18

818 38 0
                                    

وقفا جنبًا إلى جنب على الكورنيش يتطلعان إلى مياه النيل المتلألأة بأضواء مساء القاهرة في إبهار متأنق، تمر سفينة تحمل مهللين بعرس أحدهم والأغاني تصدح، تزيد من إهتزاز السفينة، والضجة تصل إلى من يقف أعلى الكوبري المارر أسفله، فيصلهم صخب الفرح. تجاهل رامز صوت بائع حمص الشام، الذي يبعد عنهما خطوات تمنع أصواتهم عن الوصول إلى مسامعه، خاطب سيده مطمئنًا: كله ماشي تمام، البنت مضت إنهارده على موافقة العملية بتاعت مامتها، وديونها اتسددت، بقت فـ إيدينا.

-شوقي عرف آخرالمستجدات؟

ابتسم بخبث: عيب يا أحمد بيه، الخبر مش هيوصله غير بعد ما إمضة العروس تنور دفتر الجواز .

-كويس، لازم نتقي أي حاجه ممكن تعطل الشغل وتضيع مينا بوند عند ابن الإمبراطور.

غمزه رامز بفخر: البت حلوة وتدخل دماغ أي واحد، أكيد هتعجبه وهتكون سبب فـ مكانة خاصة لينا عنده.

فتاة في حاجة هي الحل الأمثل لوضعهم، يتقون بحاجتها شرور التمرد والمشاكل لاحقًا، فما زالت نقطة ضعفها مملوكة بين أصابعهم. يدفعون الآن برغبتهم، إتقاء لدفع لاحق رغم أنوفهم.

صمت كلاهما دقيقة كاملة قبل أن يسأل أحمد بصوت ملأه الغموض والتفكير: ما وصلتش لحاجه عنه؟، كان فين المدة دي كلها وظهر فجأة؟

هز كتفيه وانتظر حتى انصرف الصبي الذي سلمه كوبًا ساخنًا من الشاي قبل أن يصرح: اللي عرفته إنه كان فـ مصحة فـ إيطاليا، خرج منها بعد موت الإمبراطور بحوالي أربع شهور ورجع يمسك مكان أبوه بنفس القوة والسيطرة.

ارتشف بعضًا من شايه ثم أكمل: بيقولوا إنه أصعب من أبوه بكتير، غالبًا الفترة اللي قضاها فـ المصحة يتعالج من الإدمان أثرت فيه.

-ولسه مدمن ولا..

-امتنع تمامًا عن تعاطي أي حاجه، حتى الخمرة مش بتلمس كوباية بيشرب منها، بالنسبة له بقى بزنس وبس.

-إيه اللي خلاه ينزل مصر من تاني؟

-حصلت مشكلة فـ شحنة جات على هنا ونزل يخلص الموضوع بعد ما شك إن في خونة فـ العملية وقدر يوصلهم فعلًا وزمانهم شايفين الويل أو استلمهم عزرائيل.

التوت شفتي أحمد: بس خليك وراه، ما تدهوش الأمان أبدًا، لازم نوصل لنقطة ضعفه ونعرف ناخد مكانتنا عنده بشكل مناسب، مش هنفضل طرف تالت فـ العمليات اللي بينا وبينه، لازم تعاملنا يبقى مباشر معاه بدون وسيط.. وبدون شوقي.

أومأ رامز بطاعة فيما اشترى أحمد كوبًا من حمص الشام ثم عاد يقف بجوار ذراعه الأيمن كل منهما يتناول ما بيده في شرود، والهواء يعصف بسترات بذلاتهما.

***

زفرت للمرة التي لا تدرك ترتيبها، عيونها تحدق في إنعكاس وجهها بالمرأة دون أن ترى حقيقة ما يطالعها، جهود مصففة الشعر ومساعدتها التي زينت وجهها بخفة مظهرة جمال عيونها السوداء النادرة، وفمها المزموم في حنق جذاب، ارتفع شعرها في كومة رغم أنها تبدو مبعثرة مشتتة الخصلات إلا أنها استغرقت ما يقرب الساعة والنصف، تهدلت منها خصلتان أمام أذنيها تلمس أطرافهما كتفها المغطى بقماش الثوب الأبيض.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)Where stories live. Discover now