الفصل السابع

1.1K 90 7
                                    


الفصل السابع

«الشوق مرض لذيذ يصيب من وقع في طيات الحب، من أحب ترك نفسه للشوق، وإن تلوع به فيعلم أن لا سبيل للشفاء.»

توالت الأيام يومًا بعد الآخر، وانشغلت وتين في مشروع تخرج بديل ،ولم يرها مالك ليومين متاليين، ولم يستطع الذهاب إليها بسبب عمله ،وأنه ينتهي منه في وقت متأخر جدًّا.. أخرج مالك دفتره الصغير ودوَّن:
«وقت الشوق حينما تطعم العلاقات بالمسافات.. تزيد قلوبنا من حدة دقاتها، وتعلن العصيان والشوق للقاء حتى عقولنا، وكأنها تعلن التحدي؛ فتعرض صورًا، وتفاصيل لا نلتفت لها وقت القرب.. من لم يبتلَ بالمسافات لم يذق يومًا طعمًا للحب.. اشتقت يا وتيني.»

لم يعد على السفر سوى يومين، وكان على مالك تجهيز كل شيء بنفسه، فقام بشراء بعض الملابس الثقيلة لوتين؛ لأنه يعرف كم يبدو الطقس باردًا في الخارج، وقام أيضًا بشراء بعض اللوازم الشخصية لها وأرسلها لها، ففرحت وتين كثيرًا بالأشياء، وأرسلت له رسالة شكر، فطلب مالك أن يراها لمرة قبل أن تسافر، ومن خلال الرسائل اتفقا على موعد ،وأن يتقابلا في الخارج وحدهما...

قام مالك بطبع صورة وتين في خلفية ساعته الشخصية، فكلما تطلع إلى الوقت رآها، أحب أن يتطلع إلى ساعته كل دقيقة منذ ذلك الوقت.
l
في المكتب..
استدعى هيثم أدهم واستقبله ببشاشة قائلًا:
_ ليك عندي خبر حلو يا أدهم!
تبدلت ملامح أدهم، وابتسم وقال بسعادة:
_ ياسمين اللي هتسافر صح؟
_ لأ أنت! قالها هيثم فحزن أدهم، وقال بفتور:
_ طيب خير يا فندم!
ابتسم هيثم، وقال بمرح:
_ أنت وياسمين معاك!
شهق أدهم بسعادة، وظل يشكر هيثم لمرات متتالية، وهيثم يضحك بشدة على فرحة أدهم.. ركض أدهم بسعادة إلى مكتبه فوجد ياسمين تجلس على سجادة الصلاة، وقد سلمت من صلاتها للتو، فتنفس أدهم الصُعداء فنظرت له ياسمين بدهشة وتساءلت بتعجب:
_ مالك يا أدهم؟
_ جاي أفرحك بس إن أستاذ هيثم وافق إننا نسافر سوا مع الوفد! قالها أدهم بسعادة كبيرة!
لم تصدق ياسمين أذنيها، وعادت إلى سجادة الصلاة وسجدت شكرًا للمولى على استجابة دعواتها.
l
جهز الجميع حقائبهم فلم يتبق على السفر سوى يوم واحد.. كان عمر يجلس في الحديقة الخارجية لمنزله وهو يشرب كوب نسكافيه ساخنًا ،ولكن عقله لم يكن معه كان بالكامل مع مكة في حركاته وتفاصيلها ،حينما وجد الأرجوحة تتحرك بقوة، فأسقط بعض قطرات من النسكافيه الساخن على ملابسه، نظر خلفه بغضب، ولكن هدأ حينما رأى والدته ،فابتسم لها ووضع الكوب جانبه وأجلسها بجواره، وقبل يدها، فقالت والدته بهدوء:
_ آسفة يا حبيبي! ما أخدتش بالي!
_ ولا يهمك يا أمي! قالها عمر ببشاشة.

أخذت والدته تنظر إلى وجهه وتدقق نظراتها به، فتعجب عمر وقال ضاحكًا:
_ ها طلعت شبه أنهي قتيل في عيلتكم!
ضحكت والدته وضربته على ذراعه، وقالت:
_ لأ، يا خفيف! بحفظ شكلك وبملي عيني منه، هتوحشني أوي يا عمر!
ابتسم عمر ولف ذراعه حول خصر أمه، فوضعت رأسها على صدره وقال بحب:
_ وأنت كمان هتوحشيني جدًّا يا ماما! خدي بالك من نفسك ،وأنا مش هنا ودواكِ هوصي عبير تديهولك في معاده.
رفعت والدته رأسها، وقالت بتعجب:
_ عبير؟ هي مش رايحة معاك!
رفع عمر حاجبيه وقال باستنكار:
_ تروح معايا فين هو أنا رايح أتفسح؟ أنا ورايا شغل!
_ بس هي من الصبح بتحضر شنطتها! فكرتها رايحة معاك!
قالتها سميرة بهدوء:
نظر عمر للأعلى تجاه غرفة عبير، واستأذن من والدته وصعد تجاه غرفتها، ودق الباب ففتحت له عبير، وابتسمت لرؤيته، فوقفت على أطراف أصابعها وقامت بطبع قبلة هادئة على وجنته؛ فقطب عمر بين حاجبيه، وقال متنحنحًا:
_ عبير! أنتِ عارفة إني مش بحب كدا!
قوست عبير شفتيها، وقالت:
_ ولا حتى من خطيبتك! المهم تعال بص! أنا هاخد الهدوم دي معايا اشتريتها جديد مخصوص؛ علشان السفر، ودي ودي كمان، بص جمال إزاي؟ وهيبقوا حلوين عليَّ أوي مش كدا؟
_ هو أنتِ مسافرة!؟ تساءل عمر بفضول.
فهزت عبير رأسها، وقالت بحنو:
_ أيوا يا حبيبي مسافرة معاك؛ علشان آخد بالي منك!
تغيرت ملامح عمر للعبس، وقال سريعًا:
_ بس أنا رايح أشتغل، ومكة معايا وهتاخد بالها مني، هي دكتورة وعارفة شغلها كويس، وكمان عندها شغل هناك! أنتِ هتروحي معايا تعملي إيه، وهتروحي إزاي أصلًا؟ابتسمت عبير وتعلقت بذراع عمر،
وقالت:
_ عارفة إنك رايح تشتغل، وعارفه كمان إن مكة رايحة، بس أنا اللي خطيبتك مش مكة، وأنا اللي لازم آخد بالي منك! أمَّا بقى هروح إزاي فأنا سجلت اسمي في الوفد اللي مسافر واتقبلت، وهروح في الطيارة!
جحظ عمر بعينيه ونظر إلى عبير، وقال بغضب شديد:
_ يعني خططتِ من ورايا ونفذتي وأنا ما ليش أي لازمة حتى إنك تاخدي رأيي، مش كدا؟ طيب حيث كدا ما فيش مرواح يا عبير، وهتتصلي بالشركة دلوقتي أهو؛ علشان تلغي حجزك للرحلة، وإلا والله لا أنتِ خطيبتي ولا أعرفك!
نظرت له بنزق، وقالت ونفسها متقطع:
_ أيوا أيوا! قول كدا بقى! أنتِ مش عاوزني أروح؛ علشان يخلالك الجو مع ست الدكتورة بتاعتك مش كدا؟ طيب روح يا عمر اطلع.
طردته عبير خارج الغرفة، وأغلقت الباب بقوة وهي تتنفس بصوت مرتفع، فعاد عمر لفتح الباب بغضب، فتسمر في مكانه عندما وجدها تمسك بالسكين وتضعه على رسغها، ويدها تنتفض وأنظارها مثبتة عليه!
صرخ فيها عمر أن تترك السكين من يدها على الفور، ولكنها هزت رأسها نافية، وقالت بصراخ مرتفع:
_ لأ! طالما مش هتكون ليَّ أنا مش لازم أفضل عايشة!
رفع عمر يده، وقال بحنو مصطنع:
_ بيري! اهدي! أنتِ عارفة إني بحبك وما فيهاش حاجة لو اتخانقنا مرة، ويا ستي أنا موافق إنك تروحي بس أرجوكِ سيبي السكينة دي من إيدك!
ابتسمت عبير، وقالت بنظرات زائغة:
_ بجد بتحبني يا عمر وخايف عليَّ؟ تصدق بقالي كتير ما سمعتش منك بيري دي!

أسوار كال "وتين ٢ " Where stories live. Discover now