البارت الرابع عشر 🦋

780 57 18
                                    


دلف للداخل بهدوء ووجه بارد دون أي تعابير يلقي بمفاتيحه في مكانهم المعتاد ثم تحرك في اتجاه الدرج ينوي الصعود لجناحه سريعاً متجاهلاً وجودهم ونظراتهم التي تتابعه بدقة ، صعد جناحه وهو يزفر بضيق شديد بدأ بتبديل ملابسه وهو يتذكر ما حدث سابقاً فما كان بالاقتراب من طاولتها ينوي تلقين ذلك الغليظ درساً لن ينساه لكن تجمدت خطواته عندما وجدها تقف سريعاً تلقي بكلمات الوداع بنعومة و تتجه بابتسامة تزين ثغرها تقف لجوار شاب ما أن رآها ابتسم لها وهو يحتضن كفها بين يديه ويغادر بها من المكان ، لم يكن ذلك أهون لكن فكرة انها لم تتيح مجال لذلك الغليظ بالتحدث معها أراحته داخلياً ، جلس على فراشه يتنهد بتعب من رفض والده لا يعلم ماذا يفعل ! يشعر وكأن العالم يضيق به وفي أي لحظة يمكن أن تُهدم احلامه وتنتهي حكايته معها قبل بدايتها ، فاق من شروده على صوت طرقات على باب الغرفة أجاب بملل وهو يعلم صاحب الطرقات : تعالي يا سارة و كفايا تطبيل على الباب
دلفت للداخل وهي تبتسم بمرح وتقول بصراخ : زين باشا .. أخويا حبيبي ضهري وسندي ومسندتي وكوب قهوتي
ابتسم وهو يقول : عايزة إيه انهي بسرعة
ابتسمت وهي تقول ببراءة مصطنعة : أنا ! ولا حاجة هو انا عمري طلبت منك حاجة في وقت مصلحة
ابتسم بتهكم وهو يقول : لا طبعاً
كاد بتحدث لكنه قاطعها مسرعاً وهو يقول بحزم : سارة !
أجابت بسرعة : ماما عايزاك تحت عشان نتعشى سوا وبتقلك والله لو ما نزلت لتزعل منك جامد
تنهد بعمق وهو يقول : طيب تعالي ننزل يلا
جذبت يده وهي تقول : هننزل آه بس مصلحتي لسا ما خلصتش أشطا يا باشا
نفض يدها وهو يقول : غوري يا بت بعيد عني
ارتفعت ضحكاتها بقوة وهي تلحقه تجاوره في نزول الدرج ومازالت تشاكسه حتى استمع الجميع لضحكاتهم ، ابتسم " وفاء " وهي تعلم ان "سارة" من تستطيع إخراجه من حالته ، لا تعلم بأن جروح القلب لا تُشفى ولا تطيب ، ما أن وصل لغرفة الطعام حتى توقفت ضحكاته جلس بهدوء يتناول الطعام وهو يبتسم كل حين وآخر لتلك الصغيرة التي تقبع بأحضان والدها تمنى لو تصبح لديه صغيرة من جميلته انتبه على صوت والده وهو يوجه حديثه إليه : جهز حالك يا زين عشان هنخطبلك يوم الجمعة
توقف الطعام بحلقه وشلت الصدمة أطرافه لكنه أجاب ببرود : مش عايز و أظن حاجة زي دي مافيش فيها إجبار
ابتسم والده بمكر وهو يقول : حتى لو الدكتورة كارما
نظر نحو والده بسرعة يستشف الصدق بحديثه وجد ملامحه هادئة ، تحدث بصعوبة وصوت أجش : تقصد إيه ؟!
تحدث " عبد الرحمن " وهو يوجه حديثه لزوجته التي تناظره بدهشة سعيدة : هو إيه الي مش مفهوم بكلامي يا وفاء ، انا قلت جهز حالك يوم الجمعة هنروح نطلب إيد الدكتورة كارما من أبوها
تابع بخبث وهو يقول : دا لو عايز !
ابتسم الجميع بسعادة وهو يروا ملامح السعادة تنتشر على وجهه وهو يقول : ربنا يخليك لينا
تابع بحذر : بس دا مكنش كلامك المرة الماضية ولا إيه ؟!
نظر الجميع نحوه ينتظرون إجابته بينما هو أكمل طعامه بهدوء وهو يرسل صمته كرسالة أنه لن يجيب عن سؤالهم ، تذكر عندما فكر بحديث زوجته بذهنه و مر أمامه شريط حادث "زين " و أحداثه ، قرر أن يتخلي عن فكرته علها تكون الخلاص له ، وبالفعل بعد انتهاء عمله توجه لخطبيتها على أمل بتحديد موعد الزيارة واستقروا على يوم الجمعة ، فاق من شروده وهو يرى طاولة الطعام تضج بالأحاديث المرحة والابتسامة تزين ثغورهم بسعادة ، ابتسم بغموض وهو يتمنى أن ما يراوده تكون مجرد أفكار فقط ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت تعد مشروب ساخن للجميع بعد وجبة العشاء ، حملت الصينية متوجهة للخارج وهي تستمع لصوت ضحكاتهم تعلو بالمكان خاصة بوجود "ريم " و" سامر " تناول "آدم" منها الصينية يتولى مهمة الضيافة هو بينما هي جلست لجانب والدتها ، انتبهت لحديث والدها بصوت عالي وهو يقول : متقدملك عريس يا كارما
أصابتها الدهشة والحيرة ولكن انتشرت حمرة الخجل تكتسح ملامح وجهها عندما رأت نظراتهم المصوبة نحوها باهتمام ، أكمل والدها وهو يقول : إيه يا كارما ؟! مالك؟
حمحمت تستعيد صوتها وهي تقول : أبداً ما في شي ، بس يعني ..
قاطعها والدها وهو يقول : انتي رافضة الفكرة ولا رافضة الشخص ولا إيه ؟
أجابت بحيرة : مش عارفة
ابتسم والدها بحنو وهو يقول : تعالي هنا يا كارما
أجلسها "راشد" لجانبه وهو يحادثها بحنان : دلوقتي انتي ملتزمة وموحدة لله وبتصلي وملتزمة بدينك ، مينفعش تفرطي وتقبلي بواحد مش بصلي دا شي مرفوض تماماً مش محتاجة تفكير ، كمان لازم يكون كريم مادياً ومعنوياً مهم جداً والأهم يكون عنده أخلاق ومبادئ وطموح ، ويكون حنين ع والدته من أهم أولويات حياته ، ويكون طيب وصاحب لأخواته خصوصاً البنات وإنك تحسي معاه بالأمان وتستأمنيه على نفسك وشيفاه أب كويس لأولادك وأهم حاجة يكون سليم نفسياً
تابع بهدوء : مفيش مشكلة لو قابلتيه و لو رفضتي احنا كلنا معاكي ومفيش حد هيجبرك على حاجة ، قلتي إيه ؟
قبل ان تجيب سأل "خالد" مستفهماً : مين العريس يا بابا ؟
نظرت " كارما " نحو والدها وكأنها تنتظر الاجابة ويبدو أن الجميع ينتظر الإجابة ، ابتسم وهو يقول : الدكتور زين الجارحي ابن المهندس عبد الرحمن الي عملنا معهم آخر صفقة للعماير
أومأ " سامر " وهو يقول : دا يا خالد الشاب الي شفناه بالاجتماع السنوي للشركات السنة الماضية
ابتسم خالد وهو يقول : آه افتكرته
ظلت تتابع حديثهم بهدوء وهي تشعر أنها قد سمعت الاسم مسبقاً لم تسعفها ذاكرتها ، انتبهت على صوت والدها وهو يقول : قلتي إيه يا كارما ؟
نظرت لوالدتها وجدتها تؤمأ برأسها بهدوء وابتسامة ، تنهد بخفوت وهي تجيب : الي حضرتك تشوفه يا بابا
ابتسم والدها وهو يقول : ربنا يقدم الي فيه الخير يارب
سألت "حنين " بلهفة : وانت عرفت ازاي ؟
ابتسم وهو يقول : النهاردة اجا والده وطلبها مني بالشركة واتفاقنا يوم الجمعة يجي عشان يتكلموا سوا
اتسعت أعينها بصدمة لم يتبقى سوا يومين ، ازدادت وتيرة أنفاسها وهي تشعر بضربات قلبها تقرع كالطبول ، ما سر تلك الاحاسيس التي تشعر بها ؟! ، رغم تقدم أكثر من شاب لخطبتها لما تلك الأحاسيس لم تشعر به الا الآن ، بدات الأفكار تعصف بها بلا هوادة لم تنتبه لحديثهم كل ما يشغل بالها الآن سر ذلك الشعور الذي يراودها الآن يشبه الشعور الذي يراودها منذ فترة ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
فركت جبينها بتعب ، علامات الارهاق تحتل ملامح وجهها بقوة ، لم يذق جفنيها طعم النوم منذ ليلة الأمس بينما قضت الليل بأكمله وهي تفكر في سر تلك الأحاسيس وذلك الشعور وذلك الطيف وتلك الافكار وهذه الحياة ... نظرت للساعة لجوارها رآتها قد تعدت الشروق ، نهضت بكسل وقفت أمام المرآة تطالع هيئتها المتعبة انتبهت للهالات السوداء التي زينت اسفل عينيها وشحوب وجهها من الارهاق ، توضأت وأدّت نافلتها وارتدت ملابسها لتذهب لعملها علها تهرب من أفكارها التي باتت تلازمها بقوة ، قررت ان تذهب للعمل مشياً علها تسير في الهواء البارد صباحاً يريحها ويبعد تلك الأفكار عن ذهنها ، وصلت لعملها وبدأت تباشره بعملية ودقة متناهية ابتسم وهي تعلم ان لا شى يسرقها من ذاتها سوا عملها ... تعشق عملها ودراستها وتخصصها بشدة تشعر بسعادة وهي تمارس مهنتها بكل إخلاص و احترام ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
استيقظ صباحاً وهو يشعر بسعادة لا متناهية ، سبع سنوات وهو يراها بالمنام كالملاك .. سبع سنوات استطاعت السيطرة على تفكيره وقلبه .. سبع سنوات وهو يتتوق شوقاً لرؤية وجهها .. وثلاثة أشهر منذ عودتها ورؤيته لها وهو كل يوم في حال مختلف لا ينكر بأنه يتخلله شعور سعادة وشوق لها رغم محاكمة ماضيه به ، ابتسم وهو يتجه للخزانته وفتح ذلك الرف المغلق منذ سنة بعد الحادثة التي مرت به ، نفض ذلك من ذهنه لا وقت لمحاكمة ماضي جديدة ، تناول منه ذلك الكتاب الصغير المغلق بإحكام نفض عنه الغبار بسرعة و ذهنه يسترجع مذكرات ما بالكتاب ، ابتسم وهو يضعه على مرمى عينه هو وبعيد عن مرمى أعين الجميع فما به ليس من المسموح برؤيته إلا هي ابتسم بسخرية وهو يردد انه ربما لم يستطيع ان يبوح عما بداخله لها ، انتبه لليوم على الأجندة المعلقة على الحائط زادت ابتسامته اتساعاً وهو يرى أن غداً سيراها بيت والدها ويستطيع التحدث معها بحرية ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
في المساء ..
دلف لغرفته بعد يوم عمل متعب ، لا بأس بذلك كل ما يهمه الآن هو غداً ، دلف للحمام الملحق بالجناح ليبدل ملابسه ، وقف أسفل المياه تتساقط عليه بغزارة من جميع الاتجاهات وكأن المياه تغسل جروح آبى الزمان أن يشفيها ، لم يستطع الزمان أن يحرر حزن أُسر بالقلب عنوة ، غاب بفكره للحظات قضاها قبل ذلك اليوم المشئوم ابتسم بحنين لذكريات آبت ان تفارقه لا تأبه بجروحٍ اتعبت الروح والجسد ، يبدو أن السر الذي اصر على كتمانه سيفضح يوماً ما في قريب عاجل ، خرج وهو يجفف شعره إلا ان اصطدم في جسد صغير ابعد المنشفة وهو يقول : مش هتبطلي حركاتك دي يا سارة
تجمدت الكلمات عندما وقع عينه عليها وهو يردد بصدمة مستغرب سبب وجودها في غرفته في الليل : مايا !!
~~~~~~~~~~~~~~~~~
انتهى البارت ...

دمتم بخير 💙

النجمة 👇🏻💙

الطيف المجهول Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz