الفصل الثاني و العشرين

548 37 5
                                    

مع من تلعب يا هذا...
ألا تدرى من أكون أنا؟!...
أنا من نسل حواء...
ألم تسمع من قبل أن كيدهن عظيم؟!...
حسنا أنا سأوريك كيف يكون كيد النساء.....

فى صباح اليوم التالى....
وصل صهيب مكتبه و بمجرد أن استقر بمقعده استدعى السكرتيرة مريم ليسألها عن حضور الموظفين و كان بالطبع يقصد جنة، فأخبرته أنها لم تأتى منذ فترة طويلة، فأمرها بالانصراف بعدما غلى الدم فى عروقه... ماذا يفعل لتلك الشقية إذن؟!.. عفوا بل جنية على هيئة أنثى.
بعد قليل أتاه اتصال من أحد افراد الأمن المسؤلين عن العقار، ففتح الخط مُبديا استغرابه الشديد، فلم يسبق لأحدهم أن اتصل به.
ــ صهيب باشا... عربية سيادتك بقالها أكتر من خمس دقايق مشغلة الانذار مع إنى مش شايف حد جنبها...يا ريت حضرتك تنزل تشوف فيها إيه؟!
أغمض عينيه بنفاذ صبر ثم قال:
ـ اوكى انا نازل حالا..
خرج من مكتبه و هو يزفر بعنف، فهذا ما كان ينقصه، اصطدم بـ جنة و جنات عند مدخل المكتب، فوقف أمامهما ثم نظر لـ جنة بسخرية راسما على ثغره بسمة انتصار ثم قال موجها حديثه الساخر لها:
ــ أهلا بالأستاذة جنة...لا و الله المكتب نور بعد ما كان مضلم من غير طلتك الحلوة.
قلبت عينيها بملل ثم تحدثت من بين أسنانها بغيظ:
ــ طبعا منور بيا...و نور جنات زيادة حبتين.
نظر لجنات ثم تحدث بجدية متخليا عن نبرته الساخرة:
ــ أهلا و سهلا بيكى يا جنات...نورتى المكتب و ان شاء الله الشغل معانا يعجبك.
ابتسمت بحبور مردفة:
ــ أكيد طبعا يا أستاذ صهيب.... دا شرف ليا..
هز رأسه بمجاملة ثم أردف:
ــ طيب اتفضلوا استنونى جوا... خمس دقايق بس هشوف المشكلة اللى فى العربية و راجع.
ردت جنات بارتباك:
ــ أاااه اتفضل.. اتفضل..
تركهما و استقل المصعد ليهبط به إلى الطابق الأرضى... بينما جنة بمجرد أن غادرهما حتى انفجرت فى الضحك فأخذت جنات تنهرها بحدة:
ــ انتى كمان بتضحكي..
اجابتها من بين ضحكاتها:
ــ أومال أنا عملت كدا ليه؟!..ما هو علشان أضحك.
هزت رأسها بأسف و هى تقول:
ــ يخربيت عفاريتك لما بتطلعيهم على الخلق...بتبقى جنية بحق و حقيقي...
ربعت ذراعيها أمام صدرها و هى تقول بغرور:
ــ علشان يحرم يشوف نفسه عليا...قال جايبنى لوى دراع عن طريق بابا..
ــ أنا من الأول قولت دا طيب و غلبان و متنفعهوش جنية متعفرتة زيك.
ــ هو اللى بدأ و البادى أظلم.

و على الناحية الأخرى بمجرد أن اقترب صهيب من سيارته حتى جحظت عيناه بصدمة و هو لا يصدق ما هو مكتوب على سيارته من كلمات، انها ليست مكتوبة بالقلم و هذا ما جعل رأسه يشيط و عروقه تبرز من الغيظ، لقد كُتبت الكلمات بآلة حادة بحيث أصبح مظهر السيارة مقزز و يحتاج إلى الترميم..
أغلق صوت الانذار ثم اقترب أكثر ليقرأ تلك الكلمات المحفورة على واجهة السيارة و التى كانت "انت بتلعب بالنار"..
وقف صهيب مشدوها أمام تلك الكلمات... ترى من كتبها؟!...هل يمكن أن يكون مجرم ممن يقف ضدهم فى المحاكم أمام القضاء؟!...هل ممكن أن يكون طفلا مثلا يعبث بالسيارات؟!.. أو... أو جنة!!...بلى هى جنة... و من يفعلها غيرها.. حسنا يا جنة لن أعطيكى الفرصة لتتذوقى لذة الانتصار علي...
صعد صهيب و هو يتمتم فى نفسه" تمام... انتى بدأتى الحرب يا جنة... و هنشوف مين فى الآخر هيفوز"
تجلس جنة بغرفة المتدربين و ابتسامة متشفية واسعة مرتسمة على ثغرها، فأمالت برأسها إلى جنات و تحدثت إليها بصوت منخفض قائلة بشماتة:
ـــ زمانه طالع دلوقتي و ودانه بتطلع نار...أحسن يستاهل.
ردت جنات بضيق من أفعال شقيقتها الهوجاء:
ـــ و هيعرف منين ان انتى اللى بوظتيله العربية؟!
أجابتها بثقة:
ـــ هيعرف...ما هى واضحة زى الشمس...
ـــ طايب أدينا قاعدين لحد ما نشوف آخرة مقالبك دى ايه و هتودينا على فين.
بعد عدة دقائق، جاءت إليهما مريم و أخبرتهما أن صهيب ينتظرهما بمكتبه و انصرفت، فاتسعت بسمة جنة و هى تقول:
ـــ أنا متحمسة اوى أشوف شكله بعد ما بوظتله العربية...زمانه هيطق و قاعد بيكلم نفسه.
ـــ طاب يلا ياختى تعالى شوفى بعنيكى... استرها يا رب.
دلفت الفتاتان بعدما طرقت إحداهما الباب، دلفت جنة أولا فوجدته جالسا بأريحية بمقعده مرتديا نظارة طبية أنيقة زادته وسامة على وسامته و يقلب بإحدى الملفات و هو يبتسم بثقة على عكس نيران الغيظ المشتعلة بصدره...و لكنه لن يمرر إليها فرصة الشماته فيه.
تجهمت ملامح جنة بصدمة من ردة فعله الغير متوقعة، فمن المفترض أن يكون مستشيط من الغضب لا باردا هكذا و كأن شيئا لم يكن.
جلست الفتاتان أمامه، فوضع الملف على المكتب ثم رسم على ثغره ابتسامة سمجة وجهها إلى جنة الجالسة بذهول و شعور بالفشل و الاحباط مسيطر عليها.
كتم صهيب ضحكة شامتة تجاهد للخروج ثم أدار دفة الحديث قائلا بجدية:
ــ أولا بالنسبة للشغل.. جـنات هـ...
قاطع كلماته رنين هاتفه، فنظر لاسم المتصل و ابتسم بمكر، ثم فتح الهاتف و قال:
ــ ها يا عادل...جرشت العربية و جبتلى التانية؟!......طيب ابقى راجع الكاميرات و شوف من العيل الأهبل اللى عمل كدا و هاتلى اسمه و عنوانه علشان أعمله محضر فى القسم...عادى يابنى أنا مش زعلان على العربية دى حاجة تافهة جدا و عندى بدل العربية اتنين و تلاتة...أنا بس عايز أربى الحمار المتخلف اللى عمل كدا...علشان ميعملش كدا تانى مع حد غيرى... اوكى هستنى ردك.
كانت الفتاتان تستمعان للمكالمة بعينين متسعتين من الخوف، فـ جنة لم تحسب حساب لوجود كاميرات تسجل مقلبها الغبى، كما أن اللعبة اتخذت منحدرا نحو الجدية لم تتوقعه...فقد كان كل غرضها أن تثير غضبه... انفعاله و عصبيته فقط لا أكثر... حتى يعلم جيدا أنها ليست بالخصم السهل...و لكن يبدو أن هو من أثبت أنه ليس بالخصم السهل.
ابتلعت جنة ريقها بصعوبة و هى تنظر له فى انتظار استكمال حديثه بعدما أنهى المكالمة و يبدو على ملامحها التوتر و القلق، فقال صهيب باستهزاء:
ـــ تخيلوا عيل حمار و غبى خربش العربية و كتب كلام اهبل زيه فاكر كدا إنه هيغيظنى...بس الحمار ميعرفش ان عندى٣ عربيات و بغير موديل العربية كل سنة...مش شوية خرابيش اللى هتخلينى ازعل و اغضب يا حيوان.
قال عبارته الأخيرة و هو ينظر لـ جنة بشر، فاعتدلت بجلستها و قالت باستنكار:
ـــ نعم؟!.. انت بتكلمنى انا..
ابتسم بسماجة ثم قال:
ـــ لا دا أنا بقول على الحمار اللى خربش العربية..
اغتصبت ابتسامة و تظاهرت بالبراءة ثم قالت:
ـــ اااه... بحسب..
ـــ و طلعوا كام؟!
ـــ ايه دا؟!
ـــ اللى حسبتيه..
ضحكت رغما عنها، فتلك المرة الثانية التى يلعب معها تلك اللعبة و لم تفهمها...فضحك هو الآخر ضحكة نبعت من قلبه تماما كضحكتها، و أخذ يتأمل حاله و حالها و هما يضحكان بصفاء و يحدث نفسه قائلا:
ـــ "فيها ايه يا جنة لو نفضل حلوين كدا و بنهزر و بنضحك من قلبنا بدل لعبة القط و الفار اللى احنا بنلعبها دى!!"
استرسل حديثه بمزيد الغيظ قائلا:
ــ طاب بذمتك الحمار دا....
قاطعته قائلة بانفعال:
ــ ما كفاية شتيمة بقى... كل شوية حمار حمار حمار..ايه؟!..شويه و هنهق و احنا قاعدين..
ضيق عينيه بترقب ثم قال:
ــ و انتى زعلانة ليه يا آنسة جنة...هو الحمار يقربلك و لا حاجة؟!
استطاع أن يثير ارتباكها و أخذت تعدل من هندام حجابها كناية عن توترها ثم تظاهرت باللامبالاة و قالت:
ــ لا طبعا...انا معرفش حمير...
كل ذلك و جنات تتابع ما يحدث و هى تكتم ضحكاتها بشق الأنفس إلى أن أنهى صهيب ذلك الحوار الساخر و استرسل حديثه السابق و قال:
ــ نرجع لموضوعنا...بالنسبة ليكى يا جنات انتى هتبدأى التدريب و جنة هتكون معاكى خطوة بخطوة و هتعلمك كل حاجة...و أى حاجة هتقف معاكم هترجعولى فيها و نتناقش فيها سوا لحد ما تفهموها كويس...مش عايز غيابات إلا لعذر قوى...المكتب الحمد لله شغله كتير و سمعته نضيفة جدا و عايزين نحافظ على السمعة دى.
بالنسبة بقى لمشكلتكم.. أنا كلمت حمزة و اتفقت معاه نتقابل هنا فى اسكندريه يوم الجمعة و هنتكلم و نتناقش لحد ما نوصل لأصل الحكاية و نحلها بالقانون و الرسمي...عايزكم تستعدوا نفسيا للمقابلة دى و أنا طبعا هكلم عمى سيد و هنخرج احنا التلاتة بحجة إنى عازمكم و هنتجمع هنا فى المكتب و طبعا مش هيكون فى حد غيرنا و هنتكلم براحتنا...تمام كدا يا بنات؟!
أومأت الفتاتان و أردفت جنات بامتنان:
ــ تمام يا أستاذ صهيب... أنا مش عارفة أشكرك ازاى...عمرنا ما هننسى وقفتك معانا.
ابتسم صهيب بحب ثم قال:
ــ مفيش شكر بين الاخوات يا جنات...ما انتوا اخواتى بردو...
قالها و هو ينظر لـ جنة بنظرة ذات مغذى قاصدا استفزارها ثم سألها بتوجس:
ــ و لا انتى رأيك إيه يا جنة؟!
ابتسمت بسماجة ثم قالت:
ــ كويس إنك عارف.
ــ عارف ايه؟!
ــ اننا اخوات.
رفع حاجبيه باستنكار و لكنه كتم غيظه فى نفسه ثم قال برسمية:
ــ اتفضلوا يلا ابدأوا شغلكم..
نهضت الفتاتان ثم خرجتا من الغرفة تاركة إياه يزفر بعنف و يضرب كفا بكف و يحدث نفسه و يقول:
ــ يا رب ادينى الصبر و القوة لحد ما اغلبها و تيجى تقولى تعالى نرجع لبعض.

و تشابكت أقدارنا(مكتملة) Where stories live. Discover now