الطفلة

16 1 0
                                    

أنا تلك الطفلة التي ما فتأت تمسك بين يديها عنان حياتها ، حتى انسل منها عنوة دون ان يترك وراءه اثراً .... لم تكبر الطفلة التي عاشت في داخلي يوما ... لم تستطع التعايش مع العالم من حولها ... بقيت سجينة جسدا اكبر من عمرها .... ما زلت اخاف الوحدة و لكني كبرت على التشبث بالناس من حولي ... لا أستطيع إقصاء من احبهم بسهولة ، و ما ازال وفية لما تعلمته من قصص خيالية عن القيم ، الصداقة و الوفاء ....

يبدو انني اخطأت تقدير الوقت ... و بقيت عالقة في عمر صغير لا أتقدم في العمر سوى جسدا لا روحا ... ان قلبي ما يزال يافعا جدا ، بل ما يزال رطبًا لا يتحمل ريح السنين المدمرة ، و غبار هذه الأرض الجاحدة ....

كان قد مر من امامي شريط حياتي القصير و انا لا افهم كيف مر كل هذا العمر بينما ضللت انا ادور في دوائر مفرغة حول نفسي ، آبية التقدم بخطوات و لو حتى مهزوزة الي الأمام .... سمعت ان جسد الإنسان يكبر و تغطيه التجاعيد ، لكن الروح لا تجاعيد لها ، و لطالما أعجبت بتلك المقولة المتفائلة .... لكن ماذا يفعل الإنسان الضعيف ،سهلُ الانكسار ... ان داخلي كالزجاج الرقيق ، ينكسر بسهولة مفرطة ...و دموعي كطفل رضيع ، دائما ما تقف علي هاوية جفوني ، تستعد للقفز في أية لحظة ...
كثيرا ما اخبروني ان بي خاصية مميزة ، و انا روحي خضراء منعشة ، سرمدية لا تكبر ... سمعت كلماتهم وأنا اقف على قمة العالم ، تغمرني مشاعر فرحة غامرة ، و اعتقدت حينها انني لا مثيل لي و قليلون هم من يشبهون روح الطفلة التي تسكنني .... هي ميزة لا أستطيع ان انبذها أبدًا ، بل انني ممتنة لأكون شخصا بوجه واحد ، وفية لنفسي ، و لوني واحد لا يتغير ...

رغمًا عني صرت انفر من هذه الطفولة التي تمسكت بي بمخالب من حديد ، كانت ترهق روحي يوما بعد اخر ، و بدا انه من الصعب العيش وسط غابة يحكمها الكبار و انا طفلة ... اختبرت جلَّ أنواع المشاعرالتي لم تخطر على بالي يوما ، ذرفت الدموع و الدم على السواء ، و نزفت جراحي حتى جفت مني الدماء .... لكن روحي هذه ابت ان تكبر، توسلت اليها طويلا ان تكبر ، توسلت و توسلت إلى ان تقطع صوتي و انهكت حبالي الصوتية ، ناجيتها بالله اكبري ، افيقي من عميانك و دعينا ننضج .... ان هذا العالم لا يناسب الأطفال ، القسوة تختبئ تحت ستارة الحب و الكل جناة .... دعكِ من هذا السبات ...كفاك عنادًا و دعينا نستيقظ من غفوة طال زمنها حتى تعدى ربيع الحياة .... لكن ما من مجيب لصرخاتي الخرساء ... و ضلت الطفلة بداخلي تعيش في ذبول حتى تحولت إلى شجرة عجوز ، تقدم بها الزمن فجأة حتى جفت من أغصانها الحياة ، و صارت لا تثمر و لا تأوي من الرياح ....

مذكراتي العزيزة Where stories live. Discover now