خطت إلى خارج باب منزلها وهي تزفر بضيق ، لو كان الأمر بيدها لما ذهبت اليوم إلى العمل ، لا تريد رؤيته ، ولا رؤية الأخرى التي تنغص عليها حياتها ولكنه شر لابد منه ، إلى أن تصل إلى كل ما تحتاج ستتركه دون عودة ، ولكن تريد أن تفهم .. تدرك .. تتأكد من حقيقة شكوكها وتتيقن من صحة حدسها .
أغلقت الباب من خلفها لتتسمر قدميها وهي تراه خارج من باب شقته هو الآخر ، عضت شفتها وأخفضت بصرها وهي تهمس بنبرة مرتعشة وقلب واجف : صباح الخير .
كتمت تنفسها وهي تنتظر رد فعله لترمش بعينيها وهي تستمع إلى تحيته الجوفاء فترفع رأسها بردة فعل صاعقة وهي ترى خطواته السريعة ، لم تستطع منع نفسها من الصياح باسمه وهي تتبع خطواته السريعة شبه راكضة لتجبره أخيرًا على الوقوف في آخر السلم من أسفل ، نظر إليها بملامح جامدة ونظرات مستفهمة ، فزاغت حدقتيها وهي تهمس باسمه في نبره شبه متوسلة فيجيب بصوت جاف : نعم يا آنسة ، هل أستطيع أن أخدمك بشيء ؟!
نظرت إليه في ذهول لتجيب بتلعثم : لا ، أنا فقط ..
صمتت قليلًا قبل أن تهمس بصوت مخنوق : أردت الاطمئنان عليكِ .
أتتها ضحكته القصيرة المستهزئة كصفعة فوق وجهها وهو يردد : الاطمئنان علي ؟!
عبس بتعبير ساخر : مما ؟! هل أخبرك أحدهم بأني تعرضت إلى حادث لا قدر الله ؟!
تمتمت سريعًا بعد أن هزت رأسها نافية : بعد الشر عنك ، ولكنك اختفيت فلم أعد أراك ، لذا أردت أطمئن أنك بخير .
اتسعت ابتسامته الساخرة ليقول بعملية : بل أنا بألف خير ، لا تقلقي ، شكرًا على سؤالك .
نظرت إليه بذهول وهو يسرع خطواته ، يغادر دون أن يلق بأي حرف آخر بعد شكرها ، لتشعر بالصقيع يدب في أوصالها ، والبرودة تتمكن من خفقات قلبها ، لقد ابتعد كما أخبرها ، فهو سأم من عدم فهمها ،سأم من حماقتها ، غادرها بعد أن تعلق به قلبها !!
أسرع بخطواته وهو يغلق شفتيه بصرامة ، ينهر نفسه وخافقة الذي ابتهل إليه أن ينهل من ملامحها بعد أن كاد الشوق يفتك به ، ولكنه أبى أن يركع إلى سلطانها من جديد ، يكفيه ما تحمله بسببها ، يكفيه تلك النيران التي حرقته على مدار ليالٍ طويلة وهو يفكر في شخص آخر يملكها .. تنتمي اليه .. تخصه ، بينما - من المفترض- أن تنتمي إليه هو ، تخصه هو ، ويملكها هو ، يتمتع بحقوق لم تكن أبدًا ملك لآخر ، لأن ببساطة هذا الآخر –أبدًا- لم يملك قلبها !!
***
تأففت بضيق وهي تصف سيارتها في ساحة الجامعة لتنزل الهاتف من فوق أذنها وهي تتوعده بحدة : حسنًا يا ابن الوزير سنرى كيف لا تجيب اتصالاتي .
زمت شفتيها بقوة وهي تتذكره البارحة كيف أوصلها إلى المنزل دون أن يشاكسها كعادته بل ظل صامتًا .. غامضًا بملامح وجهه الجامدة ، لم ينظر إليها وهي تمنحه تحية المساء ليهز رأسه ويغمغم بشيء لم تستطع تبينه ، زفرت حينها بضيق وقالت بدلال تعمدته : وائل لم يحدث شيء لكل هذا ، كف عن غيرتك الغير مبررة .
أنت تقرأ
رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوب
Romanceأشار إليها بالاقتراب فأطاعت في مرح وعفوية سكنت حدقتيها تسأله عم يريد فيبتسم بمكر ويعدل من وضع نظارته الشمسية ويسبل أهدابه مخفيًا نيران شوقه التي اندلعت بقوة فأضاءت حدقتيه بلون كهرماني مخيف . جذبها من كفها بخفة ليحتجزها بين ذراعيه وعجلة القيادة فسأل...