الفصل السابع والثلاثون

462 26 5
                                    

نظرت اليه بتساؤل حذر ليجيبها بكل ما قصته نورة عليه لتتسع عينيها مع كل كلمة وقلبها يخفق بعنف داخل صدرها خوفا وغضبا ولكنها احتوت كل هذا في لحظة لتتحول عينيها كما ملامحها لكتلة من الجليد .....
:- مش مشكلتي....
:- يعني ايه...
تعابير وجهها الفاتنة التي فقدت ابتسامتها وتلبست قناع اسود من الغضب المكبوت الذي ظهر بوضوح في صوتها ...
:- يعني انا اتفقت معاك انك هتخلص عليها بطريقه جافة من غير نقطة دم او حتي اي تدخل مني او منك وانت اخدت الفلوس علي اساس كدا يبقي مش مشكلتي انك فشلت...  هي لازم تموت لان لو كلمة واحدة خرجت منها انا وانت هنروح في داهية...
ضحك بسخرية ثم اجابها بغلظة...
:- لا يا حلوة انتي لما جيتيلي كنت هتخلصي عليها لوحدك بجرعة مخدر زايدة وكل الي كان عليا اني هجبلك المخدر بمعرفتي لكن انتي الي اتجننتي في اخر لحظة ورميتيها عليا وهربتي وانا قولتلك مليش في القتل....
ارتفعت زاوية شفتيها بخبث وهي تكمل عنه بسخرية..
:- لكن ليك في حقنها بمواد تخليها تنتحر من نفسها جريمة من غير اي نوع من الخطر مش دا كلامك...
:- ايوة كلامي لكن انا مكنتش اعرف ان حد ممكن يكتشف وجودها في المصحة...
:- ميخصنيش يا وليد...  البنت دي لازم تموت لإن اي كلمة هتطلع منها هتودينا في ستين داهية وانت عارف.
برقت عينيه بغموض ثم اجابها بلهجة باردة وابتسامة ثقة خبيثة ترتسم علي شفتيه...
:- لا....  هتروحي انتي في داهية انا مليش اي دخل بالموضوع....  البنت مشفتنيش في حياتها ولا مرة والمصحة انا سبت الشغل فيها من زمان ومبقاش ليا علاقة بيها من قريب ولا من بعيد...  يعني انا خارج اللعبة تماما...
رفهت احد حاجبيها وسألت بسخرية...
:- يعني ايه...
:- يعني شيلي شيلتك يا حلوة...  انا خلاص الموضوع خرج من ايدي مبقاش ليا دخل لا بيكي ولا...  بأختك...
وبدل من ان يحتوي الغضب او الخوف ملامحها افلتت منها ضحكة عالية مائعة ثم مالت علي الطاولة تقترب منه وعينيها تلتقيان بعينيه فاجفل من النظرة السوداء المضطربة التي شعت منهما...
لقد كانت ملامحها الفاتنة في ابشع صورها مع ابتسامة تشع خبثا وعيون تلتمع شرا...
:- لا يا دكتور...  انت مش برة اللعبة ولا حاجة انت اصل اللعبة كلها عارف ليه.....
تسلل شعور بارد كالجليد تحت جلده خوفت من ابتسامتها التي ازدادت شرا وعينيها التي اصبحت ككرتين من النيران...
:- هقولك بس قبلها هعترفلك بحاجة صغننة....
لمست بأناملها كفه الموضوع علي الطاولة تداعبه بخبث وهي تتابع ومع كل كلمة يتسلل الخوف اليه اكثر...
:- انت عارف انا اخترتك ليه يا دكتور رغم ان فيه ألف غيرك يخلص الليلة كلها في اقل من ساعة وبنص المبلغ انت عارف الفلوس ليها سحر برضو......  عشان انا مبحبش الخطر بحسب كل حاجه كويس اوي خطوة بخطوة.....
ابتسمت له ابتسامة مثيرة ويدها لازالت تداعب يده رغم عدم انتباهه لحركاتها وعينيه تنظران الي عينيها باتساع...
:- لأنك فاكر نفسك ذكي يا وليد...  انا اخترتك لأن فيك كل العوامل الي انا محتجاها....  عشان انت غبي باختصار.... وواثق من نفسك بزيادة  كل كلمة اتكلمناها سوي من يوم اتفاقنا متصورة صوت وصورة يا دكتور دا غير ملف صغنن كدا فيه كل بلاويك من يوم ولادتك لحد انهاردة كل دول هيطلعو للعلن في اول فرصة لو هي مماتتش دا معناه انو يا انت يا هي.  ..
:- انـ.... انتي اكيد مجنونه انتي كدا بتودي نفسك في داهية معايا....
ضحكة اخري مائعة ونظرة اخيرة حملت جنونا صافيا ارتجف له قلبه...
:- :- ابدا انت لوحدك الي هتروح في داهية يا دكتور وليد..... لان اخت البنت الي معاك في كل السجلات القانونية ماتت من يومين في نفس اللحظة الي خرجت فيها من هنا بعد اخر مقابلة بينا.... لكن انت لسه عايش... مش قولتلك الفلوس ليها سحر....
ابعدت كفها  عنه واستقامت لترحل ولكنها لم تنسي ان تهديه ابتسامة فاتنة وتهمس له بشر..
:- افتكر يا وليد...  يا انت.... يا هي...
ورحلت...
فتحت عليه ابواب الجحيم وتركته ورحلت عينيه تتبعانها بغضب وعقله قد شله الخوف لقد شعر منذ اللحظة الأولي انه لا يتعامل مع شخص عادي...
هذه الفتاة ليست عادية ابدا انها كتلة من الشر والذكاء متجسدة في جسد فاتن مغوي ووجه رائع الجمال...
لقد كان عليه الحذر....
كان عليه الحذر اكثر من هذا قبل ان تضعه  تلك الحقيرة  بين المطرقة والسندان ولا يبقي امامه اي خيار سوي تنفيذ ما تريده هي...
التخلص من شقيقتها....
فهو لن يعرض حياته للخطر لا احد يمكنه الدخول في تفضيل معه لأنه سيختار نفسه بلا ادني تردد...
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
:- هتفضلي كدا كتير...
تسلل صوته وسط الصمت الذي احاط بها مشتتا هالة الحزن التي تحيط بها...
لقد كانت تعلم انه سيأتي...
كانت تعلم انه يكتم غضبا عاتيا خلف كلماته الهادئة...
غاضب منها ولا يحق له ان يفعل...
تجاهلت  شعورها باقترابه كما تجاهلت صوته حتي اجبرها ان تعيره اهتماما بهبوطه علي ركبتيه امام مقعدها حيث تحتضن نفسها فوقه رفعت عينيها الدامعة اليه تعتذر علي ما لا تملك يد لإيقافه...
تعتذر انها لا تستطيع القيام بمسؤوليتها اتجاه تلك الحياة التي تنمو داخلها...
تؤذي نفسها وطفلها كما تؤذي زواجها كما صرخ بها منذ دقائق...
هو محق ان له حق عليها...
طفلها له حق عليها...
هي لها حق علي نفسها لكنها فقط لا تستطيع مقاومة الوقوع في هوة الاكتئاب التي تسحبها ببطأ كلما مر يوم علي اختفاء صديقتها....
تعلم انه وقف معها..
وصنع كل ما باستطاعته لأجلها ولأجل ايجاد صديقتها ولا شيء اخر بيده ليفعله وهي لا تلومه لكنها فقط لا تستطيع التعامل كأن كل شيء بخير...
لا تستطيع وضع الطعام في فمها ومرارة الفقد تغلفه...
وهي لا تبالغ كما اتهمها....
قد لا يفهم علاقتها بالفتيات بل لا  احد في هذا الكون سيقدر ماذا تعني كل واحدة منهم للأخرى...
انهم كقطع احجية يكملن بعضهن هم بلا اي اهمية او معني بدون بعضهم...
انهم ناقصات اذا لم يكن معا...
لقد كانت كل واحدة منهم اللمسة الحانية في حياة الأخرى...
كانت الأم والصديقة والأخت والحبيبة والابنة...
هو لن يشعر ابدا بل لن  يشعر احد بمقدار ذرة مما تشعر به هي وتمارا وملاك لفقدان ورود بهذه الطريقة المرعبة...
انه كفقدان قطعة من الروح...
كفقدان الطفولة والمراهقة والشباب في لحظة..
كفقدان قطعة من تلك الصورة التي تتأرجح بين يديها ليوم زفافها وهم الاربعة ابطالها...
ان ما جمع بينهم لم يكن يوما صداقة عادية لقد كان ما جمعهم ألف موقف صعب...
مئة كارثة ومصيبة...
ما جمع بينهم هو أزمات كلما مروا بأحدها تكاتفوا كشخص واحد تشاركوا التفكير والتدبير والألم...
ما جمعهم كانت ملايين الذكريات...
والضحكات..
وقطرات الدمع...
ما جمعهم كان ستة عشر عاما من الذكريات من الأزمات من السعادة  والحزن والفرح من الترابط.....
لقد كانوا معها حينما فقدت والدها في سن صغير وكانوا معها في مراهقتها حينما فقدت والدتها بعد صراع طويل من المرض ...
لازال دفء احضان تمارا ودموع ملاك وصوت ورود الحنون ورائحة الطعام الذي كانوا يجبرونها اجبارا علي تناوله راسخ في ذاكرتها...
وكانوا معا ايضا حينما فقدت ورود والدتها وانقلبت حياتها رأس علي عقب....
كانوا معا في ازمة ملاك وترك حارس لها...
لقد كانوا يخططون معا لكل شيء مجنون معا..
مغامراتهم الجميلة وضحكات انتصارهم..
لن يقنعها احد ابدا انها تبالغ في حزنها علي قطعة منها شاركتها ايام طويلة وذكريات كثيرة اكثر مما تستطيع استرجاعها...
هي لا تبالغ ابدا في حزنها ولا تملك القدرة علي تحمل الألم الذي ينتجه الخوف ويزداد يوما خلف الأخر...
انها تعلم انها اكثرهم انهيارا لا تعلم أهذا سببه هرمونات الحمل الذي تضخم اي شعور داخلها ام انها فقط اقلهم قدرة علي المقاومة....
شعرت به يغمرها داخل دفئه الذي كانت تحتاجه في هذه اللحظة اكثر من اي شيء اخر  لتستسلم له تاركة دموعها تنساب بصمت لا تملك اي قدرة لشرح ما تشعر به لا تملك اي طاقة لمزيد من الحزن، التوتر، الخوف، وفقدان الأمل.....
:- حقك عليا انا مقصدتش ازعلك يا حياة لكن مش بإيدي... مينفعش اسكت وانا شايفك يوم عن يوم بتهملي صحتك....
رفع انامله يمسح قطرات دمعها بينما يخبرها بأسف...
:-  عياطك وتعبك دا مش هيرجعها يا حياة ... 
هزت رأسها بنفي داخل احضانه وصوتها يخرج عميقا متحشرج ...
:- مش بإيدي انا عارفه ان معاك حق... عارفة ان ليك حق عليا ولأبننا حق عليا ... بس مش بإيدي والله.....
ربت علي ظهرها بحنان وهو يزفر الهواء بعمق انه لن يكذب ويقول ان تعلقها بهؤلاء الفتيات لا يبهره في كل مرة منذ تعرف علي مجموعتهم...
وكم كان يحسدهم علي ذلك الترابط بينهم الذي يجعلهم كيد واحده في اي موقف تقع فيه احداهما وفي ظهر بعضهما في اي شدة وبجوار بعضهم في اي مناسبة سعيدة...
لكن هذا بدأ يقلقه الأن فبعد اختفاء ورود بدأت زوجته بالدخول في نوبات سهاد طويلة لا تتوقف فيها عن البكاء....
اصبحت تتناول الطعام بصعوبة كأنها تتناول الشوك...
واصبح يموت رعبا في الدقيقة الف مرة عليها وعلي طفلهما الذي تحمله داخلها....
انه لا يسعه تقدير مشاعرها كما تطلب منه اذا كان يراها تقتل نفسها ببطأ .....
:- انا عارف انك بتحبي ورود وعارف اد ايه البنات مهمين بالنسبالك لكن دا مش حل يا حياة مينفعش تمنعي الاكل بالطريقة دي طيب انتي فاكرة ان ورود لو هنا كانت هتوافق علي الي بتعمليه دا... 
لم تجب علي كلماته سوي بمزيد من الدموع الصامتة...
ماذا يفعل اكثر مما فعل...
لقد حاول بكل جهده للبحث عنها لأجلها لكن ليس بيده شيء وهو لن يتركها تزوي امامه هكذا خاصة مع ما قاله ذالك الضابط...
ورود قد لا تعود يوما...
قد لا تكون علي قيد الحياة من الأساس...
ومع تلك الخاطرة قال بأسف وكل حرف يخرج منه كان حازم كأنه يريدها ان تقتنع به..  
:-  الي انتي بتعمليه دا ليه فايدة يا حياة هيساعدها بأي طريقة؟!.......  حياة اقتنعي ان مفيش في ايدنا حاجه... الامر بايد ربنا.... ملناش حق الاعتراض لازم نرضي باللي هيحصل...
اجهشت بالبكاء وهي تفهم معني كلماته جيدا...
عليها ان ترضي بفقدان ورود...
عليها الاستسلام لواقع انهم قد يصبحوا ثلاثة فقط...
ان احجيتهم ستكون ناقصة دائما....
لكنها لن تصدقه....
لن يقنعها ابدا ان ورود  لن تعود...
لن يقنعها احد ان تتوقف عن الخوف القلق والحزن حتي عودتها ...
لن يقنعها احد بانها يجب ان تكون افضل وهي علي وشك فقدان قطعة من روحها...
فاذا كان اياد قد امتلك قلبها فملاك وتمارا وحياة وسيف يمتلكون قطع من ذكرياتها قطع من ماضيها من حاضرها قطع منها...
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
هل يمكن لصوت احتكاك اطارات السيارة علي الأرض الخشنة ان يغمر احدا بالأمان...
ان يرسم بسمة بلهاء مشتاقة علي الشفاه...
هل يمكن ان يرفرف القلب لسماع صوت الباب يفتح وكأنه يكاد يقفز مستقبلا القادم ..
هل يمكن للمرء ان يبهجه صوت تصادم المفاتيح معا كأنه اعذب صوت في الكون...
تحركت بخطوات متسعة لملاقاته علي الباب كطقس اعتمدته منذ عاد للعمل...
تستقبل حضوره بابتسامة صغيرة علي شفتيها وعيون يضيئها الاشتياق اليه...
فيقابلها بابتسامة واسعة يظهر غمازته القاتلة وكأن قلبها يتحمل مزيدا من حسنه..
وزراعيه تتسابقان لضمها اليه يرفعانها ليدفن وجهه عند جيدها لتبتسم كما كل مرة يفعل بها هذا...
يعاملها كلعبة صغيرة الحجم رغم انها طويلة القامة لكنه اطول بالطبع بقدر لا بئس به  وليست ضئيلة الحجم لكنه يشعرها دوما أنها كذلك...
وهناك  جانب انثوي خبيث منها يعجبه ذلك بشدة...
انزلها اخيرا الي الأرض ورأسه تنحني معها حتي ابعدها عن عنقها لينظر الي عينيها البنية المشرقة وابتسامته لا زالت تلطف من خشونة ملامحه...
:- ميحرمنيش ابدا من الاستقبال الحلو دا يا طمطم...
ضحكت وهي ترفع كفها لتداعب وجنته قائلا بلهجة طفولية..
:- وميحرمنيش من ضحكتك الحلوة دي ابدا... عملت ايه في صفقة النهاردة انا متوترة من الصبح كإني مستنية نتيجة امتحانات المدرسة....
ازدادت ابتسامته وعينيه يغمرهما الحنان وصوتها اللطيف يتسلل الي قلبه يغمره بالحب اكثرا كأنه يستطيع تحمل المزيد...
انها لا تتوقف عن ملئ قلبه بالحب...
وملئ حياته بالاهتمام وكم كان يفتقده...
كم كان يفتقد ان ينتظره احد كما تنتظره...
ان يشتاق اليه احد كما تنضح عينيها بالشوق له في كل مرة يغيب عنها...
لا لم يكن يريد اي احد...
كان يريد تمارا.  .
تمارا بحنانها الذي تغرقه به كأنها تشكره كل لحظة لوجوده في حياتها...
بعيونها التي تملئ قلبه بالدفء كلما التقت عينيهما....
بابتسامتها التي تظهرها له رغم انه يعلم كم هي حزينة هذه الأيام لفقد صديقتها...
باهتمامها الذي تغرق به كل تفصيلة بحياته حتي عمله الذي لا تفقه فيه شيء لكنها فقط تسأل تقلق وتحاول ان تظهر الفهم لأجله...
لامس وجهها برقة وهو يتصنع البؤس قليلا وقد ساعده تجهم ملامحه الطبيعي ليظهر بمظهر متضايق لتنحني شفتيها بحزن وعيونها تناظره بعطف...
:- انت تعبت اوي عشان الصفقة دي...  دا ظلم انك متخدهاش البرزنتيشن الي عمله الفريق بتاع الشركة كان تحفة...
صوتها الغاضب لأجله والمتعاطف كأنها هي التي خسرت ضرب ذلك الوتر الحساس داخله ليفيض قلبه حنانا لأجلها...
تنهد بعمق ثم قال بجدية...
:- انا... اخدت الصفقة طبعا يا تيمو..
مع اخر كلمة قرص وجنتها بلطف لتتسع عينيها ثم ابتسامتها ثم عبست وهي تضرب يده تبعدها عن وجهها..
:- بتضحك عليا يا رضوان وانا عماله اقولك اني متوترة من الصبح عشانك... انا غلطانة اصلا..
تركته واتجهت عائدة الي المطبخ حيث كانت تجهز الطعام الذي صنعته الخادمة صباحا قبل رحيلها...
ظلت عينيه تتبعانها ترتسم الابتسامة فيهما كما ترتسم علي شفتيه...
وضعت اخر طبق علي طاولة الطعام بعد دقائق ولازال غائبا عنها منذ تركته في الخارج...
تذمرت بصوت خفيض منه ولكن قلبها كان يهفو اليه مرددا ألف كلمة حلوة لأجله  ...
انها تشكره شكرا لا تكفي الكلمات لوصفه...
تشكره علي حنانه علي احتواءه لنا علي اعطائها كل ما تمنته يوما..
وتشكره لوقوفه بجوارها  في مشكلة ورود..
لقد كان يقسم وقته بين عمله وبين البحث عن صديقتها لأجلها...
انها تشكره علي فعل هذا لفتاة لا يعرفها ولا تربطه بها اي علاقة سوي انها صديقتها...
تشكره انه اشعرها لأول مرة ان لها من تعتمد عليه..
ان هناك من قد تميل عليه فيسندها كي لا تقع..
لقد جلست لأول مرة في الزاوية تبكي بدلا من كتمان الألم داخلها والبحث عن مخرج في مشكلتها لأنه ليس هناك من سيعلم حتي انها في مشكلة سوي صديقاتها...
لقد كانت دوما تواجه الحياة وحدها...
لكنه هنا الان...
يضمها اليه في كل مساء يسمح لها بإفراغ دموعها علي صدره..
يعدها في كل مرة انه لن يصيبه اليأس  لأجلها وسيفعل اكثر مما فعل ليجد صديقتها....
انه يشعرها انها عادت طفلة تشكو همها لوالدها مع فارق ان والدها لم يكن يهتم يوما بما تقول لكن رضوان يهتم بكل حرف...
يتجهم وجهه حزنا لأجل حزنها..
ويبتسم و يداعبها ليسرق بسمة من شفتها...
يحتوي قلقها وخوفها...
لن يكفي عمرها شكرا لوجوده...
لن يكفي اي شيء ليعبر عما تشعر به تجاهه...
تسلل صوت كاظم الذي يدمن رضوان صوته اليها فعلمت انه قادم فخق قلبها يرحب به كما العادة والكلمات تتسلل الي قلبها فتغمرها بغبارها السحري كما كل مرة وهي تشعر انها رسالة منه اليها...
"ياربُ قلبي لم يعد كافيا
لأن من أحبها تعادلُ الدنيا
فضع بصدري واحداً غيره
يَكُونُ فيه مساحةِ الدنيا
حُبُكِ يا عميقةَ العينين
تطرفٌ، تصوفٌ، عبادة
حُبُكِ مثلُ الموتِ والولادة
صعبٌ بأن يُعادَ مرتين..."
صوته اقترب اكثر وهو يدندن مع الكلمات فتأملته بعيون لا تشبع من طلته...
شعره مبلل تتساقط قطرات الماء علي قميصه المنزلي القطني بأكمامه الطويلة ولونه الرمادي تغزوه بقع الماء الداكنة التي ماثلت لون سرواله..
تنهدت بأن لا فائدة وهي تقول له بلوم...
:- رضوان الجو بقي سقعة هتاخد برد من شعرك المبلول دا...
ابتسم لها وتجاهل ما قالته تماما وهو يكمل دندنته مقتربا منها حتي وصل اليها ليلتصق بها يحتضن خصرها ورأسه الداكن انحني اليها ليهمس قرب اذنيها ببقية الكلمات التي اختفي صوت المغني الذي يغنيها من خلفها وكأن اذنها ترفض سماع احد غيره وقلبها يطرق بسعادة جدران صدرها...
"عُدي على اصابعِ اليدينِ ما يأتي
فأولاً، حبيبتي انتي
وثانياً، حبيبتي انتي
وثامناً، وتاسعاً، وعاشراً
حبيبتي انتي، انتي
حبيبتي انتي، أنتي انتي انتي
حبيبتي انتي"
تنهدت بعمق وهي تغمض عينيها تستمتع بصوته الذي يغزوها ويستوطنها وكل خلية فيها تهتف بأنه من يعادل الدنيا...
هو الحبيب الذي تهواه الروح..
لو انها فقط تملك بعض الشجاعة لأخبرته...
لقالت له كيف تسلل اليها حتي اصبح حبه يجري مجري الدم في جسدها..
لأخبرته كم كانت ضائعة من قبله...
لكنها لا تمتلك الجرأة لتعترف له...
ليس قبل ان تعلم انه يبادلها الشعور...
ليس قبل ان تتأكد انها تعني له بشكل اكثر من مجرد ابنة عم وزوجة اجبر تقريبا عليها ...
كيف ستتأكد لا تعرف لا تريد التفكير في هذا الأن فهذه الخاطرة تشعل داخلها نيران حارقة من الغيرة وهي تتخيل انه كان يعامل زوجته السابقة بنفس الطريقة...
حسنا انها تعلم ان هذا غباء منها فهي كانت زوجته حقه ولا دخل لها بما كان يفعله لها لكن هذا لا يمنع قلبها من الاشتعال...
من الخوف...
ماذا اذا كان احب ريهام...
ماذا اذا كان طلقها في لحظة غضب ماذا ان اراد العودة ماذا اذا لم يكن يحبها هي هل سيحب غيرها يوما...
تنهدت بضيق وهي تبتعد برفق عن زراعيه ثم نظرت اليه تنظر اليه بابتسامة مصطنعه لم تصل لشفتيها...
:- انا جهزت الأكل عارفة انك اكيد جعان...
لم يعلق علي ابتعادها وقد توقع انها تفكر في صديقتها كما تفعل كلما شردت هذه الايام...
اشار للطعام ثم قال بلطف لم يظهر مع صوته الخشن لكن قلبها استشعره جيدا...
:- مش هتاكلي...
:- هاكل انا كنت مستنياك...
رأت عينين تضيء بنظرة دافئة وهو يجذبها لتجلس علي مقربة منه..
:- قولتلك قبل كدا متستنيش يا تمارا انا بتأخر...  متفضليش جعانه عشاني...
ابتسمت له وهي تضع الطعام في طبقه وتقول بنعومة صادقة...
:- مبيجيليش نفس اكل من غيرك...
رفع كفها يقبله ممتنا لكلماتها التي تغمره بالسعادة بعفويتها وقلبه يشكر الله لأجل هذا الحلم الذي يعيش فيه فالواقع لا يكون ابدا بهذا الجمال...
ولا جمال كجمال تمارا في عينيه...

كل الدروب تؤدي اليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن