الفصل الأول

3K 109 15
                                    

الفصل الأول

جلس بهدوء يضم ساقيه إليه، تقذفه الأمواج بمياهها لتبلل طرف بنطاله الأسود ثم تنحصر سريعًا، ترقرقت الدموع في عينيه لتصبح كقطع الزجاج المبتل، وتهبط القطرات منها على قميصه الأسود، طغى السواد ليغطي على عينيه؛ لتبدو كافة الألوان من حوله باهتة منزوعة الحياة والروح.. وقف مالك ومسح عينيه من آثار الدموع، ونضح الرمال عن ملابسه السوداء وهم مغادرًا قبل أن تتوقف قدميه ما إن سمع ذلك الصوت الذي يحفظه عن ظهر قلب؛ فأغمض عينيه مبتسمًا والتفت ببطء، ونظر لزمرد الذي يرفرف مغردًا بسعادة لرؤية مالك.
مد مالك يده إلى جنبه فحزن؛ لأنه نسي طعام زمرد كما اعتاد في الفترة الأخيرة، ودار حوله في المكان فوجد محلًا خشبي مهترئ يبيع طيور فذهب إليه واشترى بعض الحبوب، وخرج سريعًا وعاد لزمرد، دفن قبضته فارغه في الكيس وأخرجها ممتلئة بالحبوب ليرفرف زمرد بسعادة وهبط على ذراع مالك، وانحنى برأسه ينقر كافة ما تحويه قبضة مالك مسببًّا حركة دغدغة؛ ليضحك مالك بقوة من آثراها قبل أن تهدأ، وتترقرق الدموع في عينيه من جديد رآها تقف في مكانه وبيدها هي التي تحوي الحبوب وتضحك من دغدغة منقار زمرد لها، بكى وتينه بقوة، سقط على ركبتيه من جديد منزوع القوى، رأى طيفها يعدو حوله ويلعب وهو يتابعه بلهفة صوتها العذب، يشدو في أذنه وكأنها ما زالت بجواره ومعه...
ازدادت دقات قلبه بشكل كبير، وأصبح نفَسه قصيرًا، فأخذ شهيقًا طويلًا ليصدره صرخة قوية حركت أمواج البحر الكامنة؛ لتصدح بموجه عالية ابتلعت صدى صوته داخلها، ثم ابتلعها هو بشهيق بكاء حاد وهو يقول بنبرة متألمة وهو يرفع كفيه أمام عينه:
_تعبت يا رب! حاسس إن قوتي ضاعت، وإني تايه ومش لاقي نفسي! أختي الصغيرة ماتت بين إيديَّ دول، وما عرفتش أعمل لها حاجة! حبيبتي اتسحبت من حضني وضاعت في اللاوعي وعمر وياسمين حياتهم خربانة ومش مستقرة! وأنا ما عدش فيَّ طاقة أديها لحد يا رب أنا تعبان مد لي عونك وافرد لي ضهري اللي انكسر يا رب! ياااااااااااااااااااا رب!
استند بظهره على المعقد ودموعه تغرق أسفل عينيه، ومد يديه ليحتضن نفسه ويديرها على جسده؛ علها تبثه بعض الأمان الذي لم يذق طعمًا له يومًا إلا بين يدي عمر منذ قليل.. وقف عمر بالسيارة في الجهة الأخرى بالقرب من مالك ورآه وهو يصرخ ألمًا؛ فانتفض جسد عمر لرؤية أخيه على هذا الوضع للمرة الأولى، وأغلق عينيه ألمًا وهو:
_سامحنا يا مالك من غير ما ناخد بالنا دمرنا لك حياتك ،شيلناك هم عمر راجل عنده 50 سنة ما يقدر يشيله لما كان واحد فينا يعمل مصيبه ولا مشكلة كنت بتروح تشتغل بالأيام؛ علشان تجيبله فلوس وتحل له مشكلته، وعمرك في يوم حوجتنا لبابا أو لماما، أو خليتهم يعرفوا حاجة عن مشاكلنا! سامحنا يا مالك.
حرك مالك رأسه، ونظر للبحر، وقال بحزن وتهكم:
_ كان حكيم عصره والمشكله ما تتوجدش في ذكره، كان في عينيهم قوي الموت يخاف منه! وما يعرفوش إن القوي قهره اللي أقوي منه... طفوا جواه نوره وسابوه في الضلمة يتخبط ،والموت بيسخر منه،  ويخضه ويسحب أخته من حضنه ،ويبكي؟! لا دا يتحمل! علشان الصغير ما يكمل، ونسيوا يوم إنه بشر ضهره اتكسر، ولسه مستنين ومتأملين كتير منه ،حب واتخان وحب واتهان! ويوم ما يتحب! ما يوصلش، يا ترى يا دنيا في تاني وللا هتقولي لي في يوم حلو ما تفكرش!
نفخ عمر وعاد برأسه للخلف يتذكر أحداث الليلة الماضية، وما أوصلهم إلى هنا..

أسوار كال "وتين ٢ " Where stories live. Discover now