الفصل العاشر ج٢

2.5K 72 8
                                    

هذا  هو الحب

إنّي أحبك حين أموت ..

وحين أحبّك أشعر أني أموت

محمود درويش ...



تقدم بخطوات بطيئة .. متثاقلة ، يجرها بصعوبة ، وهو يقترب من مكان استلقائها غافية ، بل غارقة في بئر معتم ترفض النهوض منه ، فهو عاد إليها – بعد أن أعاد زوجته إلى بيت والدتها – وخاصة أنه لم يرها منذ أن اطمئن من الطبيب أنها بخير ونائمة ، شد الكرسي وجلس مقتربًا منها ،أخرج مصحف صغيرًا من جيبه ، فتلألأ لونه الأزرق الغامق بين كفيه وهو يفتحه ، ويرتل بعضًا من الآيات القرآنية الشريفة بجوار أذنها ، بصوت خفيض .. جميل ، صمت وعيناه تقع عليها مرغمًا - بعد أن كان يتحاشى النظر إليها - توقف عن القراءة وأغلق المصحف ، ووضعه بجانبه على الطاولة الصغيرة جانب الفراش، سحب نفسًا عميقًا وهو يدير حدقتيه عليها ، يبحث عن السبب وراء كل ما حدث .. يبحث عن السبب وراء تعلقها بآخر مختلف عنهم كليًا !!

ذاك الذي أخبرته عنه قبل أن تخبر والدتهما ، وعيناها تومض بإعجاب لم يخف عليه - وكيف يخفى عليه وهو الأقرب لها من نفسها ، لم يكن شقيقها ، بل كان كل شيء في حياتها ، أخ وصديق ..أب وحبيب ، كانت هي طفلته –رغم أن فارق السنوات لم يكن عديد – ولكنه كان يرعاها وكأنها ابنته ، صغيرته المدللة،  وروح كينونته ، هي الشاهد الأول في قصة حبه لابنة خالتهما ، و هي من كانت رسول الغرام بينهما ، بابتسامتها المشاكسة ، وتعليقاتها السخيفة التي كانت تحرجه وتخجل ولاء .

ابتسم رغمًا عنه وهو يتذكر صداقتها القوية  بابنة الخالة التي اتخذتها شقيقة لها - وخاصة وهي لا شقيقات لها – تلك الصداقة  التي امتدت حتى بعد أن تزوج من ولاء ،والتي اختفت بالتدريج حينما ظهر في حياتها ذاك البغيض الذي بدلها لأخرى بات لا يعرفها ، ومع اقترابها منه شيئًا فشيء ،اصبح كل ما يعرفه عنها وقربها منه يقل .. يندثر .. يختفي .. ليتلاشى !!

باتت فتاه جديدة عليه ، لا يعرف طباعها ولا شخصيتها ، توقفت عن الحديث معه والثرثرة إليه ، أصحبت صامتة .. كئيبة .. نزقة وحادة كما لم تكن من قبل يومًا !!

احتضن كفها القريبة بين يديه ، ليقلبها برقة وينظر إلى تلك الضمادة التي تحيط معصمها ، تخفي من تحتها الجرح القطعي الذي كاد أن ينهي حياتها . زم شفتيه قويًا وأحنى جسده يقربه منها يقبل أطراف أصابعها، ويحمد الله أنهم انقذوها قبل أن تذهب بلا عودة ، لم يتمالك نفسه وأحد دموعه تسقط حاملة معها مرارة روحه وندمه ، لأنه لم يستطع أن ينقذها قبل أن يشوهها الآخر ويصل إلى عمق شخصيتها فيغيرها إلى ما أصبحت عليه .

زفر بقوة وهو يقبل باطن يدها ، يهمس لها باعتذار صادق ثم يتوسد كفها المفرود ويجهش في بكاء ذو وتيرة حادة أنهك روحه المقهورة .

انتبه على أنين خافت صدر منها وهي تسحب كفها من تحت رأسه فانتفض يسمح وجهه بكفيه ويعدل من وضعية جلوسه ، يناديها بخفوت ، فتعبس برقة ارتعش لها قلبه بأمل أن تفيق على يديه ، عاود مناداتها مرة أخرى بكنيتها الخاصة به ، وهو يقترب منها ينظر إلى حدقتيها اللتين ارتعشتا من تحت جفنين مثقلين بدموع ،شعر أنهم على وشك الهطول ،فيلامس وجنتها القريبة منه بلطف ويهمس بصوت ضاحك مرتعش : أفيقي يا إيمان ، أنا هنا بجانبك ولن أتركك أبدًا .

رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن