استرسلت ناظرة إلى أبيها منشدة دعمه: هأعيد ثقتي بنفسي وأبنيها، هأبطل سلبية، مش عايزه أكون قدوة سيئة لجنة.

أراد أن يتأكد فسألها: يعني خلاص مش عايزاه؟

أغمضت عيونها مطرقة، تهمس لنفسها، سأكتفي بك حلمًا يؤنس ليالي، أملًا بعيد المنال، حب الطفولة الذي لم يشأ القدر أن يكون له مكانًا في ريعان الشباب، سأكتفي بك فارسًا يظهر في منام فوق سرج جواد، سأكتفي بك وهمًا فالواقع ليس لي وإنما لأخرى يذوب قلبك في هواها.

أومأت بقوة أدرك والدها الضعف خلفها، ابتسم، وأيّدها، أمرها بنداء شقيقها زين، فيجب عليهم وضع خطط الأيام القادمة، والنقاش حول ما يجب أن يتم.

-عرفتوا إنه دخل واحد بريء، ولبسه القضية عشان نخرج إحنا؟

قالها بتعب، وضمير مثقل بالذنب، فحريته رهنت بسجن آخر بريء لكن ما بيده حيلة، تغضن جبين زين واستغفر مغتاظًا من عمه ذاك، ألا يعرف أن الله يراهم ومطلع على كل شيء؟!

-ما تخافش يا بابا، مسألة أيام وهيخرج بإذن الله.

قالتها سلمى بثقة استرعت انتباههم، سألها الأب متأنيًا: فـ إيدك حاجه؟

اقتربت من درج في غرفتها حيث يجتمعون، أخرجت مظروفًا وضعته في يد والدها: دا ما يعرفش عنه أي حاجه.. وهو عبارة عن أهم حاجه.

نظر لها وعيونها المتلألئة بالنصر، ظن العم بأن كل ما يهمها هو خروج من يخصوها إلى عالم الأحرار. لم يدرك أن هدفها أبعد.. ليس انتقامًا من زيجة أدخلها فيها فأوجعت قلبها؛ لإنها أكثر نضوجًا من ذلك.. فالخيار كان ملك يمينها وهي من اختارت. هدفها هو الحفاظ على عائلتها سالمة، فمن طعن مرة وسجن أخرى، قد ينهي مهمته تاليًا بقتلة.

***

وقف يحدق بوقفة المقابل له، عبدالرحيم يبدو متراخيًا لكن بتصميم، عيونهما تلتقي في صراع صامت، كل من بالمنزل متراجعًا عنهم في أحد الأركان، تترصد بهم العيون في متابعة غير قابلة للتطور للاشتراك الشفهي. عبدالرحيم رجل العائلة ورب الأسرة، حين يتخذ قرارًا دون أن يفتح بابًا للنقاش ينتهي الأمر وكأنه كلمة «النهاية» في آخر صفحة من الرواية.

مستندًا إلى عكازه، مرتفع الأكتاف، هيبة ضافتها العباءة على جسده الأشيخ، رفض بثباته المعروف طلب ياسين اصطحاب سلمى وابنته معه، حتى فكرة المقابلة بينهما في الفترة الحالية رفضها رفضًا قاطعًا، متمًا حديثه: حذرتك قبل كدا، إنك لو خليت بنتي تيأس منك وتزهد فـ عشرتك؛ هأبقى أبوها لوحدها.. بس يظهر إنك ما أخدتش تحذيري جد.

ارتبك ياسين وحاول التهرب بعيونه: يا عمي ..

رفع كفه ورفرف أجفانه: الموضوع أنتهى يا ابني، وزي ما بدأنا بالمعروف نخرج بالمعروف.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ