كنزُ آفيروناميس

By -Cassiopeia_

146K 13.6K 5.7K

بين البحار قُبعَ كنزٌ مجهولٌ سَعى له العمالقة والصغار، طريقه فقط الضياع ! فلا قوياً عاد من رحلة البحث عنه سِو... More

1 || بدايةُ رِحلة !
2 || طاقمٌ غريب ..
3 || القبطان.
4 || ألغازٌ بالميدوسا.
5 || العَقبة ..
6 || صفقةٌ مشبوهة..
7 || بدايةُ توافق.
8 || حفلةُ قلعةِ الجبل
9 || لعنة؟
10 || عمليةُ تسلل..
11 || لقاءٌ وكشفُ حقائق.
12 || ذاتُ الأعين القُرمزية.
13 || الساحرُ آلاريك.
14 || الآفيروناميس.
15 || لغزُ قبيلتيّ كاديو -ج1-
16 || لغزُ قبيلتيّ كاديو -ج2-
17 || نحو الأمام.
18 || حوارُ شريكين..
19 || رُفقة التِنين البنفسجي -ج1-
20 || رُفقة التِنين البنفسجي -ج2-
21 || اعتقال !
22 || عائلة؟
23 || ثيو الصيّاد..
24 || صواعق ومُفاجآت ..
25 || حُلفاء وأعداء.
26 || مفاوضات ..
27 || لويز والباب المسحور..
28 || لدى كوخِ الساحرة..
29 || أسفل البحر رُفقة حوريّ ..
30 || رو، ذو الأذرع العشر..
31 || بأول جُزر ريفالا..
32 || وداع.
33 || أبٌ وابنه؛ أرضٌ وسماء.
34 || حُرية ..
35 || جزيرة الكنز.
36 || مواجهة جديدة !
38 || مغامرة لصّ. -الخاتمة، الجزء 2-
قصّة قصيرة1: زيارةٌ بحثاً عن جواب.
قصة قصيرة2: مزرعة مولا.

37 || مغامرةُ لصّ. -الخاتمة، جزء 1-

2K 236 84
By -Cassiopeia_

بسم الله .. والسلام عليكم .. -تختفي خلف أقرب زاوية-

فقط سأقول ثرثرتي المعتادة مع بداية الفصل حتى لا تقطع عليكم القراءة لاحقاً؛ وعموماً أردت الاعتذار فحسب، أعلم تأخرت كثيراً هذه المرة لكن ما باليد حيلة كثيرٌ من الأيام السيئة مرّت علي مؤخراً.

هذا الفصل كما توقعت كان طويل، حرفياً +6000 كلمة XD فقررت قسمه لجزئين حتى تسهل عليكم القراءة وتخف، كأن تحضروا وجبة ما أو كأس من القهوة بين الجزء والجزء لول 💔:')🍵

استمتعوا ✨~

****

تُقرقر معدتي حال اقتحام صور الطعام افكاري. اجتاحتني رغبةٌ جامحة في تناول مأدبة، حساء فُطر على جانبٍ وطبق شرائح لحم بقرٍ مشوية قُربه؛ يقبع بجانبها مهروس جزرَ مزج باتقان بين الحلاوة والملوحة، صلصةٌ حارة جانبية ويُنتقل بعدها للكركند المطهو بالزبدة، فبعد الانتهاء؛ تلقى سلطةَ فواكه نادرة منوعة بانتظارك؛ ويا حبذا لو كانت ممزوجة كعصيرٍ مُنقطع النظير في لذّته.

تأتينا في حياتنا أوقاتٌ نتوتر فيها، يمتلأ عقلنا بأفكار عديدة نعجز عن ترتيبها لدرجة تحولها جميعاً لمعمعة ترغب فيها في الصراخ؛ لكن بدلاً عن ذلك ولحظتها، تتوقف، تجلس، تنظر للأرض أو تشرد مع أقرب غرضٍ لك، تُصفي أفكارك، تأمر نفسك أن تهدأ، وتملأ فكرك بأمرٍ آخر مُغاير تماماً لسوابقه مُتناسياً الدنيا من حولك، حتى شيئاً فشيئاً، ترتاح، وتُحس بالسكينة سائلاً واندفق داخلك كماء منعش.

-" ما الذي تفكرّه به؟ " لكن سُرعان ما تعود للواقع على إثر صفعةٍ منه، بفرق صفاء عقلك وارتخاء نفسك، حيثما سيمكنك مواجهته مُنتظم الأفكار.

أخذت نفساً ووقفتُ أراقب المكان من النافذة.

-" هل يمكنك الرؤية؟ " سألت التنين، أو ابن العجوز، لكننا سنتثبت حالياً على مناداته بالتنين؛ أجزم أنه تقبل ذلك كجزءٍ من هويّته بعد كل هذه السنوات.

-" أتحسس فحسب. " أجابني، فكرّت قليلاً في حين سألني:" دعني أتوقع، في البداية ستتركهم يُعاونونك لكسر اللعنة لأن ذلك ما يريده كلكم صحيح؟ ثم ستواجههم بطريقةٍ ما، ربما.. "

قهقهت، قائلاً:" إن كسرتُ اللعنة فإنني لن أملك عقلاً ليحرص على القيام بكل ما يتلو من الخطوات. "

مرّت لحظةٌ من الإرتباك عليه، تساءل أخيراً:" ماذا تعني؟ "

وضّحت:" أنا لم آتي هنا لكسر اللعنة، وُضعت بكل هذا إجباراً وآخر ما أريد أن تنقضي حياتي وأنا بريعان شبابي فقط لإنهاء هذه القصة. وأخطط لأمرٍ مختلف، لن أنهي القصة، بل على العكس؛ سأتركها مستمرةً تخلد للأبد كما من المُراد لها أن تكون، ليبقى القراصنة على إرادتهم في الظفر بالكنز، ليُحارب المشعوذون الجميع لامتلاكه ولتبقى اللعنة للأبد، لا يهمّ، لا يهمني، ما يهم؛ هم لن يحصلوا على الكنز، ليس بعد اليوم، لن يفعل أحد. " تقدمتُ ونظرتُ أسفلي، كان هناك مشعوذٌ يقوم مُركزّاً بعملية الحفاظ على كرة الطاقة تلك، أقرب مشعوذين له يقومون بالمثل؛ في حين أن معظمهم بمركز الخليّة مركزون على رسم الشكل بالأرض تحت إمرة البغيضة، استطردت:" حتى اليوم، شاعت حكاية ريفالا كثيراً ومنذ القدم، الجزر الست الحامية لجزيرة الكنز التي تحتوي كنزاً مهولاً وإن لم يُعرف للبعض بل فقط عبر إحساسهم أو حتى ابتغاءً لروي فضولهم، كان الأمر دائماً هكذا؛ ذاك الكنز بتلك الجزيرة بتلك البقعة من الأرض. حسناً، تباً لذلك، لن يحصلوا على كنز مجهول المكان واحتمالات إيجاده حرفياً بقدر كل بقعةٍ في العالم، صحيح؟ "

-" آه، أنت تقصد أنك .. "

قاطعته لأحصل على شرف قول فكرتي الذكيّة:" أجل، سأنقل الكنز لمكانٍ جديد، مكانٌ لن يعلمه أحدٌ هذه المرة. أبداً. "

-" القراصنة سيستمرون بالتوجه للجزر رغم ذلك، ستبقى الأمور على حالها باستثناء أنه وفي حال وصل أحدٌ منهم حقاً وبمعجزة؛ لن يجد كنزاً. "

-" هذا ليس بيدي، لستُ ألعب دور بطلٍ هنا لأيّ أحدٍ غير نفسي أفهمت؟ لستُ إلهً لأغير فِكر المئات من البشر هذا دون نسيان التاريخ، الإشاعة من قدمها لم تعد إشاعةً حتى ! إن صدقّ جمعٌ كذبةً إلام برأيك ستتحول الحقيقة بنظرهم؟ لكذبة ! " قُلت منزعجاً. ليس مجدداً، لا تنزعج، جاهدت لتهدأ نفسك وعليك عدم فقدان ذلك ببساطة. على الأقل للوقت الحالي. " بأيّ حال، وريث الآفيروناميس هنا؛ من المفترض أن تحسّ به كما تحسّ بي وبالبغيضة، أخبرني بأيّ جهةٍ وموقع هو؟ "

-" أمهلني لحظة. " قال، سامحاً للتوتر بأن يتسلل لي مجدداً فيأكل من هدوئي المزعوم لقمةً لقمة مع انقضاء الزمن. أشعر بالوقت وقد أنشأ سباقاً مع نفسه، بغضّ النظر عن الفائز فيه؛ أنا مُجبرٌ على مجاراته. همهم التنين. " على النطاق القريب، أحس بوجودِ المشعوذين وشياطينهم المرافقة، بوجود والدتك، بوجودك، لكن فردُ آفيروناميس آخر؟ أأنت متأكد حقاً؟ من أنك أتيت مع أحد؟ فإني لا اتحسس غير المذكورين فحسب. " استغرقت دقيقةً حتى أراجع قوله واستوعب.

تعجبّت:" ما الذي تتحدث عنه؟! أتى معي، وريثُ الآفيروناميس؛ أصغر فرد، بل وقد دخل هاهنا قبلي ولا توجد أيّ طريقٍ أخرى من الممكن له أن يقصدها، مستحيلٌ أن لا يكون هنا، لابد أنه هنا !! "

-" مع هؤلاء؟ الذين وصلوا قبل عائلة الآفيروناميس أنفسهم لمخبأ الكنز؟ أراهن أن كلمة المستحيل غير مفهومةٍ لهم. من يدري ما من الممكن أنهم فعلوا به، إلا إن كان المذكور مقاتلاً قويّاً يُجاريهم، لكنني ومجدداً أراهن أن قواهم مجتمعة يُمكن أن تجارى من قبل أيٍّ كان. "

تباً، تباً فقط ! الآن اتضح أنه ليس هنا، ولعلّهم نقلوه لموقعٍ ما آخر بعيدٍ عن هنا مجهولٍ يدري الإله وحدهما ينوون الفعل به أو عليه، وهذا أسوأ بمراحل من كونه محتجزاً كما كنت أعتقد، أجل، ممتاز ! هاهو الحال يزداد سوءً شيئاً فشيئاً، سوءٌ يندرج بعقلي البسيط ضمن نطاق المستحيل المواجهة !

لكن لم قد يفعلون ذلك؟ لم سيبعدونه عن هنا وهو سيكون الطعم المثالي لي لأذعن لما يريدون؟ لكن ومجدداً، لاشك أنهم حفظوا تفاصيلي منذ دهرٍ بعيد ويعلمون أن قُدراتي محدودة لن تكون كافية للوقوف ضدهم، لن يحتاجوا حتى تهديداً، فقط لو امتلكت حقيبتي كان الوضع ليختلف؛ ذكر ثيو أن لا أحد يعلم عن سم أسهمه غير القليلين من بينهم عدوته التي تسعى خلفها تحديداً، وبفكرٍ منطقي، إن رأى أحدٌ الأسهم لن يظنها بذاك القدر من الأهمية والخطورة وخاصةً مع عدم وجود القوس الذي سيفترض أنه ضاع، وقطع عين التنين؛ أشكالها لا توحي بكونها أسلحة بقدر ما تُذكر بالتحف وبعضها حتى بالخردة، وقواها لا تظهر إلا باستخدامها، وكل هذا المزيج سيؤدي بهم للاعتقاد أن الحقيبة وما داخلها دون فائدة، فإما انهم نقلوها أو ..

كصقرٍ ركزّت نظري وأدرته حول كل بقاع المكان مُركزاً، أحاول إيجادها.

-" ينتابني إحساسٌ غريب. " أتاني صوت التنين منخفضاً، تابعت فِعلي مُحاولاً محاربة شعور الإحباط وما يعُيثه من سلبيةٍ داخلي، فما كنت أرى غير الصورة التي حفظتها للمشعوذين يعملون والبغيضة تنتقل من مكان مجهول لهنا ذهاباً وإياباً، مرةً بعد مرةً، كأنها تتحقق من أمرٍ ما. " هناك .. هناك من يعبث بقوتي. "

أثارت كلماته استغرابي، فسألت:" ماذا تعني؟ "

-" قوة تنيني، لأكون دقيقاً، أيّ الجليد. هناك من يعبث بذلك، يريدني أن أتفاعل معه، أن أستعملها. "

-" يمكنك استعمالها؟ "

-" كلّا، أياً كان ما يفعله هؤلاء؛ فهو يتحكم بي ويمنعني، ولا أستغرب القوة إن كانت بإعانة الشياطين. لذا، أقول أن الإحساس غريب، من ذا ذو القوة اللازمة لمعاكسة خاصتهم؟ "

همهمت. أعدتُ البحث بعيني لألحظ دخول أحد المشعوذين من البوابة، تحرك حركات مريبة، إذ كان ينضم تارةً لمجموعة الرسم، وتارةً لمجموعة الطاقة، وإن أصاب عقلي تعب أو ترهلٌ هو لن ينسى بالتأكيد ماهية هذا النوع من الحركات باعتبارها أهم المهارات اللازمة الإتقان على اللص، كان يحاول الاندماج بينهم. وذلك بحدّ ذاته لهدفٍ آخر، أنا متأكد. إنه غريبٌ عنهم، ليس منهم..

سرعان ما تناسيتُ أمره مع بهتاني لاحقاً بما جرى من حدث.

اعتدلوا في وقفاتهم، تموقعَ كلٌ في مكانه وشكلوا جميعهم دائرتين واحدة من ململمي الطاقة واسعة النطاق والأخرى تحيط بالرسم الذي امضوا ساعات يُنشأونه، وما هو إلا مجموعة .. خطوط ودوائر متقاطعة، ذكرتني بتلك التي تزين ملابس قوم الجزيرة، ما يجعلني أطرح سؤالاً مختلفاً؛ هل تراها كانت مجرد زينة حقاً؟

كبُرت كرات الطاقة تلك؛ والتي كانت بلونٍ أحمر باهت أحياناً تقوى درجته فيُستبان كلهبٍ مُشتعل، استطالت الكرات وارتبطت ببعضها؛ ثم ارتفعت فجأة جميعها من كل مشعوذ باتجاه جليد التنين أين استقرت، تبع ذلك انطلاق أصواتٍ من الموجودين ارتفع صداها وكانت بكلمات غير مفهومة، وبدون الحاجة لفهمها؛ تعرف أنها طريقة هؤلاء في التواصل مع شياطينهم لطلب المعونة منهم حتى تنجح العملية.

وبغمضة عين بالمعنى الحرفي، بِتُ أنا بمنتصف الدائرتين، وقد نقلني أحدهم، يحدق الجميع فيّا وأنا أحاول التأكد من كوني أتنفس.

-" أنت مستعد؟ " سألتني البغيضة. ظللت أحدق حولي.

-" اسمع يا صديقي، كل ما يهمني أن يُفكّ عني همّ تخزين الكنز ولا يهمني حقاً من يفعل ذلك، لكن، ورغم كرهي لعائلة الآفيروناميس؛ أنت أعجبتني، حقاً، أتساءل أيّ نوع من الصداقة كنّا للنشأ إن اختلفت الأزمان والأوضاع؟ " صوته بدا بعيداً، أنظاري كانت مرتبطة بالآخرين هنا، أعينهم عليّ ، كانت تتحول شيئاً فشيئاً للون الأصفر؛ وهو تعبيرٌ عن قوى الشياطين، بينما أفواههم لا تتوقف عن إطلاق حروفهم المطلسمة، أقف متصلباً كالأحمق؛ غير قادرٍ على التفكير بخطوة قادمة أنقذ بها نفسي. " لذا، ومن باب الصداقة المتخيلة، إنني لأنصحك بكل طيب خاطر أن تقوم بفعلٍ ما الآن. "

نظرت أسفلي، جربّت مسح الرسم دون لفت انتباه غير أن ذلك لم ينفع فالتراب الأحمر لم يأبى الخضوع لي؛ عائداً لموقعه تلقائياً كلما حاولتُ ابعاده، أعدت رفع رأسي، لستُ ادري ما من المفترض بي أن أفعل؛ حصل كل شيء بسرعةٍ خاطفة !

ليس وقت الترحيب بالموت، لنرتب الخطوات، أولاً عليّ التنفس؛ أظن الهواء انقطع عن دماغي ما تسبب بدوره في توقفه عن العمل، شهيقٌ وزفير، لا تُعبر إلا ذاتك ووجودك لبضع لحظات كأنك الوحيد في العالم، جيد، ها نحنُ ذا، يمكنني التفكير الآن، لنبدأ بدراسة الأوضاع؛ كلهم حولي والحركات العشوائية ممنوعة، كل ما أملك خنجري المستتر داخلي وتُعد محاولة مهاجمة أحدهم أو جميعهم بتوقيت وحركات عشوائية ضرباً من الجنون، بعددهم أو بقوتهم، عليّ تخطي هذا، يجب أن أجد حلّاً آخر؛ ولا أجده إلا في فكرتي الأولية، أي مسح الرسم وبما أن ذلك أيضاً غير ممكن؛ ربما سينفع تشويهه، بماذا؟ دمي؟

وددتُ لو أتكلم، أسأل التنين كيف لي أن أحرره؛ ربما بلمس جليده؟ لكن كيف لي الارتفاع لهناك؟ فإن كان لي أفضليةٌ ما هنا؛ هي هو. هو بحدّ ذاته قوة، فهل تراه أباه جعله بهذا الشكل بلا سبب؟ بالطبع لا، يعلم أن من يسعون خلف آفيروناميس وسرهم، بوقته على الأقل، كانوا أقوياء وإن كان ابنه سيحمي الكنز عليه بدوره أن يجاريهم.

يا إلهي، إنها معضلة معقدة ! أتمنى لو كان بإمكاني الطيران حتى اصل له.

إن وصل بي الحال لحدّ التمني، يمكنني أن أدرك نفاذ كل خياراتي.

-" اللعنة !! " تحرر صوتي من سجنه أخيراً، صائحاً، بغير إرادةٍ مني تقريباً؛ مع دفعةٍ اضافية من مشاعري الجياشة للحظة، والتي اتجمعت وتكوّمت داخلي لحدٍ أعلنت فيه أن اضافة جسدي ما عادت تُعجبها، " أنت عديم فائدة، أتسمع؟! مسبب مشاكل لعين عديم فائدة ! إن تبقى منك شبرُ روح مازال لم يحترق في جحيم أفعالك وأنانيتك احمه وأتركه لي أقتصص منك، أيها الوغد ! " وكنت أقصد بكلامي الساحر العجوز، أب التنين، الذي وددتُ لو أن الزمن يرجع بي ليوم رأيتُ شكله حينما تجسد لي لأول وآخر مرةٍ غالباً؛ فقط لأحاول تكسير جسده إن كان ذلك ممكناً عسى أن يُشفي ذلك بعضاً من غليلي، كم أشعر بالغيظ وكره الذات حينما أتذكر خوفي ورهبتي منه. فبماذا كان يفكر بالضبط حينما أنشأ لعنته وقررّ جعلها أبدية تُحمل بين الفترة والأخرى، بأن يجعل تقنياً مفتاح صندوق الكنز أي الحامل بتلك الأهمية الكبرى؛ دون قوةٍ يحمي بها نفسه؟ وإنني هنا لا أتهرب من حقيقة كوني ضعيفاً والتي قد أتهرب منها بعض الأحيان، إنما فاض الدلو داخلي وما عدت قادراً على تحمل ما يجري، إنني ضعيف لكن الذي أمامي خارجٌ عن سيطرة أيّ شخصٍ طبيعي كان ليكون محلي ! وذلك يُغضب كل كياني بحقّ !

وبأيّ حال، بُعيد نوبة افراغ غضبي اللامفهومة بالنسبة لهم؛ هم أبدوا ردّ فعل بديع تمثل في المسارعة بعمليتهم وأصواتهم تعالت وتعالت بانضمام البغيضة لهم، كانت الحبال النارية، أو ما يُشابهها، تتضاعف لتحيط الجليد من كل البقاع مع مرور الثواني، وبتركيزي معها لاحظتُ نجاحها في تكسيره رُويداً رُويداً؛ كما انتبهت لاختفاء صوت التنين الذي توقعت أن يعلّق ولو عند هذه النقطة التي تخصه.

إنهم يحققون هدفهم.

وعندما أعدتُ أنظاري لما قربي، كنت أرى خيوطاً من نيران سحرهم تقربني، بسرعةٍ خاطفة، تتحرك حسب الرسم وانتهى بها الحال مُنشئة دائرةً حولي؛ جرّبت الخروج منها غير أنني لم أستطع مع اكتشافي فقداني لمقدرتي على الحراك بحدّ ذاته.

إنني أرفض ذلك. أرفض أن أصدق. أرفض أن أصدق أنهم ينجحون بسهولة في حين أفشل فشلاً ذريعاً، وأيّ فشل؛ إنني أفقدها، أفقد حياتي !

-" هل تعلم يا صغيري؟ " يزداد حالك سوءً إن استمررت بالتذمر، خذ ذلك كمعلومة مهمّة. صوتها كان تحلية مأدبة يومي، مأدبة مقرفة. " إن الشياطين تكرهك. " لم أردّ وكيف لي، بدأت تنتابني أحاسيس غريبة، كأن داخلي يختلط؛ كأنني سأتقيأ أعضاء جسدي، كأن هناك ما يريد أن يخرج من جسدي بقوة كبيرة. " وكيف لها ألا تفعل؟ أنت ابن أحد أكبر تابعَيها ومشعوذيها لهذا الزمن، كأن الشعوذة تجري في دمائك؛ لكنك لا تتقبلها، لا تتقبلها ولم تتقبلها يوماً؛ وذلك يغيظهم، يزعجهم، يغضبهم، رفضك لهم؛ يهينهم ! ألست ترى ما أراه؟! "سعلت بقوة بعدما ازداد احساسي. سعلتُ دماً. هذا سيء.

لم يسعني أيضاً إلا أن أغربل كلماتها داخل عقلي، لأسأل سريعاً بالنهاية:" تابعَيْن؟! تقصدين.. "

ضحكت. " بالطبع لم يخبرك، ذاك الجبان. " بدأت ألمح بعضاً من وجهها الغاضب من خلف النيران المحيطة بي، " هو الآخر مشعوذ، والدك. " علّها فهمت صمتي صدمةً وهو ما كان، فراحت تقول:" لكننا نبذناه، بعد قصة خيانة حافلة لا تهمنا، الآن، نحنُ بصدد خطو خطوةٍ كبيرة، سننتفع منك؛ أتدري ذلك؟ وستنتفع أيضاً، فردُ آفيروناميس اضافيٌ معنا سيكون كنزاً حقيقياً، ألست متحمساً؟ سيُلم شملنا أخيراً. " سعلتُ مجدداً دماً، رغم أن النار تُحيطني؛ أشعر بها داخلي ! إنه مؤلم، كأنك كل جسدك يحترق وما فيه يُطالب بالخروج والهرب، إنه بحقّ يؤلم ! " ستتعذب بعض الوقت، لكنه عذابٌ لازم، إن أردنا لك النجاة من عملية كسر اللعنة؛ سنحتاجك قوياً، ولتكون قوياً؛ ستحتاج مُعاونة من شيطانٍ عزيزٍ علينا. إنه متحمس للتعرف عليك، سمع عنك الكثير. "

-" لا تُخضعيني لأولائك ! " إنها تريد جعلي فرداً منهم، تباً ! كله إلا الخضوع تحت رحمة شيطانٍ لعين يقويك مقابل تخليك عن نفسك كإنسان، وتحولك لخادم له، هل هم متعطشو قوة لهذا الحد؟ لا أريد أن أكون مثلهم !

-" إنه لمصلحتك. سنضمك لنا، وحياةٌ مرفهة ستكون بانتظارك، اليس ذلك أفضل من العيش مجهول الوجهة مُلاحقاً مكروهاً من كل الناس؟ "

لم أجبها، انشغلت في التألم ومحاولة احتماله.

مع مرور الثواني، كنت أشعر أن حالي تزداد سوءً، بشكلٍ أدق؛ أشعر أنني أفقد تحكمي بنفسي لصالح كيان آخر، كم تبلغ قوته يا تُرى؟ لابد أن الاستيلاء على آفيروناميس هو أمرٌ مميز لديهم، لا يُسمح إلا لقادتهم به، ما يجعلني أفهم كيف أن أمي كانت من القدم وللآن شريرة؛ من يدري من الشيطان الذي يستولي عليها، قد يكون ملكاً بينهم !

عجزٌ شديد الذي أشعر به، حتى مشاعري تبدأ بالتضائل شيئاً فشيئاً .. إنه يسرق جسدي واحساسي، يسرق ذاتي !

سرعان ما تبقى لي إحساسٌ وحيدٌ طغى رُفقة ألمي مُضاعفاً إيه .. كان الخيبة. خيبة الخسارة.

لكن غير ذلك، انتبهت لانتشار رائحة غريبة .. كانت قويةً للغاية.

فتحت عينيّ، كانتا تذرفان الدماء، كلاّ؛ انتبهت لذرفي دماءً كثيرة، أشعر بالدوار ..

أشعر بالدوار ! هذا مختلف عن حالتي بين الدقائق السابقة، أيضاً، إنني أتحرك، يمكنني التحرك !

فهمتُ ما يجري ما ان توضحت رؤيتي .. توقفت أصوات العُباد، كلهم متجمدون لا يتحركون، حتى النار توقفت، كأن الوقت توقف ! باستثناء شخصٍ واحد، راح ينشر التراب الأحمر بسرعةٍ و عشوائياً فوق كل فردٍ منهم، ثم استخرج كرةً زجاجية على ما أعتقد؛ كسرها ومع فعله لذلك أنير المكان بدرجةٍ تُعمي للحظة، استغرقت الدقيقة لأستعيد نظري وكان هو أمامي. ينظر لي ببرود شديد.

-" ثيو ! " صحت. " أين كنت؟! أنت بخير؟ آذاك أحد؟! " تساءلت تلقائياً، أطرق برأسه ولم تتغير ملامحه. ملامحٌ مشابهة تماماً لملامح قوم الجزيرة.

رمى لي حقبيتي، ثم كيساً معقوداً، نظر للآخرين، ثم قال:" أتعلم؟ لطالما أحببتُ الطعام المشوي. اللحم، الخضر، كل ما يُشوى، يترك الشواء طعماً خاصاً مميزاً بالفم، يا ليتني امتلكت وقتاً اضافياً لأتذوقه مرةً أخيرة. "

-" .. ثيو؟ "

أعاد نظره لي. " قل للفتى أن يأخذ حذره على أسهمه من الآن فصاعداً، إنها خطيرة. "

-" ما الذي .. من أنت؟! "

أخرج من جيبه ساعة تعرفتُ عليها سريعاً، فتحها وتمتم:" ربما أنت لصٌ وغدٌ يسرق من الموتى، لكنني أحيي مقاومتك للشياطين. يا ليتني امتلكت جزءً من عزيمتك وصبرك بأيامي. " أظنني عرفته .. هو الشخص الذي كان معنا بالجزيرة السادسة، جزيرة الشرّ، لكنه ميت؛ كيف له التحرك بجسد ثيو هكذا واستخدامه مثلما يريد؟

-" أنت تتحكم بجسده بفضل السم، أليس كذلك؟! ذاك اليوم كان هناك دماءٌ قرب جسده ومن بعدها ما عاد يتصرف على طبيعته، لابد أنك السبب، أصبته قُبيل أن آتي وتحكمت بدمائه ثم جسده.. "

-" استعملت بعض أغراض الحقيبة للآن، منها قبل فترةٍ قصيرة واخرى لتهريب الفتى منهم وحمايته فإخفائه. لم يتبقى الكثير من الوقت. " نظر للخلف، ابتسم، ثم قال:" سترى عرضاً ظريفاً عجيباً. تأكد ألا تُفتن به كثيراً، وحاول استغلال فرصتك، ستجد الفتى عند فوهة البركان. الذي أتوقع انفجاره بمجرد كسرك لثلج التنين بالمناسبة، ما يعني امتلاكك لحظات قصيرة للنجاة إن اردت. "

وقفت بصعوبة، أرتدي حقيبتي وأحمل الكيس الذي أعطاني إياه، استفسرته عنه، قال أنه هديةٌ منه، وأن عليّ استخدامه بحكمة.

أغلق غطاء ساعته، نظر خلفه وبمجرد أن فعل عاد كل شيءٍ لسابق عهده من أصوات العُباد للنار، ما اختلف؛ كانت أصواتهم الآن صرخات والنار التهمت سريعاً جسد كل واحدٍ منهم، ومهما حاولوا اخفائها بقدراتهم ما كان شيءٌ ينفع معها.

رغم كرهي لهم، ما كان منظراً يسّر العين لأصدق القول. أبعدت بصري عنهم ونظرت للبغيضة، وبفرقهم؛ محاولاتها كانت تنجح، ربما لأنها أقوى أو أدقاً شيطانها الأقوى، أتساءل كم مرةً يجب أن تموت لتموت حقاً؟

-" طعم الانتقام أيضاً. إنه أكثر روعةً مع الشواء، ألا توافقني؟ " وباللحظة التالية، هو ما عاد موجوداً مع انطلاقه سريعاً نحو بوابة الخروج.

أتساءل، أكان منهم هو الآخر ثم عاداهم؟

ربما تخلصت منهم لكن أمي لا تزال موجودة، وهي تشكل أكبر خطر؛ بامكانها حجزي فقط لحظة امساكها بي، وبعدها ستجمع مجموعةً جديدة من المشعوذين وتُعيد القيام بالعملية..

لدي فرصةٌ ذهبية الآن للتحرك.

استخرجت خنجري ووضعته في حامل له موجودٍ بذراعي، رحت أبحث بين أغراض الحقيبة، كنتُ ألعن نفسي كل لحظة؛ فالخطأ خطئي لكوني لم أجرب الأغراض السحرية قبلاً رغم انشغالي بالعديد من الأمور، لو فعلت ما كان انشاء خطةٍ حسبها ليكون معضلةً عويصة يُفترض أن أحلها بظرف ثواني.

بعد بضع دقائق من البحث والتوتر والنظر خلفي لأتأكد من استمرارية أمي في محاربتها النار، أدركتُ أمراً كنت غافلاً عنه .. أضع تلك الأغراض السحرية نصب عيني وتناسيت أغراضي الخاصة التقليدية، أغراض المرتحل، لديّ أعواد تسلق ! رغم انني لا أستعملها عادةً لعدم اتخاذي الطرق الوعرة.

أعدت ارتداء حقيبتي واتجهت سريعاً للجدار حيث التنين يرقد خلف درعه الجليدي. أخذت نفساً وشرعتُ في تسلق سريع، حاولتُ ألا أفرط بالتفكير أثناء ذلك شأن حقيقة كوني لم أتسلق صخراً تسلقاً منذ فترة، أو احتمالية سقوطي، أو احتمالية تخلص والدتي سريعاً من نارها قبل أن أبلغ مقصدي، أو عدم نجاحي فيكسر الجليد.. أحياناً أكرهك يا عقلي.

سرعان ما وصلت وعلمتُ أن لدي وقتاً قصيراً قُبيل أن أفلت قريباً، يمكنني لمس الجليد لمسات سريعة فحسب مع استحالة إفلات يد عن الأعواد لأكثر من ثلاث ثواني دون أن أسقط..

-"حسناً .. " تأكدت من تثبيت أعوادي ومن ارتكاز أقدامي جيداً على الصخر، مددتُ يدي سريعاً ولمستُ الجليد .. لم ينكسر، إنما سمعتُ صوت التنين يقول أخيراً:" ربما يحتاج درعي إثباتاً لهويتك؟ أفكار أبي جامحة. جرّب سريعاً. " انتزعتُ من ذراعي خنجري، قبضت عليه بفمي ومددت يدي على حافته؛ أعدتُ إمساكه سريعاً بُعيد ما كاد يسقط مع ردّ فعلي التلقائي للجرح، أعدته بيدٍ مرتجفة لحامله ومددتُ يدي مجدداً نحو الجليد، تفاعل معي هذه المرة، تحول لون الجليد للأحمر، اللون الذي اختطف لقب أكثر لونٍ أكره من البنفسجي منذ اليوم، ومع كل انكسار كان يحدث اهتزاز بالبركان، أحس بالحرارة ترتفع، ما ذكرني بقول روح الرجل داخل ثيو؛ أنه سينفجر بمجرد كسري للجليد.

سقطت أرضاً، صرخت متألماً .. أظن يدي اليسرى إلتوت، ذاك ما كان ينقصني.

ابتعدت عن موقع التنين قليلاً كي أقي نفسي الجليد الصلب المتساقط، وابتعدت سريعاً أكثر بعدها مع سقوط التنين الضخم منه بالكاد نجوتُ من دهسه لجسدي.

-" أفسدتها !! " فزعتُ للصوت وأدركت أنه لوالدتي، كانت خلفي، أحاطت ذراعاً على رقبتي غير سامحةً لي بالتحرك، بجهدها العضلي هذه المرة. كانت ذراعها محروقةً كلياً، بحيث ما عاد للجلد وجودٌ إطلاقاً. " أفسدت الخطة، أفسدت كل شيء ! " صوتها كان حاداً، نجحتُ في رؤية وجهها، وحاله كانت بسوء اليد بفرق نجاة جزءٍ بسيط عند عينها اليُمنى فما فوق ..

-" تربيتُ مع الفساد. ما باليد حيلة. " قلتُ وانتزعت بيدي اليسرى خنجري الذي لم تنتبه له؛ طعنتها في يدها ما جعلها تُبعدها فورياً؛ تبعتها بطعنةٍ أخرى تموقعت في معدتها، غير مُحسٍ بأيّ مشاعر محددة باستثناء الرضى.

Continue Reading

You'll Also Like

54.2K 6.8K 57
عندما يقرر وريث عرش مصاصي الدماء أن يتمرد على قرارات عائلته، وأن يقحم في حياته أشخاصاً لا يتقبلهم بنو جنسه.. يعتني بذئب ضخم، يربي طفلة بشرية، ويهرب ب...
30.1K 1K 32
*اسم الرواية* __ "انتِ _حبك_كنه_الحكم_السعودي" ________ I am very pleased with you. يصيبني السرور معك بطريقة مفرطه. بدايتي: التاريخ:16/2/2023فبراير ي...
21.6K 1.9K 43
احساس الفقدان المؤلم هو ما تحاول بطلتنا اياكو التعايش معه في حياتها اليومية، فوالداها قد توفيا، وهي الان تعيش مع اخيها الوحيد ريو. فكيف ستعيش عندما ي...
22.9K 3.4K 31
عن روحِ تلك التي تاهت، في دربِ بحثها عن الدفء.