الآداب الباطنية في التهيؤ النفسي

446 25 0
                                    

معراجية الصلاة

.٣١ إن العبارة المعروفة في وصف الصلاة بأنها معراج المؤمن، لتدل دلالة أكيدة على أن الصلاة فيها عملية طيران وتحليق إلى الأجواء العليا وذلك في عالم المعنى، وهذا يستلزم القيام بالمقدمات التي توجب له مثل هذا السمو، وإلا فإن التشبه بالمحلقين لا يحقق في المقام درجة من التعالي أبدا، ومثاله من ذهب إلى المطار، وركب الطائرة ولم تحلق به، ثم نزل منها عائدا إلى مسكنه، أو يحق له القول إن سافر إلى مقصده الذي خرج من أجله؟!.. بل إن غاية ما يقال عنه أنه تشبه بالمسافرين، ولم يحظ بمتعة الانتقال إلى المكان الذي كان يود السفر إليه؟!.

فالمساجد بمثابة المطارات وصلواتنا بمثابة الطائرات، فإذا لم نحقق فيها سفرا روحيا، فليس هنالك سفر ولا مطار ولا طائرة!.. وقد ينكشف الغطاء للإنسان في دار الدنيا ولو متأخرا ـ فيمكنه التدارك، بخلاف من كشف له الغطاء وقد أغلقت الدواوين، وصار بذلك من أخسر الخاسرين!.

  

خيمة الصلاة

.٣٢ إن من يروم السفر إلى الله تعالى لا بد أن تكون له خطة سير، وإلا ما زادته كثرة السير إلا بعدا، ومما لا شك فيه أن من أهم معالم هذه الخطة هي إقامة الصلاة، لا إتيانها مجردة عن المعاني المحققة لإقامتها، وإقامة الصلاة فيها إنما هو معنى يقابل أصل الإتيان بها، كالفارق بين الخيمة المقامة والخيمة المطروحة على الأرض، ومن هنا كانت الصلاة عمودا لخيمة الدين، إذ من الواضح أن الخيمة المطروحة على الأرض، لا تقي صاحبها حرا ولا بردا، إلا إذا أقيمت على أعمدتها.

ولهذا كثر في كلمات الأعلام الواصلين إلى مرحلة من الصلاة الخاشعة ـ تبعا لسادتهم ـ التأكيد على الإتيان بأصل الصلاة في أو ل الوقت، وذلك لمن كان يروم السفر إلى الله تعالى، ومتخذا إليه سبيلا.

  

الصلاة بعد التمكين

.٣٣ تتجلى أهمية الصلاة أيضا من خلال الوصف الإلهي لمن مكنه الله تعالى في الأرض، من أنه يقيم الصلاة لقوله تعالى: ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر﴾ ، فجعلت الآية من أو ل وظائفهم بعد التمكين في الأرض هي إقامة الصلاة، وذلك قبل إشاعة العدل في الأرض، وبسط أركان الشريعة، وتخليص المستضعفين من ظلم الظالمين وغير ذلك.. ومن هذا البيان يعلم أيضا أن الأمة المقيمة للصلاة والحاكم المقيم لها، هما القادران على تحقيق مقاصد الشريعة في حركة الحياة.

  

الضيافة الإلهية

.٣٤ إن الصلاة ضيافة حقيقية أعدها جبار السموات والأرض لخواص عباده، فهو الذي يختار للدخول في خاصة ضيافته من يشاء من عباده، فيلقي عليهم الخشوع والإقبال، وهذا من أهم آثار الوصول إلى درجة المخلصين، وذلك بأن يجتبيهم لمناجاته ولذيذ خطابه كما ورد في الدعاء:] واخترته لمناجاتك [ ومن هنا فإن من يرى ثقلا في أداء صلاته، فعليه أن يقدم الشكوى لصاحب الضيافة، لما يراه من انغلاق شهيته وهو في دار الإكرام والإنعام..

أسرار الصلاة Where stories live. Discover now