأرغفة ليسألها باهتمام – أخبريني هل اطمأننت على والدتك اليوم ؟!
أومأت برأسها إيجابًا وهمست : نعم الدواء الجديد يأت بمفعوله والحمد لله وهي بخير .
تمتم حامدًا الله لتساله بجدية : ألا توجد أخبار عن دعاء ؟!
هز رأسه نافيًا : سوى أنها ستعود إلى عملها مع يحيى لم تخبرني شيئًا آخر ، وأنا لم أهاتفها صباحًا حتى لا أثير توترها ، فدعاء متحفظة من خطوبتهما بدرجة تثير غضبي ، وحتى لا نتشاجر ثانيةً اكتفيت بدعمي لموافقتها على العودة إلى العمل ثانيةً ، فسواء استقرا هنا أو سافرا إلى دبي كما أخبرني يحيى ، سأكون مطمئنًا عليها معه .
توقفت عن المضغ قبل أن تسأل بخوف تملكها : هل سيقبل بعرض سيف ؟!
__ أعتقد هذا فالعرض ضخم ويحيى سيكون المسئول الأول عن فرع الشركة في دبي ، أعتقد أنها فرصة لا ترفض .
تركت الطعام من يدها ليزفر بقوة ويسألها باهتمام : ما الذي وترك ، ألم أطلب منك التوقف عن التوتر فهذا سيؤثر سلبًا على الطفل ؟!
تنفست بعمق لتساله بجدية : وأنت لازلت مصمم على السفر ؟!
نظر إليها بعتب وسألها : ما الذي يقلقك من أمر سفري يا اسماء؟!
عضت شفتها بتوتر اجتاحها لتهمس : توقف عن مناداتي باسمي كاملًا فهذا الأمر يوترني .
ابتسم بحنان لمع بعينيه : حسنًا يا أسما ،أخبريني ما المقلق في سفري من وجهة نظرك ؟!
__ سيف ، همستها بخوف نبع من مقلتيها ، لتتجمد ملامحه بغضب فعلي فتتابع بتشوش : أنا خائفة من انتقامه يا أيمن .
تحول غضبه إلى ذهول : سينتقم مني .
نظرت إليه : بل مني ، أنا من أفشلت له خططه .
__ خططه ، رددها بسخرية ليتابع بجدية - هل ترين أني غر ساذج كان سيجبرني سيف على الزواج من أخرى وأنا مكتوف الأيدي ، لا أقو على الرفض ؟!!
هزت رأسها بنفي : لا ، ولكنه لم يتوقع أني سأخبرك بحديثه رغم أنني اخبرته بذلك .
زفر بقوة : نعم أتفق معك ، فهو توقع أنك ستلملمين أشيائك وترحلين ، وهذا ما فعلته أنتِ فعليًا يا أسماء لولا أني أتيت في الوقت المناسب .
__ لا ، هتفت بها في قوة تملكتها لتبع سريعًا – كنت سأنتظرك وأخبرك بالأمر كليًا ، وأرفض تلك الطريقة المهينة التي تحدث بها معي واخباري بكل صفاقة أن زوجي سيتزوج من أخرى وينجب منها أيضًا .
ابتسم بمكر وهمس بفخر : لقد زأرت بوجهه يا أسماء لدرجة أنه اعتذر منك على معاملته الغير لائقة ، أحنى رأسه لينظر إليها بجدية - ورغم اعتذاره أنا لم أقف ساكنًا بل غادرت غير عائبًا باستبقائه لي .
كتفت ساعديها : إذًا لماذا تذهب إلى هناك ثانيةً ؟!
رفع رأسه بشموخ : لأنقذ الإمارة
اتسعت عيناها بفزع ليكمل مبتسمًاوأساعد حورية .
ارتجفت أمام عينيه بغضب عنيف : ستتزوج منها ؟!
عبس بذهول قبل أن يقهقه ضاحكًا فتنهض بحنق وتهم بمغادرة المكان ليستبقيها وهو يحاوطها بذراعيه ، يكتنف وجهها بكفيه : أيتها المجنونة ، من أين أتيت بأمر الزواج هذا ؟!
نظرت له بتبعثر :لا أفهم .
قبل رأسها وهو يضمها إلى صدره : لن أتزوج عليك يا أسما ، فقط ثقي بي .
تشبثت بعنقه : لا أستطيع تحمل زواجك من أخرى فلا تفعلها أبدًا ، قبلت عنقه برقة لتتابع بصوت خافت وعيناها تسطع باستجدائها – أنا أحبك يا أيمن .
ضمها بقوة إلى صدره ليقبل وجنتها برقة ، ملس فوق وجنتها براحته وهو ينظر إلى رماديتها بعشق : وأنا مغرم بك يا أم ولدي.
***
__ سلمت يداك يا زوجة أخي .
ألقاها بمرح فاحتقن وجهها بقوة ، ليلكزه أخيه بقبضته في ركبته فيتأوه بصوت مكتوم وهو ينظر إليه بعدم فهم ، نهره الآخر بعينيه ليصحح بجدية عمد إليها : سلمت يداك يا باشمهندسة .
نظر إلى أخيه : جيد هكذا .
أغمض يحيى عينيه بنزق في حين ضحكت هي برقة فيفتح يحيى عينيه وينظر إليها بحبور انتشله منه صوت حاتم المرح : انظر لقد نجحت في اضحكاها ، ليس مثلك أيها العابس من صباح ربنا.
هتف باسمه في غضب تلك المرة ليرفع حاتم يديه بانسحاب قبل أن يهمس من جديد : استمتعت بالفطور يا دعاء ، شكرًا لك وسلمت يداكِ .
__ سلمك الله ، ألقتها برقة ليهتف حاتم بقوة - أحلى من فطور بليلة .
أتت نبيلة من الداخل لتضع كفيها في خصرها : يا سلام ،حسنًا لن أعد لك المحشي الذي طلبته مني يا حاتم
نهضت دعاء لتقبل رأسها : أنه يشاكسك يا دادة ، فلا يوجد أطيب من طعامك .
ابتسمت نبيله بسعادة دفعت يحيى إلى الابتسام لتتحرك دعاء وهي تنظر إلى حاتم الذي أتى بسرعة يقترب من نبيله ليقبل طرف كتفها ويهمس : توقفي عن الحنق يا بلبلة ، أنا أجامل العروس حتى ترضى عن السيد العابس فيتوقف عن عبوسه ، ثم أنا ذكرت الفطور فقط ، هل أتيت بذكر الغذاء على لساني ؟!
ضيقت نبيلة عينيها : أنت ماكر أكثر من يحيى ،تشبه أباك يا ولد، كان يستطيع أن يقلب الحديث ويخرج من المأزق وكانه لم يفعل شيئًا .
جمدت ملامح حاتم لينبض الألم بعينيه فتلين ملامح نبيله وهي تشهق بخفوت قبل أن تضمه الى صدرها : آسفة يا بني ، ليتني مت قبل أن أقول هكذا .
ابتسم حاتم بألم وهو يتحرك مبتعدًا ويهمهم : بعيد الشر عنك ثم علام تعتذري يا داداه ، أنتِ محقة ، أنا بالفعل أشبهه ، أتبع بخفوت شديد – مع الأسف.
تابعته نبيلة بعيني تشي بمدى أسفها فنهض يحيى واقفًا واقترب منها مقبلًا رأسها : لا تبتأسي يا بليلة ، أن الفنان يقيس غلاته لديك .
__ لقد أوجعته يا يحيى ، ألقتها بندم فهمس يحيى – أنه فقط يتحسس من الأمر ، أعدي له المحشي وسوف يحلق في السماء.
هزت رأسها بتفهم لتساله : وأنت ماذا تريد على الغذاء ؟!
__ أي شيء يا نبيلة ، أنتِ تعلمين ما أفضله .
ابتسمت برقة وقالت بمشاكسة : نعم أعلم ولكن لا أعلم ما الذي تفضله العروس ؟!
التفتا سويًا إلى دعاء التي توردت وجنتيها وهمست وهي تشير إلى نفسها : تقصدينني أنا ؟!
عبست نبيلة بتعجب قبل أن يبتسم بخفة فتنطق نبيلة بضجر: هل هناك عروس غيرك ؟!
ابتسمت بتوتر قبل أن تهمس : لن أتناول الغذاء برفقتكم سأذهب لأخي .
همت نبيله بالرد ليدفعها يحيى بلطف : اذهبي يا دادة وأعدي لنا الشاي فأنا والباشمهندسة سننتقل إلى المكتب فوقت العمل أزف.
تحرك ليفتح الباب الداخلي بين الشقتين ويشير إليها : تفضلي يا باشمهندسة .
نظرت إلى عبوسه الذي يواجها به منذ أن وصلت ، لتتقدمه بخطى واثقة فيتبعها ويغلق الباب ثانية من خلفها ، التفتت من حولها وهي تنظر إلى الشقة المغلقة فالمكتب لم يفتح بعد ، لتتحرك بعشوائية وهي تبتعد عن مكان تواجده فيراقب توترها ، وانتصاب عضلات جسدها في تحفز لم تخطئه عيناه ، لمعت عيناه بإدراك ، ليبتسم بمكر ظلل عينيه فيقترب بتؤدة نحوها ، فتتسارع انفاسها وهي تراقب خطواته المتأنية ، حدقتيها تزيغان بعدم فهم وتتعرق بخوف سرى بعروقها حينما وقف قبالها لا يفصله عنها شيء فيرفع كفيه نحوها فتشهق بقوة وهو يحتجزها بين ذراعيه ، وكفيه تتحركان من خلفها لتهمس بتشتت : ماذا تفعل يا يحيى ؟!
رفع حاجبيه بذهول ليهمس بصوت هادئ : أفتح الشباك ، سطع ضوء الشمس من حولهما مقرونًا بجملته ، ليجذبها من كفها اليه شهقت بمفاجأة فهمس بسخرية : ابتعدي عن حافة الشباك حتى لا تقعين منه ، فخصرك يا طويلة القامة يتعدى حافته.
رجف قلبها وهي تنظر إلى حدقتيه المعتمتين لتدفعه بكتفه في غلظة : لا تمزح معي هكذا ثانيةً .
أسبل اهدابه ليهمس بغضب تلاعب بين نبرات صوته : ماذا فعلت ؟!
صمتت وهي تشيح بوجهها لتتحرك بعيدًا عنه ، تحاول أن تسيطر على مفاصلها التي ارتخت وأعصاب كفيها اللتين يرتعشا بخوف اجتاحها ، خوف لا تعرف له سببًا ، سوى قلبها  الذي يقرع داخل صدرها كطبول الحرب انتبهت إلى نبرة صوته الهادئة   : هل توقعت أنني سأتهجم عليكِ يا باشمهندسة ؟!
عضت شفتها وهي تحاول أن تمحي خوفها فيتابع بصرامة : أم سأغويك عاملًا بمبدئ ابن الأكابر والبنت الفقيرة ؟!
__ يحيى ، صرختها بذهول لينظر إليها غاضبًا ويسألها بجدية وغضب سيطر على غيوم عينيه فأصبحا داكنتين بطريقة مخيفة : أليس هذا ما تخيلته يا دعاء ؟! أليس هذا السبب الرئيسي في منعك لي من القدوم إليكِ صباحًا ؟! هل فقدت ثقتي بك حينما تقدمت للزواج بك ؟! وهل إذا أردت اغواءك ، سأفعلها وأخي ومربيتي لا يفصلهما عنا سوى باب صغير سيدلفان منه حينما يريدان ، أم سأتهجم عليك ببيتكم ووالدة أسماء واخوتها يتنقلان بين الشقتين كنصفي ملعب كرة ؟!
ازدردت لعابها مخفية صدق حدسه بخوفها لتهمهم : هذا سر عبوسك إذًا ؟!
أشاح بوجهه بعيدًا قبل أن يفتح باب الشقة ويهمس : لدينا عمل لابد من إنجازه يا باشمهندسة ، أتمنى تعاونك الكامل .
تركها ليدلف إلى مكتبه تقف بمنتصف الصالة تشعر بغضبه الكامن داخله وهو غير مخطئ به ، بل حماقتها من تحكمت بها وسيطرت على عقلها فذهبت بتفكيرها إلى خوف غير مبرر من شخص لطالما وثقت به قبلما أن ترتبط به فكيف بعد أن ارتبطت به وأصبحت في رتبة خطيبته !!
تبعته بهدوء وطرقت باب المكتب المفتوح تناديه ، استدار ينظر إليها باستفهام ،همست بصوت ابح : أنا آسفة إذ كنت أغضبتك .
زفر بقوة قبل أن يقترب منها فتتماسك حتى لا تبتعد للوراء ليقف على قرب مسافة مناسبة : توقفي عن طريقة تفكيرك تلك يا دعاء ، أنتِ ذو عقل منير ، وحدس صادق قوي ، لا تنساقي وراء حماقات ستؤذي علاقتنا سويًا ، ولا تفقدين ثقتك بي أبدًا ، وتذكري دومًا أنا اريدك صديقة .. رفيقة .. وزوجة ، ولست أنا هذا الرجل ، ليس كوني غني ووسيم ، سأكون ذئب بشري وأنقض عليك في أي وقت ، لقد شوهت سمعتنا الأفلام المصرية.
ضحكت رغمًا عنها فيبتسم : أنتِ آمنة معي تمامًا .
أخفضت عيناها وهي تبتسم بثقة  بداخلها ليتابع بمكر : إلى أن نتزوج ،أجفلت وهي ترفع رأسها إليه في حدة ليبتسم بمكر فتهمس بحنق - توقف عن المزاح يا يحيى .
__ مزاح ، رددها بتعجب ليكمل بصوت اجش : ستصبحين زوجتي يا دعاء .
احتقن وجهها بقوة لتغمغم وهي تتحرك مغادرة : سأذهب لأرى العمل المتأخر .
راقب انصرافها السريع وهو يبتسم بسعادة خيمت عليه ليزفر بقوة ويهمس بتمني داعب قلبه : متى سياتي أخر الأسبوع لاقترن بك يا صديقي
***
تجمعوا أمام باب العناية المشددة ، يتوافدون بتتابع فردي في الدخول لرؤية والدتهم ،همس سيادة الوزير لوائل : لا أريد أي زيارات خارجية إلى أن تنتقل أمك إلى جناح فاخر يليق بها .
أومأ برأسه في تفهم : لا تقلق يا أبي ،
نظر إليه أبيه ليساله بجدية : ألن تطمئن عليها ؟!
ازدرد لعابه بتوتر : أليست بخير ؟! واطمأننتم عليها كلكم ؟!
رماه اباه بنظرة لائمة ليهمس بجدية : ألن تكف عن غبائك وكبريائك اللعين هذا الذي سيؤدي بك إلى التهلكة يومًا ما ؟!
أردف بحنق : نعم كلنا فعلنا حتى الصغار دخلا إليها برفقة امهاتهم ، ولكن هي تريد الاطمئنان عليك ، مهما حدث أنت بكرها.
ابتسم وائل بسخرية مؤلمة : بكرها دخل إليها أولكم ، فهو لم يستطع أن ينتظر لقد ركض إليها كطفل توحش والدته .
رقت نظرات أبيه وهمس بعطف : وأنت يا بني ألا تشتاق لأن تركض إلى حضنها ؟!
__ وهل حضنها شاغرًا لي يا أبي ؟! ألقاها بقهر ليهمس أبيه بثقة – دائمًا
أخفض رأسه وابتلع غصته المتكومة بحلقه لينتبه على صوت أحمد يناديه ليهتف به : ماما تريدك .
رمش بعدم استيعاب ليدفعه أخيه بلطف :هيا أنها تلح على رؤيتك وموعد الزيارة قارب على النفاذ .
سحب خطواته بثقل يشعر به نتيجة أفكار كثيرة تزار بعقله ، وذكريات أكثر تومض بمخيلته فيعلو شعور النبذ بداخله وهو يدلف أخيرًا إلى الغرفة الهادئة دون صوت إلا صوت أزيز جهاز القلب الذي يصدح بصوت مكرر ينبئ بأن أمه على خير وما يرام.
انتبه من أفكاره على صوتها الواهن تناديه ثم تطلب منه بنحو أن يقترب منها ، وقف بجوارها كطفل صغير ينتظر الصفح لتهمس بحنو : كيف حالك يا حبيبي ؟!
ابتسم بتوتر : أنا بخير يا أمي طالما أنتِ بخير .
تمتمت بخفوت : أنا بخير طالما أنت واخوتك بخير .
أحنى جسده لها ، ربت على كفها القريبة : لا تقلقي يا أمي جميعنا بخير ينقصنا وجودك من حولنا .
ابتسمت بتعب ثم همست باسمه فاسترعت انتباهه لتنطق بجدية : ألم يحن الوقت لتصفح  يا بني ؟!
شحبت ملامحه ليجفل وهو يدرك ما تسأله عنه فتتابع بتعب : لم يتبق في عمري الكثير وأريد أن أموت وأنا مطمئنة عليك وأنك صفحت عني حتى لو أنا مقتنعة بأنني لست مخطئة
انتفض جسده برفض لحديثها فيركع بجوارها يقترب برأسه من كفها ويقبله متمتمًا : بعيد الشر عنك يا أمي ، من أنا لأصفح عنك أنا فقط أريد عودتك معافاة ولتفعلي بي ما تريدينه فقط كوني بخير أنا لست غاضبًا أو ناقمًا أنا ،صمت قليلًا ليكمل - كنت صغيرًا ولم أفهم ولكن الآن فهمت .
رتبت على وجنته القريبة من كفها لتهمس له : أنت بكر العائلة يا وائل فحافظ عليها ، اجمع إخوتك من حولك وشد أوصراهم لك ازرع شجرة كبيرة تظلل عليكم فينشا أولادكم بظلالها أخوة منتمين لبعضهم .
ابتسم برقة : في عزك يا أمي إن شاء الله .
نظرت إليه مليًا لتهمس : كم أحبك يا صغيري
توردت وجنتيه بخجل لتتابع وهي تتفرس ملامحه : أتعلم وليد يشبه أباك في الكثير من صفاته الشكلية لكن أنت ورثت صفات عاصم الشخصية وأجمل ما فيه شكلًا ، أنت تشبه جدك أكثر من أبيك وأنا كنت أعشق جدك رحمة الله عليه وهو بدوره كان يدللني فأنا ابنته التي لم يرزقه الله بها لذا خطبني إلى عاصم حينما أنهيت دراستي الثانوية ،وأنا لم أرفض، بل –حتى - لم أحتج فأنا كنت أعشق عاصم .
ابتسم برقة ووالدته تتنهد بوهن : ومن تلك التي لا تعشق عاصم بوسامته .. جاذبيته .. طوله الفارع ..عيناه العسليتين .. وحديثه المعسول ، زفرت برقة – حتى مغامراته النسائية الكثيرة  ، كانت تجذب الفتيات أكثر إليه ، وأنا كنت أعرف كل شيء ، ورغم هذا قبلت به وأنا واثقة بأني أستطيع تغيره، بأنه حينما يقترب مني كما أريد سيحبني وينسى كل ما كان قبلي، لم أكن على علم بقصته مع ماريا ، تلك القصة الوحيدة التي لم أعرف عنها شيء، حتى والده نفسه لم يكن يعلم عنها ، وكيف يعلم عن صديقة ولده الإيطالية، والتي تعرف عليها وأحبها في الخارج ؟!
نظرت إليه : فجدك كان دوما يطمئنني ويهمس لي بأنه سيحبني مثلما أحبه ، وأنا صدقت .. آمنت .. ووثقت بقلبي ونفسي .
أغمضت عيناها بألم : وحتى لا أكون مغالية في حديثي فكل ما فعله كان قبيل زواجنا ، فعاصم رغم كل عيوبه كان مخلصا لي منذ ليلة زفافنا ،
نظرت بعيد وعيناها تلتمعان بحنين وعشق لم يخبو على مر الزمن : أول زواجنا كنت أشعر بأني احيا داخل حلمًا ، ادعو الله إلا أستيقظ منه ،
ابتسم بحنان وهو يراقب ملامح والدته المستغرقة في ذكرياتها فتهمس متابعة - كنت سعيدة بل أطفو فوق بحر سعادتي وعشقي كيف لا وأنا أحقق ما حلمت به مرارًا .
صمتت وصوتها يختنق تحارب الذكرى البغيضة التي احتلت عقلها فربت على كفها ثم اكتنفه بين راحتيه وقبله برقة : توقفي يا أمي.
نظرت إليه وهزت بنفي : أريد أن أخبرك بكل شيء لعلك تفهم،
تمتم بجدية : لا يهم ، فقالت بإصرار – بل يهم ، أتظن يا بني أنني لم أكره تلك المرأة وهذا الطفل الذي ينمو بأحشائها ، وجود هذا الطفل هو من ربط عاصم بها ، جعله يقترن بها حتى لو لن تظل زوجته ، سيظل طفلها رابط يربطهما سويًا للابد ، هذا الطفل الذي سرق مني كل شيء  سعادتي .. راحتي .. عشقي .. حبي .. وحلمي الذي أحاله إلى كابوس في لمح البصر ، فكرهت سيرته ووجوده ، حملته كل شيء فهو من سرق عاصم مني ، أخذه بعيدًا عني ، فوالدك ركض خلفها يبحث عنها ليأتي بطفله ، استمع إلى أوامر أبيه فجدك كان صارما بهذا الشأن نسل الجمال يتربى في قصر آل الجمال ، عشت ليالي كثيرة أتجرع مرارة فقدان كل شيء ، إلى أن بُشرت بك .. بحملي فيك ، أنت كنت القشة التي تمسكت بها لأظل مع عاصم .
رفع حاجبيه باستنكار فابتسمت برقة : لا تتعجب يا بني ، فأنا كنت أبكي لأني ساترك حب عمري مرغمة ، فعائلتي لم تكن تقبل أبدًا أن أعود إليه إلا لأجل خاطرك ، فهم لن يفرقوا أبدًا أم عن ابنها أو رجل عن ولده ، لذا سمحوا لي بالعودة إليه واشترطوا على جدك ألا يكون لي علاقه بالطفل الآخر الذي ستنجبه الأخرى ، وأن ليس علي رعايته أو تربيته ، وجدك وافق وأباك لم يرفض بل كان سيترك أخاك عند جدتك لتراعيه ولم يظن أحدًا –أبدًا – أني سأتقبل طفل غريمتي لأربيه في كنفي .
خيم الصمت عليهم قليلًا التقطت فيهم أنفاسها وهو ينظر إليها بترقب لتهمس أخيرًا : المرأة يا ولدي تشعر بأي أخرى تؤثر بزوجها ، وماريا أثرت بأبيك ، لن أقول أنه أحبها ولكنه تأثر بها، كان شابًا بمقتبل عمره وهي كانت ..
صمتت ووميض يلمع بوهن عينيها : ذات جاذبية خاصة ، ورغم هذا لم أتوقع أبدًا أني سأقع في غرام الصغير حينما سأراه لأول مرة ، فأباك حينما عاد به أخيرًا ، لم يكن يعلم بأني عدت إلى القصر ولم يكن يعلم أني أحملك بأحشائي ، نظرة الذهول التي اعتلت ملامحه لن أنساها قط ، ذهول سرعان ما تحول إلى حنين واعتذار صادق مس قلبي ، ولكنه كان اعتذار صامت  لم يجرؤ على البوح به ، وأنا لم أطالبه به ، بل وقفت أتأمل عودته بشوق اعتراني ولكن غضبي منه غلب شوقي إليه فسكنت دون أن أتحدث إليه ، لم يفوتني تلك اللفة الصغيرة الذي يحملها بين ذراعيه ، لا أعلم إلى الآن ما الذي شدني بالصغير لأخطو ناحيته وأحمله من بيد ذراعي والدك ، هل هي عاطفة جياشة تحكمت بي ، وكان وجودك هو السبب فيها ، أم طريقة حمل أباك الخاطئة هي السبب ، أم هو قدر الله هو من دفعني إلى هذا الطفل الذي كان سينشأ يتيما وأبويه على قيد الحياة ، لا أعلم كل ما أعلمه هو أنني حينما نظرت إليه ، فتح عينيه  ينظر إليه بدوره ، لأرى عاصم أمامي فأضمه إلى صدري وأبكي ، هذا البكاء الذي أردت أن ابكيه في حضن أبيك ، ولكن كرامتي منعتني ، لأجدني أضم وليد وشعوري به يفيض فاشعر بتوسل صامت ينطلق من روحه البريئة يناشدني احتواء يحتاجه .
لمعت الدموع بعينيه لينتبه إلى يدها التي شدت على أصابعه بلطف : لم أحبه أكثر منك أبدًا ، ولكني شعرت بأني مرفأه ، ودوني سيضيع ولم أستطع أن أتركه يضيع يا وائل .
رفع رأسه عاليًا حتى يسيطر على احتقان عينيه وحلقه الجاف وغصته تنزاح رويدًا فيحنو رأسه ثانيةً ويقبل جبينها ، لتهمس وهي تنظر إليه : لم أنصفه عليك يا بني ، أخبرته أنه مخطأ ولكني تفهمت وجهة نظره في حمايتك ، نعم عالج الأمر بطريقة خاطئة ولكن من دفعه لهذا هو حمايتك ، أخيك يحبك جدًا يا وائل ، فلا تدع أي شيء يقف بينكما .
ابتسم وهو يحتضن كفها إلى صدره ويحاوط رأسها بذراعه الآخر دون أن يمسها : وأنا الآخر أحبه يا أمي ، أتبع بمرح دفعه إلى صوته - وليد قدري الذي لا أستطيع الفرار منه .
همست بوهن : حفظك الله يا حبيبي أنت واخوتك .
قبل جبينها مرة ثانيةً : وحفظك الله لنا يا أمي وأدامك علينا نعمة لا حرمنا منها أبدًا .
تلمست موضع قلبه بحنو : أفصح عم يجيش بصدرك يا وائل يكفيك إخفاء يا بني ، قلبك ما عاد يحتمل كتمانك .
أسبل اهدابه مخفيًا عينيه عنها لتتابع بهمس : ابنة السفير تستحق أن تعترف لها عن غرامك بها  .
رجف فكه ليغمغم بصوت أجش : لقد أتعبك الحديث يا أمي والطبيب حذرنا أن لا نرهقك .
ابتسمت بتعب : اه يا أولاد عاصم ، ورثتموه في كل شيء .
ابتسم وأشاح بوجهه بعيدا لينتبها إلى صوت أبيه الذي هتف بمرح : هذا يدل على عشقك الجارف لي يا نعامتي .
انتفض وائل واقفًا لتهمس أمه بعتب : عاصم .
لكزه أبيه في مرفقه : هيا اخرج أم عجبتك الجلسة هنا .
ابتسم بمشاغبة : وهل جلسة ماما يمل منها ؟!
أشاح له أبيه برأسه : هيا اخرج ، أريد أن أتحدث مع زوجتي قليلًا .
نظر وائل إلى ساعة معصمه : موعد الزيارة انتهى يا بابا .
دفعه تلك المرة دفعه قوية كاد أن يوقعه بها : هل تساوينني بكم أيها الأخرق ؟! انا سيادة الوزير يا ولد ، هيا اخرج .
تأوه وائل بصدمه لتهمس والدته : ماذا تفعل يا عاصم ؟!
لم يجيبها ليرفع وائل يديه بانسحاب وهو يشد خطواته إلى الخارج فيلتفت إليها عاصم يرمقها بشغف : كيف حالك ؟!
زمت شفتيها بضيق لتهمس : لا تعامل الأطفال بتلك الطريقة يا عاصم ؟!
هم بالإجابة ليطل وائل ثانيةً برأسه ويهتف بمرح : بابا آتي لك بكرسي حتى تستطيع الجلوس عليه فأنت لن تستطيع الوقوف كثيرًا ولن تستطيع الرقود بجانب ماما ، سنك لا يسمح يا والدي .
__ أيها الغبي ، إلى الخارج الآن .قهقه وائل ضاحكًا وهو يغادر  فعليًا ليغمغم أبيه بصوت غاضب : هذا من تدافعين عنه ينعتني بالعجوز !!
ابتسمت برقة : لم يخطأ في شيء ، ألم تصبح جد يا عاصم ؟!
رفع حاجبه ليركع ببطء جانبها فيماثل جلسة ابنه وهو يقترب منها كثيرًا يضم كفها بين راحتيه يقبل وجنتها بخفة ، ليهمهم أمام ملامحها : أنا أصبى من أولادك كلهم .
__ عاصم ، همستها بحياء دفع التورد إلى وجنتيها فيجيبها بمكر – روح عاصم وقلبه ،
أتبع وهو يدير عينيه عليها : تتوردين كالسابق يا إنعام وكأننا لم نعش عمر سويًا ، تتوردين فتخطفين قلبي كما أول مرة توردت فيها أمام عيني لأقرر بأني سأتزوج من تلك الفتاة التي غزت أحلامي بعدها .
نظرت إليه بتساؤل ليتنهد بقوة : لن أنكر أنك كنت اختيار أبي وبأني لم أهتم بك جيدًا في أول الأمر ، ولكن أتذكرين تلك المرة التي كنت أمازح جميلة بالماء فركضت لتحتمي بك ليأتي الماء عليك بالخطأ .
أومأت بعينيها في صمت ليتابع بهمس : يومها شهقت بفزع فركضت لك لأعتذر ،حملت فوطة المائدة لأجفف لك وجهك فارتجفت وتوردت بطريقة لم أراها من قبل ، يومها خطفت إحدى خفقات قلبي ، لأقرر بأني سأمض في زواجي منك ، فمن المستحيل أن أتزوج من أخرى غيرك .
همست بعفوية : وماريا ؟!
تنهد بقوة : كنت قطعت علاقتي بها من قبلها بفترة يا نعامتي ، لم أتذكرها وأنا معك ، حتى ظهرت من جديد ، لم أركض من خلفها لأني أحبها بل ركضت من أجل طفلي يا إنعام ، وإلى الآن لا أشعر نحوها بأي شيء ، أنتِ فقط من تسكنين حنايا قلبي يا نعامتي الخجول .
سكنت في عينيه ليتنهد بقوة ويهم بتقبليها ليندفع أحمد هاتفًا : بابا ، الغرفة زجاجية يا سيادة الوزير ، العالم يرونك من الخارج.
***
__ هل طردك أبوك ؟!
ضحك بخفة :شر طرده ، غمز بعينه وهو يتبع – يريد الاستفراد بزوجته .
ضحك وليد ليعبس أحمد بنزق فيلكزه وائل في كتفه : ابتسم قليلًا ، فماما بخير والحمد لله .
زفر بقوة : لقد تحدثت كثيرًا اليوم ، وهذا مرهق جدًا لها .
زم وائل شفتيه : أنت من دفعت بابي إذًا ليخرجني من عندها .
هز أحمد رأسه نافيًا : لا هو من انتفض فجأة وخاصة عندما حاوطتها بذراعك .
ابتسم وائل بتسلية ليهمس : لا زال يغار .
همس وليد بمكر : بل يشتعل غيرة يا وائل ، أتبع يمازحه بتعمد – أنت تماثله يا بك فلا تعترض .
نفخ وائل وهو يجعد أنفه بمشاغبة فيضحك وليد ليلتفت إلى همهمة زوجته وفاطمة التي تضحك بخفة ، ينظران إلى والديه بتسلية ، فيستدير ليرفع حاجبيه فيساله وائل وهو يستدير بدوره : ماذا يحدث ؟!
احتقنت أذنيه وهو ينظر إلى أبيه المقترب من والدته بطريقة أثارت غيرته ليحك وليد رأسه وهو يكتم ضحكته فيربد وجه أحمد بحرج وهو يندفع إلى الداخل هاتفًا .
لم يكلف والده عناء النظر إليه ليهتف بجدية : أسدل الستار يا ولد واخرج .
ذهل أحمد ليهمهم : أبي هذا لا يصح .
تمتم باسمه في جدية زاجرًا ليمتثل إلى أمره ثم يخرج مغلقا الباب من خلفه ، احتنق وليد من ضحكه المكتوم فسعل بقوة أشاح وائل برأسه بعيدًا لتتذمر فاطمة بطفولية : لماذا قاطعتهما يا أحمد ، كنت أريد رؤية أبيك وهو يغازل أمك فهذا حدث تاريخي ، ما هذه الغلاظة يا أخي ؟!
نبهتها ياسمين بعينيها لتعبس بعدم فهم : ماذا ؟! هل أخطأت لأني نعتك بالغليظ يا أحمد ؟!
نظر إليها أحمد بصدمة لتندفع الضحكات من وليد وياسمين لتعبس هي : لا أفهم علام تضحكان .
__ عليكِ ، هتف بها وائل في حنق لتعقد ساعديها أمام صدرها : لماذا ؟! هل ألقي النكات الآن ؟!
اقتربت ولاء منها لتهمس بخفوت : لا ولكن لا يصح أن تتحدثين عن والديهما بتلك الطريقة .
ضيقت عينيها وهي تحاول أن تستوعب حديث ولاء لتسالها بجدية : لماذا ؟!
توردت ولاء وهي تنظر إليها بتعجب ليضحك أحمد رغمًا عنه : اسألي زوجك الذي أوشك على الانفجار بوجهك .
التفتت إلى وائل لترفع حاجبيها بدهشة من احمرار وجهه المحتقن لتهمس بذهول : اوه هل هذا خجل ؟!
ضحك أحمد بقوة ليهتف وليد من بين ضحكاته : بل هو غضب وغيرة يا فاطمة .
هزت رأسها دون فهم حقيقي لتسأل بجدية : لماذا ، أنا حقًا لا أفهم .
دعك جبهته بصبر وملامحه تلين قليلًا ليهمس باسمها قبل أن يتبع : هيا لنغادر .
ضربت الأرض بقدمها : أريد أن أفهم لماذا يضحكون علي ؟!
اقترب منها ليقبض على مرفقها : تعالى وأنا سأخبرك .
انتزعت مرفقها من قبضته لتنظر إليه بتشكك : وستخربني لماذا انت غاضب ؟!
همس وهو يدفعها لتسير بجانبه : سأخبرك كل شيء ، فقط لنعد إلى البيت ،
تنهدت بقوة وهي تسير بجانبه تشبك أصابعها في أصابعه كما كانت تفعل سابقًا ، ليستدير بوجهه إليها سائلا بدهشة تملكته لتشيح برأسها بعيدًا في دلال دفعه إلى الابتسام فيجذبها مقربا إليه أكثر ويسايرها بلطف إلى أن غادرا المشفى .
اقترب من أخيه الذي عاد إلى الجمود ثانيةً ليهمس : ألن تنصرف أنت الآخر ؟!
__ لا لو تستطيع أوصل ولاء وجنى إلى المنزل ، فأنا لدي عمل هنا في المشفى .
رفع وليد حاجبيه وهو يتمعن في ملامح أخيه الأصغر ليقترب منه هامسًا : لن تهدم المشفى إذا أخذت يومين إجازة وخاصة في ظروفك الحالية .
عبس بغضب فأكمل وليد : اذهب إلى بيتك ونل قسط من الراحة .
رجف فكه وظهر الرفض على وجهه ليتابع وليد : حسنًا ، تعال معي ، لتلعب جنى مع عاصم ، نتناول الغذاء ونجلس سويًا حتى موعد الزيارة ليلًا .
__لا أريد أن نتعب ياسمين .
هم بالرفض ليشير وليد بصرامة : لا ، لن أقبل رفضك يا أحمد ، التفت إلى ياسمين وولاء – هيا بنا .
نظرت ولاء إلى زوجها تسأله بعينيها فيشيح بعينيه بعيدًا ، فتسبل اهدابها وهي تقاوم الدموع التي كادت أن تنهمر من بين جفنيها ، فهو يعاملها بغلظة لم تعتادها منه يومًا !!
انتبهت لصوت وليد الحاني يهمس باسمها فترفع رأسها تنظر اليه فيبتسم لها : هيا يا ولاء ، فجنى تكاد تطير حماسًا لأنها ستقضى الوقت برفقة عاصم .
ابتسمت برقة وهي تراقب طفلتها المتعلقة برقبة والدها فتحاول أن تقترب منه فيخطو بعيدًا عنها يحدث ابنته بلطف ويبتسم لها بحنو غير عابئًا بتركها وحيدة في الخلف !!
***
نظرت إلى ساعة معصمها الثمينة .. الراقية ، والتي تعد من أحدث طراز للساعات الأنثوية ، بل هي أحدثها على الإطلاق ورغم أنها لا تفضل البذخ إلا أن تلك الساعة كانت هدية خاصة لإقناعها بقبول أن تكون الوجه الدعائي لتلك العلامة التجارية الخاصة بإنتاج الساعات الأنثوية ، كان هو من أقنعها بها بعد أن أهداها إليها فحازت على إعجابها على الفور ، لتقبل أن تقوم بالحملة الدعائية وتصبح الوجه الإعلاني لهم بعد أن رشحها هو لذلك الدور .
شعرت بالغصة تتكوم في حلقها ودموعها تلسع جفنيها ، تشتاق وجوده من حولها ، تريد الحديث إليه فلا تقو على مهاتفته ، فمن هي لتهاتفه ، أو تسأل عنه ثاني أيام زواجه .
قبضت كفيها بقوة قبل أن تسحب نفسًا عميقًا وترفع رأسها عاليًا ، ترسم ابتسامة باهته فوق شفتيها وتتجه تحو سيارتها حتى تعود إلى منزلها فمحاضراتها لهذا اليوم انتهت .
جمدت عن الحركة وهي تنظر إلى الظل الواقف أمام سيارتها ومن الواضح أنه ينتظرها !!
شدت جسدها بكبرياء يعد جزء منها قبل أن تكتف ساعديها أمام صدرها وتنظر إليه بتساؤل ، واستفهام عن سبب وجوده أمامها ، فهي لم تره منذ أخر مرة لهما سويًا ، بل منذ بدأ الفصل الدراسي الثاني وهو مختفي ، وهي لم تأبه أن تعلم عن سبب اختفاءه ، رغم ثرثرة الفتيات عن اعتذاره هذا الفصل عن التدريس ، واشاعات كثيرة تتحدث عن عودته إلى الخارج ثانيةً .
ابتسم في وجهها بتوتر لمع بمقلتيه لتنتظره بصمت فيقترب منها بهدوء يقف أمامها فترفع رأسها إليه ، تواجهه رغم قصر قامتها بالنسبة إلى طوله الفارع فيهمس بعد أن تفرس في ملامحها الثابتة : جئت لاعتذر .
ظلت ساكنه فيكمل بجدية : أتمنى لو تقبلين دعوتي إلى فنجان قهوة وتستمعي لي .
__ لماذا ؟! سألته بثبات ليغمض هو عينيه وهو يرتشف صوتها الأبح على مهل فيشنف آذانه بها ، يستنشق عطر وجودها من حوله فتتغلغل إلى أوردته ليهمس بصوت أجش : من حقك الرفض ولكن أعتقد أني مدان لك باعتذار وشرح لكل ما تسببت لك به .
نظر إليها قليلًا قبل أن يهمس وهو ينظر إلى عينيها : رغم أني أشك في كوني سبب الحزن الساكن بعينيك .
أجفلت قبل أن ينتفض جسدها بعصبية : إذا أتيت للاعتذار فأنا لا أريد اعتذارك وإذا اتيت للحديث فأنا لا أهتم به .
لوى شفتيه بخيبة أمل قبل أن يهمس برجاء : ولكني أهتم ، هلا سمحت لي ؟!
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تمأ بعصبية وتهمس بتسلط : اتبعني بسيارتك من فضلك .
ابتسم بحزن وهو يستجيب إليها ، فيعتلي سيارته الرابضة جانب سيارتها وينتظرها بصبر أن تنطلق من أمامه فيقتدي بها في طريقه !!
***
تنفست بعمق وهي تزيد من وضع الكحل حول عينيها فيظهر رماديتها بطريقة غامضة ومثيرة في آن واحد ، مشطت شعرها ثم رفعته لأعلى كما يحبه والدها ويعشقه زوجها ، غشى الحنين حدقتيها وهي تتذكر كم كان يلامس ذيل فرسها بشغف قبل أن يفك ربطته فينهمر شعرها من حول وجهها ، ليلامسه بشوق وهو يقبلها بعشق يسطع بعينيه ، زفرت أنفاسها بطريقة متتابعة لتتحكم في حزنها ثم خطت خارج غرفتها ، فتجذبها أصوات أولاد إخوانها العال الآتي من غرفة جلوس الطابق العلوي يتشاجرون كعادتهم ، فاليوم بناءً على اقتراح منة اجتمعت العائلة ليقضوا النهار سويًا ، رغم عدم اتفاقها مع شقيقة زوجها إلا أن اقتراحها مبهج وخاصة مع هذا الشجار المتزايد بين أحفاد عائلة المنصوري  
ابتسمت وهي تستمع لأصوات الفتيات العال بمرح ، وأصوات الصبية الصغار يتشاجرون كعادتهم مع الفتيات الأكبر سنًا منهم ابتسمت بحنو وهي تعلم سبب شجارهم الدائم ، لابد من أن حبيبة قامت بتغيير قناة التلفاز الخاصة بأفلام الرسوم المتحركة لتاتي بأحد القنوات التي تذيع المسلسلات التركية التي تعشق مشاهدتها !!
اتسعت ابتسامتها وهي تدير عينيها عليهم جميعًا ، حبيبة وملك ابنتي ممدوح " أخيها الأكبر " البكريتين في السنة الأولى الجامعية ، تؤام متماثل في الشكل لكن لكلاهما شخصية متفردة عن الأخرى ، يليهما محمد المسمى على اسم أباها ، نسخة مصغرة منه وكأن عندما أطلق عليه أخيها اسم جده كان يعلم أنه سيرثه بكل شيء حتى لون عينيه الفريد والذي مزج بين الأخضر والرمادي !!
ولكنه يختلف عن جده فهو يريد أن يصبح مهندسًا كأبيه في حين أن والدها رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب !!
كتمت ضحكتها وهي تستمع لذاك المشاغب الصغير يهدد حبيبة بأنه سيخبر والدها بأنها تشاهد أمورًا لا تليق في حين أنها تحرك له حاجبيه بإغاظة ، ذاك المشاغب الصغير - الشبيه بعمه المشاغب الآخر والذي يشاكس الجميع حتى زوجته لم تنجو منه اليوم على الفطور ،رغم أنها شعرت به مختلف عن السابق ولكنه لم يتوقف عن شغبه إلا حينما اعترض والدها وأجبره على الصمت حينما أخجل منة أمامهم جميعًا !!
نظرت إلى هذا الفتى بالصف الأول الإعدادي ولكنه  يماثل بطريقته شابًا كبيرًا ، يمتلك عقلا جبارًا قادر على الاقناع بموهبة فطرية وابتسامة قادرة على الذهاب بغضبك إلى أجل غير مسمى، محمد آخر بالعائلة يسمى على اسم جده لأنه البكري من الذكور لأخيها الثاني " مصطفى " والذي لا يشبهونه أولاده في أي شيء، فهو هادئ ورقيق الطباع يشابه والدتهم في حنانها وتفهمها وسعة صدرها وصبرها !!
يليه عائشة ، فتاه هادئة .. رقيقة كوالدتها ولكنها تمتلك عينين ثاقبتين ترى الأشياء وتخزنها بمهارة ، وكتومة لدرجة مغيظة  .
ثم أخر العنقود الغاضب دائمًا والنزق أبدًا " هيثم " مختلف عن الآخرون جميعًا ، فرغم حداثته إلا أنه مهاب بفطرته وجسده الظاهر أكبر من سنه ، يمتلك نظرات قوية حازمة وكبرياء يعلو هامته في المرحلة الابتدائية ولكنه يستطيع قيادة من هم أكبر منه دائمًا !!
اصغرهم سنًا أحمد ومحمد في الصف الأول الابتدائي ولدي أخيها الثالث " مدحت " الصغيرين ، ينظران بترقب في انتظار ما ستؤول إليه الأمور ، هل سيشاهدان الرسوم المتحركة أم ينهضان ليعيثا في البيت فسادًا كعادتهما ، مطت شفتيها باستياء وهي تلتقط عدم وجود مي ابنة مدحت الصغيرة والملتصقة بوالدتها دائمًا على الرغم من اقترابها من الدخول لرياض الاطفال !!
صمتت المشاجرة عندما لاحظوا وجودها لتصيح حبيبة بمرح : ها قد أتت عمتو وهي من سيفصل بيننا يا محمد افندي .
ابتسمت بهدوء وحنو وهي تنظر لكل تلك الأزواج من العيون التي تنظر إليها بترقب منتظرة حكمها ، ومن ستنصف تلك المرة اتسعت ابتسامتها وقالت : أولًا فليأت كل منكم ويسلم علي وبعدها نرى ما سبب المشاجرة .
اندفعوا جميعًا إليها في حفاوة ليتعلق الصغيرين برقبتها وتسلم الفتيات عليها معبرين على اشتياقهم لها ، ثم يتبعهم الفتيان ليأتي في الأخير هذا العابس يقبلها بجدية دفعتها إلى الابتسام .
__ ما هذا الاستقبال الملكي ؟! ولماذا تستقبلون عمتكم بتلك الطريقة وأنا لا ؟! سأرميكم كلكم خارجًا ما عدا حبيبة عمها ومليكة قلبه ، فجميعكم لم يعيروني اهتمامًا يا أوغاد .
رفعت رأسها لتنظر إلى ماهر الواقف بمدخل الغرفة يتوعدهم بمشاكسة فيندفع الجميع له في ضحكات انتقلت إليها بعفوية لتغرد ضحكتها وهي تراقب أخيها يتوعد الصغار قبل أن يقوم بشقلبتهم فتضج الغرفة بالضحك .
هتفت والدتها التي دلفت للتو : توقف يا ماهر حتى لا يصابوا بالمرض .
__مرض ؟!! رددها ماهر بتعجب ليكمل – المرض يهرب من هؤلاء المشاغبين يا ماما .
نظرت له والدتها بعتب لتهمس بجدية : اذكر الله يا ماهر ، حفظهم الله وبارك لنا فيهم .
لفت منة بخطى بطيئة تحمل طبق خشبي كبير قليلًا لتهمس برقة : من يريد الحلوى ؟!
اندفع ولدي مدحت الصغيرين أولًا فيهمس ماهر بصرامة : توقفا ، استجابا الطفلين في الحال ليتابع بصرامة – لن يأخذ أحدًا من الحلوى قبل أن انتقي أنا أولًا .
عبست منة بتعجب ليهم بأن يسحب الطبق من يدها فتبعده عنه وتهتف بثبات : الحلوى للصغار فقط .
ابتسم بمكر وهو يقترب منها : أنا لازلت صغيرًا ،همس وهو يركز نظره على شفتيها - رغم أني اشتهي نوعًا أخر من الحلوى
احتقن وجهها بقوة لتشيح بعيدًا عنه ترفع رأسها بشموخ : هيا يا أولاد .
رفع حاجبه ليهمس بخبث وهو يجلس ليضع ساقًا فوق الأخرى  : لن يؤخذ منك أحدهم إلا عندما انتقى أنا أولًا .
عبست بتعجب لتهمس بحنق : يا سلام .
هز رأسه بلا مبالاة لتستدير إلى الأولاد ثانيةً : حقًا ، ستخجلونني ولن تأخذون الحلوى مني .
جمد كل من بالغرفة حتى تحرك محمد الصغير بخطوات قليله يحمل منها الطبق ويشير إليها فتنحني إليه فيقبل وجنتها برقة : سأؤكل الحلوى كلها فقط أنتِ لا تغضبين .
شهقت بخجل لينتفض ماهر واقفًا وهو يصيح : محمد .
ركض محمد وضحكاته تندفع مغردة ، يحمل طبق الحلوى فيندفع الصغار من خلفه وتهتف الفتيات بهم أن يأتوا نصيبهم من الحلوة فتضحك جدته وتهمس : أنه يشبهك يا ماهر بكل شيء ، حتى يشاغب والدته بنفس طريقتك ، أراك فيه وأنت صغير عندما كنت تشاكسني .
جلس ماهر من جديد ليهمس بحنق : هذا لا يعطيه الحق أن يقبل زوجتي .
ضحكت والدته بخجل قبل أن تهتف : زوجتك سكنت عن الحركة  من فرط خجلها .
أتبعت وهي تشير الى منة بالجلوس جوارها : اجلسي يا بنيتي .
ابتسمت منة ووجنتيها تتوردان أكثر فيهس ويجذبها من كفها إليه : ستجلس بجانبي يا أمي .
ابتسمن الفتيات لتنظر إليه والدته بعتب وتشر على الفتيات بعينيها فيصيح بمرح : لا تقلقي يا ماما هاتين الفتاتين  لا تخجلا فهن يشاهدون مهند ويتغزلون به علنًا أيضًا .
هزت والدته رأسها بخيبة أمل قبل أن تترك الغرفة وتغادر فتقول ملك وهي تجلس بجواره تقلب قنوات التلفزيون بملل : مهند كان قديمًا يا عمي .
نظر إليها باهتمام : حقًا ؟! من أخذ مكانه الآن .
تنهدت حبيبه بعاطفية : عمر ابلجيكي يا عمي .
اتسعت عينا منة بذهول لتهمس مديحة : من هذا العمر يا حبيبة؟!
ردت ملك : سيأتي الآن يا عمتي ، ولكني أنا لا أحبه ، رغم إعجاب حبيبة به ، فهو صغير الحجم والسن .
ابتسم بمكر على وجنتي زوجته اللتين اشتعلتا بخجل فقال بجدية : إذًا يا انسة ملك من أثار إعجابك ، أعلم أن ذوقك مميز .
نظرت إليه من بين رموشها : امم ، لن تخبر أبي ولن تخبر الجميع كعادتك يا عمي .
افتعل الساذجة فوق ملامحه وهمس بتعجب : أنا ؟!
ضحكت مديحة : الفتيات تعلمن من أنت يا ماهر جيدًا .
نظر إلى ملك : هكذا يا مليكة ، إذًا لن تخبريني .
هزت كتفيها : فقط عدني أن لا تذلني بالمعلومات التي أخبرك إياها .
اقترب برأسه منها : هل هناك أحدًا حقيقيًا غير الممثلين ؟!
تورد وجهها لتهمس بثقة : سأخبرك أولًا يا عمي لا تقلق .
ضرب رأسها بخفة : حسنًا أخبريني ولا تخافي سرك ببئر .
قالت حبيبة بعد أن التهمت الحلوى : لازالت على عهدها القديم يا عمي ، عبس بتعجب فأكملت حبيبة – مهند ولكن بمظهره الجديد
نظر إلى ملك فهمست : جسور .
خبطها ماهر على رأسها : لا تنطقي الاسم هكذا .
تأوهت وقالت بتبرم : أنت من سألت يا عماه .
__ هذا لا يعطيك الحق أن تتنهدين وأنتِ تنطقين اسمه بتلك الطريقة .
ضحكت حبيبة فتدفعها تؤامها بنزق : توقفي عن الضحك .
قال ماهر بجدية : ولكن يا آنسة ملك ، هذا المهند لا يوجد منه نسخة مصرية فماذا أنتِ بفاعلة ؟!
زمت شفتيها بنزق لتضحك حبيبة وتهمس مازحة : لا تقلق يا عمي ، النسخة المصرية المتوقعة يشبه زوج عمتنا المصون ، فهي معجبة بدكتور محمود .
شحبت ملامح شقيقتها لتعض حبيبة شفتها بقوة وهي تنتبه إلى الصمت الذي خيم على الجلسة وخاصة مع اعتدال مديحة في الجلوس لتهمهم لأختها بخفوت : أنا آسفة لم أقصد ، لقد نسيت أنها هنا .
رمقهما ماهر بجدية لينظر إلى ابنة أخيه قبل أن يرفع نظره إلى شقيقته التي تصلبت ملامحها قبل أن تدفع الابتسام لشفتيها وتهمس برقة : حقًا أنتِ معجبة بمحمود ؟!
تمتمت الفتاة بخجل : لا يا عمتي إن حبيبة تمزح ، إن دكتور محمود ذائع الصيت بالأوساط الطبية وأنا بسبب دراستي أسمع عنه لا أكثر .
رفعت حاجبيها بتعجب : حقًا ؟! أنتِ محقة بإعجابك ، فمحمود لا مثيل له ، على الصعيدين الشخصي والعملي .
احتقن وجه الفتاة بقوة فتهمس تؤامها : أنا كنت أمزح يا عمتي ليس أكثر .
ابتسمت مديحة باتساع : حتى إن لم يكن مزاح أنا لست معترضة ، فهو كعمكما ماهر بالضبط ، زوج عمتكما يكون بمثابة عم آخر لكن .
تحركت ملك بتوتر قبل أن تستأذن معتذرة تتبعها شقيقتها فيهمس هو لمنة أن تعالج الأمر، أومأت له وهي تتبع الفتاتين لينظر هو إلى شقيقته ، فتشيح برأسها بعيدًا ، انتقل وجاورها جالسًا ليهمس بجدية : ماذا يحدث بينك وبين محمود يا ديدي؟!
رمشت بعينيها : لا شيء .
ضيق ماهر نظراته : بل هناك شيء ، وشيء كبير أيضًا فالأول مرة اشعر بالتوتر سائد بينكما .
ازدردت لعابها ببطء قبل أن تهمس : محمود يعشقني وأنا أحبه وخلاف ذلك لا يهم أي شيء آخر .
ابتسم ماهر بحنو قبل أن يربت على كفها : أسعدكما الله يا حبيبتي .
تمتمت : اللهم آمين وإياك يا شقيقي .
***
__ألن تخبرني عم يحدث معك يا أخي ؟!
__ لا شيء ، ألقاها بجدية ليرمقه وليد من بين رموشهحقًا ؟!
صت قليلًا قبل أن يتابع :ولكن ما أراه لا ينم عن ذلك يا أحمد .
أشاح أحمد بعينيه يتأمل طفلته التي تلهو بجوار ابن عمها الذي يحبو بسرعة ثم يجلس ليلهو بأحد الألعاب المنثورة من حولهم ، انتبه على صوت أخيه الذي همس بجدية : طوال عمرك كتوم يا أحمد ، تخفي ما تشعر به بداخلك ، تغلق عليه وتنفيه من ملامحك ، حتى عشقك لابنه خالتك ورغبتك في الزواج منها لم تصرح بها يومًا ، كنت تتصرف بطبيعية شديدة إلى أن فاجأتنا جميعًا برغبتك وأنك اتخذت خطوة بالفعل وفاتحت زوج خالتك دون أن تستشير أي فرد من الأسرة ، حينها فرحنا رغم دهشتنا ، لم يعاتبك أحد لأن الأمر كان يخصك بمفردك ، ولكن الآن الأمور مختلفة ، أنت تكتم كل شيء يخص والدينا بداخلك وتتحمل مسئوليتهما وكأنك ولدهما الوحيد ، إلى جانب مسئولية عملك وتوتر علاقتك بزوجتك والتي لا تدع أحدنا يتدخل فيها ، توتر في جلسته ليتبع وليد بجدية : لا أريد أن أتدخل بحياتك يا أخي ولكن تصرفك حيال الأمر خاطئ ، ما عدا كتمانك مفيد يا أحمد بالعكس الكتمان يؤذيك ، يضر بك ، ينتهك روحك ويشوهها ، يجبرك أن تتصرف بطريقة ليست من طبيعتك .
ضغط على كتفه بلطف : القسوة ليست من طبيعتك يا أحمد فلا تفقد نفسك في موجة الغضب التي تنتابك حاليًا ،
أخفض أحمد وجهه وهو يزفر بقوة : أخبرني يا أخي ، بم تحمله داخلك .
رفع نظره إليه ينظر إليه بصمت قبل أن يقرر أن يبوح بكل ما يجيش بصدره .
***
أنهت حديثها مع والدتها التي تمنت لحماتها الشفاء العاجل وطلبت زيارتها فأخبرتها بلطف أن تنتظر إلى أن تنقل والدة زوجها إلى غرفة عادية ،ابتسمت وهي تتذكر اهتمام والدتها بها ونصائحها الكثيرة التي رددتها على مسامعها كي تهتم بصحتها وصحة طفلها ، بللت شفتيها وهي تتذكر أنه رغم كل شيء لم ينسى موعد زيارتهما للطبيبة اليوم فصحبها بعد أنهيا زيارة والدته كي يطمئن عليها وعلى الطفل ، لامست بطنها برقة وعيناها تغشى بسعادة وهي تنظر إلى الصورة الصغيرة لطفلها الذي لم يظهر منه شيئًا سوى راس كبير وذراعين رفيعين ، وكتلة جسد لا تظهر شيئًا من بقية أعضاءه ، عضت شفتها وهي تستعيد صوته الفرح وهو يسأل طبيبتها عن جنس الجنين لتجيبه الطبيبة بأن جنس المولود لا يظهر في الأشعة قبل الشهر السادس على الأقل فيهمس لنفسه : شهران ليسا بكثير .
انتبهت من أفكارها على باب الغرفة الذي فُتح ، رفت بعينيها وهي تلتقط دخوله الراقي إلى الغرفة ، كان تركها أول ما وصلا إلى البيت لينظر في أمور عمله الذي لم يذهب إليه منذ يومين ، رفعت نظرها إليه فتعبس بغرابة وهي تنظر إلى ابتسامته الماكرة وهو يقترب منها يجلس ملاصقًا لها سألت بتعجب : ماذا تريد ؟!
ومضت عيناه بنظرة اقلقتها فاعتدلت بجلستها في الفراش قبل أن تهتف بحدة : ابتعد عني .
ضحك بخفة قبل أن يهمس بمشاكسة : هل لامستك ؟!
تمتمت باسمه في حنق ليضحك بتسلية قبل أن يحاوط جسدها بذراعيه دون أن يلامسها يفرد كفيه بجانب خصرها فتتملص منه قبل أن يدفن أنفه ببطنها البارزة قليلًا وهو يهمهم : اهدئي، أنا أريد الحديث مع طفلي
سكنت عن الحركة لتنتفض بقوة حينما طبع قبلة قوية فوق تجويف بطنها فتزأر بقوة : وائل تأدب
دوت ضحكته من حولها قبل أن يهمس أمام وجهها : لم أفعل شيئًا أنا أقبل ابني ،
لوت شفتيها بنزق فتابع وهو يقترب برأسه من بطنها ثانيةً : كيف حالك يا ولد ؟!
تمتمت وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها : من المحتمل أن يكون فتاة
أراح وجنته على بطنها ليهمس : أشعر بأنه ولد .
ابتسمت رغمًا عنها : وأنا أيضًا ، فهو يفوقك غرورًا !!
ضحك بخفة فتكمل بفرحة حقيقية : ألم تتأمل جلسته برحمي ؟! تنهد قبل أن يغمس أنفه ثانيةً في تجويف بطنها وهو يداعب منامتها الحريرية بكفيه ، همهمت باعتراض ولكنه لم يعير اعتراضها اهتمامًا فيكشف عن بطنها ويلامسها بعبث : إلا تشتاق لوالدك يا فتى ؟!
تململت بجلستها وهي تحاول أن تبتعد عنه فيعتدل بجلسته ، يضجع بجانبها دون أن يفلتها ليركن رأسه على كتفها : أشعر بالنعاس .
تنهدت بقوة لتعتدل وهي تريح رأسه بحضنها : أنت لم تنم لمدة يومين متواصلين  طبيعي أن تشعر بالنعاس.
أراح رأسه بحضنها ليهمهم : اعتني بنفسك لأجلي .
ابتسمت وهي تشعر بانتظام أنفاسه ، لتتأمل ملامح وجهه القريبة بشوق ، وتشعر بقلبها يخفق بسرعة جنونية ، خفقات هادرة أذابت كل حنقها وغضبها منه ، أدارت عينيها عليه تحفر ملامحه المسترخية بذهنها ، وتتمنى أن يأتي طفله يشبهه ذقنه الشامخة فكيه العريضين ، شفتيه المغويتين وغمازتيه المخفيتين خلف ذقنه المشذب بعناية ، أنفه بحجمها الوسطي ورغم انها ليست بصغيرة ولكنها تناسب ملامحه الوسيمة ، جفنيه المغلقين على حدقتي تحوي سحرا خاصا به ، وجاذبيه تتلألأ بعمق لون القهوة البني بحدقتيه ، وبؤبؤهما الأسود يحمل غموض مخيف كبئر عميق لا قرار له ، رموشه السوداء الكثيفة معقوفة للخلف تشيران لحاجبيه الكثيفين فيحددا نظراته الماكرة ، تنهدت بقوة   ثم قاربت على رأسه تطبع قبلة خفيفة فوق جبهته ، قبل أن تدس أصابعها في خصلاته الكثيفة الناعمة بلونها الأسود الفاحم والمصففة بعناية دائمًا ، كتمت أنفاسها وهي تشعر بشوقها إليه يتزايد أحنت رأسها قليلا لتدفن أنفاسها الثائرة برأسه وتطبع قبلة ثانية فوق رأسه لتشهق بقوة حينما قبض على أعلى ذراعيها ويجذبها إليه ، ينظر إلى عمق عينيها همس باسمها فشعرت أنه تساؤل أكثر من نداء ،ازدردت لعابها بتوتر تملكها وهي تقابل نظراته الوامضة بشغف يهمس وهو يقبل طرف عنقها : هل اشتقت إلي يا حوريتي ؟!
حاولت أن تنفي .. ترفض .. تعترض لينظر إليها من جديد : لم أعهدك تكذبين يا فاطمة .
همهمت بتبعثر : أنا فقط لا أفهم ما أشعر به .
ابتسم بخبث ليهمس بصوت أجش : الآن ألبي نداء حوريتي ثم أشرح إليكِ - فيما بعد- كل شيء
نظرت له بعدم فهم فنثر قبلاته على عنقها  لينتزع تأوهها باسمه فيغمغم بشوق : فقط قولي أنك موافقة .
تمتمت باسمه فيهمس بصوت اشتعل بلهفته : كلمة واحدة من ثغرك يا فاطمة .
نثر قبلاته فوق ملامحها قبل أن يقبل شفتيها ويديه تكتسحانها بشوق فتهمهم وهي تتعلق  بكتفيه : موافقة .
***
__سلمت يداك يا زوجة عمي .
ألقاها وهو يعود بكرسيه إلى الوراء في لفته منه إلى انتهاءه من الأكل فتبتسم زوجة عمه بسعادة لتهمس : لست أنا من أعددت الطعام ، البركة في زوجتك وشقيقتك .
همست زوجة مدحت بغيرة : ونحن يا عمتي ، ألا نستطيع الطهو؟!
ابتسمت حماته برقة : كلكن يا ابنتي ، فأنا لم أعد شيئًا اليوم ، بل إن مديحة أجبرتني على الخروج من المطبخ .
ابتسم محمود باتساع : واضح يا زوجة عمي ، فالطعام مدموغ باسمها .
أصدرت زوجة مدحت صوتًا ساخرًا قبل أن تهتف : وأنت تستطيع التعرف على طعام زوجتك يا دكتور من بين كل الوصفات التي أمامك .
أطبق فكيه قبل أن يبتسم من بين أسنانه ويهمس :بالطبع ، أليس طعام زوجتي ؟!
نظرت إليه باستهزاء جلي : حقًا ، إذًا أخبرني ماذا أعدت زوجتك على المائدة .
همس زوجها باسمها بنزق لتهز كتفيها بلا مبالاة : هو من قال أنه يستطيع .
ابتسم محمود وهو يسبل اهدابه ليهمس بعد قليل : حسنًا البط والرقاق أعدتهما مديحة ، بل أن اللحم المحشو داخل الرقاق هي من أعدته أيضًا ،
شحب وجه زوجة أخيها ليكمل بابتسامة متسلية : الحساء و السلطة الخضراء هي أيضًا من أعدته وهي من لفت ورق العنب ولكن الخلطة والأزر بالشعرية  منة من أعدتهما ، محشو الكوسة والباذنجان أعدتهما زوجة أخي ممدوح ، اللحم المطهو وصينية البطاطس لم أتذوقهن من قبل ولكن طعامهما جيد ، أما محشو الكرنب كان سيئًا للغاية .
كتم ماهر ضحكته في حين احتقن وجهها بقوة وهي تنظر إليه بغضب اعتراها ليكمل بجدية : المعذرة ولكنه لم يعجبني .
تعالت همهمات الضحك المكتوم قبل أن ينهض واقفًا : سلمت أيدي الجميع ،
نظر إليه حماه : كأنك أكلت يا بني .
زفر بقوة : بل امتلأت يا عماه ، دائمًا عامر بوجود حضرتك .
همست منة وهي تنهض لتلتلم السفرة فالجميع تقريبًا أنهوا طعامهم : بالهناء والشفاء يا حبيبي .
ابتسم لها بحنو لتنهض زوجته : تعال يا محمود لتغسل يديك .
نظر إليها من بين رموشه وهم بالرفض لتستجديه بنظرتها فيخفض رأسه ويتبعها دون صوت
همس ماهر وهو يجذب زوجته من كفها : اجلسي قليلًا ، فأنتِ لم تستريحي من الصباح ، اتركي الفتيات يقمن ببعض الواجبات ، أشار إلى بنتي اخيه برأسه رغم صمتهما الغير معتاد فنهضا سويًا في استجابة فورية لعمهما .
همست بصوت أبح : لا يصح يا ماهر أن اظل جالسة والبيت كله يعمل كخلية نحل .
همس بجدية : لا يهم لقد قمت بدورك اليوم في انتاج العسل .
__عسل ، رددتها بدهشة واستنكار ليبتسم بشقاوة قبل أن يهتف بجدية : أخبريها يا أمي أن تتوقف عن الحركة فهي ليست جيدة لها .
__اجلسي يا بنيتي .أمرتها والدته بلطف لتغمغم زوجة مدحت وهي تصدر صوتًا ساخرًا من بين شفتيها – لا تخف يا ماهر لن يحدث لها شيئًا ، ليست أول امرأة تنجب طفلًا  .
همس ماهر بنزق : أعلم ولن تكون الأخيرة ولكن منة ليست كأي امرأة ، فيكفي أنها منة وفقط .
توردت وجنتيها وهي تنظر إليه بعتب لتهمهم الأخرى بغل : ماذا بها منة مختلف عنا جميعنا .
ابتسم بخبث وهمس بشقاوة : المختلف أنها منة ، لا تضاهيها امرأة أخرى ، اتبع هامسًا حتى لا يسمعه سواها – منتي أنا .
احتقن وجهها بقوة وهي تشيح بنظرها بعيدًا عنه لينتبها سويا على عودة محمود ومديحه تتبعه ويظهر على وجهها أثر بكاء خفيف علق برموشها .
عبس بغرابة لينظر إلى شقيقته مستفهمًا فتشيح برأسها بعيدًا فينقل نظره إلى صديقه وابن عمه العابس فيهتف به : هيا يا محمود تعال معي لنحتسي الشاي ، ملك اأدي الشاي .
هم محمود بالاعتراض قبل أن تهتف مديحة بغضب : لا تطلب من ملك شيئًا ،
تشنجت الفتاة والتوتر يعم على الأجواء من حولهم بسبب صرختها القوية لينظر أخيها الأكبر الى ابنته الشاحبة الساكنة بوقفتها ، يعتلى الذنب هامتها ليسأل بجدية : هل أغضبت عمتك يا ملك ؟!
رمشت الفتاة بعينيها لتجيب هي بجدية : لا يا أخي ، أنا فقط أرى انها تقوم بكثير من المهام فلا أريد أن أزيدها عليها .
نظرت إلى ماهر لتهتف بثبات : انا من ساعد الشاي يا ماهر ، فقط اصحب محمود إلى المضيفة .
__سأغادر .
خيم الصمت على الجميع قبل أن تقترب هي منه وتهمس له : انتظر إلى أن آتى معك .
__ لا أريد ، ألقاها بجفاف همت بالحديث قبل أن يعلو صوت زوجة مدحت من جديد : هل ستترك ديدي هنا يا دكتور لتراعاها حماتي في شهورها الأولى ، كما راعت منة .
رمش بعينيه وهو يرمق مديحة التي احتقن وجهها بقوة وهي تشير بنفي من رأسها قبل أن يهتف اخوانها بالتتابع إليهما بالمباركة ليربت ممدوح فوق كتف محمود بغبط : مبارك يا أبا محمد ، لم تخبرني رغم جلوسك معي منذ الصباح .
أطبق فكيه بغضب وهو ينظر إليها بعنف كبته بداخله لتبتسم هي بتوتر وهي تستقبل قبلة والدها الحانية التي حطت فوق رأسها قبل أن يهمس بمباركته لمحمود :رزقكما الله بالذرية الصالحة
ابتسم وأومأ برأسه إلى حميه قبل أن يلتفت إليها بعنف وماهر ينقل نظراته بينهما قبل أن يضغط على مرفق صديقه ويهمس بجدية : تعال يا محمود أنا أريدك .
هز برأسه نافيًا ليهمس بحدة  فيجاروه ماهر إلى الخارج : سأغادر يا ماهر ،
وقف ماهر ينظر إليه بصدمة قبل أن يهمهم باسم أخته سائلًا فيجيب محمود بسخرية : لابد من حصولها على قسط من الراحة ، وخاصة وأنا سأسافر إلى المؤتمر غدًا .
أكمل بجدية وهو يشيح برأسه بعيدًا : سأتركها في رعاية والدتك.
همس بها قبل أن يصافح : اعتني بها وبمنة يا ماهر إلى أن أعود .
زفر ماهر بقوة : فقط لو تخبراني عم يحدث بينكما .
أشاح برأسه بعيدًا : لا شيء .
هز ماهر رأسه بخيبة أمل قبل أن يشد على يد رفيقه : فقط لا تقسو على نفسك .
ابتسم محمود بتوتر قبل أن يشد خطواته بعصبية فيندفع إلى سيارته يريد المغادرة فتستوقفه بصوتها وهي تركض بخطوات متلاحقة خلفه تنادي باسمه ونبراتها تتوسل إليه أن يتوقف ، التفت إليها بحدة فأتبعت وهي تقترب منه : إلى أين أنت ذاهب ؟!
__سأعود لعملي .
رفت بعينيها سريعًا : بمفردك ، أشاح برأسه متململًا – ألن تصحبني معك ؟!
ابتسم بسخرية : لا سأتركك هنا لترعاك خالتي في شهور حملك الأولى
شحب وجهها سريعًا وهمت بأن  تقص عليه ما حدث اليوم ففُهم خطئًا ، ولم تقوى هي على تعديله ، اقترب منها ونظر إليها بغضب : لا أصدق أنك تفتعلين شيئًا كهذا حتى تبقيني بجانبك ،
هزت رأسها بنفي سريع ، فقبض على مرفقها قويًا وضغطه قاصدًا ايلامها : لن أصدقك أبدًا من تكذب في حملها لا تصدق بأي شيء آخر .
دفعها بعيدًا عنه في خشونة ،وعيناها تمتلأ بدموعها همست  بتشتت: انتظر محمود لا ترحل أرجوك .
اتبعته وتمسكت بساعده فهمس بوعيد : لا تقتربي مني خطوة أخرى .
توقفت على الفور ليكمل : لقد انتهيت منك يا ابنة العم ، ستصلك ورقة طلاقك قريبًا !!
***
جلست تنظر إلى باب غرفة مكتبه  ، تنتظره بصبر أن يخرج من تلك الغرفة التي اعتزلها بها منذ أن عادا إلى البيت بعد أن زارا والدته للمرة الثانية اليوم ، واطمأنا عليها وأخبره الطبيب بانها ستنقل الى غرفة عادية في الغد ، كان يلهث بدعاء وشكر لله إلى أن همس له الطبيب بحديث لم تفقهه فتجمد ملامحه من جديد قبل أن يبتسم بتوتر وهو يمأ للطبيب برأسه في تفهم ، حاولت أن تتحدث معه ولكنه لم يستجب لها ، إلى أن اختفى فجأة فبحثت عنه لتتجمع الدموع بعينيها وهي تراه يقف مع تلك المرأة التي غادر معها حفل زفاف شقيقته ، حينها شعرت بأن قلبها يتمزق وهي تراه يتبادل الحديث مع أخرى ، ظنت أن لا يربطه بها شيء ، ولكن رغم وقوفه الجادي وعدم اقترابه منها ، إلا أن الأخرى كانت تنظر إليه بوله أدركته هي رغم بعد المسافة بينها وبينهما، وله لم يأخذه على محمل الجد ولكن أحرقها بغيرة لم تشعر بها من قبل ، فهي كانت تثق بقوة حبه ، بعشقه المتفرد لها ، وتربعها على عرش حياته  ، ولكن الآن رغم تيقنها من انه ما زال يحبها إلا أن غضبه منها من الممكن أن يدفعه للقيام بأي شيء!!
انتبهت من أفكارها على صوت الباب الذي فتح ليطل هو من خلفه فتهمس تناديه ، نظر إليها بلا مبالاة لتنهض وتقترب منه تقف في مواجهته وتتابع : أريد أن أتحدث معك .
أغمض عينيه ليجيب بصوت أجش : وأنا لا أريد .
سحبت نفسًا عميقًا : أرجوك يا أحمد .
هز رأسه بحركة عصبية فتجذبه من كفه حتى يتبعها فيسكن عن الحركة لتستدير إليه بنصف استدارة : تعال يا أحمد ، أتوسل إليك أريد الحديث معك .
أغمض عينيه يقاوم قلبه الذي يهفو إليها ليتبعها مسيرًا إلى أن دلفا إلى غرفة نومهما في الطابق العلوي والذي لم يدلف إليها من قبل .
نظر من حوله يتأمل محتوي الغرفة التي انتقياها سويًا ليشعر بالحنق يملأ نفسه لتلك الفرحة التي سرقتها منهما بتسرعها ورعونتها ، ومحاولة إجبارها له بأن يستجيب إلى دلال أصبح مفرطًا بطريقة خانقة .
همست باسمه فالتفت إليها لينظر إلى ملابسه التي تناولها له : خذ حمامًا دافئًا وبدل ملابسك ، إلى أن أحضر العشاء .
نظر إلى المنامة التي تحملها فأجابت دون سؤال : أنها منامة جديدة ابتعتها لأجلك ضمن مجموعة من الملابس الرجالي اشتريتها لك .
ابتسم بسخرية ليشكرها باستهزاء ثم يتبع : لا أريد أن أبدل ملابسي ، فأنا عائد إلى المشفى .
نظرت إليه بتعجب قبل أن تتساءل : لماذا ؟!
__ لدي عمل هام لابد أن أقوم به .
نظرت إليه مليًا قبل أن تسأل : عائد إلى المشفى أم إلى تلك المرأة التي غادرت برفقتها حفل الزفاف .
عبس وهو يهمهم : المرأة ؟! أية مرأة ؟!!
رمت المنامة من بين كفيها : تلك المرأة التي كنت تتحدث معها اليوم ، تمسكت بكفيه في توسل أزعجه – أخبرني يا أحمد من هي ؟!
تأملها قليلًا قبل أن يسحب كفيه منها : لا يهم من تكون يا ولاء .
عبست بتعجب ليقترب منها بجدية ويهمس : ما يهم لماذا تسألين ؟!
اقتربت منه ودموعها تتجمع بحرقة لسعت حدقتيها وهي تتمسك به : لأني أحترق منذ أن رأيتك وأنت تتحدث معها ، لأني أشتعل وأنا أدرك غرامها بك ، لأني أموت حية وأنا اتساءل عم تريده منك ؟! وها أنا أكاد اجن وأنت لا تريد ان تخبرني ، ما الذي يربط بينكما يا أحمد ؟!!
ساد الصمت بينهما قبل أن ينطق بهدوء : بم تشعرين يا ولاء ؟!
لتغرق في حدقتيه الداكنتين قليلًا قبل ان تهمس وهي تقربه منها : أشعر بأن لا يربطك بها شيء ، ولكن هي تكن لك الكثير .
رفع رأسه بشموخ لتضم نفسها اليه : أرجوك يا أحمد لا تفعل بي هذا .
أغمض عينيه وهو يشر بقربها يجتاحه ليتذكر حديث وليد إليه فيهم أن يواسيها ، يخفف عنها ولكنه يتراجع بأخر لحظة لتقطع هي عليه تراجعه وهي تنهمر عليه بفيض مشاعرها فتعالج جفاف روحه التي اشتاقت إليها .
***
دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب ورائها ، فهي إلى الآن لا تقو على إدراك ما حدث بين أخيها وزوجته ، لم تفهم جيدًا السبب وراء ما فعلته سوزان ، بل هي الآن تتذكر انسجامهما التام بزفاف مالك وكيف طردتهما ليعودا إلى المنزل ، تنفست بعمق وهي تحاول أن تسيطر على التيه الذي يعتريها ، تحاول أن تطرد صراخ أخيها المرعب وصيحات أمها المستنكرة ، ثبات أمير المعتاد ، وبكاء ليلى المنهمر والتي تحاول أن تهدئ من روع بلال المصدوم وانهياره وشيك الحدوث ، سحبت نفسًا عميقًا وهي تستعيد تلك الذكريات القديمة حينما كان صراخ آخر يصدع جنبات البيت فتركض هي وتختبئ أسفل فراشها ، أو داخل خزانة ملابسها ، ترتجف برعب فيظهر لها بلال – دائمًا - من العدم ليهدئ من روعها ، يضمها إلى صدره ويربت على رأسها ، ينومها بفراشها ويظل محتفظًا بها قريب من قلبه إلى أن يغفوا فتستيقظ صباحًا وكأن شيء لم يكن ، نفخت هواء صدرها بقوة ليرن هاتفها مدويًا فتنتفض بخوف قبل أن تتنفس بعمق وتنظر إلى الرقم الغير مسجل والذي ينير شاشة هاتفها بطريقة ملحة من الظهيرة، لتجيب بهدوء قبل أن تنتفض بصدمة وصوت الأخرى ينساب إليها فتهمس بجدية : ماذا فعلت يا سوزان ؟! بالله عليكِ هل هروبك هو الطريقة المثلى لتحلا خلافتكما سويًا ؟!
صمتت سوزان قليلًا قبل أن تهمس بثبات : لا وقت الآن لهذا الحديث يا إيني ؟!
هتفت ايني بعصيبة : متى الوقت إذًا يا ابنة عمتي ؟! أخي سيجن وأوشك على الانهيار بسبب فعلتك السوداء ، وأنتِ مختفية دون سبب وجيه إلى الآن .
ساد الصمت بينهما قليلًا قبل أن تهمس بصوت مختنق : هل هو بخير ؟!
ارتفعا حاجبي إيني بذهول قبل أن تهمس بتعجب : ماذا تتوقعين يا سوزان ؟!
ازدردت الأخرى لعابها قبل أن تهمس بصوت متألم : أريد أن أطمئن عليه .
__ أنتِ مجنونة لا محال ، هتفت بها إيناس في حدة قبل أن تكمل – ألا تعلمين حالته حقًا ؟!! ألا تدركين ماذا فعلت به ؟! ألم تكن تلك خطتك من البداية .
عضت سوزان شفتها بندم يأكل أحشائها لتهمس بهدوء : فقط اعلمي أن الأمر ليس بيدي ، الأمر أكبر بكثير مما تتخيلين ، ما بيني وبلال لن يفهمه أحد ، فقط لا تكرهيني من فضلك ، فأنت ستظلين أختي التي عشنا سويًا طوال عمرنا ، لا أريد أن أخسرك حتى لو رفضت أن تدعمي موقفي فقط تذكري أن ما فعلته أجبرتني عليه الظروف .
دارت إيني على عقبيها تشعر بالحيرة تحاوطها من كل جانب ، حديث سوزان الآن ومن قبله حديث بلال – إلى والدتها- المنهمر من فمه بفيض غير متوازن وغير مفهوم ، يشكل قصة لا تفهمها ولا تستطيع إدراكها ،همت إيني بالرد قبل أن تنتفض بقوة وهي تنظر إلى الباب الذي فُتح وأخيها يقف أمامها ، يهم بالحديث إليها قبل أن ينتبه إلى الهاتف الذي تتحدث به فيسالها بجدية : من معك ؟!
توترت وأجفلت من السؤال لينقض عليها منتزعًا الهاتف من يدها وهو يصرخ: هي أليس كذلك ؟!
حاولت أن تهدئه ولكنه دفعها بعيدا قبل أن يهمس بفحيح مرعب وهو يندفع مغادرًا غرفتها : أين أنت يا زوجتي المصون ؟! شعر بارتجافها فتابع من بين أسنانه بغل يقطر من روحه وسخرية تتشكل بملامحه - ألن تأت لتراعي أملاكك ؟!
سحبت نفسًا عميقًا : بل سأتركها في رعايتك ، ألم يخبرك المحامي بذلك ؟!
صرخ بقوة انتفضت على اثرها بعد أن أغلق باب غرفته عليه : أين أنتِ ؟!
سيطرت على رعبها لتهمس بثبات دفعته بقوة إلى أوردتها : ليس هذا السؤال الصحيح .
برقت عيناه بغضب أهوج قبل أن تتشكل ابتسامة قاسية على ملامحه : حسنًا ، ماذا تريدين ؟! ولماذا فعلتِ ما فعلته ؟!
ردت بسخرية مفتعله : سؤال جيد ، وإجابتي واحدة على شقيه ، طلقني .
اتسعت عيناه وفتحتي أنفه تنفثان لهيب غضبه ليرد بصراخ عنيف : في أحلامك يا ابنة العمة .
قفز قلبها بخفقة جنونية قبل أن تهمس بجدية : حسنًا ، على راحتك ، ولكن لتعلم لن أعيد لك قرشًا واحدًا مما أخذته ، ولنعتبره بدل خداع لطريقة زواجك مني .
صرخ : خداع ، هل تكذبين الكذبة وتصدقينها يا ابنة العمة ؟! هل أوهمت نفسك بأني خدعتك لتعيشي بدور المظلومة ، لم أخدعك، كنت موافقة .. راغبة .. وتريدين قربي أكثر مما أريد أنا ، كل ما فعلته أنني أعطيتك غطاءً ذهبيًا لذلك ، كنت تعلمين أنني لست مريض وأنني أمثل مرضًا كنت أنتِ السبب به .
صرخت بدورها : أنت بالفعل مريض ،لأنك لم تتفهم دوافعي لموافقتي على جنونك ، لقد كنت أشفق عليك ، أموت يوميًا من قلقي وضيقي لحالتك المتدهورة وأنت تبكي بين أحضاني  - يوميًا - كطفل فقد أمه ، راعتني حالتك وكنت أذوى ندمًا لأني السبب بها
ابتسم ساخرًا ليصرخ بها : من الجيد أنك تعلمين أنك السبب من الأساس ، فلولا خيانتك لي أولًا لما كان الأمر تطور إلى هذا الحد
__ اخرس ، نطقتها بغضب تملك منها لتبع – لم أخونك قط ، أنت من توهمت ذلك يا أبو عقل صدا من كثرة غيرته واشتعاله ، لقد اقترفت غلطة واحدة وندمت عليها مرارًا وتكرارًا بل أقريت بذنبي وأنا أجثو أمامك كملك عظيم وأنت ماذا فعلت ، تصرفت بأكثر الطرق خسة ووضاعة ، لقد كدت أن تغتصبني يا ابن خالي ، يا من كنت أماني وملاذي ، انتهكتني كما لو كنت ذئبًا جائعًا .
لهثت بغضب في حين كتمت أنفاسه وعيناه تلمع بدموع تجمعت بهما وهي تتبع بصوت قطر حزنًا مس قلبه : ثم ذهبت وارتبطت بغيري ، خطبت أخرى وتركتني أعاني مما فعلته بي ، بح صوتها وهي تتابع – كنت تهتم بها أمامي .. تحنو عليها .. تبثها كلماتك الحانية .. وتغازلها برقي كما كنت تفعل معي ، حتى تلك اللحظة التي انفلت عقال عقلك بعد أن رأيتني في حفل سبوع حفيد الوزير بصحبة يحيى وهمست لي بحبك ، ضممتني لصدرك لتتابع ذبحي وأنت تخبرني أنك لست الرجل الذي لا يتراجع عن وعده لفتاة بالزواج .
انهمرت دموعها بصوت بكاء مكتوم أشاع في قلبه الفوضى ونسف غضبه من مكمنه لتتابع هي ببوح يؤلم حنايا روحها : طعنت قلبي يا بلال ، ثم أخذت تطعنه وتطعنه إلى أن استبحت دمي وتلذذت برؤيتي أنزف دون أن تحاول مساعدتي ، وختمتها بفضحي أمام أمي ، تزوجتني بخدعة  لتات كغازي منتصر وتخبر والدتي باني لم أصن أمانتها ، وأني تنازلت عن كرامتي وخونت ثقتها وثقة والدي وتزوجت كالخاطئات بالسر ، لتجبرني على الزواج منك في العلن ، منتظرًا مني أن أهلل فرحًا بهذا الزفاف الذي أجبرتني عليه !!
همس بصوت محشرج : لقد اعتذرت مرارًا قبلت كفيك وكدت أن اقبل قدميك لتعفو عني تسامحيني وتغفر لي ، لقد بكيت بحضنك وأنتِ تريني بحالة اسوء وأختي تتعرض لنفس ما فعلته معك فانتقم - لك - الله مني على مرأى ومسمع منك ، لقد أخبرتك حبي وتوسلت لك لتصفحي وتمنحيني عفوك ، لكنك خدعتِني بتعمد تلاعبت بي وبرجولتي على مدى ليال طويلة لتحمليني إلى جنتك بضعة ساعات فترفعيني إلى سابع سماء معك ثم تدفعيني إلى أسفل سافلين بطرفة عين يا سوزان ، تعمدت الخداع والمكر لتقهريني .
مسحت دموعها لتهمس بثبات : بعض ما عندكم يا بك ، والدتك الحبيبة دائمًا تقول " من عاشر القوم أربعين يوم ، وأنا عاشرتك عمري بأكمله ، قلبي امتلأ ثغرات .. نتوءات .. جروح ..وطعنات ولقد اكتفيت يا ابن خالي ، حقًا اكتفيت .
حارب شعور الهزيمة المر الذي اختنق به ليهمس بثبات : مهما حدث لن تستطيعي الفرار يا سوزان .
رفعت رأسها بشموخ : بل سأفعل ، ولن تسمع صوتي .. لن ترى طيفي .. بل لن تشم رائحتي .. ولن تشعر بنفسي ، ستحيا معذب في بُعدي ، تشعر بذكراي حية تنبض بين جوانب جسدك دون أن تعيشها من جديد ، ستموت كمدًا وأنا بعيدة وأنت ترجو قرب لن تطوله أبدًا .
أجفل وهو يقابله صمتًا من الجهة الأخرى لينظر إلى الهاتف فيدرك أنها أنهت المحادثة ليعاود الاتصال بها ثانيةً فياتيه صوت السيدة المملة تخبره بأن الهاتف الذي طلبه مغلقا ، زأر بصوت مرعب وهو يرمي الهاتف فيرتطم بالحائط في ثورة وصراخ يصم الآذان ، يصرخ بوحشية وكأن أحدهم يقطع جسده بسكين حاد فيبعثر أطرافه من حوله ، سقط على ركبتيه في انهاك ألم بروحه ضرب قبضتيه في الأرض بقوة وغضب انقلب إلى هزيمة ودموعه تسقط أخيرًا مع صرخة مدوية أخرى شقت قلبه إلى نصفين !!
***

رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن