البارت السادس عّشر

27.3K 399 45
                                    


مطار بـاريس /
وقف شجاع وفتح جوّاله ، اسبوع ماسمع صوت الهنوف
كانت بينهم مراسلات فقط ، ووصلته رسائل منـها
كانت خايفه وتحاتيه لإنه من يوم كامل مارد
طاحت عينه على رسـالتها الأخيره وأبتسم لاشعورياً لمـا قرأها :
.
لك فتاة بركن هالدنيا تباطاك وتحرى
‏كل ليله تنتقي فستان وتبخّـر شعرها .
.
نبض قلبه بسرعه عجيبه ، لما ماصار بينه وبينها الا اميـال
اشتاق لها اكثر ، طـلع بسرعه ودانه كانت تمشي
و تكلم وعقدت حواجبها لما شافته سبقها وطلـع.
دانه : زين تركي خلاص تطمنت الحين يالله باي
تركي : انزين لحظه شفيج ، اذا احتجتي شي قوليلي
دانه : اوك ان شالله ، مع السلامه
قفلّت منه وهي مستانسه لإنها ضمنت بحياتها احد من اهلها
وعلى ماقال عسّاف ، لو كلهم يرفضونها وواحد يقبلها ماعليها خـوف
وقفت بالشارع ورا شجاع وغمّضت عيونها لما هبّت عليها نسمة هواء بارده طيّرت شعرها وقالت بإنتعاش : يازين هواج ياباريس
شجاع وقف تاكسي واتجه له : ماشاءالله حلو صرتي تتكلمين قطري
دانه حطت شنتطها عنده عشان يركبها وقالت بعجله : الحين ماعليك من لهجتي ، استعجل بسألك
ركبت قبله وهو دخل الشنط بالسيّاره وركـب جنبها
وقال بهدوء : اسألي.
دانه : نسيت اسألك صج ، شسالفه شنو صاير غير ان ام عساف رفضت انه يجيني !
شجاع : ماصار شيء ، بس الهنوف ماتدري اني مسافر لحالي
دانه : واعليا لو تدري بتزعل علينا ، اخّيه بس ليتك ماتعبت نفسك
شوفة عينك انا دبرت عمري وانت بغيت تتورط
شجاع : مايخالف ، المهم اني جبتك للهنوف
دانه شافت الطريق اللي وصلوا له ورفعت كفّها : لحظه لحظه .
وقف هنا خلاص
شجاع : وين خلّيك
دانه : انت كمّل بالسياره وانا بمشي اشتقت امشي بهالأجواء
نزلت واخذت شنطتها وراحت ، شجاع سند ظهره وتفكيره وذهـنه سرحان فيـها لين وصل للعماره وطاحت عينه على متجر ابو غاده ، كانوا مجتمعين عنده وواصل له صوت نوران تغني لهم ، وعلي يطق بالطار وجوّهم رهيـب لكن الهنوف ماكانت بينهم .
ابو علي طاحت عينه على شجاع ووقف بسرعه : ياجماعه ، شجاع رجع
ناظروا محل مايناظر وكشرت نوران : ليش هو سافر اصلاً
ابو علي : شو قصدك ؟
نوران : من يومين انا والهنوف شايفين عساف يغني هون
ماراحوا لدانه بس هاي خطه
ابو علي وابو غاده وعلي قاموا واتجهوا له وسلمّوا عليه بلهفه واستانس لفرحتهم .
ابو غاده : الغدا اليوم عندي و..
قاطعه شجاع : لا اعذرني يابوغاده مشغول ، ماقصرت وخيرك سابق
سمعوا صـراخ البنات والتفتوا مذعورين وشافوا نوران حاضنه دانـه
وتصارخ من الفرح ، وانبسطوا كلهم وراحوا لها بإستثناء شجاع
دخل للعماره ولهفته تقوده بلا شعور منّه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهنوف ، كانت بسريرها ومسنده ظهرها وعينها على جوّالها
شجاع قرأ رسائلها من اربعين دقيقه ولا رد عليها ، اوجعها قلبها وقامت وهي تلم قميصها الوردي لصدرها وملامحها تتهكم وفيها العبره لكنها كتمتها وفتحت البلكونه وانعشها الهواء اللي دخل لغرفتها ، طلعت للمطبخ وعملت قهوتها ساده بدون سكّر مثل ماتحب ، ابتسمت وهي تتذكر كلامـه
حست بالغصه تخنقها وحاجتها بالبكاء زادت ، محتاره
وخايفه ومصدومه ، وماتدري اذا شجاع سافر ولايكذب مثل عساف ، واذا ماسافر وينه ؟ وليش يكذب ومختفي ؟ وش ناوي عليه ؟
ودانه من يسـاعدها ؟ اوجعها قلبها من هالتفكير
جلست وحطت القهوه قدامها عالطاوله وطبت راسها نثرت دموعها غصب عنّها ، هذا كله كوم وسالفة اهلها كوم ثاني
بعد شهر بترجع ، يعني بعد شهر بتبدأ رحلة معاناة طويله معاهم ، واذا بتكسب رضى واحد فيهم ع الأقل بتتعب كثـير
رفعت راسها ومسحت دموعها وقالت بحده : طز ، ماراح ابرر لأحد ، وماراح اسمح لهم يتكلمون فيني حتى جدتي !
لو تكلمت مره ثانيه بوقفها عند حدها .
انفتح باب الشقّه وانصدمـــت ورجف كل جسمها من الصدمه والربكه " من معاه مفاتيح شقتي غير دانه ؟" معقـوله دانه ؟ معقوله رجــعت ؟
فزت بدون شعور مثل المجنونه واول ماطلعت للصاله ارتخت ووقفت خطواتها وتوسعت حدقة عينها لمّا شافته ، ناظر فيها بهدوء وارتسمت على محيّاه شبه ابتسامه وقفل الباب .
تقدّم لها بخطوات هاديه وعينه تدرس ادق التفاصيل فيها
الشوق و جمالها و الحزن والصدمه اللي بعيونها سـالفه ، ودموعهـا سالفه ثانيه ، عقد حواجبه وهو يحس الدنيا كلها ضدّه وهي تبكي قال بصرامه : علامك تبكين !
الهنوف رغم فرحة العالمين اللي بصدرها ، ورغم حاجتها الشديده لحضنه الا انها كابرت على نفسها وقالت بصرخة قهر : وينـك ، ماكنت مسافر ! وليش ماترد على رسايلي
بعد لحظات استوعب كلامها وقال بهدوء : وش تقصدين ؟
الهنوف : قبل يومين شفنا عساف بباريس ، يعني ماكنتوا مسافرين ، يعني لا ساعدتوا دانه ولا ظليتوا معانا ، وين كنت شجاع بسرعه !
ضحك بنصف كلامها ضحكه عفويه بسبب كلامها وانفعالها وناظر بعيونها وهي ترجف من قوة مشاعرها اللي اندمجت مابين فرح وقهـر.
شجاع : هذا إستقبالك لي ؟
الهنوف استوعبت وصدت عنه ومسحت دموعها بيد راجفه
وملامحها تشرح كمّية التعب اللي فيها .
قرب لها بصمت واحتواها بحضنه ولا اعترضت ، شدت نفسها عليه وماقدرت تسيطر على دموعها وهمست بغصه : حيل اشتقتلك حيل
طبع بوسه على راسها وقال وهو يمسح على ظهرها : عساف ماقدر يسافر
لكن انا سافرت
ناظرت فيه مصدومه وقال وهو يتحراها تصرخ من الفرح : وجبت لك دانه !
الهنوف حسّت ان الأرض تدور فيها وشدت ايدينها
ورفعت سبابتها بتحذير : اذا تستهبل ترا ياويلك مني
شجاع : بدلي ملابسك وانزليلها ، عند دكان ابو غاده
مشت من قدامه لاشعورياً بتتجه للباب ومسك خصرها
ورجعها قباله ورفع حاجب : قلت بدلي اول
الهنوف برجفه : خير ماقدر ، بسلم عليها و.
شجاع بتشديد : تفهمين الكلام ؟
سحبت نفسها منّه ودخلت للغرفه بأسرع سرعه بالدنيا
بدلت وطلعت وهي تلف حجابها وطلعت بدون ماتنتظره
طلع للبلكونه وشافها وهي تمشي ناحية دكان ابو غاده
وتنهّد من عمق قلبه ، وخايف من انفجاره بعد هالهدوء .
الهنوف طلعت من العماره متجهه لمتجر ابو غاده
ومن لمحت دانه جالسه جنب جدّ علي
صرخت بأعلى نبرات الفرح : دانــه
دانه رفعت عيونها وشافتها ، وظلت ثواني تستوعب
الين ماقربت لها الهنوف ووقفت وفتحت ايدينها وحضنتها بقوه
وماقدروا يكتمون شهقاتهم والكل متأثر من منظرهم.
شجاع شد قبضة يده ، يحس دانه مشاركته بحلاله ، طرد افكاره
واتصل رقم عـساف وثواني ورد عليه : هلا شجاع
شجاع : هلا بك ، وين موقعك
عساف : ابد مالي موقع محدد ، وينك انت
شجاع : بالعماره وصلت ، ويسألون عنك ورقعت لك ، متى بتجي !
عساف : مادري والله ،يمكن الظهر امّر عليهم
شجاع : على خير . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهنوف ودانه جلسوا جنب بعض واخذتهم السوالف لدرجة انهم
نسوا الموجودين ، واكثر شخص مستانس برجعة دانه
ومستانس اكثر من الهنوف " جدّ علي "
اللي ماعمره جلس معاها الا ينسى همومه واحزانه .
قال بتعب : شو صار معك يادانه
دانه ابتسمت له من قلبها وتنهدت : ابوي ماقبلني !
رغم اني كسبت القضيّه واخذت حقوقي كامله.
لكن هدفي الأساسي ماكسبته حالياً ، بس نقول الحمدلله
لأني طلعت من هالتجربه وانا قريبه من اخوي
و للأسف ماقدرت اجلس هناك لإن ابوي رفضني .. وبصراحه
ناظرت فيهم كلهم وقالت بحب : انا احساس العائله جربته معاكم .
الهنوف خنقتها العبره مره ثانيه ومابغت تصيح وتنكد جوهم
تذكرت شجاع ووقفت بسرعه : ياجماعه استأذنكم الحين
بشوف شجاع ، نتلاقى العصريّه ان شاءالله.
ام غاده : مع السلامه حبيبتي.
مشت عنهم الهنوف بخطوات سريعه وهي تحس ايدينها مربوطه
وعاجزه وماتعرف كيف تشكره لأنه رجع الفرحه لقلبها
دخلت للعماره وصعدت لشقّتها وكان شجاع واقف يكلمّ عسـاف
ومندمج بالسوالف ولما شافها سكت ولا كمّل كلامه
الهنوف قفلت الباب وشالت حجبها وعبايتها بحركه سريعه
وانتثر شعرها وتقدمت له بسرعه ورفعت يدينها وضمّته بكل قوّتها
سمعت صوت عساف يناديه ولا اهتمت وزادت تحضنه
وبحركه تلقائيه باست صدره وهمست له : ما كنت أدري قَبل ألقاك
ان الأرض فيها كل هالسعاده .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.
مابي اكون العادي اللي يحبكّ
ابي اكون الفارق اللي تحبيـن.
.
ارتخت يدّه وحس انه بحلم ، رغم انه قبل دقايق حاضنها
لكن غير اذا كان الحضن منها غير ، وله تأثير كبير على قلبه
قيّدته واعتقلته بمعتقلها ولا عاد يفيد الكلام ولا العتب
لأنه مفضوح شجاع مهما كابر عليها وحسسها انها غلطانه
يوضح عليه انه يقدّسها ويقدس اغلاطها مثل مايوضح عليها
ماحس الا على صوت عساف : يارجل وينك رد !
استوعب وتنحنح وقال بتوتر : عساف اكلمك بعدين مع السلامه .
قفّل منه ورمى جواله على الكنبه وراها وقفل ايدينه عليها وضمها
لين سمع صوت ضلوعها وحس بنبضاتها على نبضاته
همس لها وهو ذايـب : مايكفيني هالقرب ، ابيك اقرب !
رجفت الهنوف وحس برجفتها رفعت راسها وناظرت بعيونه
وهمست : شجاع ، بسولف لك اشياء ماكنت تدري عنـ.
قاطعها : لاتصرفين الموضوع ، انا رجّال تعبت
وعلاجي بيدينك ، اسمحي لي
بلعت ريقها وحاولت تفلّت حالها منه لكنه ثبتها بقوّه
وثبت عيونه بعيونها وحطها امام الأمر الواقـع ، تغيّر لونها من الإحراج
وقال شجاع بهمس وهو يرجع شعرها للخلف : تدرين وعندك علم
اننا بعد شهر بنـرجع ؛ وانا ماودي ارجع وانا
ماصفيّت حساباتي معاك ، اظن الحطب اللي بيننا طاح !
الهنوف ماقدرت تتجاوب معاه واضح بنظراتها الشتات والذهول
قالت بتلعثم : مافي وقت لازم تنام و.. عشان نروح لـ.
قاطعها : الهنوف الهنوف ، ياعروق قلبي ركزي معي
رفعت عيونها وناظرت فيه وابتسم : انتي خايفه مني ؟ ولا وش قصتك ؟
الهنوف لمعت عيونها وهمست : عادي ؟
شجاع : قولي ، عادي !
ردت بإنفعال : ايه اخاف منك ، اخاف من الجاي معاك
شجاع : كل اللي اسويه عشانك ، عجزت اشيل هالخوف
اللي ماهو مقبول منك
سكتت ونزلت راسها ، سكت ثواني وتنّهد بتعـب
وسنّد راسه على راسها وهمس : وش اللي تبينه ، اطلبيه واضمنيه
الهنوف استجمعت قوّتها وقالت بصعوبه : انا حلفت ، انك ماتاخذ مني شيء الا بعد ماتحلف بالله العظيم انّك تحـبني ..
تغيرت نبراتها وقالت بصوت مهزوز : صارحني ، انت جاي عشاني بس ماعمرك صارحتني ولا ادري وش بقلبك ، وتقول اللي تسويه عشاني ؟ كيف اضمن وانا محتاره وماادري اذا انت فعلاً تحبني ولا تبي و..
قاطعهـا بإصرار : احــبــك ، اقسم بجلال الله
رفعت عيونها الدامعه لعيونه وكمّل : إني احبك ، ولا عندي من الشر صوبك قطعه ، ولا ابي منك ولك الا الخير .
ارتخت بين يدينه وهو بعد حس ان قوته تلاشت وهمس بصعوبـه : وابي بيني وبينك طفل ، عشان لاقالوا بعدين طلّق الهنوف يتحسفون ويقولون والولد وش ذنبه ! فهمتيني ياملّي ؟ فهمتيني ياجعل من يبي فراقك يفداك ويفدى مواطي رجلينك يالهنوف .
رغم كل مامرّت فيه الهنوف من مشاكل وتعب وأفراح وأحزان
مادق قلبها بالسرعه اللي دق فيها الحين ، رجعت لها
دقّات قلبها القديمه من توقف قبـاله وتستشعر حبّه لها
بنبراته وبنظرات عيُونه ، كلمته اللي عاشت تالي عمرها
على امل سماعها ، سمعتها الحين واستشعرتها قول وفعل
حلفه لها لازال يتردد بمسمعها وكأنه حلف مليون مـره .
بريق عيونها ورجفتها وابتسامتها الخفيفه كانت كلام
ويكفيه عن الكلام اللي بتقوله ، تجمّعت الكلمات ولاقدرت تنطق فيها ،
حسّت انها مقيدّه ومهما قالت ماراح تعبّر عن شعورها له
اما شجاع حسّ براحه بعد ما قال اللي بقلبه ، أعترف لنفسه
قبل لا يعترف لها، لإنه عايش ينكر شعوره رغم انه فاض وتمرّد عليه
ولا زال ينكره لين طلبته ومالقى نفسه الا يقـر ويعترف ويستسلم لها
أنقذ الصمت صوت الباب ، انتبهت الهنوف وابعدت عنه بسرعه
وقفت جنبه لما انفتح الباب ودخلت دانه
ولما شافت هدوئهم واشكالهم استحت.
قالت بإحراج : معليش بس بنام دايخه
شجاع : لا عادي خذي راحتك ، الهنوف موافقه ؟
ناطرت بعيونه ورجفت لما حسّت بنظراته انه يسألها عن شيء ثـاني
وقال وهو يدرس ملامحها : بتجين معي ولا ؟
همست بدون شعور : موافقه.
ناظرت لدانه والأحراج بيقطعها ثواني
وناظرت فيه : بس بلم اغراضي واجيك .
شجاع عدل وقفته وتنهّد وهمس بنبره هزتها من داخل : انتـظرك
لاتطولين .
تعداهم وطلع ودانـه مصدومه من الهنوف وسرحانها
وخدودها المتوّرده وابتسامتها الخفيفه .
سكرت الباب وقالت بتعجّب : قال احبك ؟
الهنوف انتبهت لها وقالت بصدمه : وش دراك ؟
دانه وهي تدخل لغرفتها : واضح
دخلت وراها الهنوف ونزلت شنطتها دانه ونزلت جزمتها اعزكم الله
وتمددّت على سريرها وقالت بإمتنان : صراحه وقفته معاي عمري ماانساها ، ديري بالك عليه
الهنوف ناظرت فيها وضحكت دانه : لا تفهميني غلط ، انا اقصد حافظي عليه لإنك لو تلفين الدنيا ماتلقين احد مثله .
الهنوف : مافهمتك غلط لإني ادري انّك تحبين عسافوه
دانه انصدمت وتلوّن وجهها وقالت بصدمه : هيه انتي شنو هالكلام ترا عمرج ٢٦ سنه ماعجزتي للحين اجل شنو هالكلام بسم الله !
الهنوف رفعت حاجب وابتسمت ، حركه احرجت دانه اكثر
وهمست الهنوف : طيب ليش تلعثمتي ؟ وربي يادانه كلنا ندري
وراعي الهوى مفضوح على ماقال ابو نوره
قفّلت شنطتها وشالتها : يالله ياحبي ، مابي اقول اتمنى لك حياه سعيده
انا ادعي لك كل يوم بالسعاده سوا مع عساف ولا مع غيره .
اخذت شنطتها ولفت بتطلع واستوقفها صوت دانه : ماظنتي !
ماظنتي مع عساف .
الهنوف التفتت لها : ليش
دانه : ماودي انكد عليج ، روحي والأيام جايه بقول لج كل شيء .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الساعه ٢ الظهـر :
عسّاف وصل شارع العرب لأول مره بعد سفر دانه
كان كاره المكان وكل شيء فيه لكن أجبر نفسه
شاف متجر ابو غاده قدامه عربة ورد وينزلون له
وقف جنبه وربت على ظهره : بونسوار
ابو غاده ناظر فيه مذهول من جيّته وبعدها ضحك
وسلم عليه بلهفه : يااهلين وسهلين ، نورت باريس
عسّاف : الله يسلمك ، اصلاً ماسافرت عشان انورها
بس شكراً ، كيف الحال
راح سحب الكرسي وجلس عليه وابو غاده كمّل
وهو ينزل الورد : كيف يعني ماسافرت
عساف قدامه صحن فواكه واخذ منها تفاحه وأكل منها
وابو غاده يناظر فيه مستغرب وكمل عساف : صارت سالفه
ومنعتني من السفر
ابو غاده : اها ، يعني نوران معاها حق
عساف عقد حاجبينه : مافهمت
ابو غاده : نوران شافتك من يومين بتغني قريب من برج ايڤل
عساف ضحك : سجلت بفرقه موسيقيه
وصرت اشغل نفسي بالغنا ، شخباركم انتم كيف الحال
ابو غاده كان نفسه يسولف له عن دانه لكن تذكّر ان نوران حرصتهم مايعلمونه وابتسم : منيحين الحمد لله وناطرين مولود جديد
عساف وقف : الله يقوم ام غاده بالسلامه
ويرزقك الولد الصالح ، عن اذنك بسلم على ابو علي
ابو غاده : حياك الله.
مشى من عنده ودخل للعمـاره ، صعد لشقة ابو علي
ورن الجرس وثواني وانفتح له الباب وابتسم لما شاف ابو علي
وبالمقابل ابو علي حس الأرض ماوسعته من الفرحه
وطلع سلم عليه بحبّ ، رغم انه ماصار له شهور يعرف عساف
لكن له مكانه كبيره عنده ، لإنه ساعدهم كثير وخصوصاً بوظيفة علي.
دخل عساف وسلم على الشيبان واستقبلوه برحابة صدر وجلس يسولف لهم
دقايق وطلعت نوران شايله القهوه : اهلين عساف .
عساف : هلا بك يانوران كيف حالك
نوران مدّت له فنجال القهوه وقالت بنص عين : والله باريس ظلام ظلام
من يوم سافرت !
عساف ضحك لإنه عارف مقصدها ، جلست جنب ابوها وهي رافعه حاجب وكمّل عساف : وانا بعد شفتك عند برج إيفل ، خلاص عاد ترا مو فضيحه
نوران : انا زعلانه لإنو كذبتوا علينا ، ليش ماجيتوا يعني ليش تخبيتوا
عساف : صارت سالفه وماقدرنا نسافر وكان عندنا اشغال
وقضيناها بهالكم يوم
نوران سكتت شوي وقالت بهدوء : عنجد اسفه مالمفروض اعاتبك
بس كنت متضايقه على دانه وعلى الهنوف !
قد ايش تعبت لما عرفت انو شجاع ماسافر !
عساف :مامن زعل ان شاءالله ، يالله استأذنكم
ابو علي : شو وين ماشربت قهوتك
عساف : والله مستعجل ياعم عندي موعد مع الفرقه حالياً
نوران : لحظه عساف بما انو انا صوتي منيح وهيك
شو رأيك تسجلني معاكم بالفرقه وحياة الله زهقت
بالأربع وعشرين طبخ ونفخ ، خليني مارس هوايتي
عساف : خلاص ماعندك مشكله اذا ابوك موافق ازهليها ،
لو تبين من الحين عادي !
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عسّاف ونوران وصـلوا لمكان الفرقه وكانوا توهم مبلشين عروض
نوران توترت وقالت بربكه : شو اعمل ؟
عساف : غني ، يوم يشوفون صوتك حلو بيقتنعون فيك
قاموا كلهم ورتبوا انفسهم وجلس عسّاف بوسطهم
ونوران وقفت بينهم وكانت خايفه لكن شجّعت نفسها
جلست واخذت لها مايك ، بدأ العـزف وعرفت اسم الأغنيه " فرنسيه"
وحست براحه لإنها تعرفها وبتغنيها ، عسّاف لما بدت الأغنيه
ماغنى وترك المجال لنـوارن وفعلاً نوران غنّتها بصوت هادي ورايق وجمـيل ووصل لقلوب الناس الموجودين ، حسّت انها بتطير من الفرحه لدرجة انها نشـزت بنص الأغنيه وسمعت الناس تضحك
ورقـع لها عساف وباقي الفرقه وكمّلوا الأغنيه للنهـايه
حست بغصه لما ضحكوا عليها وسكتت ماكملت.
عساف : عادي نوران لازم الواحد ينشز مره مرتين وبعدها خلاص .
تشجعت وشدت نفسها لما بـدأ العزف الثاني ، اتصل جوالها
ورفعته بسرعه وحطته سايلنت ولما شافت اسم دانه طنشّتهم
وردت : ها دانه
دانه : اطلعي لي سريع بنروح نتغدى ونتقهوى بحلل كل الأيام الفايته
نوران : انا مش بالبيت
دانه : وينج عادي اجي لج
نوران : شوفي اللوكيشن ولا تتأخري.
قفلت وارسلت لها الموقع ، وسكتت تنتظر العـزف يخلّص
ولا عرفت الأغنيه ومد لها احد اعضاء الفرقه دفتر فيه الكلمات وابتسمت له بشكر ، وبدا عساف وواحد ثاني يغنّون ونوران تحاول معاهم لإنها مو حافظه .
عسّاف ضحك وماكمل اغنيته والتفت لنوران وضحكوا كلّهم وضحكت معاهم : معليش مش حافظتها ، بس يالله كملوا
عساف : لا ، اختاري اغنيه تحبينها عشان تبدعين فيها كبدايه
نوران بتفكير : اغنيه بحبها انا ؟
ابتسمت بخبث : شورأيك من اغاني ماجد المهندس
عساف سكت شوي وهو متضايق لمّا تذكرها من طاري ماجد
نوران بربكه : شو رايك ؟ عطشان يابرئ السما
عساف : لاحد يسمعك بس وانتي تقولين يابرئ ، مستعدين شباب ، عطونا عزف اغنية اكذب عليك
بدأ العزف ودخل عسـاف بمود الأغنيه لين حس قلبه بيطلع من شدة الشـوق وطول الغِيـاب ، ارتفع صوته وغطّى على اصوات الموجودين كلهم وغنّى بكل إحساسه : لاوالله فراقك ماهو بأيـّة فـراق
خلىّ البياض بشوف عيني سوادي
من يوم غبت ومابقى شي ماضاق
ماحس مدري ماسمع اللي ينادي
ماكنت اظنّ انا حبايب وعشّاق
لين انتفض بسبة غيابك فؤادي
تعـال دام الوقت للعمر سـراق
قربك لمجرُوح المودّه ضمادي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
من بعـِيد كانت واقفه دانه ، لما شافت نوران ابتسمت ولما التفتت للي جنبها وحسّت الأرض تتسع لها من بعد ماكانت ضايقه فيها وتهلّي بها الدنيا بعد ماكانت قافله ابوابها بوجه دانه اللي ماحسّت بنفسها بعد ماشافته وسمعت صوته ولمست شوقه لها بكلماته. .
حارت خطاويها ، خافت تقربّ له وماتكسب شيء
خافت تبعد عنه وتخسر كل شيء ، بينها وبينه كم خطوه بس
لكن هالكم خطوه فيها ستين مليون حاجز ،احاسيس غريبه تكوّمت بصدرها ، كل مشاعر الدنيا تجمعت داخلها ولا عرفت ولافهمت نفسها
رغبه عارمه اجتاحتها بإنها تمشي له وتنسى الكلام اللي وصلها ، تنسى الظروف ، مافهمت نفسها ولا عرفت وش فيها لكن كلّ اللي تعرفه
ومتأكده منه وراجعه عشانه " انها تبـيه ، مهما كانت الأوضاع
ومهما طالتهم الظروف"
تقدمّت خطوه ووقفت ، ماشافها ولايدري انها حوله
رجعت خطوتين ورفعت راسها تمنع دموعها لاتنزل
داهمتها ذكرياتها معاه وأوجعها قلبها فوق الوجع
وبداخلها صوت يقول لها تراه قدامك ليش تبكين ! روحي له
اول مره بحياتها تخـاف مثل هالخوف اللي فيها الحين
كلام جدتـه انه خاطب ، ولما كان بيجيها لقطر وماجاء علشان امه
خافت يكون غيّر رايه ولا عاد يبيها لكن !
تقدمت خطوه وهي تهمس بألم : لكن كلماته تقصدني
وعيونه ماتغيّرت نظراتها ، لا عساف يحبني .. يحبني .
خلّص الأغنيه وهو يحس انه بعالم باهت ، يحسّ انه عايش لحاله رغم تزاحم الناس وعلوّ الأصوات وكثرة الوجيه والأشكال والألوان والجنسيات واللهجات حـوله ، الا انه يحسّ بالوحده اللي ماتغيب عنه
والفراغ اللي مايملى مكانه أي احـــد .. الا دانه !
تأثير الأغنيه خلاه يتكلم لاشعورياً وهمس لنفسه بيأس : يعز عليّ أننا مانلتقي ، و لايجمعنا سقف غرفة
أو حتى سقف مقهى، يعز عليّ اني ما أشوف وجهك
الا بالذاكره وبأطياف مُوحشه .. اه يادانه .
رفع راسه وكانت قباله ، طاحت عيونه بعيونها ولوهله تغيّرت نظراته
وحس انه يحلم ، دقق فيها وامتلى فراغه وزالت وحدته
ورجع يحس بالناس اللي حوله وسمع اصواتهم وحسّ الحياه حلـوه
والدنيا ماكانت باهته ، كانت ورديـّه وتشع نور
هذي دانـه ، ماكان متغيّر فيها شيء الا ابتسامتها
ابتسامتها تبدلت بدموع ، كل ماشافها ماكان يدقّق بملامحها
وقف ولاتقدم ولا خطوه ، كان يدرس ملامحها وكأنه ينقشها بذاكرته
وجهها بكل تفاصيله ، شعرها ، جسمها ، طـولها
حتى اناملها اللي ارتفعت تمسح دمعاتها برقّه جابته من أقصاه
ابت عيونها انها ترمش من كثر ماخاف لو يرمش تروح
لو هي خيال راضي ، لو حلم راضي ، لو مشبّه ومتوهم عادي
المهم ان هاللحظه ماتروح ، المهم انها تبقى قدام عينه
قـطع الصمت صوت التصفيق والتشجـيع ، ناظر للناس
استوعب ورجع ناظر لنوران جنبه وكانت متأثره وهي تناظر فيهم
عرف ان هذي خطه منها ، وماخلته يغني الا وهي عارفه بجيّة دانه ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جيت لك والمشاعر ماعليها غبار
ياكريم الضيافه وين كـلمة هـلا .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشجاع و الهنوفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن