الفصل الرابع

793 47 11
                                    

القلبُ فى عشقِ محبوبهِ هائمُ
و العينُ تتمنى لو من حُسنهِ تنهلُ
وجدانى و روحى و خاطرى يسألُ
متى ترتوى الجوارحُ برؤيتهِ و تنعمُ
و تحتضنُ الجفونُ قسماتهِ و تترنمُ
و يأوى الحبيبُ إلى صدرى مُتيمُ

لم تصدق عينيها التى ترى الآن إسمه يزين شاشة هاتفها...مرت سنوات طوال منذ أن اتصل بها آخر مرة...أخذت تهز رأسها بعدم تصديق و هى تتهجى أحرف إسمه المكتوبة أمامها "باشمهندس حمزة" إلى أن استفاقت أخيرا و فتحت الخط فى آخر لحظة.
لم يُسعفها عقلها لقول أى شيئ، بل بالأحرى لم يترك لها الفرصة لتقول أى شيئ، فقد صاح بها بمجرد أن فتحت:
ــ طبعا خايفة تردى...انتى جرى فى مخك حاجة!!.. انتى ازاى تتجرأى و تنشرى صورتك ع الفيس؟!....انتى عايزة ايه بالظبط؟!.. عايزة عرسان يا بايرة..؟!
جحظت عيناها من كلماته الجارحة، و أجابته بحدة:
ــ أنا بايرة يا حمزة و عايزة عرسان؟!
ــ ادينى مبرر واحد يخليكى تنشرى صورتك..
أخذت تعض على شفتيها و لم تجد ما ترد به، فأردف هو بصياح:
ــ شوفتى اديكى سكتى...دقيقة واحدة يا حيوانة و هتصل بيكى تانى تكونى مسحتيها... مفهوم؟!
ــ بس متشتمش.
ــ لا هشتم براحتى...أصلك عايزة تتربى كمان شوية..
ــ انت بقالك سنين مكلمتنيش فى الفون و يوم ما تكلمنى تشتمنى يا حمزة.
أسكتته تلك الكلمات لوهلة، و لكنه عاد يقول متهربا من الاجابة:
ــ أنا مش عايز رغى كتير..اتزفتى امسحى الزفتة...
هم ليغلق الهاتف إلا أنه سمعها تقول باندفاع:
ــ حمزة أنا جايلى عريس غنى و ماما موافقة عليه...
أُلجم لسانه ما إن سمع استغاثتها، و زادت وتيرة تنفسه للغاية، فقد أحس حينها أنه على وشك فقدانها للأبد.
عندما طال صمته قالت:
ــ حمزة...حمزة...انت سمعتنى؟!
ابتلع لعابه بصعوبة بالغة ثم قال بصوت متحشرج من أثر الصدمة:
ــ امسحي الصورة يا شيرويت...سلام.
ألقى بكلماته بقلب مكلوم ثم أغلق الخط سريعا و هو يشعر بوخذات حادة بقلبه، و كأن أحد ما انتزعه من مكانه ثم ذبحه على مرئى منه و ألقاه تحت قدميه ينزف بلا شفقة.
بينما على الجهة الأخرى، أغلقت شيرويت الهاتف و هى لا تصدق أن هذا هو رد فعله على ذلك الخبر، لقد قتل فيها ثمة أمل باقية بداخلها.
لا تدرى أهو يحبها و يغار عليها لذا أمرها بحذف الصورة، أم أنه فعل ذلك من باب الأخوة..
هوت بجسدها على الفراش و هى تنظر فى الفراغ بصدمة ثم ما لبثت أن انخرطت فى نوبة ضارية من البكاء.
أنهى حمزة عمله فى هذا اليوم المشؤم بشق الأنفس، الأمر الذى لاحظه علاء.
و عند انتهاء مناوبتهما و بمجرد أن دلفا الغرفة، لم ينتظر علاء أن يُبدلا ملابسهما، و إنما انقض عليه يمسكه من تلابيب قميصه و يهزه بقوة:
ــ اسمع ياض... بالذوق بالعافية هتقولى على اللى مزعلك..انت كان شكلك غلط النهاردة و مش مركز خالص..
أغمض حمزة عينيه متنهدا بضيق ثم قال:
ــ علاء حل عنى أنا تعبان و مش فايقلك.
أخذ يهزه مرة أخرى بعنف و هو يصيح بحدة:
ــ قسما بالله ان ما اتكلمت لكون مديك بوكسين ينيموك فى السرير أسبوع.
سكت حمزة بحيرة و تردد و لم يرد، فهزه علاء مرة أخرى قائلا:
ــ ما تنطق ياض.
أخيرا رد حمزة بعدما أزاح عنه يدى علاء و قال بشجن:
ــ بنت عمى اللى بحبها و هموت و اتجوزها جايلها عريس و أمها موافقة عليه.
صُدم علاء، فلأول مرة يعرف أن حمزة متعلق بفتاة و يحبها، و لكنه تغاضى عن ذلك و سأله باستغراب:
ــ و انت ليه متقدمتش ليها من زمان قبل ما حد يخطفها منك.؟!..انت دلوقتي الحمد لله مرتبك كويس جدا و تقدر تفتح بيت.
لوى شفتيه لجانب فمه بإبتسامة تهكمية ثم قال باستهجان:
ــ هو فين البيت دا يا علاء!!...دا أبويا الله يسامحه باع الشقة اللى كنا عايشين فيها بعد موت أمى الله يرحمها علشان يسافر بفلوسها، و رمانى لعمى يربينى و سافر و عاش حياته فى الغربة، و كان بيبعت لعمى شوية ملاليم كل شهر يصرفهم عليا و على تعليمى...و عمى بردو نقاش على باب الله محليتهوش غير الشقة اللى عايش فيها، و قوضة فوق السطوح..و المبلغ اللى محوشه من شغلى يادوب يجيب شقة قديمة فى المساكن الشعبية دا ان لاقيت كمان...و أنا نفسي أعيشها فى شقة تليق بيها.
سكت علاء مليا متأثرا بحديثه، ثم قال:
ــ طيب متأجر شقة كويسة فى مكان كويس.
تنهد حمزة تنهيدة حارة ثم قال:
ــ أمها رافضة المبدأ دا....أصلى كنت لمحت ليهم كدا من سنتين...تخيل أمها ردت عليا قالتلى ايه؟!
شرد بناظريه فى نقطة ما فى الفراغ و كأنه يرى ذلك المشهد أمام عينيه الآن و يصفه ثم أردف بشجن:
فلاش باك.....
حمزة بنبرة ذات مغذى:
ــ احم...انا ناوى ان شاء الله أخطب اليومين دول يا عمى.
تهللت أسارير عمه بسعادة غامرة ثم قال:
ــ أخيرا يا حمزة...ألف مبروك يا حبيبي...و مين بقى سعيدة الحظ.
انفرجت شفتاه ليجيب إلا أن هالة سبقته قبل أن يتحدث قائلة:
ــ و هتتجوز فين يا حمزة؟!...هو انت عندك شقة يابنى!!
لوهلة عجز لسانه عن الرد، فقد صدمته زوجة عمه بسؤالها الغير متوقع، و لكنه رد بجدية و ثقة:
ــ هأجر شقة يا طنط...أنا مقدرش أشترى شقة حاليا...بس الحمد لله مرتبى كويس و اقدر أدفع منه الإيحار.
لوت شفتيها لجانب فمها كناية عن عدم اقتناعها ثم قالت بنبرة ذات مغذى:
ــ و ليه يابنى تبهدل بنات الناس معاك...النهاردة معاك تدفع، بكرة المصاريف تزيد عليك و متقدرش و صاحب الشقة يطردكوا...و تفضلوا تتنقلوا من الشقة دى للشقة دى زى اللاجئين.
رد وليد بنبرة مغتاظة:
ــ و فيها ايه يا هالة...ما الدنيا كلها على دا الحال...لو كل واحد قال زيك كدا...يبقى الشباب مس هيتجوز و البنات هتعنس.
أشاحت بيديها فى وجهه و هى تقول:
ــ لا يا اخويا...اللى مرضاهوش على بناتى مرضاهوش على بنات الناس...أنا عن نفسى مش هجوز شيرويت فى شقق ايجار...اه..هو احنا جايبينهم نستتهم و لا جايبينهم علشان نبهدلهم و نشيلهم الهم بدرى!!
بينما حمزة كان يستمع و نيران الغضب منضرمة فى صدره، يود لو يكسر رأسها و يدهس عنجهيتها بقدميه، و لكنه فى الأخير حاول أن يلتمس لها عذرا كونها أم و تريد الأفضل لإبنتها غافلة عن لوعة قلبه و هذيان روحه باسمها، و حمد الله فى نفسه أنه لم يذكر اسمها أو أنه طلبها بالإسم، فيكفيه جراحا و تمزيقا لكرامته على يد زوجة عمه الأنانية.

و تشابكت أقدارنا(مكتملة) जहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें