29

622 28 0
                                    


تنحنح مقتربًا من مجلس ابنه في عزلة عن صخب الداخل، استند على كف محمود الممدود حتى شاركه الجلسة فوق الدرجات الأمامية للمنزل.

-لسه مصمم ما تمسكش عصايه؟

-عايز تحس إني كبرت وراحت عليا يا ولد؟

التقط كفه مقبلًا ظهره: ربنا يديك الصحة وطولة العمر.

عاتبه متنهدًا: أه لو تعمل نص دا مع مراتك، هتعيش فـ نعيم.

قطب قائلًا بثقة: الحريم مالهومش غير الوش الخشن، لو رخيت الحبل هيفكروا نفسهم ركبوا ودلدلوا رجليهم، كدا أريح.

رفع حاجبيه مستغربًا منطقه؛ فهو لم يفكر هكذا يومًا ولاُ قال يومًا ما يشبهه: مين فهمك كدا؟

سخر: الحياة.

نظر لوجهه بغموض: مش يمكن أنت ما فهمتهاش صح، فـ بالتالي حكمك غلط؟

صرح مباشرة دون مواربة أو تلاعب: حياه ادلعت، شافت وش ناعم بزيادة، آخرتها هربت وكسرت كلامنا.. وسودت وشنا قدام الناس.

-إحنا اللي غلطنا فـ تعاملنا معاها، مش كل الناس زي بعض، ولا كل البنات تقبل نفس المعاملة.

زمجر: هي عارفه إنه غلط تقابل واحد من ورانا، عملتها وفـ أنصاص الليالي، دا مش كفايه؟

-ما أنت فضلت فترة فـ القاهرة، ما حدش عارف بتقعد لأنصاص الليالي فـ الشارع ولا لا.

رد بعنفوان أخرق: بس أنا راجل.

-غلط، مبدأك غلط.. أنت قدوة، أخ أكبر قبل ما تكون راجل حر تعمل ما بدالك، ومش معنى كدا إن اللي عملته صح.

صمت الولد غير راغب في مجادلة مع والده يدرك عقمها، استعاد الأب خيط الحديث الأساسي؛ فعلاقته بحياه تحتاج وقتًا أكبر وجهد يفوق بضع كلمات: نرجع لموضوعنا، عيشه مش عجباني، البنت بتدبل كل يوم يا محمود، ومادام وردة دبلت يبقى الغلط على الجنايني.

أجاب بكبر: هي اللي حابه تعمل من الحبة قبة، خليها تشرب بقى.

نهره بهدوء: دا مش أسلوب معاملة بين زوجين، تحب تقولك ما تتفلق وأخبط راسك فـ الحيط؟

انتفخت أودجه غيظًا من مجرد طرح الفكرة: ما تقدرش، كنت كسرت رقبتها.

-بس هي بتعمل كدا، مش بعصبية وعنف زيك، بس ببعدها، سكوتها ونظراتها، وبكره مش بعيد الموضوع يكبر وياخد أبعاد تانية، تاخد الولاد وترجع بيت أهلها، وقتها آخرك نظرة سريعة على ولادك بدل ما عايشين فـ ضلك، ودي بردو طريقة تانية لـ«أخبط راسك فـ الحيط».

ألجمه منطق والده العقلاني، شرد في البعيد بينما أكمل الأب كلامه متأكدًا من استيعاب ابنه الكلمات السابقة بشكل كاف حتى أصابت لسانه بالشلل عن الردود المتنمرة: مش كل حاجه بالدراع، ولا بكسر الرقبة، فيه حاجات كتير كلمة طيبة تحلها، والبسمة تدفنها.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)Where stories live. Discover now