الاداب الباطنيه للنيه

77 4 0
                                    

نوايا المصلي

.١ إن النية هي أول ركن من أركان الصلاة المتمثلة في: النية والتكبير والقيام والركوع والسجدتين، وتعريف الركن فقهيا: هو ما تبطل الصلاة بتركه عمدا أو سهوا، والنية هي عبارة عن حركة قلبية للعبد بدعوى قصد التقرب إلى الله تعالى.

وهنا يمكن أن نتساءل: ما هو هدف العبد عندما يتقرب إلى الله تعالى بالعبادات التعبدية، وهي التي يشترط فيها قصد القربة إليه؟!.. والجواب المتصور: أن هناك عدة أهداف وإن لم يلتفت إليها العبد، فمنها:

طلب المزايا: فهناك من يتقرب إلى الله تعالى لتحقيق ما يريده من الحوائج، لثقته بأن قضاء حوائجه بيده تعالى، فلو جرت حاجته على يد غيره لم يعد له كثير التفات إلى ربه، والشاهد على ذلك أن بعضنا قد يكون في حال إقبال طلبا لحاجة من ربه، فإذا علم أن حاجته قد قضيت ساعة دعائه، فإنه يخرج مما كان فيه من الإقبال، لوضوح أن علاقة هذا الصنف مع ربه هي علاقة أصحاب المصالح، لا حبا لمن تجري على يديه المصلحة، والغريب أن هذا العبد نفسه قد يكون أكثر إخلاصا في تعامله مع المخلوقين، فتراه بارا بوالديه مثلا لا طلبا لمزية وإنما حبا لهما، ولكن عندما يصل الأمر إلى الخالق، فتراه يبتغي العاجل من المتاع في عبادته له.وهذا الكلام بعينه ينطبق أيضا على تعاملنا مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، فالزائرون لمشاهدهم كثيرون ـ وهذا أمر محمود ـ ولكن لننظر إلى المنطلقات الباطنية في زيارتهم!

الشعور بالخجل: فهناك قسم من الناس يعيش حالة التذلل والخجل لما سلف من المعاصي أيام حياته، وذكرها يقلقل أحشاءه ويمنعه من الرقاد ـ كما نقرأها في بعض الزيارات - فيتقرب إلى الله تعالى بالعبادات إذهابا لهذا الشعور المحزن، ومن الطبيعي أنه عندما يستذوق حلاوة المغفرة، فإنه سيعيش شعورا من الارتياح وراحة الضمير، ولا شك أن هذا القسم أقرب إلى الله تعالى من القسم السابق.

جـ المحبة الإلهية الدافعة للعبد لأن يبرد غليله الباطني بالعبادات المقربة إليه، إذ كان في أول الأمر عبدا مصلحيا، فصار خجلا وجلا، ثم أراح ضميره، ليرتقي أخيرا إلى سلم المحبة الإلهية الخالصة.. ومن المعلوم أن هذا الحب يجعله يخلص في عمله، ويتقرب إلى محبوبه من دون أن يطلب مزية من المزايا ـ حتى الباطنية منها ـ كراحة الضمير. إن عالم الحب الإلهي مغاير تماما لعالم الحب البشري الذي لو تم فيه وصال لصار مدفنا لذلك الحب وإن بلغ مرحلة العشق، ولكن هذه القاعدة لا تجري في دائرة الحب الإلهي؛ إذ لا مدفن لهذا العشق، بل يزداد تأججا واشتعالا، بل هناك قانون آخر حاكم في المقام، ألا وهو أنه لا تكرار في التجلي.

والشاهد على ذلك ما يعيشه ـ وجدانا ـ أهل قيام الليل، فلذة صلاة الليل ليست متساوية النسبة في كل الليالي، وكذلك الأمرفي الصلوات اليومية، فإن لكل صلاة خاشعة درجة من درجات التجلي، ورائحة من روائح العبق الربوبي، بل لو انفتحت عين البصيرة لدى العبد، لرأى تجليا في كل دقيقة بما يختلف عن سابقتها، والسبب في ذلك أن لرب العالمين نظرة التفاتة إلى عبده في كل آن، فإذا تلقى هذه النظرة وتفاعل معها، فإنه ستكون له في كل آن وقفة أنس معه، وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ] إن الله يقبل على العبد في الصلاة ما لم يلتفت، فإذا صرف العبد وجهه انصرف الله عنه [ وليعلم أن بعضنا يتجاوز هذه الالتفاتة من الله تعالى إليه في الصلاة، ليلتفت إليه رب العالمين في كل آن، فهذا علي (عليه السلام) كان متفاعلا مع ربه دائما وأبدا، وهو القائل: ] ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله أو بعده أو معه [ وبعبارة جامعة مانعة في المقام نقول: هناك فرق بين العبادة لله تعالى، ثم جعله وسيلة إلى نيل المطلوب الدنيوي كالحوائج الزائلة، أو الأخروي كشرف الانتساب إليه، وبين العبودية له بمعنى الخضوع له تهيبا من مقامه، وخجلا من عظيم إنعامه.

أسرار الصلاة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن