الفصل ال ٢٩ ج١

2.2K 69 4
                                    

يوم الحناء

__صباح الخير يا جميلتي .
ابتسمت برقة وهي تنظر إلى والدتها الجالسة بجوارها ، تربت على رأسها بحنو وتبتسم لها بحب أمومي خالص ، قبلت جبينها مرة أخرى لتهتف لها بسعادة : هيا انهضي فأمامك يوم طويل وبإذن الله يكون يوم جميل .
نهضت جالسة فوق فراشها ، تراقب والدتها التي تدور في الغرفة تفتح ستائرها فيطل ضوء الشمس منيرًا الأفق أمامها ، ابتسمت بتوتر تملكها لتهمس بخفوت : لازلت مصممة يا أمي على إقامة الحفل ليلًا ؟!
زفرت إنعام هانم ببطء لتستدير إليها تتجه نوحها وتربت على وجنتها برقة : دعيني أفرح بك كما  أريد يا ابنتي ، فأنتِ طفلتي الوحيدة ، عروس آل الجمال ، كريمتنا ومدللتنا ، ألا يحق لنا أن نفرح بك كما ينبغي ؟! ألا يحق لأخوتك أن يدللوك ويظهروا فرحتهم بك ؟! ألا يحق لأباكِ أن يقيم لكِ احتفالًا ضخمًا يُحكى عنه ؟! نظرت إليها باستجداء – ألا يحق لي أن أفرح بك وأنا أرى نقوش الحناء تزين كفيك ؟!
_ بلى يحق لكم يا أمي ، أنا لا أعترض ولكني مستاءة من  نوعية الحفل ، فأنتِ تعلمين أنني توقفت عن سماع الموسيقى والرقص ، فكل هذا ليس من ديننا .
جلست والدتها أمامها : اسمعي يا ابنتي ، لم أعارضك يومًا في مسلكًا اتخذته لك ،سواء عن اقتناع أو رغبة في إرضاء أحدهم ، وحتى اليوم لن أعارض قناعاتك أو أحاول أن أقنعك بوجهة نظر مختلفة ، كل ما سأفعله أن أطالبك بأن تبرينني و تدعيني أفرح بك كما أحب وأريد .
رمشت بعينيها : جل ما أريده هو برك يا أمي ، ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ارتجفت والدتها بحنق تملك منها وهي تردد : معصية الخالق ، هل أتيت بخمر وطلبت منك أن تشربيه يا ابنتي ؟! هل طلبت منك أن تفعلين ما يخالف الله أو يغضبه ، كل ما أردته أن أفرح بك .
زفرت إيمي بقوة : وهل الفرح لابد أن يكون بالغناء والرقص ودعوة كل الأناس للحفل يا أمي ؟! ألا نستطيع أن نفرح بمفردنا؟!
نظرت إليها والدتها بتعجب : ما قيمة الفرحة منفردة يا ابنتي ؟! الفرحة تكون باجتماعك مع أصدقائك وأحبابك من حولك ، البني آدم لا يستطيع أن يعيش وحيدًا يا إيمان ، وإلا لما خلقه الله وجعله شعوبًا وقبائل ، الفرحة تُخلق مع الجَمعة والعائلة ورؤية الأحباب .
نهضت إيمان واقفة وهي تزفر بحنق : وهل الأحباب هن صديقات فاطمة والمقربات لها أو عائلة ياسمين ، أو هؤلاء النسوة اللائي لا أعرفهم الا اسمًا فقط ، سيأتين لينظرن إلى العروس ويقيمونها وهل هي جميلة أم لا ؟! هل ترتدي خاتمًا ماسيًا أم ذهبًا عاديًا ؟! يتحدثون عني وعن فستاني وعن غرابة حجابي في وسط زوجات اخواني وصديقاتي اللائي معظمهن لا يغطين أجسامهن فما بالك برؤوسهن ؟!
تأملتها والدتها كثيرًا قبل أن تنطق بجدية : لم أرى إحدى زوجات أولادي وهي تمشي عارية يا إيمي ، أو حتى صديقات العائلة ، نعم هن غير ملتزمات مثلك ولكنهن لسن بفاسقات كما أظهرتهن بوصفك الآن ؟!
اتسعت عينا إيمان بغضب أهوج : ألا ترين ما ترتديه زوجة ابنك يا ماما ؟!
__أيهن ؟! صاحت ايمان بقوة – فاطمة هانم البروفسيورة معلمة الأجيال ، لا أفهم كيف يسمح لها وائل بأن تذهب إلى الجامعة بملابسها تلك ألا يخاف أن يختطفها أحدهم أو يتحرش بها ؟!
تنفست والدتها بعمق لتهمس بصلابة : من يتحرش بإحداهن يا إيمان لا يفعل هذا بسبب ملابسها بل لأنه مريض وضعيف النفس، ألا يتحرشون بالمحجبات ،ألا يختطفون المنتقبات يا ابنتي ؟! من يقوم بهذا الفعل هو مبتلى بمرض شفاه الله منه ،
أشاحت بوجهها في حنق لتتابع والدتها : ما لا أفهمه هو اعتراضك على فاطمة خاصة رغم أن ملابسها تشبه إلى حد كبير ملابس ياسمين وولاء .
__ ولاء لا ترتدي مثلهما يا ماما .
هتفت بدفاع لترفع والدتها حجابيها وتهمس : ولكن ياسمين وفاطمة متقاربتان في طريقة اللبس والذوق أيضًا يا ابنتي ، لماذا خصصت فاطمة واعترضت عليها ولم تذكري ياسمين ؟!
زمت شفتيها بطريقة طفولية فهتفت والدتها بذهول : أنتِ تغارين من زوجة أخيك ؟!  
رمشت بعينيها ووجهها يشحب بقوة لتصيح : من تلك لأغار منها يا ماما ؟! وعلام أغار ؟!
ابتسمت والدتها بحنو : على شقيقك الأكبر .
هزت رأسها بنفي أتى غير واضحًا لتقترب منها والدتها وتربت على كتفها : أنتِ تغارين لأنها امتلكت قلب وائل ، وأبيك يفضلها عن ياسمين وولاء أليس كذلك ؟!
__ لا ، هتفت بصوت أبح لتكمل – هي فقط لا تعجبني يا ماما ، حديثها .. ملابسها .. شخصيتها .. وحتى طريقة تفكيرها ، لست معجبة بها ولا أعلم ما الذي يعجب وائل بها ؟!
ابتسمت والدتها بحنو : القلب له أحكامه يا ابنتي ، وهي ليست بسيئة لتلك الدرجة ، فهي جميلة .. مثقفة .. وابنة عائلة راقية تماثل عائلتنا في مستواها الاجتماعي ، والأهم شقيقك يحبها وهي تعشقه .
آثرت الصمت لتدفعها والدتها بلطف : هيا اذهبي لتستعدي فحديثنا استطال عن اللازم وفريق التزيين قارب على الوصول ولا داع للقلق كلهن من السيدات .
زفرت إيمان بقوة لتهمس لها والدتها باسمها وتتبع : افرحي يا ابنتي ، ولا تدعي أي شيء يفسد علي فرحتي بك ، وما يسعدني حقًا أن أراكِ سعيدة وهانئة .
ابتسمت برقة لتعود إلى والدتها تقبل رأسها وتهمس : أحبك يا أمي .
ربتت على وجنتها : أنتِ أغلى ما أملك يا حبيبتي .
راقبتها تبتعد بحنو اعتلى ملامحها قبل أن تشعر بدوار يداهمها فتتمسك بالكرسي جوارها قبل أن تشد جسدها بصلابة وتسحب نفسًا عميقًا تستعيد به توازنها .
***
حركت طرف سبابتها فوق عقدة حاجبيه ، تدلك موضع إصبعها برقة فيهمهم ويبتسم قبل أن يفتح عينيه لتتسع ابتسامته وهو يضمها إلى صدره الذي تتخذه متكئًا لها : صباح الخير .
قبلت وجنته برقة : صباح النور يا حبيبي .
اضجع قليلًا وهو يحتفظ بها قريبة منه : كيف حالك اليوم ؟! هل زال توعكك ؟!
ابتسمت برقة وحركت رأسها بالإيجاب : أنا بخير لا تقلق .
__ من المؤكد أنها آثار رحلة الطيران فقط .
__ أكيد ، تمتمت بها قبل أن تهمس بتساؤل خافت – هل ستسافر من جديد ؟!
زفر بقوة ليقبل رأسها : لا داع الى القلق يا أسمتي ، ألا تثقين بي ؟!
ترقرقت عينيها بدموعها : أثق بك ولكني خائفة .
تنهد بقوة وهو يضمها إليه أكثر : أصبحت تفرطين بدموعك يا أسما وهذا يثير ضيقي .
صاحت بهلع : أنا أثير ضيقك .
انهمرت دموعها بغزارة فشحب وجهه ليشيح بيديه : لا يا حبيبتي ، توقفي يا أسما من فضلك .
صمتت عن البكاء ولكن دموعها التي زينت وجنتيها رق لها قلبه فابتسم واقترب منها : أنا أحبك يا أسما ولا أفكر أبدًا في الابتعاد عنك ، ولكن لابد أن أعود إلى هناك وأنهي إجراءات الميراث .
زفرت بقوة : لا أعلم أشعر بالضيق يا أيمن .
ربت على رأسها قبل أن يجذبها إلى حضنه : لا تخافي يا حبيبتي
عاد بظهره إلى الوراء فسألته بجدية وهي تتلمس أمانًا من بين ضلوعه : هل سنظل بالفندق إلى موعد سفرك ؟!
ابتسم باتساع : أنتِ تخربين مفاجأتي دائمًا يا أسما .
__ أنا ؟! تساءلت باندهاش فأجاب – نعم ، أنا أبحث عن شقة لأعدها سكنًا لنا ، تكون قريبة من منزل عائلتك حتى لا تُجهدي في الذهاب إليهم .
نظرت إليه : ودعاء .
ضحك بخفة : ستتزوج وتسكن قريبة منا ، فيحيى يبحث عن شقتين بجوار بعضهما .
صفقت بجزل : انا سعيدة لأجلها .
__ وأنا الآخر ، يحيى يناسبها وسيحملها داخل عينيه .
لوت شفتيها : فقط هي توافق .
ضحك بقوة : أنها موافقة ولكنها خائفة ، دعاء عملية قليلًا وليست حالمة وهذا ما يؤثر سلبًا عليها ولكن بقليل من المهادنة وقرب يحيى منها سيلين رأسها .
__ ما رأيك لنذهب إليهم ونتناول الفطور معهم ؟!
ابتسم برقة : موافق يا حبيبتي ، ارتدي ملابسك وسنبتاع الفطور في طريقنا لهم ، أبلغي والدتك بأننا سنذهب إليهم .
أومأت برأسها في فرحة غمرتها لتتحرك بسرعة قبل أن تتوقف فجأة وهي تهمس باسمه في صرخة استجداء جعلته يقفز واقفًا ليلتقطها بين ذراعيه قبل أن تهوى ساقطة .
***
يسير بين أروقة مشفاه بخطوات سريعة جادة معتادة منه ، يهرول الجميع من حوله فهو معروف بدقته وحزمه الشديد حينما يمر على مرضاه ليتفقد أحوالهم ، يسير من خلفه فريق من الأطباء صغار السن يتحدثون إليه في احترام تجلى من نظراتهم وتقدير اعتلى ملامحهم ، ينصت إليهم باهتمام ويجيب على أسئلتهم أو يستمع إلى نقاشهم فيما بينهم إلى أن يشير بيده في حزم فينصتون جميعهم إليه ، رن هاتفه فعبس بتعجب قبل أن تتهلهل ملامحه بفرحة حقيقية ويشير إليهم ثم يبتعد عنهم ليجيب الهاتف : صباح الخير يا قلب أخيك ، ما هذا النهار النادي الذي تذكرتني به رقيقة آل المنصوري ؟!
ضحكت برقة : اشتقت إليك يا شقيقي ، كيف حالك ؟!
__بخير والحمد لله أخبريني عن أحوالك أنتِ ومحمود الصغير .
__ نحن بخير حال الحمد لله ، لذا وبم أنك لم تقم بزيارتي منذ فترة قررت أن أدعوك أنا إلى الغذاء .
__أؤمري وأنا ألبي ، أحلامك اوامر يا حبيبتي .
اتسعت ابتسامتها : حسنًا سأنتظرك في الغد فلا تتأخر ولكن ليس ببيتي بل ببيت حماي ، فأنا هنا بالبلدة  في زيارة إلى عائلة عمي محمد ، والدعوة موجهة إليك منه في الأساس وأنا أخذت على عاتقي أن أقنعك بزيارة البلدة فممدوح قال أنك لن تأتي طالما في خلاف قائم بينك وبين أبي .
شحبت ملامحه وهو يستمع إليها وعقله يفكر هل  تلك الدعوة بسبب ما حدث بينهما ؟! هل أخبرت أبيها بطلاقها منه وتعنته معها في عدم ردها إليه رغم كل محاولاتها ؟! أم هذه الدعوة عادية وأهل زوجته يحتفون به كعادتهم ؟!
انتبه على صياح شقيقته بأذنه فضحك بخفة : آذيت أذني يا صغيرتي .
__ آسفة يا محمود ولكنك شردت بعيدًا .
__ وهل أجرؤ بل أنا هنا معك .
صمتت قليلًا : حسنًا سآتي .
__ نعم ولكن ليس في الغد فأنا مدعو لزفاف ابنة الوزير ولن أستطيع التخلف عنه ، فهلا أخرتما الدعوة يومًا كاملًا .
__ بل شهرًا إذا أردت يا محمود .
ابتسم بحنو : لا حرمني الله منك أبدًا ، صمت قليلًا ليهمس بخفوت – محمد رسول الله .
أنهى مكالمته ليدور على عقبيه ثم يتوقف مواجهًا لها وهي تنظر إليه بغضب أشعل خضار عينيها فأطل بلون كهرماني فريد لمن يره من قبل ، أسبل اهدابه وحاول يتخطاها ، لتزعق بقوة : إلى أين يا دكتور ؟!
خيم عليه الذهول ليندفع الغضب بأوردته بقوة وهي تكمل بصوت عالٍ : هل تتهرب مني ؟!
التفت إليها بحدة ليهتف بصرامة : أخفضي صوتك من الأفضل لك ، حافظي على مكانتك وقدرك ولا تهدرينها لأجل أمر تافه لن يعود عليكِ بالنفع .
__ تافه رددتها بذهول لتنطق بغل من بين أسنانها : وهل طلاقك لي بعد زواج دام اسبوعين تعده أمر تافه ؟!
لمع الغضب بحدقتيه قبل أن يشير إليها باتجاه مكتبه ويسبقها آمرًا : اتبعيني من فضلك .
قبضت كفيها وهي تقف بتحفز تنظر إلى ظهره الذي أولاه لها وهو يتحرك إلى مكتبه لم يرف له جفن وهو يتركها بل لم يلتفت إليها ثانيةً ، وكأنه يعلم بأنها ستطيعه وتتبعه ، أو وكأنه لا يهتم إذا اطاعته أم لا !!
رجف جفنها وهي تسيطر على أعصابها التي توشك على فقدانها لتتبعه مرغمة فهي فرصتها الأخيرة في الحديث معه ، فرصة لن يمنحها لها ثانيةً وخاصة بعد مصالحته لأخرى تملك كيانه بأكمله .
خطت تتبعه وهي تشعر بالنيران تشتعل بجوانبها فحديثه بالهاتف أحرق قلبها .. روحها .. وعقلها الذي كان لازال يفكر في كيفية استعادته ، ولكن مع عودته إلى زوجته التي يعشق ، انتهى زمانها معه !!
زفرت بقوة وهي تشد عزيمتها حينما وقع نظرها عليه يجلس على كرسي مكتبه ينتظر بصبر دخولها ، أغلقت الباب من خلفها ووقفت تنظر إليه يضع مكتبه حائلًا بينهما ، رفع نظره إليها : ماذا تفعلين يا دكتورة ؟!
بللت شفتيها ووضعت كفيها في جيبي ردائها الطبي أبيض اللون : لا أعرف يا محمود ، أنا أشعر بالضياع ، ولا أستطيع التوازن .
خفض رأسه لينفخ بقوة : لماذا ؟! أنتِ تشعرينني بأننا كنا أحباب وأنا خلفت وعدي لك .
رفعت رأسها اليه لتهمس : صدق أو لا تصدق يا دكتور أنا أحببتك بالفعل ، أنا التي لم تسلم قلبها من قبل ، وقعت في غرامك ، فأنت تستحق أن تُغرم بك كل من تقابلك ، أنت مختلف عن البقية ، يكفي أنك صادق ولا تخون أبدًا ، حتى في عز أزمتك مع زوجتك وزواجك بي لم تنظر إلي قط .
هتفت بصوت فضح الآلام روحها : أتصدق هذا ؟! أنا بكل ما أملكه لم أسرق نظرك ولو للحظات قليلة .
تهادت بخطواتها إليه لتجلس على ركبتيها وهي تجبره أن يلف بكرسيه إليها ، تكتنف وجهه بكفيها فتتشنج ملامحه برفض ويبتعد إلى الخلف فتبتسم بألم وهي تبعد كفيها عنه تنهض ثانيةً لتهمس: أنت تعشق زوجتك يا محمود فلا تقبل حتى لمستي لك ، حتى حينما كنت زوجتك لم تكن تتقبلني أبدًا ، كنت تشعرني بأنني حقل من الشوك يغرس بك حينما أحاول أن ألمسك ، أعلم أنك تزوجتني بلحظة غضب ومشاجرة قوية نشأت بينكما ،ولكن مع كل هذا ، مع كبر جرحك منها وغضبك العاتي لم تستطع أن تضع إصبعًا علي وتلمسني به !!
ابتسمت بتعجب : أنت حتى لم تكن تنظر إلي يا محمود ، وكأني لست بزوجتك ، وحينما عدت إلى بيتك طلقتني على الفور ، طبعًا أشهد لك بأنك أخبرتني قبيل أن تذهب إلى المأذون ولكنك لم تستشيريني .
نهض واقفًا ليصيح بقوة : فيم أستشيرك يا دكتورة ، ما فعلته كان خطئًا فادحًا ، ولم أطلقك لأني تصالحت مع زوجتي ، لأني اندفعت وراء غضبي دون أن أفكر فيك وكيف أني اظلمك بزواج لن يكتمل أبدًا .
نظرت إليه بصدمة فزفر بقوة : منار أرجوكِ سامحيني ولكني لست أنا هذا الرجل الذي يتزوج من امرأه جميلة ويستغلها لتخفف عنه غياب معشوقته ، أنا لا أستطيع أن أكون لامرأة أخرى غير زوجتي ، فهي تملكني قلبًا .. عقلًا .. روحًا .. وجسدًا، اغفري لي أنني زججت بك في أمر لا علاقة لك به ، أنا آسف .
تساقطت دموعها بهدوء ليحتقن وجهه ويعتلى الذنب ملامحه فتهمس : ألن تضمني حتى كنوع من الوداع ؟!
هز رأسه نافيًا واليأس يعتلي ملامحه : لا ، لن أفعل ، أرجوكِ يا منار توقفي عن إذلال نفسك ، فأنتِ لستِ هكذا .
أطبقت فكيها لتهمس بحرقة : بسببك أصبحت هكذا .
كرر : أنا آسف إذا آذيتك سامحيني .
صاحت : لن أفعل ، ولن أقبل أسفك وسترى يا محمود ما أنا بقادرة على فعله لأستعيدك حتى لو رغمًا عنك .
نظر إليها مليًا قبل أن ينطق بجمود : لا تفقدي هيبتك ومكانتك بسبب انتقام يا منار ، ولا تحرقي روحك من أجلي فأنا لم أكن يومًا لك لتستعيديني توقفي قبل أن تندمي .
نظرت إليه برهبة قبل أن تندفع مغادرة وهي تكتم شهقات بكاء أثارت ضيقه ، جلس ثانيةً وهو يدلك جبهته بنزق ، يفكر في أخرى لها كل الحق أن تحارب من أجله ولكنها لم تفعل رغم كل ما فعله من أجلها ، تمسكت بكبريائها واعتزازها بنفسها وتخلت عنه لأجل لا شيء ، نهره قلبه وهو يذكره بتغيرها المفاجئ ، دلالها المتعمد .. اغوائها الفطري .. واغرائها الغير متمرس له كي تدفعه إلى وصالها فتستعيد مكانتها كزوجته ، لكنه يرفض بجدية ، ينهرها بتعنت ويدفعها بعيدًا عنه بجدية وحزم يخنقان روحها ، يدفعان الدمع إلى مقلتيها ويجعلانها تهرب من مواجهته ، ولكنها تعود من جديد لا تكل ، وإلى الآن لم تمل من أفعالها المراهقة التي تثيره رغمًا عنه ويقفز لها قلبه سعيدًا ، فهو لم يترك البيت بل بقى بعد تلك الليلة التي استسلم إلى نعاس  جافاه أغلب لياليه البعيدة عنها ليستيقظ في الصباح يجد نفسه متدثرًا بغطاء ثقيل لتستقبله هي بابتسامة واسعة وفرحة حقيقية طلت من عينيها لتضمه إلى صدرها حينما نهض واقفًا وهي تهمس له باشتياقها إليه ، استسلم إلى عناقها بأول الأمر ولكنه انتفض حينما وجد ذراعيه تحركتا لتلفان من حولها ، دفعها عنه بقوة لدرجة أنها سقطت أرضًا قبل أن يزجرها بعنف ويخبرها أن تحترم نفسها فهي لم تعد زوجته !!
لن ينسى دموعها  ولا بكائها ذاك النهار ليقوى عزيمته وينهر قلبه ويقرر بأنه سيبقى ببيته وليرى ماذا تخبئ له ابنة المنصوري .
ابتسم بسخرية قبل أن ينهض من جديد وهو يفكر في دعوة حماه له ويدعو الله أن لا يكون وصل للعائلة أمر طلاقه لها أو زواجه من أخرى فحينها لن يرى أمنيته ثانيةً ، وهو لا يقوى على ذلك أبدًا !!
***
يقف بباب غرفة مكتبه يطالع بعض الأوراق الخاصة بعمله فهو لن يذهب اليوم إلى العمل ، بعد أن شددت عليه والدته الحضور من الصباح هو وزوجته ، ابتسم بسخرية من زوجته التي تهجره فلا يشعر بها إلا وقت النوم والذي تمن عليه فلا تطرده فيه خارج غرفة نومهما ، حتى لا يشعر العاملين بالفيلا عم يحدث بينهما ، ومضت عيناه بثقة وقلبه يخبره بأنها لا تستطيع النوم دونه ، فتتسع ابتسامته بتسلية وهو يراها تنزل الدرج برقي كما العادة ، فتتألق عينيه بترحاب خاص بها ولهفه تصاعدت بداخله ، راقبها بشوق وهي تتحرك ببطء ترتدي بلوزة خريفية بتصميم أنثوي رقيق، بلون الورد الفاتح ، مغلقة إلى عنقها وأكمام تخفى ذراعيها من خلفها ، طويلة تصل إلى منتصف فخذيها  ويزين خصرها حزام  فضي اللون بانعكاس وردي جميل ، تخفي ساقيها ببنطالون ضيق رمادي اللون يحدد تفاصيل ساقيها ، زفر بقوة وهو ينظر إلى حذائها بكعب عريض قصير ،ورقبة تصل إلى آخر ساقيها فيجعل مظهرها أكثر فتنة من رؤيتهما عاريتين .
ازدرد لعابه وهو يرقع عيناه إلى وجهها بزينته الهادئة وخصلات شعرها الملومة في ذيل فرس أظهر طول عنقها وازاد من كبريائها الوامض بعينيها ، ليبتسم بمكر وهو يقترب منها ، ينظر إلى حركة اناملها وهي ترتدي حلق كبير بورود وردية تتناثر أسفل أذنها فيجذب نظره إلى شامتها التي تختفي خلف مقدمة بلوزتها المغلقة
وقف أمامها فرفعت رأسها إليه تناظره بجمود فهمس بشقاوة زينت ملامحه : صباح الخير يا زوجتي العزيزة .
لوت شفتيها بنزق افتعلته : صباح النور .
عبس بغرابة وهو ينظر إلى الخادم الذي نزل من الأعلى يحمل حقيبة سفر صغيرة فيلتقط  حملها إلى حقيبتها الرمادية الكبيرة كما تفضل ليسألها بجدية : أين تذهبين ؟!
ابتسمت بمكر : خارجة .
__ أرى هذا ، أنا أسأل إلى أين ، وتحملين حقيبة ملابس صغيرة أيضًا .
__ أليس اليوم يوم الحناء لزفاف شقيقتك ؟!
ضيق عينيه و هي تتحدث ببرود أثار ضيقه  ، أومأ برأسه إيجابًا فتابعت : ألن تذهب ؟!
زفر بقوة : سأذهب ، أنا أسأل عنك يا فاطمة ، أين تذهبين بحقيبة ملابسك ؟!
__ حقيبة ملابسي ؟! ضحكت بسخرية – تلك الحقيبة الصغيرة لا تعد عُشر ملابسي يا وائل .
ابتسم رغمًا عنه ليهمس : أعلم فانتٌ استوليت على غرفة الملابس كلها .
زمت شفتيها بضيق : ألم تتشاجر معي منذ يومين بهذا الشأن وأجبرتني على إعادة تنسيق ملابسي لأجل ملابسك الغالية ، أضافت باستهزاء - لم أرى من يقدس ملابسه مثلك .
رفع رأسه بعنجهية : لذا أناقتي مميزة ، اقترب منها بخفة – بل كلي مميز ألا ترين يا زوجتي العزيزة ؟!
تشكلت ملامحها بتكشيرة غاضبة ليبتسم باستفزاز فتزمجر بحدة وتهم بالتحرك فيقبض على ساعدها ويجبرها على السكون أمامه : إلى أين تذهبين ؟!
_ معدل ذكائك أصبح منخفضًا يا ابن الوزير ،كتم غضبه بداخله فتابعت قاصدة استفزازه - بالطبع سأذهب معك.
لانت ملامحه بتعجب قبل أن يهمهم : ستقضين اليوم بأكمله في القصر .
هزت رأسها إيجابًا : لماذا تتعجب ؟! ألن تذهب ياسمين ؟!
__بلى وليد أخبرني أنهما ذاهبان من الصباح ولكن ، صمت قليلا قبل أن يتبع – أنتِ لستِ على وفاق مع إيمي فظننت أنك لن تذهبين باكرا .
زفرت بقوة : نعم أنا لست على وفاق مع شقيقتك ولكن والدتك دعتني لأقضي اليوم معهم ووالدك شدد علي الحضور من الصباح .
لوى شفتيه بسخرية : آها ، إذًا هو سيادة الوزير من دفعك للذهاب  .
__ وحرم سيادته أيضًا ، أنا أحب والدتك .
اقترب منها فأصبح شبه ملتصق بها : وابن سيادة الوزير وحرمه .
رفت بعينيها : ما به ؟!
__ ألا تحني عليه بتحية الصباح ؟!
ابتسمت بمكر زين ملامحها فآثار شوقه المتزايد لها لتقف فوق مقدمة حذائها وتحاول أن تقترب من أذنه فتلامس جانب فكه  وتلصق وجنتها الناعمة بشعيرات ذقنه المنمقة : ابن الوزير لا يستحق أن أحنو عليه إطلاقًا .
أغمض عينيه يخفي تأثره بصلابتها قبل أن يرسم ابتسامة باردة زينت ملامحه وأخفت آلامه داخل حدقتيه المعتمتين وهو يناظرها بتحدي قبل أن يقبض على خصرها فيبقيها على قربها الذي سعت إليه ويهمس بأذنها : لا يهم ، فأنا حينما أريد سأقنصك بأكملك ، وبموافقتك .
رفعت رأسها بكبرياء ونظرت إلى عمق عينيه : أنت تحلم .
لمعت السخرية فوق ثغره الذي همهم بأنفاس لاهبة : سنرى .
حاولت التملص من بين ذراعيه فأجبرها على السكون بضغطة ليست موجعة من كفيه فتهتف بضيق : هل ستذهب إلى هناك ؟!
__ نعم و لكن انتظري لنتناول الفطور سويًا ، فموعد الفطور بالقصر ولى ، ولا يصح أن تظلي دون فطور إلى موعد الغذاء .
ضاقت بتحكمه فدفعته بعيدًا عنها ليستجيب بهدوء فتهتف :لست جائعة .
قبض على مرفقها ليجذبها معه إلى المطبخ : ستتناولين فطورك وتشربين العصير الذي أعددته لك قبل أن نغادر يا فاطمة .
زعق باسمها بطريقة مميزة أجبرتها على الابتسام بعد أن اتصلت  نظراتهما سويًا فتتشكل ذكرى بعيدة بينهما حينما أغضبته ذات مرة بأول ارتباطهما فزعق باسمها بتلك الطريقة لتسأله بجدية عن سبب نطقه لاسمها صحيحًا بينما البقية تنطقه بطريقة مخالفة وتشكيل غير مفهوم فيبتسم رغمًا عنه وهو يهمهم لها بصوت أجش انها تشبه اسمها فالألف الذي يقسم حروف اسمها إلى نغمتين مختلفتين يماثل كبريائها بوقفته الشامخة ، فلا يستطيع هو أن ينطق اسمها مجردًا من صفة أساسية بها .
أسبلت اهدابها قاطعة تواصلهما ، زفر بقوة ليجلس بجانبها ويقدم لها كوب عصير البرتقال الطازج فتسأله بجدية : أنت من عصرته ؟!
__ لا لقد طلبت من سامية عصره لك .
التفتت إليهما سامية لتهتف بتعجب : لم أقم بعصر أي برتقال اليوم .
__ إلى الخارج يا سامية من فضلك .
انتفضت السيدة التي تصل لمنتصف الأربعينات برهبة وهي تغادر المطبخ بالفعل فابتسمت رغمًا عنها وهي ترمقه بطرف عينها لتهمس بعد أن تناولت القليل منه : أشكرك .
بدء بتناول طعامه ليتمتم : العفو ، تناولي فطورك قبل أن نغادر .
__ توقف عن إلقاء الأوامر فوق رأسي .
رفع نظره إليها ليهتف بجدية : سأظل أنا وأوامري فوق رأسك يا تامي فاعتادي .
أشاحت برأسها بعيدًا عنه قبل أن تنظر إلى المائدة وتهمس : لا أشتهي أيًا من هذا .
رفع حاجبيه بتعجب قبل أن تتمتم بجدية : أريد أن أتناول البان كيك .
نظرت إليه قليلًا : أشتهيها .
قبض كفيه بقوة ليزعق باسم سامية التي أتت مهرولة فيؤمرها بحدة أن ترى طلبات السيدة فتبتسم هي بمشاكسة وهي تنظر إليه بتحدي قبل أن تنهض واقفة : لا يهم يا سامية ، لست جائعة على كل حال ، شربت المتبقي من كأس العصير قبل أن تنهض تحمل إحدى الفطائر معها – هيا بنا .
زفر بنزق لينهي كوب قهوته ويتبعها وهو يتمتم لاعنًا كل شيء من حوله .
***
فتحت الشرفة تستقبل أشعة الشمس التي تغمر الكون من حولها، تبدد الهواء ناشرة الدفء في أوصالها ومعها شعورها بالسعادة الذي يتزايد في نفسها ، لأنها أخيرًا عادت إلى وطنها .. بيتها .. حياتها ، تنفست بعمق قبل أن تضم حاجبيها بتعجب من جرس الباب الذي رن الآن ، لتتسع ضحكتها وهي تفكر بأنه من المحتمل ان يكون اخيها وزوجته أتيا ليتناولا فطورهما معها ، خطت بسرعة إلى باب الشقة وفتحته وهي تبتسم برقة والمرح مرسوم بتفاصيلها  : صباح الخير ، أنرتما بيتنا المتواضع .
ارتكن بكتفه على الحائط ليمسك الباب الذي فتحته بكفه من الخارج وهو يهمس : البيت منور بصاحبته .
تصلبت ملامحها قبل أن تهتف بحنق : ما الذي أتى بك ؟!
رفع حاجبيه بذهول ليهمس بسخرية : هل هذه الطريقة المثالية لمقابلة خطيبك ؟!
__ خطيبي ؟!! هتفت بحدة لتكمل وهي تضيق عينيها  - من قال أنك خطيبي ؟!
ابتسم بمكر : أنا .
زمت شفتيها بقوة : لا يصح أن تأتي إلى هنا وأنت تعلم اني بمفردي ، انتظر إلى أن يأتي أيمن وقم بالزيارة .
دفعت الباب بحنق في وجهه وهي تقول : شرفتنا يا باشمهندس
وضع قدمه بالباب قبل أن تغلقه بالفعل ليدفعه بلطف فتتراجع للخلف وعيناها تتسع بذهول وهو يدخل بخطوات راقية ويجلس بأقرب كرسي لتهتف : ماذا تفعل ؟!
رمقها بتسلية : أنتظر واجب الضيافة .
زمت شفتيها وهي تعقد ساعديها أمام صدرها ليتابع هو بمرح : هلا أعددت لي قهوتي الصباحية فأنا أتيت دون أن أشربها أو أتناول فطوري ؟!
__ ولماذا أتيت ؟! ألقتها بجفاف فابتسم ليهمس وهو يرفع نظره إليها – اشتقت إليكِ .
توردت وجنتيها وهي تخفض وجهها أرضًا لتتمتم وهي تندفع إلى الداخل : سأعد القهوة .
كتم ضحكته وهو يراقب طيفها الذي اختفى من أمام ناظريه ليتذكر المرة الماضية حينما أطلت على جلستهم بعد شوق أيام طويلة لم يراها فيها .
رمش بعينيه قبل أن يبتسم بسعادة لونت حدقتيه وهو يتذكر هذا اليوم الذي وصل فيه بضيافة أخيها وصديقه القديم ، وصل هو وأخيه الذي صحبه معه ليطلب يدها ، أخفى وجوده طوال اليوم حتى يفاجئها ليلًا وهو يجلس بالصالون يتوسط أخيها وأخيه ، ينتظر قدومها بعد أن بعث أيمن في طلبها ، خطت إلى الغرفة بهدوء وهي تنظر إلى أخيها دون سواه تهتف بجدية وعبوس زين جبينها : ماذا تريد يا أيمن ؟! أسما أخبرتني أنك تريدني .
مات الكلام فوق شفتيها وهي تدرك وجوده فتعبس بحنق مزج بتعجبها ونظراتها تلتقط وجود حاتم بجواره ليهتف أيمن بهدوء : تعالى يا دعاء ، فضيفنا العزيز أتى من أجلك .
ظلت ساكنة مكانها تنظر إليه بذهول مزج بعتب قابله بنظرات حانية واشتياق أفاض من عينيه فتتورد رغمًا عنها وخاصة حينما صدح صوت أيمن بجدية : ألن ترحبي بضيوفنا يا أختاه ؟!
زفرت هواء صدرها ببطء قبل أن ترسم ابتسامة رأى أنها باهته وهي تتقدم منه لتمأ برأسها إليه وإلى أخيه من بعده قبل أن تهمس : مرحبًا بكما .
تهلل وجه حاتم ليهتف بمرح وهو ينهض واقفًا : مرحبًا بك يا باشمهندسة ، أنا حاتم الألفي أخو يحيى ، حاتم أو توما كما تفضلين ادعونني .
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر إلى يده الممدودة إليها لترفع نظرها إليه في تساؤل متعجب صامت فيبتسم ويمأ لها برأسه متفهمًا فتصافح أخيه : أهلًا وسهلًا بك ، أنا أعرفك ، وهل هناك من يجهل حاتم كامل نجل الجيل ؟!
ضحك حاتم بمرح : لا أنا هنا حاتم أخو يحيى ، زينة مهندسي مصر والوطن العربي .
ابتسم يحيى وهو يدير نظره عليها ، تبدو شاحبه والسهاد يزين جبينها ،أو هكذا يخيل له ؟! تساءل بداخله " أتسهر تفكر به كما هو يفعل ويقضي لياليه يتذكر أيامه معها ؟! أم هو أصابه الخرف ويهيأ إليه من كثرة السهر ؟! "
حينها انتبه من غرقه في أفكاره على لكزة مرفق أخيه فابتسم ونظر إلى أيمن لينطق بهدوء : اسمح لي أيها الأمير أريد أن أتحدث مع دعاء قليلًا ؟!
نهض أيمن واقفًا ليتبعه حاتم فيشير إليهما بكفيه وهو ينهض بدوره : لا ، ابقيا ، سأصحب الباشمهندسة بعد اذنها إلى الشرفة الملحقة بالغرفة ، بعد إذنك .
أومأ برأسه وتحرك خارجًا ليقف بالحد الفاصل بين الغرفة والشرفة وينظر إليها منتظرًا بصبر فتزدرد لعابها بتوتر ألم بها وظهر عليها لتتبعه بخطوات مترددة .
أفاق من ذكراه بها عليها تميل لتضع فنجان القهوة أمامه : تفضل .
التقط كفها والفنجان بين راحتيه قبل أن تضعه على الطاولة الصغيرة أمامه ليهمس بخفوت : من يد لا نعدمها .
احتقن وجهها بقوة لتتمتم بتلعثم : اترك يدي يا يحيى .
نهض واقفًا رغمًا عنه بعد أن وضع فنجان القهوة وهو متمسك بكفها بيده ، فيهمهم : اسمي بصوتك مختلفًا .
نزعت كفها منه بالقوة لتبتعد عنه وهي تصيح بتوتر : ابتعد يا يحيى ، لا تقترب مني ثانيةً وإلا أخبرت أيمن .
جلس ثانيةً ليبتسم بمكر أضاء حدقتيه : بم ؟!
حمل الفنجان بين يديه ليرتشف بعضًا منه برقي اعتادته منه قبل أن يكمل : بأن خطيبك مسك يدك ، أم أنه أخبرك باشتياقه لك ؟!
رفع نظره إليها : أخبريني يا دعاء بم ستخبرين أخيك ، بأني أتيت وتركت الباب مفتوحًا وأنا أنتظره لأتناول الفطور معه .
__ لست خطيبي .
ألقتها بجدية وهي ترفع رأسها في كبرياء فتنه ، ليتمتم بجدية وهو يكمل احتساء قهوته : حسنًا لست خطيبك ، زوجك تفي بالغرض .
تضرج وجهها بالأحمر القاني قبل أن تعبس وهو يكمل بخفة : باعتبار ما سيكون قريبًا .
تصلبت قليلًا قبل أن تسأل بجدية : ماذا تريد يا يحيى ؟!
وضع الفنجان من يده ثانيةً : لا شيء يا حبيبة يحيى ، أنا خطيب أتى لزيارة زوجته كما المتعارف عليه ولولا أني أعلم بحساسيتك من الورد لكنت أتيت وأنا أحمل باقة كبيرة من أجلك ، ولكني بدلتها بشيء آخر .
ضيقت عينيها وهي ترمقه بترقب فنهض واقفًا ليخرج من جيب سترته الغير رسمية علبة مخملية ، يقف مواجها لها قبل أن يجلس على ركبه ونصف أمامها وينظر إليها وهو يفتح العلبة أمامها ويهتف بمرح : أتقبلين الزواج بي ؟!
نظرت إليه بذهول ووجها يتحول إلى لون الطماطم الناضجة قبل أن تهتف بعصبية غلفت بها خجلها : ماذا تفعل يا يحيى ؟! هل تتوقع أني سأوافق لأنك تجلس أمامي على ركبة ونصف وتطلب مني الزواج ، لماذا هل تعرفت علي بأمريكا ، أم بنادي الكريكت ، ألا ترى أين أنت ؟!
زفر بقوة وهو ينهض واقفًا : بل أرى يا دعاء وهذا ليس له دخل بأني أريد الزواج منك .
همت بالحديث ليشير بيده مقاطعًا : لن نتحدث ثانيةً لقد انتهى الحديث في هذا الأمر، لن أعيد لك بأنك من أريدها وأني لا التفت إلى تلك الأشياء الكثيرة التي عددتها أمامي من قبل ، لست مخيرة في الموافقة أو الرفض ، لقد قبلت أمام أخيك وما سيحدث هنا من زيارة ما هي إلا شكليات ليس إلا ؟!
هتفت بعصبية : يا سلام ، لقد أجبرتني على الموافقة أمام أيمن ، نطقت بإجابة لمن أصرح بها ،
__ لأنك جبانة وكنت سترفضين لوهم في رأسك ومبررات ليست حقيقية .
هتف بحنق فعبست بغضب : ليست حقيقية ؟! هل هويتك وأصلك ونسبك ليس حقيقيًا ؟!
نظر إليها وهو يكتف ساعديه : أيهمك أصلي ونسبي أم أنا ما أهمك يا دعاء ؟!
زفرت بضيق وهي تهز رأسها بيأس ليقبض على كفها الأيمن ويجذبها قريبة منه : لا يهم ، ما يهم أنك ستتزوجين مني حتى لو رغمًا عنك ،
قرن قوله بدفعه لخاتمه في بنصرها الأيمن قبل أن يرفعه لشفتيه ويقبله برقة فترتعش رغمًا عنها ليهدم حصونها وهو يهمس أمام عينيها : أنتِ من بحثت عنها طوال عمري ، حلمت بها وهذيت باسمها في منامي ، أنا أحبك .
رجف قلبها ووجنتيها تشتعلان بخجل أجبرها على خفض رأسها وهي تحاول الهروب من حصاره الذي فرضه عليها ليقترب منها يستنشق عبير وجودها ليهم بتقبيل جبينها فيبتعد قبل أن ينال مراده وهو يستمع إلى صوت ضحكات أيمن وأسما الصادحة والاتية من الخارج .
***
__ صباح الخير .
ابتسم باتساع وهو يرفع رأسه فينظر إليها بشوق ويفتح ذراعيه على اتساعهما فتدلف وتغلق الباب من خلفها قبل أن تخطو تجاهه بخطوات هادئة .. مغرية ، وابتسامة مشاكسة تصدح بعينيها قبل أن ترتسم على ملامحها وهي تقترب منه فيجذبها قبل أن تصل إليه ، يقربها من كفيها ويضمها بين ضلوعه ، ثم يقتنص ثغرها في قبلة حملت اشتياقه المضنى إليها : صباح الجمال والفل والورد والياسمين يا حبيبتي .
ضحكت برقة وهي تتعلق برقبته لتهمس بدلال عاتب : غادرت دوني اليوم .
زفر بقوة : رغمًا عني ، استيقظت من نومي لأجلس وأتأملك كالعادة ، فوجدت نفسي أغرق بتفاصيلك التي تغتال روحي دون أن أقربها ، فركضت هاربًا قبل أن أوقظك وأكمل ما بدأناه سويا ليلًا ، خفت أن أرغمك وأنتِ لست بكامل استعدادك .
ابتسمت برقة لتحتضن وجهه بكفيها : هانت يا بلال .
زفر بقوة : أعلم ، فأنا أشعر بك وقلبي يخبرني أن المتبقي قليلًا جدًا .
ابتسمت بغنج جديد عليها قبل أن تهمس بخفوت : أرأيت لقد أنسيتني ، دارت برأسها – أين الملف الذي كنت أحمله ؟!
ضحك بقوة ليرقص حاجبيه مشاكسًا قبل أن يحمله من فوق مكتبه ويشير لها به : لقد جردتك منه قبل أن أضمك إلى صدري ولكنك لم تلاحظي .
نظرت إليه بوله افتقده منها لتهمهم : أنت تسرقني من نفسي.
تصاعدت أنفاسه قبل أن يغمغم بصوت أبح : توقفي عن احراقي بنار شوقي ، فأنا لم أعد أحتمل ، لقد بت رمادًا من كثرة ما احترقت .
لامست جانب فكه بطرف سبابتها : لا تخف ، سُأحيك لأشعلك من جديد ، فتعلم معنى الاحتراق جيدًا يا ابن الخال .
ومضت عيناه ببريق رغبته بها فيهم بتقبيلها ثانيةً ولكنها تبتعد عنه بأخر لحظة وتهتف بجدية : انتظر ، امض على الأوراق التي أتيت بها أولًا .
زفر بقوة قبل أن يسحب منها الملف يلقيه فوق مكتبه ويلتقط قلمه الخاص ليوقع كل الأوراق بروتينيه فنسأل بمكر زين حدقتيها وهي تربض داخل صدره تحتضن كتفه ، وذارعه تحيط بخصرها فتبقيها بقربه : ألن تقرأ ما بها ؟!
نظر إليها بتعجب : أليست أوراق خاصة بالشركة ؟!
__ بالطبع ، ألقتها بخفة ليهز رأسه بلا مبالاة – حسنًا لا داع للقراءة فأنا أثق بك يا زوجتي .
ضحكت برقة لتهمس : ألا تخف أن أستولى على أملاكك كلها ؟!
قهقه ضاحكًا ليلقى قلمه بعد أن وقع أخر ورقة أمامه ، ليعود إليها يضمها بذراعيه يدفنها بين ضلوعه ويهمس أمام ثغرها بافتتان تملكه : لا يهم ، أنا ونفسي وأملاكي ملكًا لك يا زوجتي .
عانقها بشوق فتضمه إليها وعيناها تلمع بوميض قوي سرعان ما اختفى وهي تنجرف إلى بحر أمواج لهفته العاتية .
***
زفرت بحنق وهي ترمي الهاتف من يدها ، بعد أن سأمت من تكرار الاتصال به ، فهو منذ تلك الليلة التي أتى لها بها ، يريد منها العودة معه إلى القصر، يحدثها عن احتياج شقيقته وخالتها إليها في الأيام الأخيرة قبل زفاف إيمان فرفضت وأخبرته حينها أنها تساعد شقيقته وترى خالتها يوميًا والأمر لا يتوقف على مكوثها في القصر لتقوم بواجباتها كزوجته أو كابنة لخالته ، حينها تأملها مليًا قبل أن ينهض ويغادر دون أن يلتفت إليها ثانيةً ، فيختفي لمدة أيام معدودة قبل أن يعود ولكن بترتيبات جديدة، فتوقف عن الإجابة على اتصالاتها او التحدث إليها ، وخاصة بعد أن ابتاع لفتاته الصغيرة هاتف خاصًا بها يحدثها عن طريقه ، واستأجر لها مربية خاصة تعتني بشئونها  فيستفسر منها على أحوال طفلته دون أن يُجبر على الحديث معها ، وكأنه يخبرها بأنه لا يريدها وسيطًا بينه وبين ابنته ، أو يبلغها بأنه اخرجها من حياته نهائيا  لقد بدأ بمخطط انفصاله عنها فاتصل بأبيها وأخبره بأنه سيصحب ابنته النهار بأكمله مرتين اسبوعيًا ، وأنه رتب الأمر مع مربيتها التي سترافقهما  دونها ، يومها جنت .. صرخت .. ورفضت ،ليعنفها أبيها بشدة ويجبرها على الخضوع،  حينما أوصل طفلتها إلى زوجها الذي وقف بالخارج ورفض أن يدلف إلى حديقة البيت - رغم الحاح والدها عليه - لكنه تمسك بالرفض ولم ينظر باتجاهها ،
يومها  وقفت تراقبه من خلف شرفتها الزجاجية ، وهو مستند إلى جانب سيارته المصفوفة أمام مدخل الحديقة ، يتحدث مع والدها بعبوس لم ينفرج إلا عندما حمل ابنته ، يقبلها بلهفة ويضمها بحنو ، ليشكر أبيها بابتسامة ممتنة وينطلق بطفلتهما دون أن يلتفت إليها .
حينها بكت كما لم تبكي قبلًا ، وحزنت كما لم تحزن يومًا ، وانهارت جميع دفاعتها وانهالت على نفسها لومًا وتقريعًا ، وهي تواجه نفسها بأنها السبب فيما وصلا إليه ، فحماقتها هي من تسببت في عزوفه عنها ، لقد راهنت على مكانتها لديه وحبه لها، ولكنها خسرت بعدما تطرفت وقست عليه وأوجعت كرامته ، وابن خالتها - كما عرفته دومًا - يسامح دون حساب ، يحمل من الطيبة ما يفوق خيالها وحنان يسع الجميع ولكنه لا يغفر جرح كرامته أبدًا !!
وهي جرحته .. أوجعته .. وأهانت كرامته حينما قارنته بغيره ناسية كل ما فعله من أجلها يومًا ، جازفت بالكثير لأجل غاية تريد الوصول لها وظنت أنها اقتربت من الفوز ، لكنه فاجئها بردة فعل صلبة .. عنيفة .. قاسية ، وهو يفصلها عن قيده الذي أسرها به منذ الصغر ، متخليًا عن حياتهما سويًا وماضيًا في طريقه دونها ، ورغم من تمسكها بحلمها في أول الأمر إلا أنها تشعر تلك الأيام أن الأرض تتزلزل من تحت قدميها وهي بمفردها ، تريده بجوارها ، فحلمها دونه لا قيمة له !!
***
__صباح الخير .
رفع رأسه بدهشة لينظر إلى ساعة معصمه قبل أن يبتسم بتوتر وينهض واقفًا يصافحها بعملية : مساء الخير .
ابتسمت بمرح : أنها تعدت الواحدة ظهرا لذا معك حق ، مساء الخير يا فنان ، كيف حالك ؟!
__بخير . رد باقتضاب فقالت بعفوية – لم أصدق عندما أخبروني أنك هنا ، فلم أتوقع أن تأتي الى العمل قبيل يوم زفافك ، ألن تقيم لك ماهي حفل حناء .
ابتسم رغمًا عنه : إن حفل ليلة الحناء يُقام للعرائس يا إيني .
زمت شفتيها بتبرم : وللرجال أيضًا .
ضحك بخفة لتتأمله قليلًا قبل أن تسأله مباشرة : أنت لازالت غاضبًا ، أليس كذلك ؟!
قبض فكيه بقوة أظهرتها ملامحه ليزفر بقوة  : لا لست غاضبًا منك .
ابتسمت وهي تسبل اهدابها : لم أعتاد منك الكذب يا مالك .
اتسعت عيناه بعنفوان فابتسمت بمكر وهي تواجهه بنظراتها : أنت غاضب وشبه تخاصمني من ليلة الحفل ، أم أنا يخيل لي ؟!
سحب نفسًا عميقًا : لست غاضبًا ، صمت قليلًا وهي تترقب إجابته فيتبع بصوت عميق زفره من داخل صدره – أنا مصدوم .
شحبت ملامحها لتتعثر وقفتها الأبية فيهمس أمام عينيها وهو يطل عليها من علو : لم أكن اتخيل أن تجربة واحدة فاشلة تؤثر بك لتلك الدرجة .
هتفت بعصبية : أية درجة ؟! أنا كما أنا .
نظر إليها من بين رموشه : حقًا ؟! انظري إلى نفسك وأنتِ تعرفين كيف تبدلتِ يا إيناس ؟! كيف تخيلت عن أشياء كثيرة كانت تميزك ؟! انظري إلى فستانك القصير الذي يكشف عن ساقيك إلى منتصف فخذيك وأنتِ التي لم ترتدي شيئًا قصيرًا هكذا من قبل !!
تحركت بتشنج وهي تحاول أن تختفي من أمامه خلف مكتبه فتتخذه حائلًا بينهما وهي تقف من خلفه لتصيح بضيق : لماذا تنظر إلي هكذا ؟!
رفع حاجبيها بدهشة ليهتف بسخرية : هل أنا الوحيد الذي نظر إليكِ ، مصر بأكملها رأتك يا فنانة .
احتقن وجهها بقوة لترفع رأسها بكبر تملكها : ماذا تريد يا مالك ؟!
نظر إليها بذهول : أنا لا أريد شيئًا يا إيناس ، أنتِ من أتيتِ لي .
__ كنت مخطئة ، وأعتذر لك  عن خطأي ، بعد إذنك .
دارت على عقبيها لتغادر فيهتف باسمها في صرامة ليستوقفها قبل أن يسألها باهتمام : هل يستحق ؟!
انتفضت بقوة لتدير رأسها إليه نصف استدارة وتهمس : ماذا ؟!
تحرك ليقترب منها يقف أمامها ويسألها بجدية : هل يستحق أن تتخلين عن قواعدك لأجل أن تريه أنك كاملة الأنوثة ؟!
تصاعدت أنفاسها لتهمهم : وهل أنا كنت ناقصة من قبل ؟!
ابتسم بحنو : بل كنت واثقة أنك مميزة .
أشاحت بعينيها بعيدًا فتابع برقة : أنه لا يستحق فتاة مثلك يا إيناس وأنتِ متأكدة من ذلك ، داخلك يجزم بأنه أقل منك كثيرًا ولكن الأمر تطور إلى أن يصبح حربًا بأن هناك من سبقتك إليه ، حربًا أنتِ الوحيدة الخاسرة بها ، فالأمر لا يستحق وأنتِ لا مثيل لك حتى الأخرى التي اتخذها بديلًا لا تشبهك ولا تقربك في أقل الصفات .
رفعت نظرها إليه لتتمتم بصوت خنق من قهرته : كنت أنا البديلة .. كنت أنا الشبيهة .. كنت أنا ظلًا باهتًا لنور قوي أعمى بصيرته فتركه كفيف الروح قبل العين .
جمدت ملامحه ليكتنف كفيها براحتيه ليهمس : إذًا أنتِ لا تري نفسك جيدًا يا إيناس .
رمشت بعينيها فيبتسم بحنان تدفق من زرقاويتيه فيجذبها خلفه من إحدى كفيها ويدفعها بلطف أن تقف ويقف من خلفها بمسافة كافية ، يطل وجهه من فوق كتفها من خلال مرآة كبيرة موضوعه بجانب الغرفة يستخدمها في كثير من الأوقات حينما يقضي الليل بمكتبه أو يريد أن يبدل ملابسة بوسط النهار .
__ انظري إلى نفسك يا ابنة سليم ، دون هذا الفستان القصير ولا الرموش الصناعية الملحقة بعينيك ، انظري إلى شقاوتك الفطرية وجاذبيتك الطاغية ، انظري إلى ابتسامتك المشاكسة وعيناك الغامضة بلونهما البني الغامق القريب من الأسود ، يلمعان بوميض جذاب .. خاطف .. داعي للاقتراب دون الوصول ، أنتِ متاهة كبيرة متشعبة الطرق لا يستطيع أحدًا أن يقترب منك ويخرج سليمًا أبدًا .
تعلقت عيناها بحدقتيه المعتمين بغموض فاختفى لونهما الأزرق الصاف وتحول إلى أزرق قاتم أسرى بأرودتها رجفة لم تشعر بها من قبل ، رمشت بعينيها وهي تحاول أن تنحي ما سرى بينهما جانبًا ، ليكح بخفوت وهو يبتعد عنها قليلًا قبل أن يغمغم بصوت خرج حمل نبرة مختلفة  : أنتِ مميزة يا إيني ، فلا تتخلي عن تميزك لأجل أمر عارض لا أهميه له .
زفرت هواء صدرها بأكمله وهي تشعر بتبعثر ألم بجوانب روحها ، تنظر إليه من خلال مرآته الكلاسيكية الفخمة بإطارها الذهبي ، فتراه بهالة لم تشعر بها قبلًا همهمت : مالك .
التفت إليها فتعلقت عيناهما سويًا تسأله عن ارتباك ألم بعقلها فيجيب بهدوء وجدية سؤالًا نافى شعورها وحدسها ، همست بعد قليل : ستتزوج غدًا .
ابتسم باتساع ومقلتيه تتزين بحبور : أخيرًا .
أسبلت عيناها وهي تلعن حدسها : مبارك يا أخي ، تحركت مبتعدة – سأحضر ليلة الحناء عند عروسك ، وسأغني بزفافك ، فأنت الصديق الأخ .
ضحك بمرح : بالطبع يا صغيرتي ، أنا أنتظرك .
عبس بتعجب : لكن كيف ستحضرين الحفل عند إيمان .
رقصت حاجبيها : أنا مدعوة يا فنان ، من حرم الوزير شخصيًا .
__ يا ولد ، هتفها بمرح – كيف دعتك ؟!
هزت رأسها بمشاكسة : عن طريق فاطمة بالطبع ، أنا وهي صديقتين مقربتين ، وسأصحب سارة معي .
__ جيد جدًا ، أنها تحتاج للفرح قليلًا .
تحركت باتجاه باب الغرفة : لازلت بمرحلة إقناعها .
غمز بعينه اليمنى : ستنجحين بالتأكيد .
ابتسمت بمرح : أحب ثقتك بي .
تحرك ليوصلها إلى باب غرفة مكتبه : أنا دائمًا واثق بك يا صغيرتي .
همت بالانصراف لتتوقف فجأة : هل وصلك ورق الفيلم ؟!
ابتسم بغموض : نعم ، نظرت إليه قليلًا لتسأله بشك – أنت من رشحتني للمخرج ؟!
لوى شفته بسخرية : بل اعترضت عليكِ فتمسك بك .
عبست بتعجب ليبتسم بخفة : بل أشعرني بأن دورك أساسي وأنا لا أهمية لي .
ضحكت بقوة : أنت تمزح .
__ لا والله ، ألقاها بخفة ليتبع – كنت سأعتذر عن الدور ولكني تراجعت لأجلك ، فأنا أعلم اهمية وجودي بجوارك في أول دور سينمائي لك .
صفقت بمرح لتقفز أمامه وتعلق بساعديه في طفولية : أحبك يا مالكي .
سكنت حركته وجمدت ابتسامته فجأة ، لتهتف بحرج : أنها على سبيل المزاح .
__أعلم . رد باقتضاب ليكمل – من يسمعها لن يفهم يا إيناس .
عبست بتعجب لتبرر: لطالما تعاملت معك بعفوية يا مالك ، فلا تعقد الأمور بيننا من فضلك .
صمت وهو يخفض نظره أرضًا يعلم أنه ينهرها ليس لأجل شيء سوى أخرى ستجن إذا استمعت إلى جملة عارضة كتلك ، وستهدم الدنيا فوق رأسه إذا أتت من إيناس خاصة ليزفر بقوة ويؤثر الصمت فتنظر إليه بتشكك قبل أن تلمع عيناها بإدراك : اووه أنت خائف على زوجتك .
رفع نظره بسرعة ليحدق بها قليلًا ، فتبتسم لتغمز له بعينها : معك حق ، أنا آسفة .
ابتعدت عنه لتشير إليه مودعة : حسنا أراك ليلًا إذا أتيت إلى فيلا الوزير .
أشار إليها بدوره ليظل واقفًا ينظر بأثرها وهو يشعر بتشتت لم يشعر به قبلًا !!
***
__ أين أنت يا هندسة ؟!
أتته ضحكة أخيه الرخيمة ليتمتم : ماذا تريد يا مفسد بهجتي ، أنا عند دعاء .
ضحك بمرح : آها ركضت إلى العروس من فورك ، وتركت أخيك وحيدًا دون أن توقظه حتى .
لوى يحيى شفتيه بسخرية : أعتقد أن عمرك تجاوز مرحلة الفطام يا مطربنا الهمام ، تعالت ضحكاته قبل أن يتابع يحيى - ماذا تريد ؟!
__ لا شيء أحببت أن أطمئن عليك وأخبرك ألا تقلق علي ، دادة نبيلة هنا ، أتت بالفطور والجرائد أيضًا وأوقظتني من النوم وأوشكت أن تحممني كالصغار ، ولكني استطعت إقناعها بالعدول عن الفكرة .
تعالت ضحكاته من جديد على مزاح يحيى الساخر : جيد أنك استطعت إقناعها بانك تعديت مرحلة الفطام يا حاتم .
__ هكذا يا أخي ، هل تغار على بليلتك ؟!
ضحك يحيى ليهمس بخفوت : بل أريدك أن تشد عودك وتتوقف عن استقبال دلال لا نهائي من كل الأطراف حولك .
صمت حاتم قليلًا ليهمس يحيى متابعًا : أتت تحت الحزام أليس كذلك ؟!
كح حاتم بخفوت وهو يحمل الجرائد ليعدل من وضعها أمامه : قليلًا ولكنها ليست موجعة للدرجة .
صمت يحيى فتابع حاتم قاصدا مشاكسته : حسنًا نبيلة تحاول استدراجي لأخبرها بمكانك ولكني صامد وأخفي سرك جيدًا يا أخي ، أليس هذا يعد نوعًا من ترك الدلال ؟!
__بل يعد ثقة تبينها معي ، إياك أن تخبرها ، حينما أعود سأخبرها بنفسي .
_ لك ما تريد يا أخي ، هيا استمتع بوقتك .
هم بالإغلاق ليهتف سائلًا : أخبرني هل أتت حركة الركبة والنصف بجدواها .
__ لا يا ظريف ، لقد أتت بنتيجة عكسيه ، أعاني من تباعتها إلى الآن .
عبس حاتم بغرابة ليهمهم بعفوية : ما تلك الفتاة يا يحيى ؟! أنها غريبة عن بقية بنات جنسها ، أ دإن تلك الحركة تأتي بهن على وجوهن يا أخي .
ضحك يحيى بخفة وهو يرمق تصلب من تكون محور حديثهما ليهمس : دعائي مختلفة عن البقية يا أخي .
__ يا سيدي ، ابتسم يحيى رغمًا عنه ليتابع حاتم بمشاكسة – تابع في طريقك بتلك النبرة المحملة بمشاعرك إليها وأنا أعدك أنها ستلين يا أخي .
__ أغلق الخط يا ولد .
تعالت ضحكات حاتم ليهتف : إلى اللقاء يا أخي .
وضع هاتفه جانبًا و تطلع إلى أخبار الصحف وهو يبتسم بمزاج رائق يرافقه الآونة الأخيرة بسبب وجوده جوار أخيه ، وكأنه كان تائهًا طوال عمره وعثر على طريقه أخيرًا ، فكل دقيقة يقضيها بجوار أخيه يشعر بها كم كان غبيًا فيما مضى ، وكم كان يحيى صادقًا  .. محبًا .. عطوفًا .. وحانيًا ، يتمنى له السعادة من أعماقه رغم أنه يشعر بافتقاده من الآن ويفكر في الأيام القادمة التي سيبقي فيها وحيدًا بعد زواج أخيه ، ليبتسم بألم وهو يفكر بها وقلبه يخبره بأنه سيحصل على غفرانها وسيعودان سويًا كما كانا من قبل .
وكان ذكراها تجسدت أمامه فتتراءى له صورتها في منتصف الجريدة وتحتها عنوان كبير " موهبة جديدة يكتشفها مالك عابد "
رفع حاجبيه ذهولًا قبل أن تعتم عيناه وهو يقبض على ورقة الصحيفة بكفيه في غضب سرى بأوصاله وهو ينقل نظراته سريعًا فوق الحروف التي كتب بها الخبر !!
***
__ هل هذا حاتم ؟!
ابتسم وأومأ لها بالإيجاب فابتسمت برقة : سعيدة من أجلك ، فهو اهتدى أخيرًا إليك .
زفر بقوة : الحمد لله ، هو جيد فقط تسرعه يفسد الكثير .
__ أنه حماس الشباب ، رمقها بطرف عينه وهي تجلس بجواره ترسم ابتسامة رائقة ليسألها : هل تجالسينني من أجل ايمن ، فلا يعاتبك من أجلي ثانيةً ؟!
__ أجالسك ، رددتها بحنق لتتبع – هل أنت طفل وتحتاج إلي لأجالسك ؟!
ومضت عيناه بمشاكسة : بل رجل كبير ، ونعم أحتاج إليكِ لتجالسيني ولكن بطريقة مختلفة عن الأطفال .
شهقت بقوة وهي تنتفض واقفة فيقبض على كفها ويجبرها على الجلوس ثانية : اهدئي ، لا داع لدرة فعلك الضخمة تلك .
رمشت بعينيها والذهول يلم حواسها لتهمهم بعفوية : ماذا حدث إليك ؟! ما الذي أبدلك ؟! لم تكن من قبل هكذا .
ابتسم لينظر إلى عمق عينيها : نعم ، تبدلت .. تغيرت .. واختلفت ، حبي لك أثار بي أشياء كثيرة لم أكن على علم بوجودها ، وأنتِ قريبة مني أشعر بنفسي مختلفًا ، وعقلي يهتم بتفاصيل مختلفة لم أكن أنظر إليها من قبل .
توترت بجلستها وهي تعدل من وضع ملابسها بحياء غلفها ليضحك بخفة  ثم يكمل : كنت سابقًا يحيى الصديق ، أنا الآن يحيى خطيبك يا دعاء .
نظرت إليه بحيرة فلامس كفها بأنامله : أنا أحبك يا صديقي .
أشاحت بعينيها بعيدًا ووجنتيها تحتقن بقوة لتهمس : لا توقع بي.
ضحك بخفة : لا أنا صادق تمامًا ، أكمل بهمهمة جانب أذنها – وأعلم أنك تحبينني مثلما أحبك ، ولكنك خائفة .
التفتت اليه فهز رأسه بتفهم : أنا أعلم وأتفهم يا دعاء ، وثقي بأني لن أتراجع ولن أهرب ولن أتركك بمنتصف الطريق ، ولكني أيضًا أريدك أن تعيدني أنتِ الأخرى بالمثل ، أن تظلي بجانبي .. جواري ..معي ، مهما حدث تظلين معي .
عم الصمت قليلا قبل أن تهمس بهدوء : أخبرني لماذا أنا ؟!
ابتسم باتساع : لأنك تشبهينها .
رمقته بغضب بدأ يلمع بعينيها : من؟!
ضحك باستمتاع لغيرتها التي زينت ملامحها : بليلة .
انفرجت أساريرها بابتسامة حملت وهج الشمس بين طيات ثغرها لينهض واقفًا فجأة فأربكها قبل ان يجذبها من كفها فتنهض واقفة بدورها وهو يسحبها خلفه ينادي أيمن الذي تركهما منذ قليل واستأذنه ليرى الإعياء الذي ألم بزوجته بعد أن تناولت فطورها ، سألته بجدية : ماذا تريد منه ؟! أنه يجاور أسما فهي متوعكة .
عبس قليلًا : نعم أعلم لقد أخبرني ولكني أريده .
خرج أيمن من إحدى الغرف ليغلق الباب خلفه : ماذا حدث ؟!
رمق أخته بعتب ليهتف يحيى : أريد أن نحدد موعد عقد القران قبل سفرك يا أيمن .
رفعت حاجبيها بذهول ليبتسم أيمن بمكر : وأنا موافق يا باشمهندس .
***
__ أحمد .
توقف على صوتها الصادح من خلفه فيستدير ، ينظر إليها من بين رموشه ويتحاشى الحديث رغم صبره في انتظارها ، اقتربت منه بهدوء وتسحب ابنتهما إلى جوارها :هل نحن متخاصمان ؟!
زم شفتيه : بالطبع لا .
__ إذًا لماذا انصرفت دون أن تتحدث معي ، بل تركتني أنا وجنى دون سلام .
__ لا تقحمي جنى في الأمر . ألقاها بصوت خافت جادي أخافها لتهمس – لا أقصد ولكن هي من سألتني عنك .
ابتسم وهو يتأمل ابنته بفستانها الوردي المنفوش فيشير إليها بكفيه لتقترب منه بخطوات رقيقة تحافظ على ألا تتعثر فتقع أرضًا ، ليحنو عليها ويحملها بين ذراعيه ، ويقربها منه يشم رائحتها المسكية بحب قبل أن يقبل وجنتها : حبيبة بابا وأميرته ، هل اشتقت لي ؟!
همهمت بكلمات غير مترابطة ولكن ها أخبرته بمدى سعادتها بوجودها معه ، سألها : هل تبقين برفقة بابا ؟!
أومأت طفلته بسعادة وهي تقبل وجنته بقوة وتهمهم باسمه كثيرًا فيضحك برقة : حسنًا يا قلب اأمد ، تعالي معي .
هم بالتحرك ليصدح صوتها ثانيةً : أحمد ، أنا أتحدث معك .
سكن عن الحركة قبل أن ينطق بجمود : وأنا لا أريد أن أراكِ أو أتحدث معك .
نغزها قلبها وهي تراقبه يبتعد عنها ، يحمل ابنتها معه وكأنه يعلمها بأن النهاية بينهما وشيكة !!
***  
ابتسم برقة ليقبل جبين شقيقته : مبارك يا إيمي ، اتمه الله لك على خير .
احتضنته بقوة : سأشتاق إليك يا أخي .
__ أين ستذهبين مني ؟! سأزورك مرارًا لا تقلقي .
قبل جبينها مرة أخرى ليناولها مغلف من المخمل فتحمله منه وهي تنظر إليه بتساؤل فيتابع : انظري إليها بداخلها بعض الأوراق تخصك .
رمشت بعينيها وهي تطلع إلى الأوراق فتتسع عيناها بذهول : كيف ؟! رفعت نظرها إليه – كيف يا وائل ؟!
ابتسم ليكتنف وجهها بين كفيه ويهمس بصلابة افتعلها : إياكِ أن تبكي ، ابتسمت من بين دموع ملات جفنيها – كيف فعلتها ؟!
ابتسم بحنو: ما عاش من يخدعك ورأسي يشم الهواء يا إيمان ، أنتِ شقيقتي .. صغيرتي  ، تفتحت عيناكِ علي وكنت أركض عائدًا من المدرسة لألهو بك ومعك ، ضحك بخفة – كنت أتسابق أنا ووليد في الاعتناء بك ونتشاكس عن من انتزع ضحكاتك أكثر من الآخر .
تعلقت برقبته لتقبل وجنته بكثرة : لا حرمني الله من وجودك يا أخي .
ضمها إليه بقوة : ولا منك يا صغيرتي ، فقط عديني لا تسكتي عن حقك أو تتنازلي عنه ، أنتِ جوهرة آل الجمال وغلاتك عندنا لا تضاهيها غلاوة .
قبل جبينها ليتابع : هيا سأتركك لتكملي استعدادك للحفل وسأذهب أنا الآخر لأبدل ملابسي وأنزل لأبي لأكون بجواره .
فتح باب غرفتها وهم بالانصراف لتهمس باسمه فينتظر لتتعلق برقبته وتدفن رأسها في صدره : أحبك يا أخي .
اتسعت ابتسامته وربت على ظهرها : وأنا أحبك يا صغيرتي .
تحرك بخطوات فرحة إلى غرفته التي تحتلها الاخرى منذ ما يقارب الساعتين دون أن تظهر ، يعلم أنها تستعد ولكنه يشعر بالقلق فهي استغرقت وقتًا أكثر من اللازم ، عبس بغرابة وهو يلتقط وجودها أمام المرآة تكمل ارتداء حليها ليقترب منها وهو يضيق عينيه ويهمس بحدة : ما الذي ترتديه يا فاطمة ؟!
ضغطت شفتيها ببعضهما وهمست ببرود : ماذا ترى ؟!
أطبق فكيه بقوة : أرى أنك عاريه ، أتبع بصرامة - بدلي ما لا ترتدينه حالًا .
رفعت رأسها بكبرياء لتتمتم بلا مبالاة : لا تفتعل المشكلات يا باشمهندس ، فالليلة مميزة لشقيقتك فلا تخربها عليها .
_ وهل استأجروكِ لتكوني الراقصة ؟!
ألقاها بغضب لمع ببنيتيه فابتسمت بتهكم : يا ليتني أستطيع الرقص لكنت رقصت .
اقترب منها بغضب أهوج ليقبض على مرفقها بقسوة : إياكِ أن تفعيلها .
رقص المرح بحدقتيها لتبتسم بمكر أنثوي أشعل حواسه بها ليغمغم بأنفاس ذاهبه : لا أمزح يا فاطمة ، لا تثيري غضبي أكثر من ذلك أبدلي ملابسك ولا تتحركين كثيرًا اليوم .
ابتسمت بخبث زين ملامحها وهي تنتزع مرفقها من كفه لتبتعد بخيلاء وهي تأرجح شعرها بدلال أنثوي تعمدته ، تدندن بلحن أجنبي غير مفهوم لتهز كتفيها العارين بخفة فيشعر بدمائه تجري بأوردته وهو يراقبها جسده يحترق بنيران شوقه لها ليضغط فكيه ببعضهما وهو يشيح بعينه بعيدا قبل أن يقرر الدخول إلى دورة المياه ليزعق بقوة قبل أن يغلق الباب عليه : لا تنزلي دوني .
صفق الباب بقوة لتكتم ضحكتها بقوة قبل أن تباشر بإبدال فستانها العاري القصير بلونه التوت الأسود فيزيدها فتنة تعلم أنه لن يستطيع التخلص من تأثيرها عليه الليلة !!
***
اشتعلت حواف حدقتيه وهو يراقب خطواتها الأرستقراطية ، ارتفاع ذقنها بكبر ودلالها الساحق لأعصابه ، تقترب من أبيه الذي ضمها إلى صدره بحفاوة وقبل جبينها لتقبل هي وجنته بشقاوة وتتعلق برقبته في مرح وهي تتبادل معه الحديث لتشارك أحمد الضحك فيطبق هو فكيه بقوة أكثر ضاغطًا على أعصابه حتى لا يذهب إليها ينتزعها من جوار أبيه ليزرعها بين أضلعه مرويًا عطشه المنهك لخلاياه منها
أدار عيناه عليها بتمهل يقيم ما ترتديه بعدما أبدلت الفستان الذي اعترض عليه بصرامة ، فارتدت تنورة بنية اللون قصيرة تصل إلى فوق ركبتيها وسترة صوفية تضوي ببهاء بألوانها المتدرجة من الكريمي إلى الوردي الباهت ،تسقط عن إحدى كتفيها ليتخيل شامتها التي تزين التقاء كتفها العار مع رقبتها فيشعر بلهفته تصل إلى ذروتها ،هم بالحركة ليشعر بأصابع أحدهم تطبق على مرفقه ليستوقفه ضحكة أخيه الهادئة : هون عليك يا أخي
التفت إلى وليد ينظر إليه بحدة فيومئ له وليد بعينيه أن يهدأ وهو يسحبه بلطف يقربه إليه : فقط اهدأ ولا تنظر هناك .
أشاح برأسه بعيدًا ليهمس وليد : ألا زالت غاضبة منك ؟!
آثر الصمت ليتبع وليد : أنها جامحة تشبهك يا أخي .
__ لا تتحدث عنها من فضلك .
ضحك وليد بمرح : حسنًا سأتوقف عن الحديث عنها ولكن لا يروقني أنك مشتتًا بتلك الطريقة ، فاطمة تؤثر بك كثيرًا ، ألم تفكر أن تصارحها بم يعتمل داخلك ؟!
سحب نفسًا عميقًا ليهمس بخفوت : لا ، لا أريدها أن تتركني ، ولا أريدها أن تعلم بأنني لا أستطيع أن أتركها
ضغط وليد على كتفه بلطف : أنها تحبك يا أخي .
__ أعلم لكنها تكابر
__ ألم أخبرك أنها تشبهك .
هم بالحديث ليصمت وعيناه تضوى ببريق غاضب وهو يراها تتمايل بجوار أخيه على أنغام أغنية أجنبيه صدحت بالأجواء ليشتعل حماسها فيشاركها أحمد الحماس فيتحرك أمامها بمرح لتتعالى ضحكاتها فيشعر بدمائه تثور فيهم بالاندفاع ناحيتها ليمسكه وليد بقوة ويهمس بإصرار : لا تفعل من فضلك ، اهدأ إلى أن تعودا إلى بيتكما
التفت إليه وائل بغضب يسطع بمقلتيه .. يحرق أوردته ..ويمزق نياط قلبه ليومئ بعينيه ويهمس له : فقط اهدأ وسيطر على أعصابك إلى أن تغادرا وأنا سأتحكم في أحمد .
رمش بعينيه ليندفع مغادرًا حديقة القصر كلها مختفيًا بالداخل غير قادرًا على رؤيتها ترقص بتلك الأريحية التي افتقدها في تعاملها معه
اتكأ على أريكة مكتب أبيه ليغمض عينيه فيستدعي عقله رؤيتها ترتدي ذاك الفستان الذي يرسم تفاصيلها بإغواء متقن ، تتمايل بخفة وتضحك برقة ، خصلاتها تدور من حولها فيهفهف عبير الكرز من حوله ، يراقب انحناءتها المثيرة وهي تتمايل فيخفق قلبه بعنف ، يلامس طرف كتفها بشفتيه فيشعر بأوردته تحترق فيقبض على خصرها بكفيه ويقربها منه يضمها إلى صدره مكتفيا بوجودها قريبه من نبض قلبه .
انتفض بقوة على هزه قوية أطارت خيالاته بها ليفتح عينيه وهو يشعر بأنفاسه تتلاحق رؤيته مشوشة وإدراكه متوقف، ليهتف أحمد بمرح : هل وجدته ؟!
رمش بعينيه قليلًا قبل أن ينظر إلى وليد الذي يقف فوق رأسه يسأله باهتمام حقيقي : هل أنت بخير ؟!
اعتدل جالسًا وهو يهز رأسه بالإيجاب فيعاود وليد سؤاله ثانيًا ليتبع : لقد كنت ترتجف وأنت نائمًا .
ردد بانزعاج : نائمًا ؟!
أومأ وليد رأسه إيجابًا ليعبس باستنكار فيهتف أحمد بمرح : لقد بحثنا عنك كثيرًا ، هيا انهض فالحفل قارب على الانتهاء !!
تغضن جبينه باستياء لينهض واقفًا ويسأل وليد بجدية : أين فاطمة ؟!
أجاب أحمد : برفقة أبي .
رمقه وائل بحدة قبل أن ينصرف مغادرًا ليسأل أحمد باهتمام : ما باله ؟!
نظر إليه وليد مليًا قبل أن يهمس بجدية وإصرار : ابتعد عن فاطمة يا أحمد ، فشقيقك لا يحتمل مشاكساتك ،ابتسم أحمد بمكر ليتبع وليد بجدية ونبرة صوته تحمل تحذيرًا صادحًا - إذا كنت تريد اغاظة زوجتك لا تشرك أخيك في الأمر ،
جمدت ملامح أحمد، ليتابع وليد بلطف : وائل لا دخل له يا أحمد وأن كنت ترد له دينه السابق فاعلم أن موقفه الآن لا يحتمل ضغطك أنت الآخر يكفيه ما فيه .
أسبل أحمد اهدابه وهز رأسه بتفهم فيربت وليد على كتفه : إذا أردت الحديث ستجدني متفرغًا لك وقتما تريد فقط توقف عن الاستمرار في الصمت الذي ينحر روحك .
ابتسم بألم ليتحرك مغادرًا فيزفر وليد بقوة وهو يفكر في حال أخويه الذي لا يعجبه على الإطلاق !!


رواية فرصة اخيرة .. الجزء الثاني من سلسلة حكايا القلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن