أسرار الصلاة

Por Teiba_NH

15.3K 487 32

كتاب أسرار الصلاة لسماحة الشيخ حبيب الكاظمي Mais

الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الاداب الباطنية في التهيؤ النفسي
الاداب الباطنيه في التهيؤ النفسي
الاداب الباطنيه في التهيؤ النفسي
الآداب الباطنية للطهور
الاداب الباطنيه للساتر
الأسرار الباطنية للقبلة
الآداب الباطنية للوقت
الاداب الباطنيه للمكان
الاداب الباطنيه للأذان والاقامه
الاداب الباطنيه للنيه
الاداب الباطنيه للتكبير
الاسرار الباطنيه للأستعاذه
الاداب الباطنيه للبسمله
الاداب الباطنيه للقراءه
الاداب الباطنيه للقراءه
الآداب الباطنيه للركوع
الاداب الباطنيه للسجود
الاداب الباطنيه للسجود
الآداب الباطنيه للتشهد
الاداب الباطنيه للتسليم
الآداب الباطنيه للقنوت والتعقيب
الاداب الباطنيه لصلاة الليل
الآداب الباطنيه لصلاة الليل
الآداب الباطنيه لصلاة الجماعه

الآداب الباطنيه للمسجد

74 5 0
Por Teiba_NH

مزايا البيت الإلهي

.١ جرت العادة أن تكون البيوت متناسبة مع أصحابها، فقصر الملك لا يقاس ببيت الرعية، ومن المعلوم أن المسجد هو بيت الله عز وجل الذي يستجمع كل المزايا المتصورة في عالم الضيافة الإلهية، ومن لوازم زيارة بيته تعالى:

الإغاثة: فقد جرى العرف البشري على إغاثة من يلتجئ إلى دار كريم أو وجيه من وجهاء الدنيا ـ ولو كان الملتجئ ـ ظالما، بل كانت تقع الحروب عند مخالفة هذا العرف كما هو واقع في تاريخ الجاهلية؛ فإذا كانت هذه البيوت محمية من التعرض لمن يلتجئ إليها، فكيف ببيوت الله تعالى؟!..

ومن هنا نعتقد أن سلطة الشياطين وقوتها تضعف في المساجد، وإن الذي يصلي في المسجد جماعة يكون إقباله أسهل بكثير ممن يصلي في المنزل، وذلك من جهة أن الحماية الإلهية للمصلي تتضاعف في جمع المؤمنين، وفي بيت من بيوت الله تعالى.

ونقول هنا بالمناسبة: إن بعضهم يحرم نفسه إتيان المساجد، بدعوى طلب الإقبال في المنزل فرادى، ومن الواضح أن هذه وسوسة من الشيطان، وهو يغريه بذلك ليحرمه الثواب الجزيل، فالمؤمن يجمع بين الصلاة في المسجد والخشوع فيه أيضا؛ لأنه عندما يقف في صفوف المصلين، فإن هنالك رحمة غامرة تحيط بهم جميعا حتى لو أقيمت هذه الجماعة خارج المسجد، فكيف إذا أقيمت الصلاة جماعة، وفي بيت الله تعالى وبحالة من الإقبال ؟!. وبذلك تجتمع أركان الكمال في الصلاة أعني: جماعة المؤمنين، والبيت الإلهي، والخشوع الصلاتي.

الضيافة: فعندما يقوم الإنسان بزيارة أحدهم، فإن أول خطوة يقوم بها المزور ـ كحق ثابت للزائرـ هو إكرامه بما أمكنه، فكيف الأمر عند أكرم الأكرمين؟!. وخير ما يجسد هذا المعنى ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: قال الله تبارك وتعالى: [ إن بيوتي في الأرض المساجد، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة. ] ، ومن المعلوم أن المقصود بالمساجد – في الرواية ـ مطلق المساجد، فرب العالمين لا ينظر إلى صور الناس وأبدانهم، ولا ينظر إلى بناء المساجد وزخرفها!.. فالبيت إذا صار لله تعالى وإن كان من قصب لا سقف لهـ كما كان بناء مسجد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)ـ فإنه يبارك فيه بما ذكر في الرواية.

زيارة الله تعالى: [ ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي ] فكلمة طوبى ، يوازي كلمة ويل بفارق أن الويل يستعمل في العذاب وطوبى في الثواب، وانطلاقا من هذا الحديث فإن بعضنا يتعمد الوضوء في منزله، ليكون مصداقا دقيقا لهذه الرواية، وقد روي أيضا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: [ عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره ] فرب العالمين لا يحده زمان ولا مكان، ولكن بيوته في الأرض هي هذه المساجد، فكما أن استلام الحجر في حكم استلام يمين الله تعالى في الأرض، فيقول العبد:

[ أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ] ، فكذلك الأمر عندما يذهب إلى بيت من بيوت الله تعالى، فإنها هي الأماكن التي يزار فيها رب العالمين بالمعنى الكنائي، فناسب أن يقول متوجها: إلهي العبد عبدك، والبيت بيتك، وها أنا ذا بين يديك

  

عنوان

.٢ هناك آيتان في القرآن الكريم حول بناء المساجد: إحداهما آية ذامة والأخرى مادحة:

فالآية الذامة تتحدث عن مسجد ضرار، فقد اشتد فيه التعبير والنسبة إلى الكفر حيث يقول تعالى: ﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون﴾ ومختصر قصة مسجد ضرار :

إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء، وبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيه، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف، فقالوا: نبني مسجدا فنصلي فيه، ولا نحضر جماعة محمد، فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا، فلما بنوه أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة، والليلة الممطرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا، وتدعو بالبركة، فقال (صلى الله عليه وآله) : إني على جناح سفر، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله، فصلينا لكم فيه، فلما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أي يا رسول تبوك، نزلت عليه الآية في شأن المسجد ﴿لا تقم فيه أبدا﴾ الله ، لا تقترب من هذا المسجد!.. والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يكتف بعدم مباركة المسجد والصلاة فيه، بل أمر المسلمين بإحراقه، ثم تخريب جدرانه لتصير مزبلة ترمى فيها القمامة، فهذا مصير المسجد الذي يبنى لغير الله عز وجل!.

والآية المادحة تتحدث عن مسجد قباء، فقال تعالى: ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾ فمن يوفق للحج أو العمرة يذهب إلى هذا المسجد ليصلي فيه ركعتين، وتكتب له بذلك عمرة، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : صلاة في مسجد قباء، كعمرة ،وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا:

من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه، كان له كأجر عمرة ، فانظر كيف صار هذا المسجد من المساجد الخالدة في تاريخ الاسلام، وذلك لأن من قاموا بتأسيسه كانوا من المتطهرين، فقاموا بعمارة أنفسهم قبل عمارة بيوت ربهم، ومن المعلوم أن عمارة النفس يغاير البناء الخارجي، حيث يقول تعالى: ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ وهذه القاعدة سارية على مدى الأزمان والاعصار، فبعضهم يقوم بصدقة جارية لا يبارك له فيها، بل تندثر مع الأيام، وهناك ما يكتب له البقاء والخلود؛ إذ المدار في بركات البناء هي خشية الباني، كما في الآية المذكورة، واللافت في ذلك أنه مع تحقق هذه الخشية أيضا فإن الله تعالى يجعل الهداية مرجوة لهم بقوله: ﴿فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين﴾

  

عمارة المسجد

.٣ إن عمارة مساجد الله تعالى لها مصداقان:

المصداق الأول: البناء المادي وهو تارة يكون بناء كاملا ولو على مساحة صغيرة: ] من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة   [ وقد يكون تارة مساهمة في بناء بيت من بيوت الله تعالى ولو بلبنة واحدة، فرب العالمين واسع كريم، يقبل من عباده اليسير من العمل ويجازيهم عليه بالعظيم من الأجر.

ففي نيشابور هنالك قبر لعجوزة تسمى شطيطة، وهي التي بعثت بدرهم للإمام الكاظم (عليه السلام) فقبل منها ذلك وقال: ] إن الله لا يستحيي من الحق [ ، وإلى يومنا هذا، فإن درهم شطيطة ذهب مثلا في القبول!.

المصداق الثاني: البناء المعنوي، ونعني بذلك توقير بيوت الله تعالى، بما يحقق مصداق العمارة والتوقير من هذه المصاديق:

عدم اللغو: فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ] يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشتر فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك. [ فكيف إذا خضنا بالباطل بأصوات مرتفعة، فجمعنا بين الرذيلتين؟. والباطل هنا قد يعم الباطل بمعنى الحرام الشرعي، أو بمعنى اللغو الذي لا معنى له، أضف إلى ذلك كله، فإن الذي لا يوقر المسجد فقد أضر بغيره؛ لأنه قد يوجب حرمان أحدهم من التوجه في صلاته، فبذلك يسقط من عين الله تعالى؛ لأنه آذى أخاه المؤمن من جهة، واستخف بأمر الله تعالى من جهة أخرى، فإن من كان في قاعة السلطان التزم بلوازمها، وهذا بيت الله تعالى، وهو أولى بذلك بما لا يقاس طبعا!.. كما أنه أضر بنفسه حيث حرم نفسه الإقبال على الله تعالى وهو في بيته، لوضوح أن الله تعالى ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، فمن اشتغل بالأباطيل لا يمكنه الإقبال على الحق المتعال؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.

إقامة الصلاة: فما دام المؤمن في ضيافة مولاه و في فترة محددة، فلم لا يغتنم الفرصة للإتيان بالنوافل والفرائض، ما دام الإقبال في المسجد أيسر تحقق قياسا إلى المنزل؟!.. أضف إلى أنه لا يخلو مؤمن من صلوات القضاء ـ ولو فجرا ـ ليكون الإتيان بها وخاصة في موارد الفوات العمدي، من موجبات قبول المولى له ولصلاته.

قراءة القرآن: فإن حديث الله تعالى مع العبد يكون من خلال القرآن الكريم، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) : ] مَن كان القرآن حديثه والمسجد بيته ، بنى الله له بيتاً في الجنّة [

وعليه فمن يشتاق إلى حديث رب العالمين معه، فإنه يقرأ كتابه؛ إذ القرآن هو الكتاب النازل، كما أن الذي يشتاق إلى حديث مع الرب معه فإنه يصلي، حيث إن الصلاة هي حديث العبد مع مولاه، ولا تنبغي الغفلة عن أن الصلاة جامعة للنورين معا، أي نور القرآن والدعاء. وخير مكان لتلاوة كتاب رب العالمين هو بيته، وعليه فإن المؤمن في المسجد يكون بين حديث مع الرب، وبين حديث للرب معه، أو لا يصدق بعدها أن الجلوس في المسجد خير من الجنة؟!.. وهو ما علله علي (عليه السلام) قائلا: ] الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة ، لان الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي [

  

ث. التأمل: إن المؤمن وهو في المسجد يستطيع أن يتأمل في حاله، وإن لم يكن في حال صلاة أو قراءة للقرآن، فيفكر: من أين وفي أين وإلى أين ؟!.. وما الجديد في حياته؟!.. فقد عاش ما عاش ولم يزدد معرفة ولا قربا من مولاه، فيأخذ الإنسان بمعاتبة نفسه، عندما لا يجد جوابا مقنعا على أسئلته تلك، وقد تكون زيارة واحدة للمسجد بهذه النية، كافية لتغيير مجرى حياته إلى الأبد.

ج. المناجاة: فطوبى لإنسان وهو في بيت الله تعالى يفكر في هذه المضامين: ] آه ..آه.. من قلة الزاد وبعد السفر [ ومناجيا ربه قائلا : ] فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفين جوزوا ، وللمثقلين حطوا ، أمع المخفين أجوز ، أم مع المثقلين أحط ؟ ويلي ويلي ! كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب ، أما آن لي أن أستحي من ربي! [

د. القراءة: فبعض المساجد فيها مكتبة نافعة، فبإمكان المؤمن أن يأخذ منها كتابا نافعا، ويقرأ الكتب الدالة على عظمة الله تعالى في خلقه، ثم يصلي بعدها مستذكرا بديع صنعه قائلا: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ ، فيا له من أسلوب جميل!.

  

نوعا التشريع

.٤ إن رب العالمين له نوعان من التشريع: تشريع للجلوات، وآخر للخلوات.. فتارة يحثنا على صلاة الجماعة، حيث إنه قلما ورد التأكيد على مستحب كالتأكيد على صلاة الجماعة، حيث ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) تأكيد مذهل على هذه الصلاة، حتى أنه يفهم من بعض المضامين أن الركعة الواحدة منها لا يحصي ثوابها إلا الله عز وجل، ففي حديث قدسي طويل، ورد فيه فضل صلاة الجماعة: ] فإن زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة [

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحج وصلاة العيدين؛ فهذه كلها عبادات في العلن.. وتارة يحثنا على الصوم وصلاة الليل والصدقة، وهذه عبادات في السر.

وعليه فإن رب العالمين يحب أن يعبد علنا كما يحب أن يعبد سرا، والذي يتقن عبادة ربه في الخلوات، هو الذي يتقنها في الجلوات، وهنيئا لإنسان له خلوة مع الله تعالى في الليل، وله حديث معه في النهار!.. فأرواحنا بحاجة ـ في طريق تكاملها ـ إلى صلاة الجماعة، كما هي بحاجة إلى صلاة الليل، ليكون مصداقا لما ورد في المناجاة الشعبانية : ] فناجينه سرا وعمل لكل جهرا [ ، وطوبى لمن جمع بينهما في صلوات الفجر، حيث جماعة العلن والمشي إلى المسجد في خلوة الليل!..

  

الطبقة المتميزة

.٥ إن من المتميزين من بين المؤمنين، هم الذين يرون في أنفسهم شوقا وحنينا إلى المسجد، فهم فيه كالسمكة في الماء لا كالطير في القفص.. ومن الممكن القول: بأن المؤمن يختبر مدى إيمانه بملاحظة حاله في المسجد، فإن رأى نفسه ـ كما تصفه الرواية ـ كان ذلك علامة على صدق إيمانه. ومن العلامات أيضا شوقه لاستقبال الفريضة الأخرى، فيستشعر في قلبه هذه الحقيقة وهي: أن أنسه بالمسجد أشد من أنسه بمنزله وأهله، ومن هنا يتبع الفريضة بالفريضة، ويكون من أول الداخلين إلى المسجد ـ إثباتا لشوقه إلى صاحبه ـ وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ] ثلاثة نفر من خالصة الله عز وجل يوم القيامة: رجل زار أخاه في الله عز وجل فهو زور الله وعلى الله أن يكرم زوره، ويعطيه ما سأل، ورجل دخل المسجد فصلى وعقب انتظارا للصلاةالأخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر فهما وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده. [

  

آداب المسجد

.٦ إن على المصلي ـ عندما يدخل المسجد – عليه أن يراعي كل آداب دخول المساجد من: قراءة المأثور، وتقديم الرجل اليمني على اليسرى، والخروج بالعكس، وأخذ الزينة، والتطيب، والدخول بأطيب وأطهر لباسه، وأن يعيش حقيقة أن هذا المكان ملك خالص لله عز وجل، وإن كان كل ما علي الأرض ملكا له.

وليعلم هنا أن هذا الأدب الأخير ـ أي الإحساس بكونه في بيت الله تعالى وضيافته ـ موجب لتحقق جميع الآداب الأخرى، فالمكان إذا أوقف مسجدا صار بيتا لله تعالى إلى قيام الساعة، فعندما يدخل المسجد عليه أن يستحضر مالكية الله تعالى الخاصة لتلك البقعة.

ومن المعلوم أن من ورد على الكريم، فإن وروده يوجب حقا عليه، لما قيل من أن لكل قادم كرامة ولو كان مجرما أو مسيئا، ولهذا جعل الله تعالى مجرد الدخول إلى حرمه في مكة من موجبات الامان بقول مطلق، وهذا الامن متحقق نسبيا في كل المساجد؛ إذ من دخلها كان آمنا بمعنى من المعاني.

  

كرم أهل البيت

.٧ إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ـ وهم المتخلقون بأخلاق الرب المتعال – كانوا يعتقون من بأيديهم عندما كانوا يرون حركة لطف أو اعتذار من جارية أو من غلام، إذ العتق غاية أمنية كل مملوك، وهذا هو ما وقع مع الحسين (عليه السلام) عندما دخلت عليه جارية وبيدها طاقة ريحان، فحيته بها، فقال لها: ] أنت حرة لوجه الله ، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال : كذا أدبنا الله ، قال الله ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها﴾ وكان أحسن منها عتقها. [  ولا ريب أن عتق الرقبة من النار، أهم من عتق الرقبة من الرقية الظاهرية، وهو المرجو من صاحب المسجد، عندما يدخله العبد طالبا فكاك رقبته من النار!.. فإذا كان المرجو مثل هذا الخلاص المصيري من زيارة واحدة للمسجد، فكيف بالزيارات المتكررة؟!.

  

الانسلاخ عن الهوية

.٨ إن كل من يدخل الحرم الإلهي أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) أو مشاهد أبنائه المعصومين (عليهم السلام) فإنه ينسلخ عن هويته الرسمية ويكتسي وشاح الضيافة لله تعالى، وهكذا الأمر فيمن دخل المسجد أيضا، فإنه حل ضيفا على الله تعالى، وعلى المصلي أن ينظر إلى المصلين بهذا المنظار الإلهي، وهو الموجب للحصانة لمن دخل بيته.. وعليه فإن توهين هذا المؤمن في المسجد، قد يثير غضب الرب المنتقم؛ لانه في دائرة حمايته وضيافته، فإياك أن تتكلم معه بكلمة جارحة، وإياك أن تغتابه وهو في المسجد!..

وهناك حقيقة أخرى في هذا المجال: وهو أن الإدمان على حضور المسجد، من موجبات الحكم بحسن الظاهر، وبذلك ترجح مجاورته ومعاملته ومصاهرته كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) :] من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيرا [

  

دروس الحياة

.٩ إن كل فقرة من فقرات آداب صلاة الجماعة ومستحباتها، فيها درس بليغ من دروس الحياة، ولولا صلاة الجماعة في المساجد لما بقي للإسلام نور ووهج.

وعليه فإن من موجبات توقير الشريعة، هو تشريع الجماعات والأمر بعمارة المساجد، فالمصلي له دور في تحقيق هذه الكرامة لبيوت الله تعالى عند عمارتها بالبناء والحضور، وإن لم يشعر بذلك تفصيلا.

  

حرمة المساجد

.١٠ هنالك بعض التشريعات المتعلقة بالمساجد من: حرمة دخول الجنب والحائض، و حرمة التنجيس والمبادرة إلى التطهير، وغيرها من الأمور الدالة على حرمة هذا المكان المقدس الذي تناسبه الطهارة والتقديس.

ومن هنا نقول: إن مبدأ السنخية بين هذه الآداب والمسجد، يقتضى أيضا من المصلي أن لا يدنس المسجد بقذارته الباطنية، فكيف يراعي حرمة المسجد فمن كان متدنسا بأكل لحم الميتة عند الغيبة مثلا، وهو لم يستغفر الله تعالى متطهرا منها قبل الدخول؟!.

  

المعية الدائمة

.١١ لا شك أن المعية الإلهية متحققة – تكوينا ـ مع العبد في كل حركاته وسكناته، ولكن تشتد المعية اللطف في بعض المواطن إلى درجة يوصف فيها العبد بأنه ضيف الله تعالى وزائره ومن وفاده، ومن المعلوم أنه إذا انطبق مثل هذا العنوان على العبد، فإنه سيعيش في كنف اللطف الإلهي المستفاد من قوله تعالى: ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ ، ومن المصاديق المحققة لهذه الضيافة المستلزمة للمعية الخاصة، هو حضور المساجد والصلاة فيها.

  

ضريبة المكان

.١٢ إن لكل مكان لوازمه من جهة مراعاة الحقوق والآداب، وملوك الدنيا ـ عادة ـ يبالغون في تشريفات لقائهم إلى درجة يخاف الداخل عليهم من التقصير في أداء ما ينبغي عليه، فكيف بمن يريد اللقاء بمكان منسوب إلى مالك الوجود؟!.. وعليه لا بد أن يكون في أعلى درجات التوقير والتعظيم له، فلا يثير غضبه بمعصيته وهو في بيته، ويحاول أن يكون متأدبا في كل حركاته وسكناته بما يطلبه منه في ساحة لقائه.

ومن هنا عد الفقهاء جملة من الأمور التي يكره الإتيان بها في المسجد فقيل: يكره استطراق المساجد إلا أن يصلي فيها ركعتين، وكذا إلقاء النخامة والنخاعة، والنوم إلا لضرورة، ورفع الصوت إلا في الأذان ونحوه، و إنشاد الضالة، وقراءة الأشعار غير المواعظ ونحوها، والبيع، والشراء، والتكلم في أمور الدنيا، واتخاذها محلا للقضاء والمرافعة، وسل السيف، ودخول من أكل البصل والثوم ونحوهما مما له رائحة تؤذي الناس، وتمكين الأطفال والمجانين من الدخول فيها، وإخراج الريح. والإمام الصادق (عليه السلام) يجمع كل آداب دخول المسجد بكلمة جامعه قائلا كما روي عنه: ] إذا بلغت باب المسجد، فاعلم أنّك قصدت باب بيت ملك عظيم، لا يطأ بساطه إلاّ المطهرون، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصدّيقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك، فإنّك على خطر عظيم إن غفلت هيبة الملك!.. واعلم أنّه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك [

  

جامعية المسجد

.١٣ إن بعضنا يرى المسجد دارا للعبادة فحسب، وهذا هو حال بعض المساجد في العصر الحاضر، فتراها مقفلة أبوابها بعد الصلاة مباشرة، ناهيك أن بعضا منها تحول إلى ما يشبه المتاحف يدخلها المسلم والكافر، وهذا كله من آثار عدم الإخلاص في بنائها، بل لأجل التفاخر والتباهي كما يصنعه الملوك عادة، ولكن المسجد الذي يراد عمارته في الإسلام، هو ما كان جامعا للمنافع الدنيوية والأخروية، والتي يذكر شطرا منها علي (عليه السلام) في قوله: ] من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخاً مستفاداً في الله ، أو علماً مستطرفاً ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردُّه عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنباً خشية أو حياء [

  

المشي إلى المساجد

.١٤ إن من موجبات إعراض بعضنا عن الذهاب إلى المسجد هو البعد المكاني، فإذا لم تكن له دابة توصله إليه، فإنه يتوانى عن الذهاب إلى المسجد، ويصلي فريضته في البيت حتى في الجمع والأعياد، والحال أنه لو اطلع على التراث الروائي المتعلق بالمساجد لانتابه العجب، حيث إنها بيوت الله تعالى في أرضه، وله الحق في أن يميز ويزين مسجده بما يشاء، ولكن بزينة يظهر أثرها في العالم الآخر، ومما يبين هذا المعنى ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ] من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولايابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة [

  

كمفحص القطاة

.١٥ قد يتحسر العبد الذي لم يؤت سعة من المال على عدم توفيقه لبناء مسجد يذكر فيه اسم الله تعالى في الدنيا، ويوجب له بناء بيت في الجنة في الآخرة، ولكن لا ينبغي اليأس في ذلك، فليس المطلوب أن يبنى مسجدا تام العمارة مكتملة الأركان، بل يكفي أن يحقق المسمى ولو كان بسيطا، فأعظم مسجد في الإسلام وهو مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن له سقف يقي الحر والبرد.

ومن طريف ما ذكر في هذا المجال هو ما روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال : ] من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة، قال أبوا عبيدة: ومر بي وأنا بين مكة والمدينة أضع الأحجار، فقلت: هذه من ذاك، قال: نعم. [ ، أي أن مجرد التحجير في طريق الحج مما يوجب تحقيق مصداق المسجدية، وقد أقره الإمام عليه السلام على ذلك.

  

أدب الدخول والخروج

.١٦ من المناسب للعبد أن يتقيد بكل الآداب المأثورة في كل تقلباته، وهي ليست قليلة حيث يندر وجود حركة من العبد لا تقارنها دعوة مختصرة أو مفصلة سواء: في التخلي، والوضوء، والغسل، والأكل والشرب، والنوم، وركوب الدابة، ولبس الثوب وغيرها الكثير، وأقل الأذكار المقارنة هي البسملة، ومن مصاديق الذكر المستوعب لحركات العبد، هو ما يذكره عند دخول المسجد، كما هو الأمر كذلك عند الدخول إلى المشاهد الشريفة.

وعليه فعلى العبد المراقب لنفسه، أن يتأسى بما كان يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) عند دخول المسجد، فقد كان إذا دخل المسجد يقول: ] بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك [

  

خدمة المسجد

.١٧ يكفي في إثبات بركة خدمة المسجد: بناء، وإعمارا، وصيانة، وخدمة فيها، ما وقع لأم مريم (عليها السلام) عندما طلبت من الله تعالى أن يجعل حملها في خدمة بيت المقدس، حيث قالت: ﴿إذ قالت امرأت عِمران ربِ إني نذرت لكَ ما في بطني محررًا إنك أنت السميع العليم﴾ فكانت الجائزة الإلهية متمثلة بالقبول، والإنبات الحسن لابنتها مريم (عليها السلام) وحفيدها عيسى (عليه السلام) إلى الأبد مقابل هذه النية المباركة.. فما المانع أن تشمل مثل هذه البركة كل من نوى أن يوفقه الله تعالى لخدمة بيت من بيوته وهو صادق في طلبه؟!.

  

الزينة عند كل مسجد

.١٨ إن التزين الظاهري في الملبس، والتطيب عند دخول المسجد لمن موجبات توقيره، وقد أمرنا الله تعالى بذلك من خلال قوله تعالى: ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ ، حيث جرت العادة أن يتزين الإنسان لكل من كان له وزن في نفسه، فكيف بمن يريد مواجهة ملك الملوك، بل قد أمرنا بعدم استعمال ما ينفر الآخرين لما فيه من عدم التوقير، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ] من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم   [ ولكن لا بد من مراعاة الشرك الخفي، لئلا يدخل الشيطان حتى في مثل آداب التزين، والذي قد يراه المصلي بعيدا عن الرياء، وإلى ذلك يشير الشهيد الثاني (قدس سره) بقوله: ] لا يسلم من الشيطان إلا من دق نظره، وسعد بتوفيق الله تعالى وهدايته، وإلا فالشيطان ملازم للمتشمرين لعبادة الله تعالى لا يغفل عنهم لحظة، حتى يحملهم على المهالك في كل حركة من الحركات، حتى في: كحل العين، وقص الشارب، وطيب يوم الجمعة، ولبس الثياب الفاخرة.. فإن هذه سنن في أوقات مخصوصة، لكن في النفس فيها حظ خفى، لارتباط نظر الخلق بها، فيدخل الشيطان فيها عليه من المداخل إن لم يتيقظ [

  

المسجد والتواصل الاجتماعي

.١٩ إن الله تعالى حريص على كرامة المؤمن إلى درجة جعله أشرف من الكعبة، حيث إن المؤمن موجود حي منتسب إلى الله تعالى بخلاف الكعبة الصامتة، ومن هذا المنطلق فإنه لم يأذن للمؤمن أن يذل نفسه، بحيث امتدح الذي لم يظهر فقره إلى درجة يحسبه الجاهل غنيا من التعفف.

وفي هذا السياق نقول بأنه إن كان ولا بد من مكان يذهب إليه المؤمن المحتاج، فالمسجد من أولى الأماكن بذلك لأنه بيت الله تعالى، وإن كان لا بد من شخص يذهب إليه المؤمن فأهل الجماعة فيه هم من أولى الناس أيضا.. وهذا هو الذي وقع في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) حيث جاء السائل إلى المسجد، وكان المتصدق عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه حين صلاته راكعا، فنزلت في ذلك آية تتلى إلى أبد الآبدين.

Continuar a ler

Também vai Gostar

8.8K 225 10
أّقِوِأّلَ حٌګمَ مَنِقِوِلَةّ يمرّ الإنسان خلال حياته بالعديد من المواقف المختلفة سواء كانت سعيدة أو حزينة، وهذه المواقف تكسبه خبرةً في كيفيّة ال...
6K 147 23
لا تدع الماضي يدمر حاضرك ومستقبلك لا تدع الماضي يدمر حياتك أنت ببداية عمرك لن تترك الحب لأجل قضية انتهت بالماضي هذه البداية عليك أن تبدأ من جديد أن ت...
1.5M 25.6K 101
رواية منقوله من قبل الكاتبه ريم_محمد# رواية تمتلك أحداث رائعه@ أثمن لكم قراء ممتعه#
54.9K 2.6K 5
10 قوانين للعقل الباطن تم أستخلاصها من الفيديو المسجل للدكتور أبراهيم الفقي تحت عنوان (أستراتيجيات العقل الباطن) بواسطة : محمد الساعدي