الفصل الثامن و العشرون

489 23 8
                                    

كم أتتوق للُقياكى على شاطئ الحلال، نركب سويا قارب الحياة، لنبحر ببحرها الواسع بقلبين متعانقين، و يدين متشابكتين و روحين ذائبتين فى زبد العشق و الغرام.
تتلاطمنا أمواجها الهادئة لنتخطاها سويا بمجاديف الحب حتى نصل إلى بر النهاية و مسك الختام يا من امتلكتى القلب و سحرتى الروح و عانقتى الوجدان.

بعد انتهاء الدوام بمكتب صهيب..
أخذ الأختان في سيارته و انطلق بهما إلى أحد المقاهى الراقية، و فى الطريق أتاه اتصال من شقيقه فأجابه على الفور..
ــ أيوة يا علاء...لا أنا مش هروح البيت دلوقتي.. أنا معايا جنة و جنات خارجين شوية.
ابتسم علاء بسعادة خفية ثم سأله مترقبا:
ــ خارجين فين يعني؟!
ــ لسة مش عارف.. ممكن نروح كافيه رومانس.
رد برجاء واضح في نبرة صوته:
ــ ما تيجي النادى... أنا هنا أنا و ماما؟!
ــ هى قاعدة معاك دلوقتي؟!
ضحك علاء بعدما استشعر قلقه من نبرة سؤاله ثم قال:
ـــ لا يا سيدى متقلقش... هى قاعدة مع صحباتها و أنا بلعب بلياردو.
زم صهيب شفتيه بتفكير ثم قال:
ـــ لا لا يا عم خلينا فى المضمون.
جز على أسنانه بحنق ثم صاح به:
ــ متبقاش رخم بقى يا أخي!!
قطب ما بين حاجبيه باستغراب متسائلا:
ــ في ايه يا علاء... انت عايز ايه بالظبط؟!
ــ يا متخلف عايز اقعد مع جنات...عايز اشوف كدا هتستطلطفنى و لا لأ؟!
رفع حاجبيه بتعجب ثم نظر لجنات فى المرآة الأمامية و قال بارتباك و هو يُخفض صوته:
ــ حسك عينك تكلمها فى حاجة.... اصبر شوية.
زفر علاء بنفاذ صبر ثم قال:
ــ ماشى يا سيدى... تعالى بس و متقلقش.
ــ ماشي يا باشمهندس فى الطريق... بس يا ريت متعرفش ماما...
ــ أوكى
ــ سلام. 
أغلق صهيب الخط ثم حمحم قائلا:
ــ احم... علاء فى النادى و مستنينا هناك... يعنى فرصة نقضى وقت لطيف.. ايه رأيكم؟!
ردت جنة:
ــ ماشي يا متر... أهى أى حتة تلمنا و خلاص.
ضربتها جنات من كتفها بغيظ، فتأوهت جنة، بينما صهيب ضحك و قال:
ــ سيبيها يا جنات... دى أصلا حالتها ميؤس منها...لسانها عايز الـ
قاطعته بنبرة تحذيرية:
ــ الـ ايه؟!... ايه يا متر شكلك اخدت عليا زيادة عن اللزوم.
ــ يا بنتى انا حاسس إن أنا اللى خطيبتك.
ــ عيبة فى حقك دى يا متر.
هز رأسه بنفاذ صبر ثم قال:
ــ انتى تكتمى خالص لحد ما نوصل... لا و بعد ما نوصل كمان.
هزت رأسها بايجاب و هى تكتم ابتسامتها بشق الأنفس حتى لا تثير غيظه... فكفاه غيظا هذا اليوم. 
بعد حوالى نصف ساعة وصل صهيب بهما الى النادى و كان علاء فى انتظارهم بالقرب من البوابة الرئيسية.
أخذهم علاء و ذهبوا إلى مقهى النادى و جلسوا جميعا على إحدى الطاولات الهادئة نوعا ما و طلب لهم حلوى و مثلجات.
كان صهيب و علاء يجلسان بجوار بعضهما و فى الجهة المقابلة جلست جنة و جنات.
بعدما تناولوا الحلوى، حمحم علاء ثم تحدث بتوجس و هو يغمز صهيب بعينه:
ـــ احم...بقولك يا أستاذة جنات... المتر صهيب موصينى فى التليفون انى أخليله الجو علشان يتكلم مع خطيبته براحته.. فمن الآخر كدا تعالى معايا نتمشى فى تراك الجرى شوية بدل ما نكون زى العُزال كدا بينهم.
اتسعت عينى صهيب بمفاجأة من كلامه و نظر له بحنق و هو يجز على أسنانه، بينما جنة نظرت لـ صهيب بغيظ شديد، أما جنات احمر وجهها حرجا و خجلا و قالت:
ــ و الله انا مكنتش عايزة أخرج معاهم أصلا علشان أسيبهم براحتهم بس الأستاذ صهيب اللى أصر علشان بابا يكون مطمن.
رد صهيب ملطفا:
ــ عادى يا بنتى أنا مش مضايق من وجودك... دا علاء هو...
قاطعه علاء سريعا قبل أن يُفسد خطته قائلا:
ــ و ايه المشكلة يابنى ما تقعدوا مع بعض براحتكم... و جنات زى أختى يعنى مش هضايقها.
بلغ الغيظ من صهيب أقصاه و ود لو يُمسكه من تلابيبه و يبرحه ضربا، بينما جنات أخذت تفرك كفيها بخجل، فـ علاء بالنسبة لها غريبا و هي تربت على عدم مخالطة الرجال الغرباء، فحتى ضياء من مال إليه قلبها كانت تحاول تجنبه و عدم التحدث معه إلا فى أضيق الحدود و دائما ما كانت تنهره على ذلك، فكيف ستتغلب على فطرتها الحيية و تسير معه جنبا الى جنب مسافة لا بأس بها؟!
أحست جنة أنها تسببت فى وضع أختها بموقف مُخجل فقالت:
ــ اقعد يا بشهمندس معانا احنا هنقول ايه يعنى...اقعدى يا بت يا جنات احنا لسة هنتجدد على بعض.
اسوّد وجه علاء بعدما فشل مخططه و لم ينبس ببنت شفه، بينما جنات أصبحت فى حيرة من أمرها و أحست أنها بالفعل ستكون عازلا بينهما، و هى قلما تخرج مع خطيبها، فاستجمعت شجاعتها الواهية و قالت بتعابير وجه عادية:
ـــ لا يا جنة عادي... يعنى هو البشمهندس هياكلنى!!.. دا ما شاء الله عليه يعنى ميتخيرش عن الأستاذ صهيب فى ذوقه و أخلاقه.
اتسعت ابتسامة علاء بينما صهيب كتم ضحكته بشق الأنفس و مال قليلا عليه و قال بصوت خافت للغاية:
ــ منشكح انت أوى...ماهى لو تعرف اللى فيها مكانتش قالت كدا.
كتم علاء غيظه و تحدث من بين أسنانه:
ــ خليك محضر خير و اسكت خالص.
نهض من كرسيه و قال:
ــ طاب يلا اتفضلى.
نهضت معه جنات على استحياء شديد و تقدمها بخطوة إلى خارج الكافيه.
كانت جنة تنظر فى أثرها بحب بالغ و بمشاعر فياضة ثم نظرت إلى صهيب و قالت بتأثر بالغ:
ــ طيبة أوى جنات...مش عارفة هعيش من غيرها ازاى بعد كدا..
قالتها بعينين ملتمعتين بندى دمعها و نبرة شجية تقطر حبا خالصا جعل صهيب يتأثر لمشاعرها الفياضة تجاه أختها و قال مُشفقا عليهما:
ـــ يا جنة قصرت الأيام أو طالت، كل بنت فيكم هتتجوز و كل ولائها هيكون لبيت زوجها... كل واحدة منكم هتخلف باذن الله و هيكون عندها أولاد و البيت و الدنيا هتلهيها.. صحيح هتتعبوا لحد ما تتأقلموا على الفراق... بس فى النهاية الفراق محتوم.
تأمل وجهها الحزين ثم ابتسم حين ورد على خاطره أنها ربما تكون من نصيب علاء، و بذلك تصبح الصلة دائمة و الفراق مؤقت... مؤقت للغاية.
ـــ و بعدين سيبى بكرة دا على ربنا...مين عارف.. مش يمكن تحصل أى حاجه تخليها جنبك و معاكى علطول..
قالها صهيب بأمل و رجاء متمنيا فى نفسه أن يتم الله ذلك الأمر... ليس لأجل أخيه... بل لأجل حبيبته و جنته كما أسماها.
تنهدت جنة بعمق و هى تؤمن على كلامه قائلة:
ــ يا رب يا صهيب.
ــ قلب صهيب و روحه...
ابتسمت بخجل طفيف، فهى ليست محنكة فيما يخص أمور العشق و الهيام مثله.
ــ أيوة كدا... خلى الابتسامة الحلوة دى تنور القمر اللى قاعد قدامي دا.
ــ صهيب بقى بتكسف.. انت جريئ أوى على فكرة..
قالتها بانفعال طفيف، فأشار لها بكفه و قال:
ــ خلاص يا ست كاتعة... خليكي قمر زى ما انتى كدا و متقلبيش على رئيسة العصابة.
عدلت من هندام ملابسها بغرور مصطنع ثم قالت:
ــ هو دا... كدا نبقى حبايب.
ضحك و هو يهز رأسه و يضرب كفا بكف و يقول:
ــ يا الله!!...عمري ما شوفت بنت مبتحبش الغزل..
أشارت بسبابتها إلى صدرها و قالت:
ــ أديك شوفت.
ــ شوفت... شوفت جدا..
اعتدل فى جلسته بحيث مال إليها قليلا ثم قال بجدية:
ـــ نتكلم جد شوية؟!
هزت رأسها بايجاب فاسترسل حديثه:
ـــ أنا كلمت باباكى و اتفقت معاه نزوركم يوم الخميس الجاي ان شاء الله علشان عايز أحدد ميعاد كتب الكتاب.
ألجمها الخبر و خالجها شعور مختلط ما بين السرور و الرهبة فى ذات الوقت... فمازال ذلك الفارق الاجتماعي يمثل لها غصة عالقة بالحلق، تعوق طريق الفرح إلى قلبها.
ابتلعت ريقها بتوتر ثم قالت:
ـــ انت متأكد من الخطوة دى يا صهيب؟!
قطب جبينه باستغراب من ذلك السؤال الغريب ثم قال باستنكار:
ــ أومال هو لعب عيال يا جنة؟!...طبعا متأكد... و متأكد أوى كمان... إلاااا... إلا اذا كان انتى ليكى رأى تانى..
قالها بتوجس منتظرا أن تروى جفاف قلبه باقرارها بحبٍ قد سكن فؤادها و استكان، فقالت بتردد:
ــ أنت عارف أنت ايه بالنسبالي و...
قاطعها بسؤاله:
ــ لأ مش عارف...يا ريت تعرفينى..
سألها بجدية تامة جعلها تنظر له لوهلة بتعجب، فأجابته قائلة:
ــ انت بجد مش عارف؟!
هز كتفيه لأعلى و زم شفتيه بتفكير ثم قال بذات الجدية:
ــ مافتكرش انك قولتيلى فى وشي أنا ايه بالنسبالك...يعنى حتى لما جيتي تكوني رقيقة معايا قولتى إنى جميل من جوا و من برا..و بردو معبرتيش عن شعورك ناحيتى...لو تلاحظى إنى أنا اللى طول الوقت بحب فيكي.
ردت عليه و هى مسبلة الجفنين:
ــ صهيب أنا.. احم أنا بحبك بس بصراحه كدا بستحرم أقول أى كلام من دا...بالذات وجها لوجه كدا...يعنى بردو مهما كان انت قدام ربنا و قدام الناس تعتبر غريب عنى...و مفيش داعي للكلام دا فى الفترة الحالية.. انا عارفة انك بتحبنى و انت عارف اني بحبك.. و دا بالنسبالي كفاية أوى على الأقل فى الوقت الحالى...
كان صهيب يبتسم و هو يستمع إليها و يزداد فخرا و اعجابا بها مع كل كلمة تخرج من فمها، يشعر و كأنه قد امتلك من اللآليئ أقيمها، و من الجواهر أثمنها، حوراءه فى الدنيا و جنته هى.
ــ يعني مش علشان مبتعرفيش تعبرى عن مشاعرك؟!
سألها لكي يطمئن قلبه إلى كلامها أكثر، فهزت رأسها بنفى و قالت و هي تبتسم:
ــ الكلام دا بيطلع من القلب مش من اللسان... بس هيتقال فى وقته.. هتسمعه منى فى الحلال.
ابتسم بسعادة بالغة بعدما كاد قلبه أن يهرع من مكانه من فرط هيامه بها لحظة بعد لحظة، ثم قال:
ــ طاب ما أنا مستعجل على كتب الكتاب علشان كدا...لأنى مقتنع إن الرومانسية ليها طعم تانى فى الحلال... و عمرى ما هلمسك غير و انتى مراتى يا جنة.
تحولت ملامحها إلى الشراسة و قالت بنبرة غليظة:
ــ و انت لو عملت كدا... ايدك دى هتوحشك يا متر.
رفع حاجبيه بذهول لوهلة ثم ضحك و قال:
ــ متر ايه بقى... دا أنا هبقى متر إلا ربع..
ضحكت جنة بشدة و قالت بصوت متقطع من فرط الضحك:
ــ يوه... يقطعنى.. لا عاش و لا كان ياخويا اللى يقول عليك كدا... دا انت متر قد الدنيا.

و تشابكت أقدارنا(مكتملة) Where stories live. Discover now