الفصل الثالث والأربعون

394 24 0
                                    

رفعت كفها تدق جرس الباب الأنيق الذي تقف امامه  ويدها الأخري توازن علبة كبيرة كبيرة الحجم تسندها الي جسدها الغض حتي لا تقع ...

ما كادت ترفع يدها عن الجرس حتي فتح الباب ليقابلها صاحب البيت بملامح مسترخية وشبه ابتسامة علي شفتيه رغم تلك العقدة الطبيعية بين حاجبيه التي تظهره اكثر تجهما ما ان وقعت عينيه علي وجهها المتورد من الخجل حتي قال بترحيب مهذب ....

:- نورتي يا ملاك اتفضلي صحبتك عامله ست بيت جوه الحقيها قبل ما تولع في البيت...

:- سمعاك علي فكرة...

هتفت زوجته من خلفه تماما وهي تحشر رأسها بينه وبين الباب بينما جسدها يختبئ خلفه وكفها تقرص زراعه بلطف ليلتفت اليها برأسه باسما  ثم اجابها بمشاغبة تغلف صوته ونظراته...
:- دا انا بشكرلها في مدي اتقانك للطبخ يا تيمو....
راقصت حاجبيها بسخرية بينما تكافئ كلماته بقرصة اخري..
:- طبعا طبعا اومال.
ضحك لها بخشونة كاتما تأوه وقد أرسلت تلك القرصة ألم خفيفا لبشرته..
تلك الشرسة الصغيرة سوف يريها بعد رحيل الضيوف.
كتمت ملاك ضحكتها بصعوبة وعينيها تمران عليهما بشغف وقد اسعدتها علاقتهما المرحة اللطيفة...
افسح رضوان الطريق لصديقة زوجته حتي تستطيع الدخول تناولت زوجته العلبة الكبيرة من يد صديقتها ثم ناولته اياها بتلقائية مع ابتسامة ناعمة تزين وجهها الجميل فترتفع شامتها الصغيرة المغوية وعينيها تضيئان كنجوم الليل الساهرة خاطفة كل تعقل فيه....
احتضنت زوجته الضيفة بشوق جارف وكأنهم لم يتقابلوا منذ سنوات مثلا وليس انهم بالفعل كانوا معا امس  ...

:- اتأخرتي يا لوكا....

ابتسمت لها ملاك بينما تشير لتلك الحقائب البلاستيكية  الكثيرة الموضوعة في الخارج امام الباب والي العلبة الكبيرة التي بين زراعي زوجها   ...

:-  كنت بجيب الطلبات الي طلبتيها مني بلف من بدري عليها وجبت تورتة عيد ميلاد لحياة عشان المفجأة .. انا اول مرة اشوف في حياتي واحدة بتنسي عيد ميلادها.....
ابتسمت تمارا بسخرية..
:- عادتها ولا هتشتريها يعني ما انتي عارفة ان حياة بتفتكر اسمها بالعافية..... خلينا ندخل الحجات جوة اودامنا شغل كتير قبل ما حياة تيجي.....
اشار لها رضوان كي تدخل...
:- انا هدخلهم.
اهدته ابتسامة حلوة بينما قالت ملاك بلطف...
:- تعبينك معانا يا باشمهندس ..
 هز رأسه لها بشبه ابتسامة ثم اتجه الي الحقائب يحملها في قبضة واحدة وكأنها لا تزن شيئا متجها الي الداخل .
تبعته انظار زوجته لعدة ثوان والابتسامة لا تفارق شفتيها ثم عادت بنظراتها الي صديقتها تجذبها الي الداخل مغلقة الباب من خلفهم...

:- تعالي افرجك علي البيت الأول قبل ما نبدأ ترتيب المفجأة عندنا شغل كتير اوي...
تنهدت بحزن ودموع خفيفة تترقرق في عينيها بينما تتابع...
:- لو كانت ورود هنا كانت عملت الأكل زي كل مرة وكنا وقفنا حواليها في المطبخ نغني ونقطع الخضار الي هو الحاجة الوحيدة الي نقدر نعملها.....  وحشتني اوي يا ملاك...
احتضنتها ملاك تشاركها الحزن والاشتياق للغائبة التي تقتلهم حزنا وألما  في كل مرة يزورانها ورغم انها بدأت في التحسن ببطأ لكن وجودها داخل المشفى تحيط نفسها بصمت الموتى ونظرات الضياع تشوه حلاوة عينيها يكسر قلوبهم جميعا لأجلها...
:- انا كمان وحشتني اوي بس انشاء الله هتخف قريب وهترجع معانا زي الأول انا متفائلة جدا الجلسات الي بدأ يعملها دكتور طارق بإنتظام ليها بدأت تجيب نتيجة كويسة وهي بدأت تتفاعل حتي لو بالنظرات مع اصواتنا.
ورغم كلماتها المطمئنة القوية هربت قطرة دمع من عينيها الحساستين تظهران كم هي حزينة لأجل صديقة الروح الرابعة.
  ابتعدت ملاك عن تمارا وهي ترسم ابتسامة واسعة تحاول بها طرد الحزن الذي بدأ يخيم علي الأجواء ثم لكزت صديقتها بابتسامة وهي تشير بطرف عينيها الي الاتجاه الذي سلكه زوجها الي الداخل قائلة بمزاح..
:- بس ايه الجمدان دا يا تيمو انتي عملتي ايه في ابو الهول الي سنانه كانت بتخاف تشوف الشمس .
ضربتها تمارا بقدمها في ساقها بينما تجيبها بغيظ..
:- متقوليش ابو الهول علي جوزي حبيبي يا حلوفة انتي .
تأوهت ملاك بخفوت لكن ابتسامتها عادت سريعة وهي تتلاعب بحاجبيها تستفز الأخري بمشاغبة ..... 
:- الله الله جوزي حبيبي مرة واحدة لا دا الوضع خطير بقي.
ضحكت تمارا رغما عنها بينما تصطدم عمدا بصديقتها..
:- يا بت اتلمي بقي وبلاش انتي دا انتي بتيجي سيرة حارس بحس ان طلعلك جناحين وطايرة في السما...
اتسعت ابتسامة ملاك مع ذكر اسم حارس وعينيها تشتعلان بحب لم تنقص السنوات والأحداث منها شيء تنهدت وعادت بنظراتها التي تخضبت بالحيرة الي صديقتها وابتسامتها تختفي..
:- انا بحبه اوي يا تمارا.
صمتت الأخيرة تاركة لها الفرصة لتتابع نافضة عنها كل همومها..
:- بس خايفة اوي يا تمارا..  خايفة نبعد تاني خايفة وقت المواجهة يجي واعرف اسبابه ورغم الحيرة الي قربت تجنني وانا شيفاه بيعمل كل حاجه يثبتلي بيها اد ايه بيحبني حتي وهو مسافر في شغله واد ايه مهتم بيا لدرجة انه بيتصل بيا حتي وقت الغدا عشان شغله واخد اغلب الوقت بحس اني ضايعة ومش قادرة افهم هو حبني فعلا وقتها ولا حبني دلوقتي طيب لو بيحبني ليه سابني لي وجع القلب انا خايفة اسمع اسباب تبعده تاني وانا زي الهبلة رجعت احبه واتعلق بيه كل يوم اكتر من التاني كأن السنين الي بعدنا فيها عن بعض كانت سراب.
تنهدت مرة اخري ثم قالت بابتسامة سخرية..
:- انا مجنونة صح.
هزت تمارا رأسها بإيجاب ثم اجابت بصدق.
:- اكيد مجنونة..  هو الحب كدا بيحولنا لشوية مجانين اسأليني انا.
نظرت اليها ملاك بتسائل فجذبتها الأولي من يدها تصعد معها الدرج المؤدي للطابق العلوي..
:- تعالي بس نتفرج علي البيت وانا هحكيلك علي كل حاجة..
ما ان استقرا اخيرا في المطبخ بعد جولة في كل انحاء المنزل الذي نال اعجاب ملاك قالت تمارا بصوت خفيض سريع كأنها تبثق الكلمات من فمها بينما تجاور الأخرى امام حوض المطبخ يقمن بغسل الخضروات..
:- ريهام كلمتني تاني.
نظرت صديقتها اليها بتعجب رافعة احد حاجبيها بضيق..
:- وعاوزة ايه منك البومة دي.
تهربت تمارا من نظرات ملاك لكن الأخري ادارتها اليها بعنف وقد تقمصت سريعا دور الأم الحازمة..
:- انتي رجعتي تسلمي ودانك للبت دي...  انتي مبتحرميش يا تمارا هي مش دي نفس الزفتة الي قولتي بنفسك انها كدابة وانها عيشتك في وهم وخوف من رضوان سنين طويلة.
ابتلعت تمارا لعابها وقد تقوست شفتيها بطفولة وعينيها تستجديان العطف والتفهم من صديقتها التي تحولت نظراتها الحساسة لأخري قوية وصارمة جعلت الأخيرة تعترف بكل شيء بلا ادني مقاومة...
:- والله هي الي بعتتلي كتير ومن ارقام غريبة وقالتلي انها بس بتحاول تحذرني وبعدين انا....  انا كنت عاوزة اعرف هو مان بيعاملها زيي ولا لا.  .
عقدت ملاك حاجبيها بحيرة..
:- مش فاهمة معلش يعني ايه بيعاملها زيك ولا لا...
تهربت تمارا بعينيها مرة اخري بينما تهرب الكلمات منها علي استحياء..
:- كإنها كل الدنيا..
ظلت ملاك علي حيرتها بينما تابعت تمارا وعينيها تشردان وابتسامة ناعمة تظلل شفتيها..
:-  كأن كل الكون في كفة وانا في كفة.. كل الحنية الي في الكون بتتجمع في كلمة واحدة منو. وكل الاحتواء الي ممكن احتاجه في عمري كلو في حضن واحد منو.
شهقت خارجة من تلك الحالة الحالمة التي سقطت بها مع شعورها بقرصة عنيفة علي زراعها...
نظرت بسخط الي صديقتها التي اشتعلت النيران داخل عينيها..
:- انتي بتستهبلي يا تمارا... 
:- لا مش بستهبل يا ملاك انا بتإيد فيا النار كل مرة بتخيل فيها ان ريهام كانت مكاني وكان بيعاملها بنفس الطريقة.
كان دفاعا واهيا عن نفسها وكما العادة في كل مرة تفكر فيها بنفس الطريقة يصيبها الغضب من نفسها فتابعت بهم يضيق له صدرها...
:- انا عارفة ان مش من حقي اسأل عن حاجة شخصية كانت بين راجل و...
توقفت غير قادرة علي النطق بالأكلمة الأخيرة (زوجته) لا تعلم متي بدأ يصبح كونه كان متزوجا ازمة تصيب قلبها بموجات من الضيق..
تشتعل النيران فيها ما ان تتذكر انه كان لأخري غيرها مكتوبة علي اسمه ولها الحق فيه وفي وجوده يبثها كل الحنان والدلال والاحتواء الذي يغمرها بهم...
:- انتي فعلا مش من حقك يا تمارا...  بس انا حاسة بيكي انا كمان بفكر سعات بنفس الطريقة...  بموت لما افتكر ان واحدة تانية كان الأولي..  كانت الأحق مني في حارس وعارفة ان دا كان حقها وقتها ومش من حقي ادخل خاصة اني لو ركزت ومشيت ورا الشيطان هخسر نفسي وهخسر اي سعادة ممكن تجمعني بحارس لأني عمري مهقدر استمتع بحبه وحنانه وانا شاغلة تفكيري هو اداهم لواحدة غيري ولا لا....
ثبتت نظراتها الحازمة علي عيني الأخري قائلة بثقة..
:- مش مهم يا تمارا...  مش مهم حبها ولا لا مش مهم كان في أولي في حياته ولا لا مهما كان الموضوع مؤلم المهم انك الأخيرة...  انك الوحيدة الموجودة دلوقتي وان حبه وحنانه واحتوائه وكل حاجه فيه بتاعتك انتي وليكي انتي مش لحد تاني ولازم تحافظي عليه وعلي بيتك مينفعش ابدا تسلمي ودانك لواحدة انتي عارفة كويس انها مهما اتمسكنت  فهي عمرها مهتتمنالك الخير  وعارفة انها كدابة وبتتلون زي الحرباية متخربيش بيتك يا تمارا.
تنهدت الأخيرة بضيق ..
:- انا عارفة كل دا وعشان كدا بقولك اني بقيت زيك..  مجنونة...
لكزتها ملاك قائلة بمزاح..
:- المجانين في نعيم يا بنتي....  خلصي بقي وبطلي لك عندنا شغل كتير عوزين نعمله..
هزت تمارا رأسها توافقها ثم قالت تغيظ ملاك..
:- مشفتيش شكل الجنينة بعد ما مصممة الحفلات زينتها بقت تحفة فنية.
تطلعت اليها تمارا باحتقار ثم حولت عينيها عنها بينما تقول بتبرم..
:- مهو في حلوفة اسمها تمارا رفضت تخليني اشوفها قال ايه مفجأة مش فالحة بس غير في انك تمرمطيني معاكي في اللف علي الحاجة الي انتي عوزاها و عمايل الأكل الي انا مش متفائلة بيه دا.
دافعت تمارا عن طعامها الغالي بثقة بعدما افنت فيه وقتا وجهدا لا يستهان بهما...
:- فشرتي دا هيبقي زي الفل انا متأكدة هبهرك اسمعي كلامي دا نا الشيف بوراك مصر بس مخدتش فرصتي بس...
ابتسمت لها ملاك بسخرية ولم تجب بشيء...
بعد ساعة كاملة من مكوثهم في المطبخ وقفت كلتاهما امام الصينية الزجاجية التي اخرجاها من الفرن وقد تحولت لشيء غريب الهيئة اسارت ملاك الي الطعام باشمئزاز..
:- ممكن الشيف بوراك المصري يقولنا ايه العك دا... 
نظرت تمارا بعيدا تتهرب من المواجهة بينما تصفر كأن الكلام غير موجه لها فلكزتها ملاك بغيظ..
:- بتصفري جايلك نفس يا بعيدة انا نفسي هتتسد عن الأكل عمري كلو بسببك لا وعمالة تقولي هبهرك هبهرك..
ضحكت تمارا بلا ارادة وهي تجيبها باستفزاز..
:- بزمتك منبهرتيش..
تطلعت اليها ملاك بشر لتهرب منها تمارا قافزة خارج المطبخ بينما ضحكاتها تتبعها..
:- انا هروح لرضوان عشان ينقذنا بأكل جاهز...

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن