9

759 36 4
                                    


دارٌ تحتل مساحة لا بأس بها من الأرض، يجلس داخلها، في غرفة المضيفة، سعدان برفقة شاب في منتصف الثلاثينيات يتحدث إليه بينما يحتسيان شايًا أسودًا ثقيلًا كالحبر، أراحا جسديهما مستندين إلى الحائط، كانت تشبه جلسة العرب من الوسائد التي رُصت فوق الأرض مباشرة دون إرتفاع على قواعد خشبية إلى الصينية النحاسية الكبيرة في المنتصف عوضًا عن الطاولة.

سأل سعدان ضيفه مستمتعًا بسحب عدة أنفاس من الأرجيلة: ها.. وصلت لحاجه؟

غمزه الآخر: مالك مستعجل كدا ليه.. اتقل تاخد حاجه نضيفة.

ختم كلامه بضحكة كريهة ملبدة بالبلغم الذي يجسم فوق صدره من سوء ما يتعاطى، مغمغمًا بحرقة: مش هأرتاح ولا يهدالي بال لحد ما أشوف حرقة قلب عبدالرحيم على اللي هيجراله.

تشدق ضاحكًا: شكلك بتحبه أوي.

التفت إليه بجدية: بالك يا خلف لو شافتلي قلبي؛ لتلاقي لبن العصفور على بابك تفطر بيه تاني يوم الصبح.

حك خلف أنفه ممتعضًا: وأنا هأعمل إيه بلبن العصفور يا حاج..

ضربه سعدان بمبسم الأرجيلة: يا غبي فتح مخك.. دا مثل.. مجازًا يعني.

هز رأسه ببلاهة ناهضًا: قولتلي، طب عن إذنك أنا بقى عشان أعرف أتكتكلك.. مادام فيها لبن العصفور ههههه.

حيّاه بكفه دون تكلف نطق السلام متابعًا جذب نفس وراء آخر من أرجيلته الأثيرة. دخل عليه ابنه وجلس جواره لائمًا: مش قولتلك يابويا بلاش الزفت خلف دا.. دا واحد شراني مايجيش منه غير الشر.

نظر إليه بطرف عينه: ما أنا لو كنت مخلف راجل ماكنتش اتحوجت للأشكال دي.

زفر مهران: وليه الغلط بس يابا!

-ما أنت لو تطاوعني زي ماهو بيطاوعني تبقى أجدع راجل فـ الدنيا.

-يعني لازم أطاوعك فـ الشر عشان أبقى راجل فـ نظرك؟

-دا مش شر، دا حق.. والحق لازم يرجع لأصحابه.

مرّوا بعدة جلسات من الجدال حول ما معنى الحق وأي حق يبحث عنه سعدان، لم يسفر الحديث إلا عن عدة سبات من سعدان لابنه، يتهمه بأن حب ابنة عمه جعله يعصى والده ويدافع عن عمه ضده هو، أبيه.

***

عاصفة هوجاء دخلت عليها، رفعت عينيها فيما ظل رأسها مائلًا للأسفل أثناء تفحصها للمستندات، كانت ذات مظهر يشبه الناظرة بسبب تدلي النظارات إلى أطراف أرنبة أنفها، تركت القلم يفلت من بين أصابعها الناعمة، استقامت متسائلة: في إيه يا ياسين؟

وقف أمام مكتبها يضرب فوقه بقوة صائحًا: أنتِ إزاي تعملي حاجه زي دي؟

عقدت ذراعيها بعدما نزعت النظارات: عملت إيه؟

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن