همهم بجانب فمه متأففًا وقد أغلق مشبك ساعته العملية بإحكام: آسف.

تخطاها ليفقد توازنه ساقطًا أسفل قدميها، رفع إليها نظراته المصدومة، جابهته بقوة وجفاء، وقد انتصبت أصابعها الأربعة أمام فمها المفتور عن شهقة.. متقنة التمثيل، وأعين متسعة ببراءة لم تنطل عليه: ثواني كدا، أنا شنكلتك؟.. ووقعت كمان.. خلاص تمام ولا يهمك، أنا كدا قبلت آسفك.

نطقت آخر جملها بوجه بارد ثم أولته ظهرها متابعة سيرها دون أن تبالي بما فعلته أو بنظراته المندهشة التي سرعان ما حررت قهقهة عالية من أعماق صدره.

حثت خطاها متلفتة حولها كما اللصوص، اتجهت صوب غرفة مكتبه، ستستغل خروجه المستعجل وغيابه في تنفيذ ما عقدت عليه نيتها منذ مدة، لقد ظلت تأجل الموضوع حتى أتلف أعصابها، فلتفعلها وتنتهي.

وقفت أمام الخزنة الموضوعة فوق أحد أرفف المكتبة الضخمة التي شغلت حائطًا بأكمله، بحثت عن اسم الماركة الذي ردده نوح على مسامعها وظلت تحفظه وتكرره باستمرار، وجدته فتنهدت براحة نسبية، رفعت إصبعها وقد رجع إليها ترددها في الإقدام على هذه الخطوة أو الإحجام، تذكرت إغاظته لها بإخفاء الكثير عنها، من حقها أن تعرف ما يدور في الحلقة التي صارت في منتصفها.

أسرعت تنقر الأرقام الأربعة قبل أن تتراجع من جديد، أمسكت المقبض وفتحت باب الخزنة ليتحرك معها بسهولة، ملفات يعلوها مسدس، ظلت تحدق فيه بغباء وذهول قبل أن تحمله أسرعت تلتقط منديلًا قماشيًا من جيبها تمسك المسدس من خلاله، قلبته في يدها قليلًا ثم وضعته على المكتب خلفها، عادت تتناول الملفات تقلب فيها دون أن تفهم فحواها، أعادتها مكانها مغتاظة.

وقفت متخصرة، عيونها تستجوب الخزنة المفتوحة على مصرعيها، تعلم أنها لن تستطيع إعادتها كما كانت، هرشت رأسها تبحث عن حل، وقع نظرها على السلاح الراقد فوق سطح المكتب، أمسكته بعد تردد خائف تقلبه، وجدت رقمًا مسلسلًا يحتل جزء من أحد أوجهه، حفظته وأغمضت عينيها تكرره مرات ومرات.

سمعت جلبة في الخارج وصوت الخادم المسن يرتفع في تساؤل عن عودة سيده، أجابه عاصم بصوته الملول القوي: نسيت ورق مهم.. روح على شغلك، هأخد الورق م المكتب وماشي على طول، مش محتاجك فـ حاجه.

ألقت المسدس في الخزنة كمن لدغته حية ثم تراجعت إلى زاوية بعيدة من الغرفة تتخفى وراء الستائر الثقيلة داكنة الألوان، تراقب ما سيحدث.

خطى خطوتين ثم توقف، تعلق بصره بالخزنة المفتوحة، اقترب منها على مهل وعيونه تدور في أرجاء الغرفة، أغلقها وتأكد من إحكام غلقه وأعاد إدخال رقمًا سريًا جديدًا كما ظنت، التقط ملفًا من فوق المكتب بغلاف أخضر ثم أتجه إلى الباب، دار بعيونه للمرة الأخيرة في أركان الغرفة ثم انصرف.

رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)Where stories live. Discover now