البارت الثالث

34.9K 471 56
                                    

عـسّاف وشُجاع كانوا يمشون بإتجاه العماره اللي ساكنه فيها الهنوف
كان يتقدّم والف شعور يرجع فيه للخـلف ، خايف من شوفتها
مـتأكد لو شافها راح يصير شيء من الشيئين ، ياإنه يفقد صوابه
ويتذكّر مواقفها الجارحه ويلفظها أنفاسها الأخيـره
أو انه يضعـف لها ويستسلم وينسى جروحها ، عسـاف كان متوّتر
ماهو عارف وش ينتظرهم ، صحيح إنه معصب من هرب الهنوف
بدون رضا عائلتها ، لكن مو مع إنها تعاقب بعقاب كبير
لإنها جايه تطلب العلم والعلم خير للمرء في حياته .
وصـلوا للشـارع اللي فيه سكـن نصف العرب في بـاريس
ومن بعيد شافوا زحمه وتجمهُـر ، عقد حاجبينه عساف
وقال وهو يتقدّم لناحيتهم : دايم المشاكل تكون من الشباب
هالمره صراخ حرمه ، غريبه !
شُجاع بحده : وانا وش علي فيهم ، وين شقة الهنوف ياعسّاف !
عساف : يارجل اهدى ترا بديت تنرفزني ، شقة العنوف بالعماره اللي قدامها النـاس
شجاع وقف وعيـنه اتجهت صوبهم ، مو معقوله ان بينه وبين الهنوف خطوات ، دار بنظره عليهم لكن كلهّم ملقين له ظهورهم ويناظرون لمصدر الصراخ ، تلقائياً جاء بعقله ان اللي تصارخ هي الهنوف ، وبدون مايحس قادته رجـوله لهـم بخطوات سـريعه ، ودخـل بينـهم وطاحت عينه على وحده تصرخّ بكـل صوتها وتصيح وواحد جنبها يهدّيها وواضح من كلامه وضربها له إنها زوجته ، كانت ردة فعله مثل ردة فعل الجميع ، تساءل هذي وش فيها وليه تصارخ كذا .
فجأه تقدّمت وحده من ناحية اليسار وقالت بقوّه : خلاص ، قولي شنو فيك !
وقفت ورفعت سبابتها للأعلى وقالت بصياح : الهنـوف ، خطافة لرجـال ، بدها تتجوز ابو غاده !
فجأه الكلّ ناظر فوق ، الا شُجاع ظل ثواني يستوعب انه سمع اسم الهنوف ، وانّ الهنوف الحين فوقه ، وماستوعب شي بعد ماسمع أسمها ، رفع راسه وهو يحسّ بثقل مو طبيعي ، رفع عيونه لهـا وطاحت عينه عليها واقفه ومن الوهله الأولى حسّ انها مو هي اللي يبيهـا ، مرت ثواني وهو يتأملها و يحسّ انه خارج الكوكب المزدحم ومايشوف سواها ، كانت واقفه بشموخ رغم حزن ملامحهـا وضيقتها ، الـلحظه هذي لو ماكان شُجاع اسم على مسمّى كـان مات من هول صدمته بشوفتها ومن قوّة نبضه وإندفاع مشاعره بـقوّه لهـا ، كانت بعيده عنه وماشافها من قريب فـكيف لو تقرّب له ، رجع لإنتباهه ورجع يحسّ ان الكون فيه حيـاه لما سمع صراخ ام غاده : ردّي ياخاينه ، احكيلهم انو هالشيء صحيح !
انسحبت الهنوف ودخلت عن انظارهم وحسّ بداخله شي يختفي مع إختفائها ..
نزل راسه وشدّ قبضة يده لما استوعب كلام أم غاده ، وش يعني انّ الهنوف تبي تتزوج زوجها ووش هالكلام و.. الف سؤال داهم تفكيره هاللحظه والف معنى وشعور .
حتّى طلعت الهنوف وإنفسح لها الطريق وتقدّمت بكل ثقـه
ناحية أم غاده وعيوُن شُجاع عليـها من شعرها الين كعب رجلها
رجـع مات الكون بعينه وتقدّم خطوه وماحسّ الا بصوت الكـف
اللي وصل من يدّ الهنوف لوجـه ام غاده وطيّحها على ظهرها
وارتفع صوتها بإذن الجميع لكن كلامها ارتفع بقلبـه ووصل لروحه
لما قالت بصوتها الحـاد : تخسين ياوجه الفلس انتي وزوجك انا متزوجه من سبع سنين متزوجه رجّال عن عشر رجال ويسوى الدنيا كلها وعمري ماخنته لو بنظره ماتجين انتي على اخر عمري تشوّهين سمعتي !
تقدّم خطوه ثانيه وقلبه ينزف والمشاعر اللي بقلبه تكفي العالم أجـمع أنمسكت يدّه ورجع ورا بسرعه من عسّاف وهمس له : يارجل لاتتهور الصبر زين ، اصـبر !
شجاع ماركز معاه ، تركيزه لازال محصور فيها ، وكل مافيه ياخذه لهـا.
الهـنوف التفتت لأبو غاده وقالت بنبرة تهديد : ابو غاده !انت وزوجتك طيبين ماقصرتوا معي لكن الا سمعتي ما اسمح لكم تشوّهونها ، وهذي اخر مره ينفتح هالموضوع !
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
مثل ماطلعت بشموخ دخلـت بشموخ
وعيـون شجاع وروحه وتفكيره معـاها
وكان يهمـس بدون شعور :
رغم هذا ودّي بـلحظة وقوف
مع حرُوفه يمكن احظى بإقتناع
ودي ألقى لي أمل وقت الخسُوف
يـشعل بـليلي قنـاديل الشعاع .
عسَاف خاف عليه وطبطب على كتفه : ياخوي خلاص أمش
شجاع : شلون أبمشي بعد هذا كلّه ؟ لا بالله ابي ادخل عليها
عسّاف مسك ذراعه بقوّه وقال بحده : ماتدخل عليها اليوم
بكره ياشجاع بكره وعد مني تشوفها .
شجاع إستسلم وهو يشوف باب بلكونتها يتسكّر بقوه
ارتخى وسحبه عسّاف وعكـس طريقه
وكل ثانيه يلتفت على امل يشوفها .
لحظات بسيطه وصار إنسـان ثاني.
وقف وسحب يدّه من يد عسَاف بقوّه
ورجع لنفس المكان اللي مابقى فيه أحد غير ابو غـاده
وقف قدامه وركّز فيه بنطرات حرّاقه
لو النظرات سهام صابته ، لو النظرات نار أحرقته .
ابو غاده عقد حاجبينه وقال بحدّه : شو يازلمه ، فسلعنا خلاص السالفة خلصت ، توّكل !
عساف عرف نيّة شجاع ، وقف بينهم وعينه بعين شجاع
وقال بتحذير : لاتسوي شي تندم عليه !
شجـاع دفّ عساف عنه وقرب لأبو غاده مسكه من جاكيته بقوه
ووقفّه على سيارته وقال بلهجه صـارمه : أقسم باللي خلقنا من الطين
لو لمست شعره من راس الهنوف لا أذبحك ذبح الشـاه .
ابو غاده انصدم وقال بربكه : تخسى ، انت مين اصلاً
شجاع : بتعرف انا من يوم اقتلك ، بس تجرأ وقرّب للهنوف !
أبو غاده بضحكه ساخره : ماتتعب حالك ياصديقي البنت متجوّزه وبتحب جوزها ، ماسمعتها ؟ْ
شُجاع ابتسم إبتسامه باهته وقال بهدوء : لا تنسى حلفي بس .
عسّاف سحب شجاع بالقوه وابعده عنه
ابو غاده عرف عسّاف وقال بإندفاع : مش انت اللي كل يومين جايب قيتارك وبتعزف وتغني هون ؟ نصيحه ماتخليني اشوفك مره ثانيه منشان ما اكسر القيتار عراسك !
عسّاف تجاهل كلامه ولا كأنه تكلم ، ومشى ورا شجـاع اللي مقفله بوجهه أبواب الدنيا بعد ما قفلّت الهنوف بيبانها ..
عسّاف : هد اعصابك ، لو شفتها وهي بهالنفسيه وانت بهالنفسيه ماراح تستفيد شي .
شـجاع : بكره برجع لها ، وبدونك ، مابيك تنشب لي
عسّاف : افا ، صرت نشبه ياجاحد ، صار لي سنه وانا احوم بباريس عشانك ويوم لقيتها وجبتك لها صرت نشبه !
شجاع : ماقلت لك أمنعني منهـا .
عسّاف : انت تعبان الحين من شوفتها ، ارتاح وجمّع افكارك وروح لها وقتها محد بيمنعك منها .
. . . . . . . . . . . . . . . . .
العصـر ؛ دانه كانت راجعه للشقه وهي حاسه بنشاط رغم انها صاحيه بدري ومشت كثـير ، ماحبّت تشوف الهنوف لإنها عارفه الى الآن متضايقه من موضوع أم غاده ، صعدت لشـقة ابو علي ورنّت الجرس ثواني وفتحت لها نوران وهي لابسه مريلة الطبخ وشعرها طاير
وماسكه الملّاس ومعصبه : شو بدك
دانه : له له ، شنو فيك عاقده النونه والحاله حاله ، فضفضي لي يالغاليه
نوران : وقت بتعيشي بعيله كلها شباب راح تعرفي معاناتي
دانه : لا انتوا عائله عجيبه ، صج الله يعينك ، عالعموم انا قلت بما إني فاضيه اليوم ومستانسه نطلع باجر لديزني لاند
نوران : وانتي مبسوطه اليوم ولا بكره ؟
دانه : اليوم وبكره ، كملي غداك مدري عشاك
نوران : الله يبلاك بزوج يشبه جدي الثاني كل ثلاث دقايق يطلب وجبه !
دانه : الله يبلاك بزوج ينشب لك مثل مانشب لنا عسافوه
نوران : ياالله يامحلاه ومااحلى صوته ، شو رأيك نخطط عليه
دانه : لا يامعوده شتبين فيه هذا سفّاح ، جدام عيني قتل واحد ومشى على جنازته ولا قال استغفر الله حتى
نوران : تمام نتقابل بكره .
دانه : مع السلامه .
أتجهت دانه لشقّتها وماحصّلت الهنوف ، خافت و تلاشى خوفها بسرعه لإن الهنوف تعرف كيف تتصرف .
نزلت شنطتها ودخلت للمطبخ سوّت قهوه فرنسيه وطلعت للبلكونه وهي تحس صدرها منشرح وأبتسامتها شاقه وجههـا وكانت تتأمل الطيور والمباني والناس اللي تمـشي وفجأه طاحت عينها بعين عسّاف مبتسم لها ولوّح لها بكفّه وهو عارف انها تنرفزت من وجوده وحبّ ينرفزها اكثر.
تنهدت : استغفر الله بس ، الله يسد نفسك ياشيخ
دخلت وقفّلت البلكونه عنه ودخلت لغرفتها بدّلت ملابسها ودخلت لسريرها تحاول تنام ..
عسّاف لمح الهـنوف جايه من بعيد وما انتبهت له ، قرب لهـا بخطوات سريـعه وهو عارف إنه بيزعّل شجاع منه لكن ماتردد .
. . . . . . . . . . . . . . . . .
الهـنوف كانت راجعه لـلعماره ومعصبّه وجوّالها بيدها تنتظر إتصال وحسّت صوت خطوات تقرّب لها لكن ماركزت لإن جوالها دق وردّت بسرعه : اهلين سالي !
سالي : اهلين ممكن اعرف وش مشكلتك مع المدربّه
الهنوف : تقول لي قصّي شعرك ماينفع ترقصين وشعرك طويل ، قلتلها بلمّه ماراح يبين انه طويل ، قالت لأ لازم يبين انه قصير !
سالي : معليش بس هذي قوانين ، مااقدر اساعدك
الهنوف : وش القوانين هذي ، يعني انا برقص برجولي ولا بشعري ؟
سالي : بمظهرك
الهنوف : الرقص انا ماخذته تسليه مو تعليم مابي اتعلم
سالي : مو طالع شي بيدي هذي قوانين
الهنوف : سالي الله يخليك تصرفي ، حاولي محاوله اخيره
سالي : تمام راح اكلم المديره واشوف
الهنوف : مشكوره ، باي .
قفّلت منها ووقف عسـاف مصدوم ، ماقوى يتكلم معاها لما عرف انها مسجلّه بمعهد الرقص .
مرر أصابعه بشعره وتنهّد بضيق : وش اسوي الحين ؟ لو عرف شجاع بيزيد غليله عليها !
انا وش حطني بينهم ، خلاص دامهم وصلوا لبعضهم
حريقه تحرق العدو ، ليش أشقي عمري معاهم .
عكس طريقه ورجـع وهو متجاهل إتصالات شجاع .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الساعه ٩ من صباح الـيوم الثاني ؛
الهنوف كانت جالسه تكـتب ؛ ودانه قدامها تسوي ظفائر بشعرها ومستغربه من الهـنوف : ليش ماتقومين تلبسين وتخلصيني
الهنوف : مابي اروح
دانه : لا عاد ، بلا نحاسه
الهنوف : مالي نفس
دانه : هو عشان مالك نفس انا ابيك تجين معي
الهنوف : خلاص بنام شوي واجيكم الظهر
دانه : اوكي حبيبتي ناطرينك
خلصّت شعرها وقامت واخذت شنطتها وطلعت .
الهـنوف كانت تكتب بدون شعور ، الدفتر اللي بينها كله كتابات ورسائل وكلام موّجه لوالدتها فقـط ، اخر مره كلمّتها قبل ست سنوات ، انقطع الوصل بينهم بسبب شجاع .
كان يهددها بهالشيء علشان ترجع ، لكن امها قالت لها ماعليك منه ، اذا رجعتي ومامعك الشهاده ماراح اسامحك ، دامك رحتي لاترجعين خاليه ، وماسمـعت صوتها من هذيك اللحظه ، حاولت بكلّ الطرق انها توصلها وكان يرفض شُجاع ويقول كانك تبينها ارجعي لها .. ولارجعت ولاحاولت ترجع الا بعد ماتخرّجت ، وهنا كانت الصدمه " وصلتها تهديدات من ارقام مجهوله لكنّها متأكده انهم من عائلتها ، بـ إن شجاع يتوّعد بقتلها .. حاولت تتواصل مع أمها لو برساله ماقدرت .
واللي ذابحها ليش أمهـا ماحاولـت ؟ صابها أرق من كثر التفكير والخوف عليها ، وصارت تجمّع كل الكلام اللي بقلبها وكل احداثها المهمه بدفتـر ، علشان ماتنسى شي ماتقوله لها يُوم تشوفها .. سالت دمعه من عينها على حبـر الكتابه وكمّلت تكـتب .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
شُجاع ، كان جالس قريب من العـماره ، ولابس نظـارت شمسيّه ، وعيونه تراقب العماره اللي فيها الهنوف .
ينتظر لحظة خرُوجها ، ينتظر طلّتها من البلكونه
شوفته الأولى لها قد مافرح فيها قد مااكلت قلبه الغيره
لإنها بدون حجاب ، ضاقت انفـاسه ووسّع جاكيته
وقف وهو يشوف بنتين يطلعون من نفس العماره .
مرّوا من جنبه وسرق السمع لهم لعلّه يسمع اسمها بين كلامهم ، لكـن ماسمعه .
طلع شخص من نفس العماره وإتجه له شُجاع ، كان يدخّن ولا انتبه له .
شجاع : يا أخ .
ناظر فيه بهدوء ومدّ يده شجاع : معاك شجاع بن سليمان الضاوي
عقد حاجبينه : يا اهلاً ، محسوبك علي من سوريا عمري ٢٥ سنه وساكنين هون انا وابوي وجدي وجدو لأبوي واختي نوران
شجاع استغرب لكنه استانس واضح علي على نيّاته واي شي يقوله وابتسم : تشرفت فيك ياعلي ، انا ساكن هنا بنفس المكان وملاحظك ماتروح ولاتجي ، ماتشتغل انت ؟
علي : لا والله ، مالقيت وظيفه بس الحمدلله ابوي موظف
شجاع : لا ياعلي انت رجال وصار لازم تعتمد على نفسك ، وش رايك باللي يقول لك وظيفتك عندي
علي ناظر فيه بصدمه وكمّل شجاع : ومن بكره بعد ، وبالراتب اللي تبيه !
علي : ياريت ، الله يخليك
شجاع : تم ، بس عندي شرط صغير جداً
علي : شو ، احكي
شجاع : ابي مفتاح لشقة الهنوف ، تقدر تجيبه
علي ناظر فيه ثواني ودفّ يده اللي على كتفه وقال بحده : مافشرت عينك ياواطي ، مش انا ياللي بغدر بجاري منشان مصلحتي ، شو بدّك بالبنت
شجاع استانس لردة فعله وقال بإبتسامه : كفو عليك ، لكن انا زوجها
علي انصعق وماقدر يرد وكمّل شجاع وهو يطلع ورقه من جيبه ومدّها لعلي : هذي صورة من عقد الزواج
علي مااقتنع لين قرأ المكتوب وحس انه تضايق ونزل راسه : بس ليش بدك المفتاح ، امرك مريب
شجاع : ابي افاجئها ، بتساعدني ياعلي ولا اشوف احد غيرك
علي : ماشي راح جيب لك المفتاح ، بس اوعدني مابتخليني اندم
شجاع مد له ورقه ثانيه وقال بهدوء : وعد ، هذا رقم ولد عمي ،بوصيه عليك و كلمه وبيعطيك تفاصيل وظيفتك
علي : منيح ، خليك هون رايح اجيب المفتاح من صاحب العماره واجي راح احكي له انه الهنوف انكسر مفتاحها ومش قادره تطلع.
شجاع وهو يشوفه يركض ابتسم لطيبة قلبه وجـلس ينتظـره.
او بالأحرى ينتظر شوفتها ، رغـم النار اللي بقلبه منها الا انّ شوفتها تغيّر العالم حوله وتخليه إنسان ثاني ، قعد يتخيّلها ويحاول يتذكر نبرات صوتها اخذ نفس وهمس لنفسه : انتظر كلها دقايق وبترتاح
من هالعذاب ، بتصير بين ايديـنك.
رجـع علي ووقف شجاع بلهفه اخذ منه المفتاح وشكره ودخل للعمـاره ، صعد للدور الثالث ووقف قبال شقتّها وسرح بالباب .، دق قلبه بسرعه عجيبه ، الهـنوف مايفصل بينه وبينها سوى باب ، دخّل المفتاح ، وفتح الباب وترك المفتاح ، انفتح جزء من الباب وطاحت عينه على كنبات الصاله ، غمّض عيونه واخذ نفس عميق وفتح باقي الباب ودخل .
دارت عيونه بالشقّه ، فيها غرفتين ، وقف عند الغرفه المفتوحه وشـاف سريرين وريحة الغرفه عطر هـادي .
سمع صوت المويا جاي من الحمّام أعزكم الله ، عرف انها تتروش ، إتجه للخزانه وفتحها وعينه دارت على الملابس وهو مايدري وين ملابسها من ملابس دانه لذلك قفّل الحزانه وظل واقف مكانه لما وقف صوت المويا وحسّ قلبه بيوقف وكل مره يحس انه اول مره يستوعب انه بيشوفها ، ظل واقف بدون أي حركه لما سمع صوت خطوات تقترب للغرفه ، وفجأه دخلت
وكأن الزمن وقف مع دخلتها ، كانت منزله راسها ولابسه روب أبيض ولافه شعرها بمنشفه صغيره وقفت عند التسريحه ونزّلت راسها وشالتها ورفعت راسها وهي تطيّر شعرها للخلف وبهاللحظه طاحت عينها بعين شخص بمرايتها واقف عند خزانتها ، حسّت قلبها بيوقف من الخوف ولسانها إنشّل لكــن سرحت بوجهه إلين اوجعتها عيونها ودمعت ، رجعت سرحت مره ثانيه الين زاد دمعها ، رجفت يدّها وحست انها بحلم او انها تتخيّل ، لإن من سابع المُستحيلات يكون اللي وراها شجاع بعد سبع سنوات من الغياب .
حاولت تلتفت له علشان تثبت لنفسها ان كان حقيقه أو خيال لكن عجــزت .. قرّب لها وهو مو حاس بنفسه ولا بأي شي من حوله ، كانت الدنيا بعينه هاللحظه ظلام والنور الوحيد بوجهها .
وقف وراها ولامس جسمه جسمها وشهقت الهنوف وتوّسعت عيونها لما شافت ملامحه من قريب ولما لمسها حست كل شي بجسمها يصرخ من الصدمه .. غمض عيونه وهو يستنشق شعرها ثواني ونزل لرقبتها ورفع يدينه لخصرها وحضنها بدون شعور وشدها لحضنه بكل قوته وباسهـا لين أكدّ لها انها ماتتخيّل ، نزلت دموعها بشكل يُرثى له وبدون ماتحس شبكت ايدينها بيدينـه وشدّته عليها رغم كثير العتب عليه والزعل منّه الا ان هاللحظه كانت مشاعرهم اكبر من العتب .
هي عارفه انّه بعد هالحضن بيقتلهـا ، وهو عارف انه بعد هالحضن بتنفجر عليه علشان أمها اللي يدري وواثق انها تحب امها اكثر منه ..
تركت ايدينه ولفّت له بكل جسمها لين صارت مقابلته ، وعيونها بعيونه وغاب عن بالهم كل ماخلق الله في الأرض سواهم ..
رفعت يدّها ولمست طرف وجهه وهمست بصدمه تفوق ماقبلها من الصدمات : إنت! بعد هالعمر كله انا بحضنك الحين
شـجاع سكت ثواني ونزّل ايدينه عنها وقال بنفس همسـها
وبنظرات مالها تفسير : كلّ شي تغير فيك الا خلخالك اللي أغـلى مني .
بهت وجهها وغمضت عيونها وكل مافيها ينزف خوف ورهبه وحـبّ قالت بعيون دامعه : بـ. بس انا مو لابسه خلخال
شجاع : بس أنا اشوفه، واسمع صوته واغـار منه ، شلون صار هو اغلى مني بقلب الهـنوف ، شلون الهنوف فضلّت الدنيا على حبيبها ؟
أوجع روحها كلامه سندت راسها على صدره وشدت قميصه بقوّه وطاحت عينه على يدينها اللي ترجف ، قالت بتوّسل : لاتقتلـني
إنكسر قلبه مع كلمتها ، وكمّلت بصعوبه : والله العظيم اني جيت ادرس
جيت اخذ شهاده وارفع راس أمي اللي حرمتني منهـا
ليش ماتشوف نفسك غلط ، ليش ماتحسّ ان شروطك ظلـم
شجاع كـابر على مشاعره وقال بحدّه : انا جيت أحاسبك على الماضي ، لكن انتي ماتحاسبيني عليـه
رفعت راسها بصدمه قويّه من كلامه وقالت ببحه : طيبّ حاسبني بس طمنني على أمي ، بسمع صوتها حرام عليك مايكفيك عيشتي بالغُربه
شجاع : الغربه اختيارك ، ويشهد الله أنك ضيعتي شخص كان فاتح لك يدينه أكثر من بلادك
الهنوف صرخت بوجهه بصوت باكي : كيـف ؟ كيف وانت كنت بتاخذني خدامه وأبسط حقوقي كنت بتحرمني منهـا .
صدّ عنها ومرر أصابعه بشعره وسرح بكل جزء من الفراغ اللي قدامه وهو مصدوم من نفسه كيف ضـعف ، عاش عمره كله وهو مقهور منها لا ليله ليل ولا نهـاره نهار ولا عيشته عيشه بسببها ولما شافهـا صـار يعاتبهـا وكأنه ينتظرها تقول شي يشفي غليله ويطفّي نيران بقلبه ماطفت من يـوم سافرت.
ناظر فيها بعيون تلمع شرّ وقال بقوّه : لمي اغراضك ..
كانت تناظر فيه بصمت تام ماقوت تتحرك لكن دبّ الرعب بقلبها لما قـال بصوت صارم : بـسرعـه !
الهنوف برجفه : بتقتلني صح
سكت ثواني وقال بإبتسامه : لا ، الموت رحمه لبني آدم ، وأنا والله ما ارحمـك !
حسّت قلبهـا يذوب من الرعب ومدّت ايدينها ومسكت يدينه وانهارت قدامه وقالت بصوت رايح من كثر مابـكت : تكفى ، لاتدمّر حياتي أكثر
سحب يدينه منها وهو منهار بداخله اكثر منها ، سحب شعرها بقوّه وشهقت ووقفها قدامه وركّز عيونه بعيونهـا وقال بهمس أرعبها : هذا مستقبلك اللي سعيتي علشانه ، والله لتعيشينه تحت رجليني !
ماسمعت باقي كلامه لإنها صرخت بتوّسل : لا شجاع اانا في وجه شيبانك ، إنت قـادر تسامحني وانا بسامحك ، بس لاتعذبني .
تـرك شعرها وصدّ عنها وقال بهدوء حاد : لمي اغراضك واطلعي ، بسـرعه
عطاها ظهره وصدّ عنها وبقلبه من الحزن مايوزن بلد ، خاف يضعف اكثر ويستسلم ويرضـخ ويسامح ، اتعبت قلبه شوفتها ودموعها وتوّسلاتها وصدمتها وحضنها وعطرها وهمسها وحبّها له الواضح بعيُونها لكن قسّى قلبه ، قسّى قلبه بأكثر لحظه ضعف فيها وهذي نقطة قوّه تضاف له ..
لمّت الهنوف اغراضها بصعُوبه ، مايهون عليها فراق دانه ببساطه وبدون سابق إنذار ، دانه اللي تشيل معاها نصف همومها واذا فرحت تفرح قبلها ، مسحت دمعتها وكانت عارفه انه بيحرمها من دانه مثل ماحرمها من امها ، لذلك جلست تكتب بورقه رساله لدانه وتفهّمها الوضع وتطمنها عليها .
حطتها على مخدتها واخذت شنطتها وطلعت ، شافته جالس ويمناه على راسه ويدلّكها بهدوء وواضح انه مصدّع .
بلعت غصّتها وبقلبها مقرره تجاريه لين تتطمن على امها وبعدها تعرف كيف تاخذ حقها منه ، حسَت بألم براسها وغمضت عيونها بقوه ماتبي تتذكره يوم سحب شعرها .
ثاني مره بحياتها تنضرب من نفس الشخص ، لوهله حسّت انها تكرهه لما أستوعبت اللي صار كله ، مسحت دمعتها بقهر وقالت بحدّه : ممكن أعرف كيف دخلت شقتي ؟
شجاع وقف وقال بهدوء : بنطلع الحين ، لو تمسكنتي قدام الجيران بيجيك علمً مايسرك .
طلع قبلها وطلعت وهي شايله شنطتها وقلبها يحترق من بشاعة شعورها ، نزلوا وكان عل واقف وملقّي ظهره لباب العماره ، وقف وراه شجاع وربت على ظهره : ماقصّرت ياعلي
علي ناظر فيه وناظر للهنوف وابتسم بإحراج : المعذره يالهنوف انا ياللي اعطيته المفتاح ، شو رأيك بالمُفاجئه
الهنوف بالقوّه مسكت نفسها لاتبكي وقفت جنب شجاع وابتسمت بضيق : حلوه
شجاع اخذ يدها وشبك اصابعه بأصابعها : الهنوف بتجي معي ، قل للجيران والمحبين لايشيلون همّها ابد
علي : يعني خلاص الهنوف ماراح نشوفك ؟
شجاع بحده : اي خلاص ، مع السلامه
سحبها ومشى فيها والعبـره خانقتها ، مافهم علي نظرات الإستنجاد بعيونها ، مافهم عدم رغبتها بالذهاب ولا فهم ضيقها منّه لأنه ساعد بشيء فيه مضّرتها.
مشـت وراه راضخه ومستسلمه وتدعي انه مايضرّها اكثر من كذا ويبقي لها شوي من قوّتها تحارب فيها سوء الأيام القادمه.
شدّ على كفّها بيده بدون شعور منهار من داخله لأنها معاه لكن ملامحه كانت تظهر العكس تماماً .
وقـف عند عجـوز ، كانت ماسكه لوحه مكتوب فيها " أنقذوني ، لا أملك إيجار المنزل والمالك سوف يطردني "
تقدّم لها وهو يطلّع بوكه ومسكته الهنوف من ذراعه بقوه وناظر بعيونها مصدوم من حركتها .. ارتبك نبضها لمّا ناظر فيها ، ونست وش كانت بتقول ونزّلت يدها عنه ونزلت راسها.
شجاع قرب لها خطوه وقبل يتكلم هبّت نسمه بارده وطيّرت شعرها بإتجاهه وغمّض عيونه مع ريحة عطرها اللي طارت عليه من شعرها بلع ريقه وقال بهدوء : وش فيك
الهنوف : لا تصدّق العجوز هذي ، كذابه
شجاع : كلن على نيّته
الهنوف : هذي ساحره ، بتعطيك اوراق علشان تثبت لك الكلام اللي كاتبته ، لكن هذي تعاويذ مجرد ماتطيح عينك عليها بينغسل مخك وتاخذ كل فلوسك ..
شجـاع ناظر لمخارج حروفها ماإهتم لموضوع العجوز
كثر ماهمّه كلامها وتحذيرها وخـوفها
قالت برجفه : انا ليش اقول ، روح لها احسن خلها تسرقك
شجـاع استوعب كلامها وناظر للعجوز بصدمه
كانت ملامحها بريئه وماتوحي انها مكّاره
كـان عارف انه بيشوف اشياء مااعتاد على شوفتها
وقال بـهدوء : هذي ثاني اشيائنا اللي غير مُعتـاده .
الهنوف : وإيش الأولى ؟
شجاع : إنك بدون حجـاب !
نزلت راسها بربكه واضحه بملامحها ورجّعت شعرها خلف أذنها
وقالت بهدوء : كنت متحجبه ، لكن صار لي موقف غير إنساني
وأضطريت اشيله لسلامتي .
شجاع وهو يتصنّع اللامُبلاة : ماطلبت منك تبرير لكلّ أفعالك الدنيئه !
الهنـوف سكتت ومشت قبله ومسك يدّها
ورجعها وراه وأخذها بإتجـاه البيت وألف فكره وشعور بداخله.
ربع ساعه ووصل للبيت ، كان دور أرضي وشكله الخارجي جميل وجذّاب
دخلت الهنوف وهي حاسه نفسها بحلم مو معقوله انه بنصف ساعه تعمّق بحياتها وصارت رهن إشارته ، فتح لها الباب ودخلت
وطاحت عينها ع الحديقه الصغيره اللي مليانه ورد
ويتوّسطها مسبح أرضي ، ناظرت للصاله من خلف الزجاج
وكانت صغيره لكنها شرحه ومنظرها من بعيد حلو فكيف لو قرّبت
لكن هيـهات ، انشراح المنزل لايعني انشراح صدور ساكنيِه
تقفّل عليها باب البيت وخافت أكـثر ، هذا وش ناوي عليه ، ليه مادخـل ؟
. . . . . . . . . . . . .
بـعد ساعه ونصف :
رجعت دانه مع نوران وهي مستاءه جداً
من عدم حضور الهنوف ، دخلوا للعماره وإتجهت كل وحده لشقّتها
ونوران عاذره دانه على إنقلاب مزاجها ، دخلت للشقّه وهي تنادي : الهنوف ، الهـنوف
ماجاها ردّ ، دخلت للغرفه ونزلت شنطتها
وقالت بإستغراب : وين راحت هذي ؟ الهـنوف ويـ.
طاحت عينها على خزانة ملابسهم ، كان قسم الهنوف فاضي .
اوّجعها قلبها من المنظر وقربت له وفتحته كامل
وحسّت قلبها بيوقف ، وين ملابس الهنوف ؟ وين شناطها ؟
وين جزمها ؟ وقبعاتها ومعاطفها ومكياجها وعطوراتها وابسط اشيائها.
حطّت يدها على قلبها وقالت بربكه : يمه قلبي وين راحت .
اخدت جوالها بيدّ راجفه وأتصلت عليها ماردّت
مره ومرتين وثلاثه لين تقفّل الخط ، دانه حسّت بتموت من الخوف
وفجأه طاحت عينها على ورقه على سريرها
اخذتها بسرعه وفتحتها وقرت اللي فيها ودمعت عيونها لاشعورياً
لما قرأت " انا رايحه مع شجاع مادري وين
ومادري الى متى لكن لاتخافين علي ، انتبهي لنفسك "
طاحت من يدها الورقه ومسكت راسها بقوه وبكـت بصوت عالي
من شافت اسم شجاع شافت معاه فراق الهنوف وموتها .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دانـه طـلعت من العماره وحصّلت بوجهها أبو علي واهله كلهم
طالعين يتعشـّون وكانوا فرحانين لكن إنصدموا من شكل دانه .
نوران وقفت جنبها وقالت بخوف : شو بك !
ابو علي : يالطيف ، شو هالوجه يادانه
طلع ابو غاده شايل بنته غاده ووراه زوجته سناء وكانوا مبتسمين
ولكن تلاشت إبتسامتهم لما شافوا شكل دانه.
كانت تبكي بصمت ودموعها ماليه وجهها .
جدّ علي : إحكيلي شو بيك ياجدو ، مين مزعلك
دانه وهي تمسح دموعها : الهنوف ، اخذها زوجها
علي ناظر فيهم كلهم وضحك بفخر : انا اللي جمعتهم ببعضهم
دانه انصدمت من كلامه وقرّبت له وقالت بصوت خافت : شلون ؟
علي : جاني وقال انا شجاع الضاوي جوزها للهنوف وبدي مفتاح شقتها منشان افاجئهـا وانا جبت له المفتاح من المالك واخذ مرتو وتيسّر
دانه انشدّت اعصابها وهي تسمع كلامه حدّت على اسنانها
وقالت بقمّة غضبـها : لا بارك الله فيك ولا بشنايعك اللي تشنعتها
على المخلوقه ، الله لايعطيك العافيه ياعلي
انصدم وبهتت ملامحه وقال ابو علي بصوت حاد : شو يادانه ، شو بيك عالولد
ابو غاده : لا يادانه ماكنت بتوقع انو هالحكي يطلع منك
نوران بصدمه : شو مسوي علي ؟ احكي !
دانه : زوجهـا يبي يقتــلهـــا ، يبي يقتلها ياعلي
انهارت بينهم على رُكبها وغطت وجهها وبكت من قلبها .
الصدمه كانت متعادله عند الجميع ، حتى سناء
اللي ماكانت تحب الهنوف مره خافت عليها
وقالت برجفه : ياجماعه لاتقعدوا صافنين قوموا شوفوا حل للآدميه !
علي انسحب بينهم وهو يحسّ بعيونه دمع ندم لو يبكيه جفّت عيونه
أوجعه قلبه لما فهم نظرات الهنوف الأخيـره له .
ابو علي : ما بيصح هيك مش على كيفه يقتلها
لازم نعرف مكانه ونشتكي عليه
جدّ علي : ياعلي ، ماعرفت مكانهم ؟
علي كان منهار وحاله ماكان اردى من دانه اللي صوت شهقاتها مالي المكان ، نوران جلست جنبها وحضنتها وقعدت تهديّها بالكلام .
علي وقف وهو يمسح دمعته : ماعرفت اشي عنهم
بس وحياة الله لو شفته لأقتله بيديني هذول
راح خليه يندم على إستغلاله لي !
دانه وقفت وهربت عنهم وهي متجاهله ندائاتهم
وقلـبها مع الأخت اللي ماجت من بطن امها لكنّها اخــت .
راحت لكلّ الأماكن اللي يُحتمل وجود عسّاف فيها
المقهى والمطعم وكشك الحلويات وبيت الدكتور والصيدليّه
شافت هوشة شباب من بعيد وقربت لهم
على امل يكون عسّاف بينهم مثل المره الأولى
لكـنها ماحصّلته ولا حصّلت له اثر .. كان ناشب لها بكلّ مكان وهي ماتبيـه
الين صارت تبيه وماحصلّته .
مشت ومشت وهي تدوّر عليه وتعبت من المشي
وتعب صوتها من كثر ماسألت عنه
وكل من بالحيّ صار مايعرفه
رغم انه كان يعرف كل من بالحي ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
يارب أنا قلبي يخاف من إنتهازات الذبول ْ
صيّره ورده بحوش أمي لعلّه يرتويّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . .

الشجاع و الهنوفWhere stories live. Discover now