رصاصة الرحمة

By Moly154

4.6K 149 56

دي الحكاية الثانية من(حواديت أمل) رصاصة الرحمة أقسمت بربها وبذلك الحب الفطري الذى كُتِبَ له المهد بمهدها. عل... More

الشخصيات
الفصل الاول
الفصل الثاني
اعتذاااااار 📢
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
🔔ادعولي
الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث

243 8 8
By Moly154


الفصل الثالث

** تسللت الخيوط الأولى لشعاع الشمس مشيرة لانتشار الصباح بالأُفُق، صاحبه شقشقة العصافير القابعة خلف شُرفة غرفتها التي خُصِّصَت لها.مُعلنة بداية يوم جديد.
_________

استيقظت بوَهَن تفرك عينيها المتورمتين من أثر البكاء ليلة البارحة و قد كسا الإرهاق ملامح وجهها.
اصابتها غصة موجعة إثر تذكُّرها للكابوس الذي داهمها بسُباتها ليلا فتلك المرة لم تكن هى بطلة ذلك الكابوس كما اعتادت بل أخاها مما زاد شعورها بالألم والقلق عليه فلأول مرة يبتعد عنها لأيام.
حقا هى ايام فقط بحسابات العقل و  الرياضيات، أمّا بحسابات رحمة فقد تخطت أبد الدهر. اضحت هى خلال تلك الفترة كنجمة خافتة ابتلع الظلام بريقها و ضلّت طريقها بفضاء ليل سرمديٍ حالك.
و ليتها ستظل اياما فقط بل ستتعدى لأسابيع وشهور، بل عام كامل، ذلك الشخص الذي لم يفارقها قط، فارقها مُرغما كما تفارق الروح الجسد تلبيةً لنداء القدر.
*************

بعد فترة من الوقت انهت خلالها صلاتها وقراءة وِردها اليومي، جلست تحتسي كوبا من الشاى لتصفية ذهنها وترتيب أفكارها لما انتوت فعله ولكن قاطعها صياح ابنة عمها المشاكسة حينما دخلت متعجلة تدعوها لتناول الإفطار..

شهد : صباحوووو عنب على مُزة العرب

انتفضت رحمة مذعورة من فعلتها واطلقت شهقة قوية هاتفة : حرام عليكي خضتيني، هو انتي لسة فيكي الخصلة المهببة دي؟

شهد : هههههه عيب عليكي من فات قديمه تاه، ومعرفش أودامه من وراه، طب والله انفع ابقا شاعرة
تجنن..

لاحت ابتسامة باهتة فوق شِفاها رغم الضجيج الذي يئِن بداخلها

فهتفت : من ناحية تجنني ف انتي تجنني فعلا..

عقدت شهد حاجبيها بغضب مصطنع

شهد : هعتبره مدح مش ذم عشان محطكيش في البلاك ليست.. يلا قومي عشان نفطر كلنا..

رحمة : لأ روحي انتي مليش نفس

شهد : لا ده الفطار انهاردة معمول خصوصي على شرفك بابا عامل احلى طبق فول محوج وماما بتقلي الطعمية وبتجهز طبق مِشّ معتق من اللى جايلنا م البلد يعني فطار ميتقالوش لأ

رحمة : هو لسة عمو بيعمل الفول كل جمعة زى زمان؟ .. بس انهاردة مش الجمعة

شهد : منا قولتلك معمول علشانك يامزة يلا قومي قبل ما الغولة اللي اسمها عهد تخلص الطعمية السخنة.

أخذت تجذبها من يدها فصرخت رحمة بقوة

نظرت ليدها فوجدت آثار لبعض الجروح بمرفقها وأصابعها

شهد : مالك يارحمة؟ وايه اللي عمل في ايدك كده؟

تتابعت نظرات رحمة بألم بين يدها الجريحة وأعين شهد التي تطالب بتفسير، صمتت لوهلة تسترجع ما حدث منذ أيام.

فلااااااش باااااااااااك

منذ عدة اسابيع حين تم القبض على شريف هاتفت رحمة خطيبها- الذى لم تمر على خِطبتهم سوى ثلاثة أشهر - تطلب مساعدته، وبعد تأكده من تورط شريف بالقضية ابتعد عنها بناءا على رغبة مُلحّة من والدته، وحينما استفهم منها شريف عن عدم مرافقته لها بقسم الشرطة ثم بالمحكمة تعللت بذهابه بمأمورية خاصة بعمله، وفي اليوم التالي لمحاكمة شريف ذهبت والدة خطيبها اليها لتنهي أمر تلك الخِطبة..

رحمة : اتفضلي باقي الحجات اهي بس من غير تجريح لو سمحتي كفاية اللي انا فيه

ام سامح : جرى ايه يا بت انتي؟ هو انتي هتعلميني اتكلم ازاى؟.. لأ يا اختى ده انا اقول اللي يعجبني، وبكرة اجوز سامح ابني ست ستك وهتبقا احلى واحسن منك، على الاقل اخوها مش هيبقا حرامي و رد سجون زى المحروس اخوكي..

رحمة : لأ بقا لحد هنا ومش هسمحلك تجيبي سيرة اخويا بحرف واحد، اخويا اللي انتى واقفة في بيته وبتهينيه ده اشرف واحد في الدنيا.

ام سامح : بقا انا تعلّي صوتك عليا يا قليلة الأدب يا اللي مشوفتيش رِباية؟ ، طبعا وانتي مين هيربيكي ما اهلك عمرهم اتقصف من زمان ومافضلكيش غير النصاب اللي كان آويكي.. وهاتي بقا دهب ابني ده  اللي خسارة في اشكالك

اخذت تنزع عنها إسوارتها الذهبية بعنف حتى سالت بعض الدماء من يدها ولم تكتفِ بذلك بل كررت فعلتها بخاتم الخِطبة فأحدثت جُرحا آخر بإصبعها.

لم يؤلمها ذلك الجُرح الخارجي الظاهر والنزيف الذي احدثه كقدر ألمها لجُرحها الداخلي الخفي و الذي وارتهُ خلف أضلعها التي انشقّت وروحها التي تصدّعَت كاستجابة تلقائية لدماء قلبها التى أُهرِقَت.

رُغم ان علاقتها به لم تتخطى الاعجاب والارتياح المُبَرَّر كنتيجة لإقناع شريف لها بقبول تلك الزيجة.. ورغم انه سرعان ماتلاشى ذلك الاعجاب مع تخطيها لأول عتبة من خذلانه لها
إلا انها الآن قد تجرّعت كأس الهوان والانكسار ونقمت مرارة مذاقه بما فعلته بها تلك الحمقاء الرثة.

لِما تُعاقَب على ذنبٍ لم تقترفه قط.؟

لم تكن يوما آثمة، ولم ترتكب وِزرا فادحا فلِمَ يقتَص الجميع منها؟

هل أصبح أخوها  عارٌ عليها وسُبّة أُلصِقَت بها؟

أفاقت من تلك الدوامة التى جُذِبت إليها عُنوة على يد شهد التى تلوح امام ناظريها محاولة انتشالها من ذلك الضياع البادى على ملامحها فتشبثت بها كالغريق الذي تعلق بقَشّة واهية علّها تنقذه من الإنجراف اكثر فأكثر نحو مالانهاية ..

شهد : هاااااى.. يا رحمة سرحتى فى ايه و روحتى لحد فين؟

رحمة : لا ابدا مفيش

شهد : انا اسفة عشان وجعتك مكنتش اقصد.. بس مقولتليش بردو من ايه الجروح دى؟

رحمة : أصلي اتكعبلت في صندوق زبالة ووقعت بس الحمد لله بقيت كويسة بفضل ربنا.

شهد : طب اتفضلي قومي معايا من غير اعتراض تانى بدل ما اندهلك بابا يصبّحك بكلمتين ..

رحمة وهى تنهض معها : لا خلاص وعلى ايه الطيب احسن
********
بعد فترة من الوقت انهت إفطارها بذلك الجو العائلي الذي استحسنته كثيرا وقد  افتقدته منذ وفاة والديها..

===============
في مكان آخر

وتحديدا بمنزل طليقة شريف وأهلها

أخذت روائح البخور تفوح من المنزل وأبخرته الكثيفة تتصاعد من نوافذه وكأن حريقا نشب بذلك المكان... ورُغم ذلك لم يغطي البَخور رائحة الخُبث والوضاعة التي انتشرت بأرجاءه

حنان : ياماما كفاية بقا زياد بيكح جامد من البخور بتاعك وانتي عارفة ان صدره تعبان... بس يا حبيبي معلش ستّك هتطفي البخور دلوقتي.

كاااااااااااااااات

حنان.. سيدة بلغت الثلاثين من عمرها.. متوسطة الجمال، ذات بشرة سمراء وشعر اسود مجعد، جشعة بشدة ودائما ما تتطلع لما بيد غيرها.. وذلك أحد أسباب انفصالها عن شريف..

نفيسة... والدة حنان سيدة خمسينية.. الرأس المدبر لجميع أفعال ابنتها، إبليس ذاته يرفع لها القُبّعة و يجلس ليستفيد من مخططاتها الشيطانية وألاعيبها الماكِرة..

ونرررررررررجع تاااااااااااااني

لم تأبه لحديث ابنتها ولا لذلك الطفل الذي لم يتخطَ الخامسة من عمره وقد ضاق صدره كثيرا واختنقت انفاسه من أثر أدخنة بَخورها.

اطلقت نفيسة صوت ساخر من فمها وهى تتشدق بعلكتها هاتفة : الحق عليا إن ببخر عشان خاطرك ياموكوسة.. بدل ماتتحسدي من ام عباس اللي عنيها تِندَبّ فيها رصاصة، شوفتي الولية كانت هتاكل غوايشك بعنيها ازاى ولّا لما عرفت حكاية ال ١٠٠ الف اللى خدتيها من المنيل على عينه شريف والدهب ابو ٩٠ الف اللي كان جايبهولك قبل ما تطلقوا، كان لازم يعني تنسحبي من لسانك يا مقصوفة الرقبة؟ بكرة نسوان الحارة كلهم يبصّولك في فلوسك وحاجتك..

حنان : خلاص بقا يا امّا اهو اللى حصل.. وبعدين الواد قاعد.

انهت كلماتها بنظرة ذات مغزى من  عينيها لتصه والدتها عن الحديث.. ولكن ذلك الفرس الجامح المستقر اعلى لسانها  لن يرتدع كعادته.

نفيسة  بعد ان اطلقت شهقتها الساخرة مجددا هاتفة : ايه ياختي مش عاوزاني اجيب سيرة المحروس اودام ابنه؟ يلّا اهو غار في ستين داهية.. اهم حاجة انك خدتى اللى وراه واللى اودامه من حبابي عنيه، واهو اللى ييجي منه احسن منه..

حنان : يوووووه يا امّا انتى مابتزهقيش؟ منا سمعت كلامك وعملت اللي قولتيلي عليه إهدى بقا واسكتي..

نفيسة : جرَى ايه يابت ما تتعدلي.. الحق عليا ان عاوزة مصلحتك.. وبعدين ولا يهمك بكرة اجوزك سيد سيده ويكون متريّش وجيبه عمران..

حنان : انا لا عايزة اتجوز ولا اتنيل سيبيني في حالي بقا. اووف عليكي

انهت حديثها ونهضت تجذب طفلها لتغادر الى غرفتها فأوقفتها مجددا

نفيسة : استني يابت.. اخوكي محروس عاوز ٢٠٠٠ جنيه عشان عليه كمبيالة. هاتيهم يفك زنقته ويبقا يرجعهملك بعدين.. وابوكي عليه ٥٠٠ جنيه لصاحب القهوة فلوس شيشة ومشاريب كان واخدها شُكُك.

حنان : وانا مالي.. ما يتصرّفوا هما.. الفلوس اللي معايا دي فلوسي انا وابني.

نفيسة : اخص عليكي يا جاحدة.. هتستخسري في ابوكي واخوكي قرشين؟ وبعدين فلوس ابنك ايه يابت؟ انتى هتصدقي الشويتين اللي عملناهم على الاهبل اللي اسمه شريف؟ لأ فوقي يا عين امك واتعدلي لاحسن اعدِلك بطريقتي..

حنان : يوووووه  حاضر هديهوملك يا امّا. بس محدش يطلب مني حاجة تاني بعد كده..

نفيسة وهى تلوي فمها بتهكم ويداها تتوسط خصرها  : والله وبقيتي تتشرّطي علينا يا بنت عشماوي..

*** غادرت لغرفتها بصُحبة طفلها  تصب  لعنتها على تلك الحياة التي وضعتها بتلك العائلة الوضيعة، وأخذت تسُب بداخلها اليوم الذي انصاعت به لحديث والدتها.
----

كثيرا ما تعطينا الحياة  مِنَحا ربّانيّة على شكل أشخاص تعانق قلوبنا وتؤنس وحشة أنفسنا وتضئ ببريقها ظلام أرواحنا البائسة، فنعتبر تلك الهِبات حقا مُكتسَبا  ثم ننساق خلف  الروح الإبليسية التي تصدح بداخلنا كافرة بأنعُم الله، وما على الحياة سوى سحب تلك النعم التي لم نفقه بقيمتها شيئا، فنعيبها ونلصق بها  قُبح عقولنا الهوجاء وقلوبنا المُذبذَبة..

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا ** وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
الإمام الشافعي.

كان ذلك بعضا من حديثها مع النفس ونوبات جلد الذات التي  باتت تهاجمها يوميا منذ أن تخلّت عن هبتها وثروتها الحقيقية المتمثلة بشريف.....
.. ولكن وا أسفاه.

انسلخت عن تلك الجولة الشرسة مع ذاتها لتنخرط بأخرى وقد صبت غضبها تلك المرة على رحمة حين تذكرت علاقة الأخوة الحميمة التي اشتدت أواصرها بينها وبين شريف. 
كم شهد قلبها لهيب احتراق نفسها الخبيثة بمواقف كثيرة عاشتها معهما، فمنذ الوهلة الأولى لدخولها منزل شريف وهى تسخط على رحمة أن الله رزقها ذلك الأخ الحنون الذي كان نعم السند والعون لأخته، ولكنها لم تحظى بأخٍ مثله، بل كان من نصيبها  أخا منحرفا ضالا،مازال عبئا عليها وعلى والديها رغم كِبَره عنها..
جالت بخُلدها تلك الآيات القرآنية التي رددتها رحمة كثيرا عن علاقتها بشريف وقد شبّهتها بعلاقة نبى الله موسى بأخيه هارون (عليهما السلام). فدائما كانت تردد
بسم الله الرحمن الرحيم

{واجعل لى وزيرا من اهلى *هارون اخي*أشدد به أزري*وأشركه في أمري}..

و آية {سنشُدّ عَضُدَك بأخيك }

حقا تلك هى الأخوة الصالحة.....

أما علاقتها بأخيها السئ الذي لا يُعتمد عليه بأى أمر ولا يمُت لمعاني الرجولة بأى صلة  وطالما اعتبرته وصمة عار أُلصقت بها، فهى كعلاقة يوسف عليه السلام بإخوته حينما كادوا له كيدا عظيما  وألقوه في غيابت الجُب وألصقوها بالذئب، الذي يعلم الله برائته من دمِ ابن يعقوب..

حقا شتان بين هذا وذاك.

**     **     **     **     **     **     **     **
مساءا بمنزل محمود

استجمعت قواها لتتحدث مع عمها بذلك الأمر الذى تعلم رفضه مسبقا ولكن ذلك هو هدفها الوحيد بتلك الحياة..

رحمة : عمي معلش كنت عاوزة استأذنك في حاجة

أغلق الجريدة الموضوعة بين يديه وأعارها انتباهه  بهمهمة تدل على إنصاته لما هو آتِ.

فأردفت رحمة : عمي انا كنت مقدمة على شغل وعندي مقابلة بكرة ان شاء الله...

اقتضبت ملامحه كثيرا وهتف بعنف. : شغل ايه ده يا رحمة؟ هو انا مش هقدر على لقمتك يا بنت محمد؟ مفيش شغل انتي هتقعدي لحد ما يجيلك نصيبك.. وهييجي قريب ان شاء الله...

بترت من ذهنها  الجزء الاخير من حديثه، فهى لا تقوَى  على مواجهة معركتان ضاريتان بآنٍ واحد، فأخذت تستجلب دِفاعاتها مجددا لتأمين سير مخططها على ما يرام..

رحمة : انا مقصدتش طبعا كده، انا عارفة ان خيرك هيكفيني ويفيض، بس انا اصلا كنت مقدمة على الشغل من فترة ويادوب ردّوا عليا من أيام، على فكرة انا كنت بساعد أبيه شريف في الشغل وانا قاعدة في البيت بس قدمت في كذا مكان عشان اكتسب خبرة، أرجوك ياعمي وافق أنا مصدّقت إن جاتلي فرصة زى دي ومش عاوزة اضيّعها... الشغل مش عيب وانا عاوزة اعمل لنفسي كيان وقرش خاص بيا وكمان حرام اضيع شهادتي وسنين دراستي وارميهم في الارض.وانا الحمد لله شاطرة.. وبعدين ما انت ماشاء الله بتعلم بناتك أحسن تعليم وأكيد لو جاتلهم فرصة شغل كويسة هتوافق عشان مستقبلهم.. وافق ياعمي ورحمة بابا عندك...

استطاعت تلك البريئة - التي ارتدت مؤخرا ثوب المكر والدهاء - ان تلعب على وتر خاص لديه تحفظه عن ظهر قلب...

لم يستطع سوى الاستسلام أمام توسلاتها واستجداءه  بفقيد قلبه وعمره.. فوافق  برغم حنقه على تلك الفكرة.

محمود : يااااه فكرتيني بابوكي الله يرحمه نفس طريقته لما كان يحب يقنعني بحاجة أنا رافضها.، وبعدين ده انتي حلفتيني بالغالي...

اطلق تنهيدة حنين شابها بعض الحزن مستطردا : ماشي يارحمة موافق بس بشرط، مواعيدك تكون بدري مفيش حاجة اسمها هتأخر في الشغل، وكمان هتاخدي بردو مصروفك مِنّي زى البنات، وفلوس شغلك تحوّشيها لنفسك، وجهازك ان شاء الله عليا بردو زى البنات، والكلام ده نهائي ومش هرجع فيه..

انحنت ليده تقبّلها  هاتفة : ربنا يخليك ليا يا عمي..

******
غريبة هى الحياة!
كبحرٍ طلاطمت أمواجه وأبحرت به  رحمة بقارب صغير فكُسِرَ مِجدافَيْه  وبعدما اختارت وِجهتها، جرفها البحر ومياهه بعيدا بالاتجاه المعاكس فأبت ذلك وخشت ابتعادها عن مأواها، فساقتها المياه نحو  بر الأمان عكس ما ظنّت...

***********

دلفت غرفتها استعدادا للنوم، فقاطعها دخول  مَن أصبحتا واقعا مقررا بحياتها الجديدة.

وبعدحوالي نصف ساعة من تجاذب أطراف الحديث بأمور شتى.

اعترضت إحداهما على رحمة التي أوشكت على طردهما من الغرفة.

شهد : مش هتنامي قبل ما تنفذي وعدك وتحكيلنا الحكاية من الأول زى ما اتفقنا..

رحمة : يا بنتى حرام عليكي عندي انترڤيو مهم  بكرةوعاوزة انام.. خليها بعدين..

عهد : خلاص بقا يا شهد بطلي رخامة وسيبيها على راحتها.. يمكن مش حابة تتكلم..

شهد : أبداااااا مش هسيبها وبعدين ملكيش دعوة انتى..

عهد : احترمي نفسك بدل ما اشتكيكي لبابا

رحمة : خلااااص ستووووب، انا هحكي عشان اخلص من الزنانة دي.

أعادت ظهرها للخلف تتوسد وسادتها لتسرد حكاية قصّت  والدتها نصفها  سابقا وعاشت هى النصف الآخر منها.

**  رحمة : ماما  اتجوزت والد أبيه شريف وهى صغيرة كانت لسة في الكلية.. وخلفوا أبيه شريف على طول، بس بعدها جوزها توفى في حادثة، وكان ابيه شريف يادوب عنده أربع سنين، بعدها ماما نزلت قدّمت في المصنع  واشتغلت محاسبة بحكم مؤهلها، وبعد فترة بابا اتنقل من  الإدارة للمصنع و كان لسة مطلق مراته قبلها بفترة قصيرة، وقتها اتعرّفوا على بعض كزمايل في الشغل، وبعدها بابا طلب يتجوز ماما بس هى رفضته وقالت انها هتعيش عشان تربي ابنها وبس، ومن الأفضل انهم يفضلوا زمايل فقط، وفضلوا على الحال ده حوالى ٣ سنين، وبابا بردو مصر على جوازه منها ومستسلمش، وجدي وجدتي  كانو بيحاولو يقنعوها وفي مرة قالتله السبب الحقيقي وانها خايفة تتجوز لاحسن جوزها يعامل ابنها وحش او يزهق منه بعد كده ويرميه، وقتها بابا اقنعها انه عمره ما هيعمل كده وانه هيعتبره ابنه وعمره ما هيفرط فيه، وعشان يثبتلها كلامه كتب الشقة اللي كان عايش فيها بإسمها وقاللها اعتبريها هدية جوازنا عشان تكوني مطمنة على نفسك وابنك وانتو معايا.. واتجوزوا وبعد كده خلفوني، و بالرغم ان بابا كان بيحاول يعوض أبيه شريف على أد مايقدر، إلا إن إحساس اليتم كان مسيطر عليه لان مفيش حد يعوض الأب مهما عمل، وكان عنده عزة نفس رهيبة لدرجة انه مرضيش يدخل ثانوية عامة ولا كلية عشان يوفر المصاريف ودخل دبلوم عشان يخلص دراسته بسرعة ويشتغل ويعتمد على نفسه؛ لأنه كان بيتضايق لما بياخد فلوس من بابا، واشتغل في الأول كذا شغلانة وتعب اوى  وبعدها على طول بابا وماما توفوا في الحادثة وأصبح مسئول عن نفسه وعني أنا كمان لأن المعاش اللي كنت باخده مكنش بيكفي حاجة، وبعد تعب ومعافرة في الشغل ربنا كرمه وفتح مكتب صغير للاستيراد والتصدير، وصمم انه يدخلني كلية واكمل دراستي فقررت ادخل تجارة إنجلش عشان اطلع محاسبة زى ماما، وفي نفس السنة  اتجوز   و بعدها خلف زياد حبيب قلبي اللي نوّر دنيتنا وحلّاها رغم المشاكل اللي كانت بتحصل بينه وبين مراته على أتفه الأسباب، لحد ماكانت هى وامها منهم لله سبب في ديونه ودخوله السجن بعد ما طلقها وخدت كل حاجة..

انهت حديثها وقد استقر الألم بملامحها

عهد بتأثر صادق : ياااه ده شكل اخوكي تعب واتعذب في حياته أوي، شكله موعود بالوجع، بس صدفة غريبة ان جوز مامتك الأضولاني يموت في حادثة وكمان مامتك وعمو.

شهد وهى توجه وكزة خفيفة لكتف اختها هاتفة : سبحان الله دايما متشائمة و بتفتّشي عن المعاناة بملقاط، هتفضلي طول عمرك تبصي لنص الكباية الفاضي، ملفتش نظرك مثلا حب عمو لمامتها وإصراره إنه يتجوزها، ولا انهم خلفوا بنوتة قمر كده وملكة جمال زى رحمة، حتى عمو شريف ربنا عوضه ورزقه بولد قمر زى ما رحمة قالت. وان شاء الله يخرج بالسلامة ويكمل مشواره من جديد ويبقا أحسن م الأول. . إهدي شوية

كادت عهد ان تقذف اختها بسيل توبيخها المعتاد ولكن أوقفها عَبرات رحمة التي تلألأت بزرقاوتيها  فأسرعت شهد هاتفة بقلق : مالك يارحمة اوعي تكوني زعلتي من كلامي انا وعهد، احنا كده على طول منقصدش نضايقك والله.

هزت رحمة رأسها برفض اتبعته بتنهيدة ألم  هاتفة : لا أبدا، بس عهد عندها حق، فعلا معظم الناس اللي في حياتى ماتوا في حادثة، و حاسة ان انا كمان هموت في حادثة زيهم.

: بعد الشر عنك

هتفت بها الفتاتان معا.

فالتوى ثغرها بابتسامة جانبية صغيرة لم تصل لعيناها، امتنانا للخوف البادى فوق مُحيّاهما.

رحمة :  ربنا يخليكو ليا، خلاص بقا انا كويسة، ويلا  على أوضتكو يا حلوين..  عشان لازم انام واصحا بدري.

امتثلت عهد لحديثها فنهضت تغادر الغرفة  وكأن شيئا لم يكن، أما شهد فقبل مغادرتها أخذت تعتذر عن أسلوب أختها الفظ  وجفاء كلماتها فقبلته رحمة بصدرٍ رحب..

أمضت معظم الليل  تعد عدتها وأسلحتها للمواجهة الأولى بتلك المعركة...

****************
في اليوم التالى

بأحد الشوارع التي عجّت بالمارة وضجّت بأبواق السيارات

: آآآآآآآآآآآه

تلك هى الصرخة المدوّية التي أطلقتها رحمة إثر اصطدامها بإحدى السيارات أثناء عبورها الطريق..
**************
فضلا ليس امرا التصويييييييت..

رصاصة الرحمة

بقلم / أمل الريفي

Continue Reading

You'll Also Like

524K 9.6K 85
نظل ما بين تلك الحرب القويه ما بين مشاعرنا... لم يتوقعا ان يقعا في عشق بعضهما البعض... بعد قسوة وزواج مجبران عليه تحولا الى عاشقين لا يستطيعا ان يتفر...
157K 6.1K 32
رجال آلقوة.. وآلعنف آلغـآلب آلمـنتصـر.. وكذآلك آلعقآب لآ نهم ينقضون على صـيده بــكسـر جـنآحـيهم آي بــضـمـهمـآ آوبــكسـر مـآيصـيدهم كسـرآ آلمـحـطـم آ...
1.3M 4.1K 64
⚠️ القصة دي شبه واقعية وتحكي أحداث معظمها حدث معي شخصياً بالفعل،⚠️ يعني معظم الشخصيات اللي فيها موجودة بمواصفتها لكن الخيال فيها إن مش كلهم بل معظمه...
191K 18.9K 17
تَبدأ حِكايتِنا بَين بِقاع اراضٍ يَسكنُها شَعبّ ذا اعدادٍ ضئيلَة ارضٌ تُحَكم مِن قِبل ثلاث قِوات و ثالِثُهم أقواهُم الولايات المُتحدَة | كوريا الجنوب...