الفصل الثامن واربعون

384 24 0
                                    

تململت في الفراش بضيق وقد ازعجها رنين الهاتف المتواصل تأفأفت بغضب قبل ان ترفع يدها لتتلمس الفراش من حولها بحثا عن زوجها الذي عادة ما يستيقظ ويوقظها معه في نفس الميعاد  لابد ان هذا رنين المنبه.
تحركت يدها في الفراغ الدافئ للفراش الذي انبئها انه خرج منه للتو تثائبت بنعاس بينما تعتدل تبحث بعينيها عنه لكن صوت الماء الذي تسلل اليها حينما اصبحت اكثر تركيزا اعلمها بمكانه التقطت الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين وقد كان هاتفها وليس هاتفه هو  فتحت الخط ولازال النعاس يلف عقلها بضبابه الناعم...
:- الو يا حياة.
:-تمارا انتي شوفتي الفيس او اي سوشيال ميديا انهاردة.
رفرفت بأهدابها تقاوم تثائب ملح بينما تجيب صديقتها بلا مبالاة..
:- حياة انا لسه صاحية بسببك اصلا سوشيال ميديا ايه الي افتحها سيبيني انام بقي.
تسلل صوت حياة الغاضب الي مسامعها..
:- يا زفتة مش وقتك الدنيا مقلوبة علي جوزك.
نفضت النعاس عن عينيها والجملة الأخيرة تخترق وعيها بالكامل..
:- جوزي؟!  انتي بتهزري انتي كمان.
:- بهزر ايه يا زفتة انتي بقولك افتحي اي زفت علي الموبايل في كارثة بتحصل.
اغلقت الخط مع حياة ثم فتحت اول تطبيق تواصل امامها علي شاشة الهاتف لتجد العديد من الصور لزوجها بينما يراقص امرأة جميلة معروفة تماما لكل الشعب تقريبا فهي ممثلة شابة لطيفة..
صور اخري لهما والكثير من العبارات عن زواج مرتقب بينهم.
والعديد من الصور ومقاطع الفيديو التي تروج لأسئلة شيقة من نوعية..
من هو رضوان الشامي؟ 
هل سينتهي زواج رضوان الشامي ليبدأ الثالث؟  .
الممثلة الشابة نغم عزاوي والملياردير العابس.
تسريب لمكالمة هاتفية لزوجة رضوان الأولي والتي تحدثت فيها عن اسباب طلاقهم وهو الخيانة!
من هو حب رضوان الشامي الحبيب الجديد للممثلة الجديدة نغم عزاوي الحقيقي الذي تحدثت عنه زوجته الأولي وبفضله تم طلاقهما..
الكثير من تلك العناوين المستفزة التي تجذب انتباه معجبي الفنانة او الباحثين عن الفضائح. 
توقفت انفاسها كما توقفت نبضاتها وعينيها تتسمران علي شاشة الهاتف التي عرضت صورة تلو الأخري..
لا تعلم كم بقيت نظراتها مسمرة علي مقاطع الفيديو والصور لزوجها وتلك الممثلة  حتي اخرجها الصفير المنغم الذي يطلقه زوجها من حالة الشرود التي كانت فيها رفعت نظراتها اليه لتسقط علي جزعه الضخم العاري الا من منشفة صغيرة حول عنقه وسروال طويل غطي ساقيه الطويلتين  وكفيه تنفضان الماء عن خصلاته التي ازدادت طولا منذ زواجهم  تحول صفيره لدندنة حينما رفعت نظراتها الي وجهه الخشن الذي جملته الابتسامة المهداة لها والغمازة التي حفرت خده...
صمتها وجمودها المثير للريب امام دندنته وابتسامته رسم خطا ثقيلا بين حاجبيه وابتسامته المشرقة تختفي بحيرة وهو يسألها بقلق...
:- في ايه يا تمارا...
تحركت لتقف علي الفراش بركبتيها وهي ترفع الهاتف عاليا ليستطيع التقاط شاشته بعينيه وقد ثبتت اناملها صورة له يحتضن تلك النغم  ..
:- ايه دا يا رضوان.
اختفت الابتسامة الجميلة التي كانت تزين شفتيه وعاد تجهم وجهه القاسي وهو يقترب منها منتزعا الهاتف يقلب فيه وكلما مرت صورة او مقطع ما يزداد عبوسه واتقاد ملامحه كأن هناك نار متقدة تحت جلده الأسمر...
كتم سبة وقحة كادت تفلت من بين شفتيه..
وهو يلقي بالهاتف علي الفراش ويعود بعينيه الي زوجته الجميلة التي كانت في اجمل حالاتها الان بشعر فاوضاوي مبعثر ووجه محمر من الغضب وعيون متسعة تترقرق القهوة داخلها وصوتها الغاضب يسأله باصرار..
:- دي مجرد اشاعات صح؟ دي مش صور حقيقية؟..
عم الصمت للحظات تلتقي عينيهما بحوار صامت شحب علي اثره وجهها وكفها ينطلق ضاربا صدره ببعض العنف وهي تعود مرددة سؤالها بصراخ ..
:- انطق يا رضوان..  قول ان الصور دي مش حقيقية.. متسكتش كدا.
تنهد بعمق وعينيه الرعدية لا تفارق بندق عينيها الذي يرسل اسهم من الألم وعدم التصديق والكثير من العنف والتمرد...
:- تمارا ممكن تهدي وانا هشرحلك كل حاجه.
صوته الخشن ونبرته الهادئة لم تستطع التقليل من غضبها او من ذلك الجرح الذي بدأ يظهر داخل عمق عينيها...
:- الصور حقيقية لكن قديمة قبل جوازنا بفترة ومش زي ما انتي فاكرة الكلام دة مجرد اشاعات و انا هتصرف مع الي نشر الاشاعة الحقيرة دي.
:- والكلام الي قالته ريهام كمان اشاعة يا رضوان؟!...
:- تاني ريهام تاني يا تمارا مشبعتيش من الكدب الي هي بتقوله لسه بتصدقيها وبتسألي..
صوته كان غاضبا  وعينيه تشعان ضيقا واهانة ولكنها تجاهلت شعورها الغريزي الذي يحثها علي تصديقه والهدوء والاستماع اليه فرضوان لم يكذب يوما  ..
اعماها الغضب وتلك الغيرة الحارقة التي اشتعلت داخل صدرها وهي تصرخ به بعنف..
:- ملكش دعوة مصدقاها ولا لا ورد علي سؤالي كلامها صح ولا غلط لو انت واثق انها كدابة رد يا رضوان لكن هي كان معاها حق انت خايـ...
شهقت بعنف وهي تري كفه ترتفع امام وجهها وعينيه التي لطالما كانت حانية تناقض قسوة ملامحه اصبحت اكثر غلظة وشراسة بدا وجهه مرعبا حتي لها وهي التي غرقت في حب كل تفصيلة فيه ارتجف جسدها والخوف يرسم خطوطه الواضحة علي ملامحها وينضح من عينيها البنيتين وبتلقائية عادت الي الخلف خطوة مبتعدة عنه قبل ان تتجمد كفه في الهواء يضمها في قبضة صلبة قبل ان يهبط بها الي جواره وعينيه تقابل عينيها بنظرة عميقة تسللت الي قلبها تمزقه بعنف قبل ان يعود وجهه للبرود قبل ان يرتد عنها متجها الي الخزانة يحمل ملابسه منها متجها الي الخارج وما ان لامست قبضته باب الغرفة التفت اليها قائلا بجمود كأنه يتلو حالة الطقس..
:- غرام بنت خالتي والصور كانت في خطوبتها وبالنسبة لريهام....
ابتسم بسخرية وعينيه تقابلان عينيها التي نظرت اليه  وتابع قبل ان يخرج من الغرفة..
:- انا مش محتاج اثق انها كدابة كفاية ثقتك انتي فيها يا تمارا....
انتفضت علي صوت رنين الباب الخارجي للمنزل لا تدري كم ظلت في نفس المكان عينيها علي الباب المغلق بعد رحيله لكن عليها التحرك الان لتجيب صاحب الرنين المتواصل...
تحركت قدميها الي الباب وكل خلية فيها تتمني لو كان هو لو انه نسي مفاتيحه او اي شيء يجعله يعود لتلقي بنفسها علي تختبئ داخل احضانه لعل ذلك الشعور الذي غمرها بالخوف والانقباض يرحل عنها..
التقت نظراتها بحياة التي تقف امام الباب بوجه قلق تضع احد كفيها خلف ظهرها وقد بدي بطنها اكثر بروزا من المعتاد..
ترقرق الدمع داخل عينيها وهي تنحني لتضم حياة التي تلقفتها بحنان تربت علي ظهرها ثم التفتت الي الخلف لتنظر الي اثار السيارة التي رحلت حاملة بداخلها رضوان وزوجها المسكين الذي اجبرته علي الحضور معها.
عادت الي صديقتها التي تشهق ببكاء عنيف بين زراعيها ثم تنهدت بعمق ان امامها يوم طويل....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
داخل سيارة رضوان التي اقتحمها اياد مجبرا اياه علي تحمل وجوده..
نظر اياد الي وجه صديقه الغاضب لا يدري ايشفق عليه ام يلعن اليوم الذي عرف فيه زوجته فهي من تقحمه في مشاكل صديقاتها دوما ودون ارادته ودون معرفته بسبب المشكلة من الاساس.
:- بص انا معرفش ايه الي حصل انا صحيت من النوم كما العادة علي.._قلد صوت زوجته بشكل مضحك _عاوزة اروح لتمارا حالااا.
تنهد بعمق متصنعا البؤس..
:- وطبعا مش عاوزة اقولك اني كنت هتهور واطلق مراتي واخلص من اليوم الاسود الس عرفت شلتها المجنونة فيه بس طبعا انت عارف اد ايه انا عاقل وصديق مخلص وجيت اجري...
لكزه بمزاح ثم تابع مرة اخري بغمزة متجاهلا وجه رضوان المتجهم الذي لم يؤثر عليه الطريقة المرحة لإياد..
:- صباح النكد طيب متقول يا عم ايه الي حصل.
زفر رضوان جازا علي اسنانه قبل ان يخرج الهاتف عابثا به قليلا ثم ناوله بصمت للجالس بجواره ليري بنفسه الاخبار..
اتسعت عيني اياد مع كل كلمة قبل ان يعود بنظراته لصديقه قائلا باستنكار..
:- انت لسه عايش؟؟! انا لو دنت مكانك كان زمان حياة قطعتني حتت وحطتني في كياس سودة صدقني....  وقف علي جنب يا عم خلينا نرجع..
ازدرد لعابه ثم قال بخوف مصطنع..
:- ولا اقولك بلاش بيتك انا عارف تمارا وحياة لمل يتجمعوا واكيد ملاك في السكة ودا معناه انك محتاج تستخبي من العصابة دي يومين..
:- من غير هزار يا اياد انا مش ناقص.
هتف رضوان من بين اسنانه وقد اثار مزاح اياد المزيد من غضبه المتصاعد من الحقير الذي نشر الاخبار ومن زوجته المصون التي رمت تلك الأشهر التي عاشاها معا في جنة من صنعهما تحت قدميها وعادت لنظرتها القديمة الحقيرة له وغضب من نفسه بل بركان غضب من نفسه لما كاد يفعله..
ضرب المقود بغضب لقد كاد يضربها..
رفع كفه قاصدا وجهها.
اثار رعبها وجعلها تبتعد قد تبدو خطوتها الصغيرة شيء بسيط بالنسبة لمسافة الغرفة لكنها كانت واسعة جدا كبيرة جدا بالنسبة اليه...
اليهما...
هذه الخطوة اعادتهم لتلك السنوات العجاف التي كان يتمني فيها فقط ان يلمح طيفها ويطمئن انها بخير...
تنهد بعمق وهو يقف بالسيارة علي جانب الطريق ثم عاد بظهره الي الخلف يحاول ابعاد افكاره عن تمارا فهو الان بحاجة للتفكير في من فعل هذا لأنه لن يهدأ قبل ان يهدم كل الكون فوق رأس من فعل هذا بل وشارك فيه...
ومن يعرفه جيدا يعلم تمام ان من يلعب مع رضوان الشامي عليه تحمل النتائج.

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن