هذا هو الحب
إنّي أحبك حين أموت ..
وحين أحبّك أشعر أني أموت
محمود درويش ...
تقدم بخطوات بطيئة .. متثاقلة ، يجرها بصعوبة ، وهو يقترب من مكان استلقائها غافية ، بل غارقة في بئر معتم ترفض النهوض منه ، فهو عاد إليها – بعد أن أعاد زوجته إلى بيت والدتها – وخاصة أنه لم يرها منذ أن اطمئن من الطبيب أنها بخير ونائمة ، شد الكرسي وجلس مقتربًا منها ،أخرج مصحف صغيرًا من جيبه ، فتلألأ لونه الأزرق الغامق بين كفيه وهو يفتحه ، ويرتل بعضًا من الآيات القرآنية الشريفة بجوار أذنها ، بصوت خفيض .. جميل ، صمت وعيناه تقع عليها مرغمًا - بعد أن كان يتحاشى النظر إليها - توقف عن القراءة وأغلق المصحف ، ووضعه بجانبه على الطاولة الصغيرة جانب الفراش، سحب نفسًا عميقًا وهو يدير حدقتيه عليها ، يبحث عن السبب وراء كل ما حدث .. يبحث عن السبب وراء تعلقها بآخر مختلف عنهم كليًا !!
ذاك الذي أخبرته عنه قبل أن تخبر والدتهما ، وعيناها تومض بإعجاب لم يخف عليه - وكيف يخفى عليه وهو الأقرب لها من نفسها ، لم يكن شقيقها ، بل كان كل شيء في حياتها ، أخ وصديق ..أب وحبيب ، كانت هي طفلته –رغم أن فارق السنوات لم يكن عديد – ولكنه كان يرعاها وكأنها ابنته ، صغيرته المدللة، وروح كينونته ، هي الشاهد الأول في قصة حبه لابنة خالتهما ، و هي من كانت رسول الغرام بينهما ، بابتسامتها المشاكسة ، وتعليقاتها السخيفة التي كانت تحرجه وتخجل ولاء .
ابتسم رغمًا عنه وهو يتذكر صداقتها القوية بابنة الخالة التي اتخذتها شقيقة لها - وخاصة وهي لا شقيقات لها – تلك الصداقة التي امتدت حتى بعد أن تزوج من ولاء ،والتي اختفت بالتدريج حينما ظهر في حياتها ذاك البغيض الذي بدلها لأخرى بات لا يعرفها ، ومع اقترابها منه شيئًا فشيء ،اصبح كل ما يعرفه عنها وقربها منه يقل .. يندثر .. يختفي .. ليتلاشى !!
باتت فتاه جديدة عليه ، لا يعرف طباعها ولا شخصيتها ، توقفت عن الحديث معه والثرثرة إليه ، أصحبت صامتة .. كئيبة .. نزقة وحادة كما لم تكن من قبل يومًا !!
احتضن كفها القريبة بين يديه ، ليقلبها برقة وينظر إلى تلك الضمادة التي تحيط معصمها ، تخفي من تحتها الجرح القطعي الذي كاد أن ينهي حياتها . زم شفتيه قويًا وأحنى جسده يقربه منها يقبل أطراف أصابعها، ويحمد الله أنهم انقذوها قبل أن تذهب بلا عودة ، لم يتمالك نفسه وأحد دموعه تسقط حاملة معها مرارة روحه وندمه ، لأنه لم يستطع أن ينقذها قبل أن يشوهها الآخر ويصل إلى عمق شخصيتها فيغيرها إلى ما أصبحت عليه .
زفر بقوة وهو يقبل باطن يدها ، يهمس لها باعتذار صادق ثم يتوسد كفها المفرود ويجهش في بكاء ذو وتيرة حادة أنهك روحه المقهورة .
انتبه على أنين خافت صدر منها وهي تسحب كفها من تحت رأسه فانتفض يسمح وجهه بكفيه ويعدل من وضعية جلوسه ، يناديها بخفوت ، فتعبس برقة ارتعش لها قلبه بأمل أن تفيق على يديه ، عاود مناداتها مرة أخرى بكنيتها الخاصة به ، وهو يقترب منها ينظر إلى حدقتيها اللتين ارتعشتا من تحت جفنين مثقلين بدموع ،شعر أنهم على وشك الهطول ،فيلامس وجنتها القريبة منه بلطف ويهمس بصوت ضاحك مرتعش : أفيقي يا إيمان ، أنا هنا بجانبك ولن أتركك أبدًا .
أنت تقرأ
رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوب
Romanceأشار إليها بالاقتراب فأطاعت في مرح وعفوية سكنت حدقتيها تسأله عم يريد فيبتسم بمكر ويعدل من وضع نظارته الشمسية ويسبل أهدابه مخفيًا نيران شوقه التي اندلعت بقوة فأضاءت حدقتيه بلون كهرماني مخيف . جذبها من كفها بخفة ليحتجزها بين ذراعيه وعجلة القيادة فسأل...