البارت الواحد والثلاثون 🦋

595 42 14
                                    


اتجه نحو والدته التي تنظر للجميع بهدوء تُحسد عليه .. ثم تحدث بقوة : انت كنتي عارفة انها حامل ؟
لم تبدي أي ردة فعل لثوانٍ ثم أومأت برأسها وهي تقول بهدوء : ااه
نظر الجميع لها بصدمة بينما تحولت نظراتهم جميعاً ل " عبد الرحمن " عندما تحدث قائلاً : خلص إجراءات الطلاق يا زين وابعت ورقة الطلاق لكارما ..
لم يعقب على حديث والده فهو بالفعل لن يفعل ذلك .. هو صحيح لا يريدها لكن تلك فترة مؤقتة حتى تعود ذاكرته ويرى الصواب والخطأ .. وجه حديث لوالدته مرة أخرى : كنتي عارفة انها حامل ؟ امتى الكلام دا ؟ وليه سقطت ؟ وازاي ؟
جلست والدته بهدوء على الأريكة وهي تحرك رأسها بإيماءة بسيطة ثم تحدثت بهدوء : ااه عارفة .. يوم ما أصريت عليها انها تاكل وزعقتلها جامد بعد ما انت قومت هي قعدت شوية وبعدين عيطت فجأة تخضيت من عياطها توقعت انها زعلت من كلامك وزعيقك .. حاولت أهديها وأقولها انك متقصدش وكده بس هي حكتلي انها مش زعلانة منك وهي مقدرة حالتك .. هي زعلانة عشان خسرت ابنها
تنهدت بحزن وهي ترى نظرات الجميع مصوبة نحوها بفضول : اتفاجأت وزعلت بنفس الوقت .. اتفاجأت انه محدش كان يعرف وزعلت لما حسيت بشعورها وهي بتخسر اول ابن ليها .. قالت انها كانت هتحكي لينا بس انت وقعت وبعدها هي ما اخدتش بالها من صحتها كويس وفضلت معاك ليلة بالمستشفى وتعب جامد واخر حاجة الحالة النفسية الزفت الي مرت بيها ..
كان ينظر أمامه بجمود لا يعكس كم الخراب الداخلي به .. غادر بهدوء بعدما نظر الجميع نحو يستشفون ردة فعله .. تنهد وفاء بحزن لتلك الحالة التي وصلوا إليها لا تلوم صغيرها فهي على أكبر علم بما يفكر وتلك الحرب التي تنشب بداخله .. بينما كانت نظرات "أدهم" جامدة بطريقة ما .. نظر ل " سارة " جانبه التي تضم شفتيها ببكاء .. أغمض عيناه ثم فتحها ببطئ ثم غادر بهدوء بعدما تعذر بشئ عاجل ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تململت في نومها بتعب .. فتحت عيناها ببطئ ثم انتفضت من فوق الفراش بسرعة .. اندفع نحوها "عمر" بلهفة وهو يقول : مالك يا كارما ؟
تفحصت ملامح وجهه عن قرب ثم زفرت باتياح وهي تنفي برأسها قائلة : خضتني يا عمر
تابعت وهي تتفحص أرجاء غرفة نومها في بيت والدها : هو إيه الي حصل وأنا هنا ليه ؟
جلس لجوارها " عمر " وهو يتحدث بصوت اشبه بالنساء : ولا حاجة يختي .. جابك الواد خالد بعد ما كنتي مموتة نفسك من العياط عشان الواد زين الواطي .. جته خيبة في شكله .. هو فاكر بنتنا ملهاش اهل ولا إيه .. فشر يا روحي دا أنا أقطعه هنا ولا حد يسمي عليه
ارتفعت ضحكاتها على حديثه قائلة : يخرب عقلك انت بتجيب الكلام دا منين ؟
رفع رأسه بغرور قائلاً : أنا عظمة يا بنتي
حركت رأسها بيأس منه ثم أخذت تفكر بحديثه تذكرت عندما تشاجرت أمس مع " زين " تنهدت بحزن شديد جعل عمر ينظر لها بدقة .. لم ترد ان تكن تلك نهايتهم استفاقت على حديث عمر : بس بتستاهل القتلة صح
اتسعت أعينها بصدمة وهي تنظر له بينما هو ابتسم بمكر وهو يدفعها برفق ليجلس لجوارها على الفراش قائلاً : متسألنيش عرفت إزاي .. قوليلي ضربتيها ليه .. ولا اقلك مش مهم .. قوليلي ضربتيها ازاي ؟
تحدثت بتوتر : هي مين دي ؟
داعب وجنتيها بمرح قائلاً : هتصيعي على أخوكي يا بت
ثم تابع بحماس : يلا قوليلي ضربتيها ازاي ...مزعتي شعرها اوعي تكوني لأ .. هزعل منك
وكعادتها الطفولية اندمجت بالحديث تسرد له الحكاية ماعدا سبب ضربها لتلك ال " مايا " .. صفق بحماس قائلاً : الله عليكي يا بنتي .. تربيتي .. وربنا رفعتي راسك
ابتسمت بحماس كطفلة حصلت على مكافأة ثم تذكرت شى نهضت سريعاً وهي تقول : يا ويلي الشغل .. اطلع برة يا عمر عشان ألحق الشغل
أومأ عمر وهو يقول بمرح : اوك .. في عصير خوخ بالتلاجة ليكي .. كنت هموت واشربه بس خالد حذر وأنا مبقدرش اكسر تحذيراته الصراحة
ابتسمت بسعادة : دراق .. يا ويلي شو مشتهيته
تحدث عمر باستغراب : يعني إيه دراق ؟
أجابته وهي ترتب فراشها : يعني خوخ .. ماما فين ؟
أجاب ببساطة : راحت مع بابا الشركة الصبح .. كانت زهقانة واصر بابا ياخدها وبعدها هيتغدوا برة .. ابوك الحاج مدلع امك دلع ماسخ الصراحة
وقفت امام المرآة وهي تقول : انت زعلان ليه ؟
تحدث بانفعال : بالنسبة للكلب الي مخلفينه دا .. وضعي إيه
ارتفعت ضحكاتها وهي تقول : برة يا عمر .. هتأخر .. وعد هروح بدري ونتغدا سوا ولا تزعل يا باشا
قبل وجنتيها بحب وهو يقول : ربنا يخليكِ لي يا غالية ويرزقك عمر الصغير عن قريب
ابتسمت بتصنع تخفي خلفها ابتسامة حزن وهي تؤمأ برأسها ثم شرعت في تبديل ملابسها حتى تغادر سريعاً قبل أن تغرق في بحر ذكرياتها التي ستسحبها للعمق ولن تستطع النجاة أبداً ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
خرج سريعاً يود الهروب بعيداً .. يشعر بيأس شديد بعدما شعر بنفسه أنه سئ للغاية كيف لتلك الجميلة أن تحبه .. كيف كان يعيش وسط تلك المجموعة البشرية التي تحبه وهو بكل ذلك السوء .. سار على قدميه لا يعلم أين وجهته .. لا شى يشغل باله سوى تلك الجميلة التي فقدت طفلها .. ربما طفله هو أيضاً .. حالتها النفسية السيئة وتعبها معه في الفترة الماضية أثر عليها ورغم ذلك آتى هو ليقضى على ما تبقى منها .. كان غافلاً بأفكاره التي ازدحمت بذهنه وقد قررت العصيان و بدأ الحرب عليه وكأن ضميره غافلاً عن تلك المبارزة .. لم ينتبه لخُطى سيره وغفل عن تلك للسيارة القادمة من بعيد بسرعة عالية .. لم تستطيع أبواق السيارات التحذيرية لفت انتباهه .. غفل عن تلك السيارة التي لم تستطيع ايقاف سرعتها العالية لتصدم به بقوة جعلت جسده يرتد أرضاً بقوة .. ابتسم بضعف وهو يرى فتاة جميلة تحتضنه وتصرخ باسمه ومشاهد تتوالى لتلك الجميلة بقوة .. ابتسم بضعف شديد حتى تراخي جسده على الأرض وسط صيحات الأُناس من حوله ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دلفت للداخل تنظر للمحيط بابتسامة صافية تزين ثغرها رغم ما تحمل بقلبها من آلام .. جلست على المقعد خلف المكتب تنظر للأرجاء باشتياق تعشق عملها وبقوة .. ربما لا شئ مهني ينافس حبها الشديد لعملها وإخلاصها به .. همست بصوت مسموع : خلاص نرجع نشوف شغلنا وكفاية وجع قلب
ارتدت المأزر الطبي ثم خرجت تتجول بابتسامة تزين ثغرها في القسم تستقبل التحية من الممرضين بإشراق وابتسامة بسيطة .. تتابع أحوال المرضى وتسعى في معالجتهم .. عادت أخيراً للمكتب بعد جولة طويلة استغرقت نصف نهارها وهي تتابع أحوال الجميع دون كلل أو ملل .. جلست خلف المكتب بتعب تلتقط أنفاسها .. استمعت لطرق على باب المكتب بآدب تبعه دلوف " عبد الرحمن " و ملامح وجهه حزينة .. وقفت سريعاً وهي تقول بترحيب وتوتر : انكل عبد .. ازيك ؟
لم تستمع لإجابته .. شعرت بقلق عليه لتجهت ناحيته سريعاً وهي تقول : مالك .. انت كويس ؟
ربت على يدها الممتدة لإسناده بحنان قائلاً : كويس .. أنا جاي اتكلم معاكي بموضوع مهم أوي .. مينفعش يتأجل
أومأت وهي تجلس على المقعد أمامه .. انقبض قلبها بشدة عندما استمعت لنبرة صوته وهو يقول : خلاص هترتاحي من كل دا .. عمري ما توقعت اتكلم بالموضوع دا خصوصاً بعد تحذيرات زي..
لم يستطع إكمال حديثه .. شحبت ملامح وجهها بشدة عندما أخذ نفس عميق يستحضر أنفاسه ليتحدث .. توقف الزمان من حولها وهي تستمع لتلك الكلمات من فم والده .. ادركت حجم المعاناة الذين يعيشونها الآن .. عاد الزمن يفرض سيطرته بقوة على تأثيرات الحاضر والمستقبل بإخماده .. عاد وانهى ما تبقى منه ومن قلبها العاشق له .. انتهى كل شئ و لم يعد هناك أمل لإصلاحه بعدما سمعت تلك الكلمات من فم والده تُسترسل بصعوبة .. لم تعي لشئ سوى على مغادرة والده للمكتب و دموعها التي زينت صفحات وجهها ألماً .. وضعت وجهها بين يدها ثم صرخت بصوت مكتوم في محاولة منها لتخفيف ذلك الضغط الذي يهدد بسحق قلبها وتحويله لرماد .. مسحت دموعها بضعف ثم اتجهت تحمل حقيبتها تغادر المكان نحو وجهتها الأولى والأخيرة .. أصدر هاتفها نغمة توحي بوصل رسالة فتحتها باستغراب سرعان ما اتسعت أعينها بصدمة وهي تقرأ الرسالة أسفل الصورة المرسلة : خلاص الحكاية انتهت ...اذا مش بموتك انتي بموته هو ..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دلفت قسم العمليات بخُطى بطيئة.. الدموع تملأ عيناها .. روحها تكاد تزهق .. تشعر بأنفاسها تنقطع ..تريد أن تكذب ما سمعت .. لن يتركها ..لن يتخلى عنها .. هو يعلم أنه آمنها وسندها وطيفها .. كيف له أن يتركها بعدما أسرها بعشقه ...
وصلت غرفة العمليات التي تحوي الأمر الذي جعلها تأتي مسرعة ..فتحت الباب ودلفت بخُطى بطيئة تود لو تعود... لأول مرة تخشى تلك الغرفة برغم من ان عملها يكمن في تلك الغرفة ، وزعت انظارها في الغرفة وجدتها فارغة من الممرضين او الأطباء ..رائحة البنج والأدوات الجراحية أخافها برغم من ان ذلك هو حلمها .. سارت نحو الفراش وهي تشعر ان قدماها ستتخلى عنها في أي لحظة...وجدت جسد ممد على الفراش مغطاة بالكامل من أغمص قدميه حتى أعلى رأسه بغطاء أبيض اللون ...
حاولت بشتى الطرق الصراخ لكنها شعرت بأن صوتها قد تخلى عنها ، هوى الدمع من عيناها بخوف فبدأت أنفاسها تنقطع شعرت بأنها بمكان مغلق بإحكام يمنع انفاسها من التحرر ، سرت بجسدها قشعريرة مريبة فماذا اذا كان الأمر صحيحاً تسللت البرودة لجسدها اقتربت بخطوات خائفة أرادت التأكد أن من أمامها ليس معشوقها ، رفعت الغطاء الذي يحيط بذلك الجسد المستكين على الفراش تيبس جسدها ارتفعت وتيرة أنفاسها تخلت عنها أقدامها لتسقط بجواره على الفراش تحتضن وجهه بين يديها حررت صوتها وصرخت بصوت مرتفع تود أن تكذب ما ترى أمامها وهي تراه ساكن لا يتحرك ولا ينطق .. كيف لميت أن ينطق أو يتحرك نادته بخفوت تمنت لو يجيبها : زين ..
لم تسمع لرد وكأن ذلك تأكيد لما سمعت هزته بعنف وهي تصرخ بإنهيار باسمه : زين .. لا مش هتسيبني .. فوق وأوعدك اني هرجع .. فوق وزعقلي زي ما انت عايز.. فوق وقلي انك مش عايزني وانا هبعد أوعدك اني هبعد بس فوووق ..
لم تستجب محاولتها في رده للحياة .. ارتمت أرضاً بآنين .. الرؤيا تتلاشى بعيناها .. الألم ينهش روحها كوحش جائع .. الظلام يسحبها بلا رأفة .. كل ما رددته بضعف وعيناها تنغلق باسمه الحامي لها على الدوام ..مع كل حرف يقشعر له نبض القلب وتنقله هواجس الروح _.. "زين " ...
~~~~~~~~~~~~~~~~
انتهى البارت ..

يا ترى كده الحكاية انتهت ولا في مجهول هيظهر !

دمتم بخير 🤍
النجمة 🤍🥀

الطيف المجهول Where stories live. Discover now