20

771 38 0
                                    


نمت لحيته بشكل عشوائي مشعث، أجفانه ذابلة متهدلة من قلة النوم، ندرة الغذاء وتناول الطعام زاد اصفرار وجهه أضعافًا عدا الخوف والفزع الضامرين في أركان جمجمته وأسفل ضلوعه، تخلل شعره بأصابعه للمرة المليون يزيد بعثرته.

دارت عيونه في أركان الغرفة التي يتشبث بالمكوث فيها منذ اختفاء سلمى، يناشدها بصمت علّها تبوح بمكان صاحبتها. فرت دمعة من عيونه بعدما ظن الجفاف قد أصابها، لقد مر أكثر من شهر على غيابها، بحث عنها في جميع الأنحاء بلا جدوى.

-كلمت عمو فاروق تسأله عنها؟.. يمكن تكون راحتله.

رفع رأسه مندهشًا، منذ متى وشقيقته الصغرى معه في الغرفة، لقد فقد كل إدارك بالمحيط من حوله، كأنها رحلت وقد حزمت وعيه وروحه معها، أنكس رأسه وهمهم بصوت يائس: كلمته كذا مرة، وقبل ما أنطق بكلمة سألني عنها وعن أحوالها، هي بتكلمهم وتطمنهم عليها بس من غير ما تحسسهم إنها سابتني.

تنهدت وجلست جواره فوق الأريكة: هي ما كانتش طبيعية آخر مرة شوفتها فـ المستشفى، حالتها النفسية كانت وحشة.

نظرت إليه بوجه يدرك وجع شقيقها لكن بصراحة المواجهة: بس أنت زودتها معاها، البيبي ابنكوا أنتوا الإتنين إزاي تتهمها بالإهمال فـ حياته؟، أنت ما شوفتش كانت بتجهز لوصوله إزاي؟

هز رأسه بتيه: مش عارف، مش عارف كلمتها كدا ليه.. وقولت الكلام دا كله ليه، حسستها إني مش واثق فيها وإنها مش غالية عندي.

مررت أصابعها الرفيعة فوق شعره بحنان: ما تقلقش، إن شاء الله نلاقيها قريب.. أنا سيبت ناهد تحت فـ أوضة المكتب بتكلم محمد تشوف آخر الأخبار.. هتروح فين يعني مسيرنا نلاقيها.

-حتى حياه مش عارفه لها طريق.

تنهدت: تلاقيها قررت تبعد، تعيد حساباتها وتنظم أفكارها، بعيد عن أي الضغط.

بصوت مليء بالشجن والعذاب: أطمن عليها، اتأكد إنها بخير، مش عايز أكتر من كدا.

شهقت باكية ومدت ذراعيها تحيط كتفيه تسحبه إلى أحضانها، لم يكن ياسين يومًا بهذا الإنكسار، تعلم جيدًا أنه ليس بالقوة الهائلة لكنه يتحامل على نفسه ليكون نعم السند والرجل لعائلته الصغيرة، حالته اليائسة في العثور على سلمى أكدت لها حبه الشديد وولعه بها، ابتهلت أن يتوصل هو كذلك لذات الاستنتاج؛ فلا يرتكب حماقة جديدة وقت عثوره عليها.

***

منشغل بضبط موضع الساعة حول معصمه حينما اصطدم بجسد ضعيف يقربه طولًا، تسرب إلى مسامعه تأوه ضعيف جذب ناظريه إلى ملامح ناطقه.

نضح وجهه بالدهشة نتيجة الغضب الزائد عن الحد لموقف يحدث ويتكرر يوميًا بصورة طبيعية، لكن منذ متى وأي حدث طبيعي مع «يُسره» يظل طبيعيًا؟!

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن