الأسرار الباطنية للقبلة

107 4 0
                                    


خصوصية جهة الكعبة

.١ من المناسب أن يبحث المصلي عن أسرار توجهه إلى القبلة – بشكل عام ـ كوقت النوم، ومكان الجلوس، وحين الاحتضار، وعن سر التوجه إلى القبلة – بشكل خاص – كوقت الصلاة، فللقبلة أسرارها كما أن للكعبة أحكامها، حيث إن لله تعالى نظرة خاصة للطائف حول البيت، وللمتوجه إليه في صلاته، والحال إننا نعلم جميعا بأنه ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ ، ومع ذلك فإن الله تعالى يأمر عبده عند الصلاة أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام.

  

درس توحد الهم

.٢ توحد الهم في حركة الحياة، فعندما يصلي الإنسان فإنه يتخذ لنفسه اتجاها ثابتا، صباحا ومساء، فرضا ومستحبا، أي أن له جهة ثابتة في هذه الحياة الدنيا، عند الانشغال بالعبادة.

و

هنا نقول: كما أن المصلي يتوجه بوجهه الظاهري إلى جهة ثابتة في عالم المادة – متمثلة بالبيت العتيق ، فإن عليه التوجه أيضا بقلبه أيضا إلى جهة ثابتة متمثلة بصاحب البيت ، فالإنسان المبعثر في التفكير، أي الذي يقبل يوما على الدنيا ويوما على الآخرة، كيف يمكنه أن يتوجه إلى الله عز وجل، وهو بهذا التوزع في الهم والتوجه؟!.

ولهذا فعلى العبد المراقب لنفسه أن ينصب قبلة لنفسه في باطنه يدور حوله كما هو حال الملائكة أيضا، فكما أن الله تعالى نصب قبلة لبني آدم في الخارج، فإنه نصب قبلة للملائكة في عرشه موازية للكعبة المشرفة في الأرض.. ومن المعلوم أن هذا المعنى يستلزم أن يجعل الإنسان في قلبه محورا يدور دائما حوله في كل تقلبات حياته، وهو ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا الحديث البديع في باب السير إلى الله تعالى:] القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله [

  

التوجه بالقلب أيضا

.٣ على المصلي أن يتوجه إلى الله تعالى بفكره وقلبه، ولكن بما أنه لا تدركه الأبصار، و الإنسان قد خلق من المادة التي تستهويه، فإن الله تعالى قد جعل لعامة المصلين رمزا متمثلا بالكعبة ورمزا يتوجهون إليها في صلاتهم، ولكن الخواص من المصلين يرتقون عن هذه القبلة الظاهرية، ليعيشوا التوجه والالتفات إلى صاحب الكعبة التي لا تدركه الأوهام، لا إلى بيته الحجري المتمثل بالكعبة.

وحينئذ نقول: إنه لمن المؤسف حقا أن نرى وجوه المتوجهين للكعبة الظاهرية في موسم الحج أو العمرة تتلفت يمينا وشمالا، مع قلب يعيش حالة الإدبار عن رب البيت، والشاهد على ذلك ما نراه من الغفلة والرتابة في أداء تلك النسك!.. فإن الإنسان عندما يتوجه ـ بجسده ـ إلى الكعبة في صلاته، عليه أن يستدبر كل شيء ما سوى الكعبة ظاهرا، و بموازاة ذلك عليه أن ينصرف ـ بقلبه ـ عما سوى الله تعالى بل يستدبره. إن هذه المعاني كلها يمكننا أن نستفيد منها من قول الإمام الصادق (عليه السلام) كما روي عنه في تفسير سر القبلة والأدب الباطني عند التوجه إليها: ] إذا استقبلت القبلة فآيس من الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه استفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله تعالى واذكر وقوفك بين يديه ﴿يوم تبلو كل نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق﴾ وقف على قدم الخوف والرجاء [

أسرار الصلاة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن