حصون من جليد

By Durah2016

738K 13.4K 1.5K

غرفة ذات جدران قاتمة اللون رغم طلائها الفاتح ومكتبة برفوف ضخمة خشبية مدعمة بالحديد كي لا تتآكل مع مرور الزمن... More

1
2
3
4
5
6
7
8
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
50
52
53
55
56
57
58
59
60
61
62 the end

54

11.1K 205 7
By Durah2016






الفصل الرابع والخمسون

اندفع الباب ببطء فوقفت من فوري وعيناي معلقتان به وشعرت بتوتر

كبير ما أن دخل صاحب ذاك الطول والشخصية والحضور الطاغي

نظر لي للحظة باستغراب بادئ الأمر قبل أن يقول بشبه همس

" دُرر علي رضوان ! "

وقفتْ حينها زوجته والتفتت له وقالت " وجدتها في الشارع تنتظرك

تحت الشمس , عليك أن تجد حلاً لمقابلة الناس "

نظر لها وتقدم ناحيتها ووقف بجنبها ثم نظر لي وقال " لو زُرتني

في مبنى الوزارة لكنت تركتهم أدخلوك "

نظرت للأسفل وقلت " من كان سيدخلني ؟ إن كانوا حرس منزلك

رفضوا ذلك فكيف هناك "

قال من فوره " هناك ستصلين لسكرتيري وهوا وحده من سيعترض

طريقك وما أن يحوّل أسمك لي أدخلك أو تحصلي على موعد

أما الحرس هنا فالأوامر مشددة عليهم "

رفعتُ نظري له وقلت " آسفة حقا على إزعاجكم لكن الأمر ضروري

ولا أحد بعد الله غيرك سيخدمني فيه "

أشار لي بيده لأجلس ثم قال ناظرا لساعته " عليا الخروج سريعا فهل

الأمر لا يحتاج وقتا طويلا أم نرى وقت آخر "

جلست وقلت " لن آخذ من وقتك الكثير "

جلس حينها مقابلا لي بعدما فتح زر سترته واستند بمرفقيه على ركبتيه

ناظرا لي ليزيد من توتري من وجوده وجلسته التي تشبه جلسة محققين

أكثر من كونها جلسة وزير وقال " بما أخدمك يا دُرر ولا تقولي بأنك

تريدي رؤية جدك فذلك ممنوع منعا باتا "

هززت رأسي بلا وجلستْ زوجته بجانبه فنظر إليها وقال بابتسامة

جانبية " هل عليك حضور الاجتماع معنا ؟ "

نظرت له بصدمة ثم وضعت يديها وسط جسدها وتحولت نظرتها للضيق

دون أن تتحدث ليصدمني بضحكته الخفيفة وقال وقد ركز نظره على

عينيها " قد تكوني جاسوسة "

تنفست بقوة وقالت ناظرة له " إحدى عشر عاما ولم تعرف حتى

الآن إن كنت جاسوسة أم لا "

قال مبتسما ولازال نظره على عينيها " هيا رافقتك السلامة "

وكزته بمرفقها وهمست له شيئا في أذنه فضحك ثم نظر لي وقال

" سيدة دُرر هل تسمحي بوجودها "

نظرت له باستغراب ثم لها وقلت مبتسمة " بالتأكيد فهي سبب دخولي

وكم كانت رائعة معي وكأني أعرفها من أعوام "

هز رأسه في أشارة لأتحدث فتنفست بقوة أمنع دموعي من النزول وقد

تذكرت حديث زوجته عن كرهه للضّعاف من الناس وقلت " بعد

القبض على جدي وحين استفقت في منزل عائلتي .... "

وسردت عليه القصة بأبسط ما أقدر عليه وهوا يستمع لي دون مقاطعة

وبملامحه الجادة ذاتها التي يبدوا أنها لا تتغير إلا مع زوجته وأنه لها

مكانة كبيرة جدا لديه , بعدما انتهيت مسحتُ عيناي بقوة مانعة دمعتي

من التسرب من رموشي وتنفس الجالس أمامي بقوة وقال

" طلب الاستقالة لم يصل مكتبي ! "

نظرت له بصدمة فهل هذا كل ما عناه في كل الأمر ! وهل أوقعتُ عم

ترجمان في مشكلة إن كان هوا من لم يوصل الطلب له ؟ كنت سأتحدث

فسبقني قائلا من بين أسنانه " علي رضوان !! ما أنذل ذاك الرجل

وأقبح أفعاله "

نظرت للأسفل وقلت بحزن " لن يشعر أحد بفظاعة ما مروا به من ظلمهم

مثلي لأني جربت مثلهم , ولم يقاسي منه أحد كأواس والله أعلم ما

سيلقى أكثر وهوا حي شبه ميت "

قال بذات جموده " والمطلوب مني الآن يا دُرر ؟ "

نظرت لزوجته التي لازالت تنظر لي بصدمة مما سمعت ثم له وقلت

" زوجي يا سيادة الوزير , لا أريد شيئا غيره فلقد بحثت عنه

كثيرا ولم أصل له "

ثم ملئت دموعي عيناي ولا مجال لإمساكها أكثر وتابعت بعبرة مكتومة

" فليمت أمامي ولا احرم من وجوده ما بقي له من عمر ولا يُحرم

هوا من رؤية ابنه "

تنهد بقوة ونظر للأرض لوقت ثم رفع نظره بي وأنا أمسح دمعتي

بظهر كفي وقال بجدية " هل لديك علم بالقانون الذي اصدر من

خمسة أعوام بشأن مصابي الإيدز ؟ "

نظرت له بصدمة ولم يترك لي مجالا للرد على سؤاله وقد تابع قائلا " هل

تعي معنى أن تأتي لوزير وتحكي له ما أخفاه زوجك عن الجميع كي لا

يُطبّق عليه القانون ويُحتجز في مركز مكافحة وعلاج ذاك المرض "

نزلت دمعتي من فورها وقلت بذات صدمتي " هل تعني أنك ستقبض

عليه وتسلمه للمركز ؟! "

نظرتْ له زوجته بصدمة لا تقل عن صدمتي وقالت " جااابر !! "

نظر لها وقال بحزم " أرجوان اجلسي في صمت فالأمر لا علاقة لك به "

قلت ودموعي بدأت تتساقط تباعا " أرجوك سيدي لا تفعلها به ويكون

ذلك بسببي أنا "

وقفت زوجته وتوجهت نحوي وجلست بجواري وحضنت كتفاي وأمسكت

يدي بقوة وقالت " توقفي عن البكاء من أجل وضعك وصحتك , وجابر

لن يفعلها بالتأكيد اطمئني "

قال حينها الجالس أمامي وبذات جديته " لن أفعلها شرط أن تنسي فكرة

البحث عنه فهل توافقي ؟ "

توالت عليا الصدمات ولم أعد أعرف ما أقول وبما أجاري هذا الرجل الذي

لا تعرف ما يدور بدماغه ولا فيما يفكر ولا يمكنك التكهن بردوده أبدا مهما

حاولت , قال عندما طال صمتي وصدمتي " لو كنتُ مكانه ما فعلت

غير الذي فعله , فهل وضعتِ نفسك مكانه لمرة واحدة ؟ "

زادت صدمتي التي لم تتوقف برهة وقالت الجالسة بجانبي تحضن

كتفاي " جابر ما هذا الذي تقوله ! لا قدّر الله ذلك , ولن أسمح

لك مثلما تفعل هي الآن "

نظر لها وقال بجمود " أرجوان التزمي الصمت قلت لك ولاحظي

فقط أنك امرأة وفكرتِ مثلها وأنا رجل وسأفكر مثله بالتأكيد "

ثم حوّل نظره لي وقال " هل يرضيك أن تريه أمامك لا يستطيع أن

يقترب منك ولا من ابنه ؟ هل سيعجبك أن تري الحسرة والانكسار في

عينيه وهوا يخشى عليكم منه ؟ أي حياة هذه التي سيعيشها معكم ؟

وأي حياة التي ستحضين أنتي بها ؟ "

فتحتُ فمي مبعدة شفتاي ببطء وقد ضاعت الحروف مني ولم أعرف ما

أقول ولا كيف سأتخيل الوضع أساسا فتابع قائلا " حياته الآن بمصاعبها

أهون عليه وعليك مئة مرة من وجوده معك فلا تضيقي الأمر وتنظري

له من جانب واحد مهملة باقي جوانبه "

هززت رأسي وقلت ببكاء " ضع نفسك مكاني وليس مكانه وستعذرني "

قال من فوره " لو الجالسة بجانبك الآن مكان زوجك لأبعدتها رغما عني

وعنها فمعاناتها بعيدا عنا أهون مئة مرة من معاناتها وأبنائها أمامها "

قلت بصدمة " تتخلى عنها !! "

قال من فوره " لا ... يمكنني احتوائها والبقاء بجانبها لكن كل شيء سيتغير

يا دُرر فسأجد نفسي بحاجة لامرأة تملأ الثغر في حياة أبنائي وسألجأ لغيرها

حتى في وجودها ولن أفعل لها شيئا سوا البقاء بجانبها حتى تموت "

مسحتُ خداي بقوة وقلت " لن تتركها مهما كان , ها أنت قلتها بنفسك "

قال مباشرة " نعم لكن إن ابتعدت من نفسها لمكان لا تريد أن يلحقها فيه أحد

كما فعل زوجك فلن أسعى خلفها أبدا فما قررتْ ذاك القرار إلا وهي أعلم

الناس بنفسها وأنه لا يمكنها البقاء بقربي , وعليك أن تفهمي أن

الرجال ليسوا كالنساء يا دُرر "

وقفتُ حينها بصعوبة وقلت ببحة " آسفة على أخذي من وقتك

وشكرا لرحابتكما "

ثم تحركت جهة الباب أستند بكل ما أمر به حتى خرجت وشعرت حينها

بيدين أمسكتاني وكانت زوجته تساعدني على السير وقالت متوجهة بي

لباب القصر " سأتحدث معه يا دُرر وأعدك أن أقنعه ليبحث لك عنه

فأنا أشعر بك حقا , وهوا قال ما قاله لمصلحته ومصلحتك فقط "

قلت بحزن ونحن خارجان للحديقة " لا يمكنني قول غير أنه معه حق في

كل ما قال , فليلهمني الله الصبر في مصابي "







*~~***~~*






ما أن اقتربت السيارة من الحاجز الحديدي المطوق لذاك المنحدر الجبلي علمت

أنها النهاية ولن يمسك ذاك السياج السيارة عن السقوط ومن ثم الانفجار , مددت

يدي في حركة سريعة لحقيبتي وأمسكتها بقوة لحظة انحرافي بالسيارة محاولة تجاوز

الذي لا يمكن تجاوزه , وما أن اصطدمت السيارة بالحاجز فتحت بابها وقفزت منه

ومن سرعة السيارة قفزت هي قفزا بينما ارتميت أنا مرتطمة بأرض الجبل بقوة

وتدحرجت بعدها عدة لفات صارخة من شدة الألم وصوت انفجار السيارة قد دوى

مرتفعا يردد صداه الجبال المحيطة , وكل ما كنت أفكر فيه أن أمسك الحقيبة بكل

قوتي فقد رأيت السيارتان وقفتا في الأعلى ومؤكد رأوني , زحفت بعدها مبتعدة

عندما انفتحت أبواب السيارتين وتوجهتُ لأقرب شجرة واستندت بها ووقفت بصعوبة

وسرت بخطوات متعثرة من الآلام في ساقاي أمسك يدي التي يبدوا أنها كُسرت لأني

استندت بها ما أن سقطت على الأرض كي لا يكون الكسر في ضلوعي أو عمودي

الفقري , مسحتُ الدماء التي سالت من طرف جبيني ويبدوا وجهي قد أصيب بعدة

خدوش وتابعت خطواتي مبتعدة بين الأشجار ووقفت عند إحداها وفتحت الحقيبة

بيد واحدة ورميتها أرضاً وأخرجت منها المشرط الموجود فيها ورميتها بعيدا عكس

طريقي كي لا يسلكوا هذه الطريق ما أن يصلوا , سرت قليلا ثم وقفت وجلست على

إحدى الصخور الكبيرة ونظرت لساقي لأكتشف الجرح الذي فيها والدماء التي نزلت

محدثة أثارا خلفي فقلت من بين أسناني " سحقا سوف يجدوني بسهولة "

لم يكن أمامي من حل غير أن أمزق البنطلون بالمشرط بسرعة وبدأت أحاول لف

الجرح لكن الأمر كان صعبا بيد واحدة والأخرى لا يمكنني تحريكها أبدا , حاولت

مدها لقدمي فصرخت بألم وسمعت لحظتها خطوات راكضة تقترب من هنا فها قد

عرفوا مكاني بسهولة من تتبع أثار الدماء , وقفت سريعا محاولة الركض بخطوات

متعثرة بسبب ألم ساقي , أركض ممسكة يدي اليسرى واجتزت مجموعة من الأشجار

ووقفت مكاني حين وقف أمامي شاب بابتسامة خبيثة وشامتة فتراجعت للخلف

عدة خطوات قائلة " ماذا تريد مني ؟ "

تقدم نحوي ببطء قائلا بذات ابتسامته " تعلمين جيدا ماذا أريد يا ابنة صيّاد "

التفتُّ لأهرب منه ووقفت مكاني مصدومة ليس من الشاب الآخر الذي ظهر

أمامي وهما من قالا سابقا أنهما ابنا خالي وخالتي بل من هشام الواقف معه

يديه في جيوبه ينظر لي مبتسما بسخرية فقلت من بين أسناني

" هكذا هم الأوغاد يجتمعون دائما "

قال بسخرية " والدليل اجتماعنا بك الآن أليس كذلك "

حاولت التحرك رغم أن هروبي منهم مستحيلا وهم ثلاثة وأنا مصابة لكني

حاولت الفرار يمينا فأسرع من كان خلفي وأمسك بيدي المكسورة وشدها نحوه

بقوة فصرخت بتألم ونزلت للأرض فلواها خلف ظهري لتخرج صرختي أعلى

وقد شعرت بألم فيها لم أشعر به حياتي ونزلت دمعتي رغما عني فأنزلت رأسي

للأرض الجالسة عليها وقلت بصعوبة " أترك يدي فهي مكسورة "

ضغط عليها بقوة أكبر فدسست وجهي بين ركبتاي أخفي صراخي المتألم

وسمعت هشام قائلا " كوني عاقلة أو كسرنا الأخرى "

رفعت وجهي له وقلت بحقد " لو لم تكن جبانا لواجهتني وحدك "

ضحك وصفق بيديه وقال " اسمعوا ما تقول ؟ تضن نفسها رجلا

لتواجهني وهي أضعف من نملة حقيرة "

قلت من بين أسناني " اقسم لو كنت وحدك لعرفت كيف أقطّعك

إربا يا جبان "

ركلني بحدائه على وجهي ركلة لفت رأسي جانبا وشعرت بوجهي

تحطم بسببها وقال " أوقفها "

أوقفني الممسك بي في الخلف رافعا إياي من يدي المكسرة وقد أمسك الأخرى

معها وما كان أمامي سوا الوقوف كي أخفف الألم المنتشر خلال ذراعي كاملا

أمسك ذقني بأصابعه ورفع وجهي له وقال بابتسامته الخبيثة " وقعتِ أخيرا
يا لصة فكم انتظرت خروجك وحيدة ومبتعدة عن العاصمة "

حركت وجهي بقوة ليبتعد عن قبضته لكنه شد على ذقني بقوة أكبر

وقال من بين أسنانه " جاء وقت تصفية الحساب يا حشرة "

نظرت له بكره وبصقت في وجهه فأبعد يده بسرعة ومسح وجهه بظاهر كفها

متقززا ثم صفعني بقوة صفعة شعرت أنها حطمت فكي الذي لازال ينزف بسبب

خدوشه فرفعت رأسي بقوة ليبتعد شعري عن وجهي ونظرت لهما وقلت بغيظ

" اللوم ليس عليك يا نجس بل على من يفترض أني من لحمهما ودمهما

ويشاركانك في هذا ... التبّع الأنذال "

شد الواقف خلفي على يدي المكسورة فأمسكت نفسي بصعوبة عن

الصراخ المتألم وهمس في أذني " هذا حين نعترف بك أساسا "

ثم قال الواقف خلف هشام " لا تنتسب لدمنا واحدة من عائلة سارقة

وستُرجعين أرض خالتي وجدتي وخالي رغما عنك "

نظرت له وقلت صارخة بحدة " لم آخذها لأرجعها والقانون

أمامك وإن كان لك حق فطالب به "

اقترب مني وشدني من شعري رافعا وجهي له وقال بغيظ " رغما عنك

ستوقعين لنا كما سلبها والدك الطيب الحنون منهم واستولى عليها

هوا ووالدتك "

نظرت له بثبات أخفي به أي توتر أو خوف وقلت " إن كان ثمة غش

أو تزوير لما اتبعت هذه الطرق الخسيسة لاسترجاعها "

ابتسم بسخرية وقال " ما رأيك بليلة جميلة وأمسية لن تنسيها

أبدا مع ثلاثتنا "

نظرت له بصدمة وشعرت بجسدي ارتجف بأكمله وقلت بغير

تصديق " أنا عرضكم يا أندال "

ضحك رافعا رأسه للأعلى وترك شعري وقال هشام " لا تخلّوا

بالاتفاق بعدما تأخذون توقيعها وتتركوا انتقامي منها "

نظرت لهما بصدمة , النذلان يتقاسمانني بينهم بكل جرأة ووقاحة , قلت

ناظرة لهما " عمي لن يرحمكم أقسم أن تروا منه ما لم تتوقعوه "

دفع هشام وجهي جانبا بإصبعه وقال بسخرية " هذا إن وجدك وعلم بأمرنا

فكما توقعت لازلتِ مغتره بنفسك ولم تخبري أحدا عما بينك وبيننا

ثلاثتنا وهذا خطئك الفادح يا جميلة "

نظرت له بكره وحقد وقلت " ثمة من يعلم عنكم وسيخبرهم "

ضحك الواقف خلفي ممسكا لي وقال " لا تقولي أنها الفتاة الحمقاء

الأخرى التي تعيش معك "

صُدمت لمعرفتهم بالأمر وقال الواقف أمامي " تلك في طريقها لمدينة

والدتها وستختفي قبل أن تفتقدك لأننا سنلحق بها ومصيرها سيكون

ذات مصيرك "

صرخت حينها محاولة الإفلات منه " أنذال ... أقسم إن مسستم

سراب بسوء أن تندموا "

ضحك هشام وقال " ومن سيعاقبنا يا قذرة ؟ زوجك الذي يبدوا طردك

من منزله تعيشين مع فتاة لا تقرب لك أم عمك الذي يبدوا قد حذا حذوه "

حاولت تحرير يدي السليمة من قبضته فشد على يدي المكسورة بقوة وأنزلني

أرضا وشعرت حقا أن نهايتي اقتربت وعلى يديهم لكنهم لم يعرفوا ترجمان بعد

ولن أستسلم لهم ولو قتلت نفسي , لكن كل خوفي الآن على سراب لذلك أمامي

خطة واحدة قد تفشل فشلا ذريعا لكن لا حل غيره , صرخت بتألم من

عصره لذراعي بقوة وقلت " توقف سأوقّع لكم ما تريدون "






*~~***~~*






غادرنا قصر الوزير عائدتان للعاصمة ولم أتحدث أبدا ولم تسألني صباح

عن شيء , أنظر ليداي في حجري وكل كلمة قالها تدور في ذهني منذ ركبت

السيارة وغادرنا , وكأن جميع حواسي ماتت وحتى دموعي تجمدت تماما

ورفضت النزول , ما أن دخلنا العاصمة وسلكنا شوارعها حتى

قالت صباح " يبدوا لقائك به لم يثمر عن شيء يا دُرر "

نزلت حينها الدمعة التي لا أعلم أين كانت طوال الطريق وقلت بأسى

" أثمر يا صباح لكن ثماره كالعلقم ومليئة بالأشواك "

تنهدت بحزن وقالت " لا تحكي شيئا ولا تتكلمي الآن فعليك أن

تنامي قليلا وترتاحي وسنلتقي فيما بعد "

هززت رأسي بحسنا دون كلام بل بدون وعي مني لشيء حولي فما أقساه من

يوم هذا اليوم من أوله , يا رب اكتب لي الأجر وسامح بكائي وحزني , يا رب

أنت وحدك تعلم ما بي ففرج كربتي يا مفرج الكروب , وصلنا المنزل ونزلت

بعدما شكرتها واعتذرت منها لتعبها في انتظاري كل ذاك الوقت ثم دخلت المنزل

فكان غيّاث يقف وسطه مستندا بكتفه على باب غرفته وقال ما أن رآني " أرى

قدمك قد طالت في غياب شقيقك ونسيتِ أنه ثمة رجل آخر تأخذين الإذن

منه وتخرجي معه بدلا من التسكع مع جارتكم "

قلت بضيق " أعتقد أنه لا علاقة لك بي , وأنا وصباح لم نكن نتسكع

ووالدتي على علم بخروجي "

قال بسخرية " قوليها لشقيقك حين يرجع وليس لي "

تركته كي لا أكثر الكلام معه وتوجهت لممر غرفتي وسمعته يقول

بصوت مرتفع " أمي تُجهزي نفسك , يومين وستسافرين معي فلستِ

بحاجة لأناس لا تريدنا "

تجاهلت كل ما قال وسمعت وتابعت طريقي لغرفتي , أي مصيبة حلّت علينا

أنت يا غياث ؟ والكارثة أن يكون سيسافر بخالتي حقا , فتحت باب غرفتي

ودخلت فوجدت والدتي ترتب ثيابي المغسولة في خزانتي فتوجهت للسرير من

فوري واضطجعت عليه برفق من قبل حتى أن أنزع عباءتي فالتفتت والدتي لي

وقالت " استحمي وغيري ثيابك أولا , لا تنامي بهذه العباءة فستضايقك "

أغمضت عيناي وقلت بهدوء حزين " أعلم أمي وسأصلي أيضا , كنت

أريد أن أرتاح قليلا فقط فلم يعد يمكنني الوقوف "

بعد قليل شعرت بها تجلس على السرير وقالت ماسحة على شعري

برفق " ماذا حدث معك يا دُرر ؟ هل قابلته أم سترجعان غدا "

قلت وعيناي ما تزلان مغمضتان " انسي الأمر برمته أمي "

ثم فتحت عيناي وجذبت حقيبتي التي رميتها على السرير وأخرجت هاتفي منها

وجلست مستندة بيدي واتصلت بقصي فأجاب من فوره وقال من قبل أن أتحدث

" لا شيء حتى الآن يا دُرر وسأستمر في البحث باقي الأسبوع فثمة كوخ يسكنه

رجل مسيحي سأذهب له غدا فقد أخبروني أنه يعرف كل من يأتي ويستقر هنا "

مسحت دمعة تمردت على رموشي وقلت ببحة " ارجع اليوم يا قصي

وأوقف بحثك عنه "

قال بصوت مصدوم " لما !! ماذا حدث يا دُرر ؟ "

قلت بعبرة مكتومة " أخشى أن أضرّه يا قصي وقد كدت أفعلها اليوم

فارجع وانس كل هذا الأمر يا أخي "

ثم أنهيت المكالمة مودعة له دون أن أعطيه أي مجال للرد فيكفيه ما رآه

بسببي فمنذ وجدني وهوا مُسخر لي كالعامل لدي لا هم عنده سوا راحتي

وتلبية رغباتي وفعل كل ما أقوله , ومن أنانيتي لم أفكر بأحد إلا نفسي حتى

أواس نفسه كدت أسلمه لهم بنفسي لولا تغاضى الوزير عن الأمر , وضعت

يدي على عيناي وبكيت بحسرة وألم فحضنتني الجالسة بجانبي وقالت بحزن

" يكفي يا دُرر ارحمي نفسك وارحميني معك يا ابنتي "

قلت ببكاء " لن أبكي مجددا يا أمي فاتركيني أبكيه للمرة الأخيرة فإن

بكيته كل عمري لن أوفي مكانته في قلبي وحسرتي عليه "






*~~***~~*








أخرج أحدهما ورقة وقلما وقال " وقعي هذه بسرعة "

حركت كتفاي وقلت " أترك يدي بما سأوقع لكم ... بلساني ؟ "

ضحك الواقف خلفي وقال وهوا يترك يدي السليمة فقط

" فكرة جيدة .. بصمة لسان "

قلت من بين أسناني " نكتة سخيفة "

سحبني جهة صخرة متوسطة الحجم قائلا " تحركي وخلصينا "

كتمت كل ألمي قائلة بصعوبة " بالرفق فيدي مكسورة كم مرة سأقولها "

دفعني قائلا " تحركي من نفسك إذا إن كانت تؤلمك "

وصلنا للحجر وهما خلفنا ووضع الورقة عليها ومد لي بالقلم وقال

" وقعي بسرعة "

أخذته منه وكل تفكيري في من يمسكني في الخلف فلن ينجح شيء وهوا

خلفي ممسكا بي هكذا وفي يده نقطة ضعفي وهي اليد المكسورة التي أشعر

أنها تمزقني من الألم , أمسكت القلم وقلت بتألم " اترك يدي فهي تؤلمني

كيف سأوقع هكذا ؟ ولا تخافوا فلن أهرب منكم ويدي مكسورة

وساقي مجروحة وأنتم ثلاث رجال "

تركها حينها وقال " خلصينا لنرى "

رغم تركه لها إلا أنها لازالت تؤلمني بشدة ولا أستطيع الضغط على قدمي

بسبب الجرح وهم ثلاثة , التخلص من اثنين سيكون سهلا لوقت قصير أهرب

فيه لكن الثالث سيلحقني بالتأكيد , شعرت بخيبة أمل كبيرة وجُل خوفي على

سراب أما أنا فإن لم أستطع النجاة منهم فسأخلصهم مني , قبضت على يدي

بقوة وأشعر بفظاعة هذه الورطة التي أنا فيها ولا يمكنني التكهن بخداعهما له فلن

يسمحا له بمس شرفي وهما يقربان لي مهما كانا يكرهانني وقد يكون غرضهما

خداعه ليوصلهما لي فقط أو ليخرج لهم بتوقيعي لكن ذلك يبقى فرضيات والأنذال

أنذال ويفعلون أي شيء ولن يعبئوا بي ولن يفتقدني أحد الآن ولا باقي اليوم حتى

أكون فيما الله وحده يعلمه , وإن خرجت من تحت أيديهم حية سيكون لوم الجميع

علي وأولهم إياس وعمي , فالأول ذهبت رغم رفضه وحرصه والآخر سيُحمّلني

المسئولية لأني لم أخبره سابقا , ادّعيت أني أوقعت القلم ونزلت لرفعه وحركت

يدي قليلا حتى أخرجت المشرط مخفية له في راحة يدي ونظرت للورقة

وقلت " ثمة أخرى , هذه وحدها لن تجدي "

رفعها وقال ناظرا لها " عماد هل تركت الأخرى في السيارة ؟ "

قال الآخر من فوره " نعم ضننت أنه لا حاجة لها "

قال من بين أسنانه " مغفل ألم ترى طلب التوقيع أسفلها "

ثم رمى بالورقة على الصخرة أمامي وقال " أليس غريبا أن تخبرينا

ولا تستغلي الأمر لصالحك ! "

قلت من فوري " كي لا ترجعوا لمطاردتي مجددا ولأرتاح من رؤيتكم "

ضحك هشام وقال " ما تزال تتخيل أنها ستعيش ؟ مسكينة "

صررت على أسناني ولم أعلق لأن الواقف بجانبه قال " اذهب

وأحضر الورقة بسرعة يا عماد "

وكانت هذه فرصتي فسيصبحان اثنان الآن وسأنفذ مخططي إن نجح أو

فشل , أمسك هشام بشعري ورفعني للأعلى وهمس في أذني " نهايتك

على يدي يا جميلة وسأجعلك تندمين على اليوم الذي ولدتِ فيه "

رفعت رأسي للأعلى مع حركة شده لشعري ودُرت قليلا حتى كان الآخر مقابلا

لي وحرّكتُ المشرط في يدي مخرجة لرأسه من قبضتي وأشعر بالدماء تسيل من

كفي بسبب جرح نصله الحاد له , لا وقت أمامي وسيرجع الوغد الثالث سريعا

لففت يدي للخلف في حركة سريعة وقوية وغرست المشرط في فخذه بقوة خرجت

معها صرخته وفي حركة سريعة حركته جانبا وهوا مغروس في لحمه وأشعر بقلبي

سيخرج من مكانه فلم أتخيل يوما أن فعل هذا الأمر أفظع من تخيله , أفلت شعري

بسرعة وقبل أن يفيق الواقف أمامي من صدمته ركلته بين ساقيه بكل ما في قدمي

السليمة من قوة ضربة جعلته ينحني أرضا يصرخ من الألم وتحركت حينها بأسرع

ما لدي متجاهلة أي ألم في ساقي وقدمي وركضت ركضا لم أتخيل أن أركضه مع

كل ذاك الألم فيهما , كنت أركض دون هدى ولا هدف وأسمع الصراخ خلفي ومؤكد

لن يتشاجرا بل يصرخا للحاق بي ومؤكد يصرخان على الثالث ليأتي سريعا , وبما

أن ذاك القذر هشام فخذه مصابة فهوا في مثل حالتي إنما الآخر فكل الخوف منه

تحاملت على ألمي محاولة الإسراع أكثر لكني بدأت أفقد الشعور بساقي والتحكم

بها ووقعت أكثر من مرة ومؤكد سيلحقون بي سريعا وهذه المرة لا فرصة للنجاة

منهم أبدا , استمررت في السير المتعثر بأقوى ما لدي ودموعي بدأت بالنزول دون

توقف فما أصعب أن تجد نفسك على شفير الهلاك وفرصك للنجاة قليلة , وما أشد

أن تجد العدو من خلفك والبحر من أمامك بل هما عدوان فالبحر يمكنك دخوله

وإيجاد أي حل به ولو الموت فيه غرقا , بدأتْ أصواتهم تقترب مني وأدركت أنها

نهايتي هذه المرة فلففت حول أول شجرة وصلت لها لأصطدم بشيء بقوة أدركت

بعد لحظة صدمة أنه صدر رجل وما أن فكرت في التراجع للخلف حتى طوقتني

ذراعاه بقوة شهقتُ منها شهقة فزع وخوف وبكاء قوية فها هوا ما خفت منه قد

حدث , شدني لصدره بقوة أكبر وخرج صوته قائلا بحزم " أريدهم الثلاثة

ولا واحد منهم يفلت منكم , بسرعة تحركوا "

لأدرك حينها صاحب هذا الصوت بل الصدر العريض الذي لا يملكه أي منهم

ثلاثتهم ومن فزعي وخوفي لم أنتبه للفرق , رفعت يدي السليمة وتمسكت به بقوة

أدس وجهي في صدره أكثر وقلت ببكاء " أمــ .. أمسكوا بي ... يــ .. يريدون

اغتصابي وقتلي , إيــ ... ــاس أين كنت "

شدني لصدره أكثر وقال " أنا هنا لا تخافي لن يمسك أحد بأذى "

بقدر ما شعرت بالأمان في وجوده بل لم أصدق أنه ظهر في مثل هذا الوقت

العصيب بقدر ما زدت في بكائي ونحيبي وتعلقي به وكأنه سيهرب مني بينما

اكتفى هوا بضمي لصدره وطمأنتي بكلمات لم أفهم أغلبها من شدة بكائي حتى

أغرقت قميصه بدموعي , وبعد وقت اقتربت منا خطوات كثيرة حتى توقفت

أمامنا وقال أحدهم " هؤلاء هم ثلاثتهم سيدي وأحدهم مصاب "

قال حينها بغيظ " حسابكم معي يا حثالة , هل تظنوا أني غافل

عنها يا مجرمين ؟ "

ثم قال بأمر " خذوهم من وجهي أريدهم في المركز وليتكفل أمين

باحتجازهم حتى أستلم عملي يوم غد "

وتحركت الخطوات مجددا مبتعدة فأبعدني عنه ممسكا لذراعي فصرخت

بألم جعله يتركها بسرعة وقال " ما بها ؟ هل أنتي بخير "

أمسكتها بقوة وقلت ناظرة للأسفل " لقد كُسرت وساقي مصابة أيضا , هذا

غير الرضوض الكثيرة التي أشعر بسببها أن جسدي تهشم "

أمسكها برفق ورفعها على صوت أنيني المتوجع وانحنى واضعا لها على كتفه

خلف عنقه ثم حملني عن الأرض فتمسكت بعنقه بيدي السليمة ودسست وجهي

فيه ولا أعلم ما به بكائي لا يتوقف أبدا وكأني لازلت هاربة ومطاردة منهم ولم

يأتي لإنقاذي , سار بي كثيرا لا أرى شيئا ولم يتحدث ولم أسمع سوا صوت تكسر

الأغصان تحت وطأة حذائه وخطواته فقلت بعد وقت ولازال أخفي وجهي في

عنقه " لا تلمني يا إياس , أعلم أني مخطئة وأنه لو لم تأتي لا تعلم

ما سيحدث لي , كل ذلك أعرفه "

لاذ بالصمت لوقت ثم قال " انتهى كل شيء يا ترجمان "

صدُمت من كلماته ولم أعرف ما يعني بها ولم أستطع أن أبعد وجهي

وأنظر له فقال بذات هدوئه " انتهى كل ذلك والمهم أنك بخير "

تمسكت به أكثر ودفنت وجهي فيه أكثر ولم أشعر بأنه أماناً لي كاليوم

والآن وبأني أحتاجه فعلا في مثل تلك اللحظات







*~~***~~*






بعد السير مسافة ثلاث ساعات ونصف بالسيارة وصلتُ أخيرا لمنزل والدتي

فلِما حكم قدري وقدرها أن تكون بعيدة عني هكذا ؟ لما عليا أن أكسر ظهري

من الجلوس في السيارة لأصل لها ؟ تنفست بقوة وهمست مستغفرة الله ونظرت

للمنزل الكبير أمامي فهذه المرة الأولى التي أزورها فيها وكل ما أخشاه مقابلة

وتقبّل زوجها لي , نظرت لهاتفي مستغربة من ترجمان التي أغلقت هاتفها على

غير عادتها ولم تتصل بي حتى الآن ولم أفهم هل ستلحق بي أم ستبقى ؟ ولِما

اتصلت وسألتني إن ذهبت أم لا ! جالت فكرة في رأسي أن أتصل بعمها وما

كنت قررت ذلك حتى انفتح باب المنزل وكانت والدتي أمامه بابتسامتها الحنونة

فرميت كل تلك الأفكار وتوجهت نحوها مسرعة وارتميت في حضنها متمسكة

بها بقوة أجاهد دموعي كي لا تنزل ولم تترك هي عبارة ترحيب لم تستقبلني

بها والسعادة والشوق ظاهران في صوتها , ضممتها أكثر وقلت بحزن

" اشتقت لك أمي اشتقت حقا "

قالت بعبرة ماسحة على رأسي " وأنا أكثر منك مشتاقة لك يا ابنتي "

فانهرت حينها باكية وضاعت كل محاولاتي تلك لإمساك دموعي ولم

يوقفني سوا الصوت الرجولي الغليظ الفخم الذي جاء من خلفها قائلا

" مرحبا بك في منزلي يا سراب "

فابتعدت عنها سريعا ومسحت دموعي ناظرة للرجل الذي كان يتقدم نحونا

كان في الخمسين من عمره تقريبا ولا يبدوا كبيرا أبدا وكان ثمة عرج أو

إعاقة في إحدى ساقيه ويتحرك بمساعدة عصى برأس مذهب وكانت ثيابه

فاخرة مرتبة ومشيته ونظرته تدل على هيبته ومركزه , وصل عندنا

فمددت يدي له وصافحته قائلة " سررت بمعرفتك عمي "

صافحني مبتسما واكتفى فقط بقول " وأنا كذلك "

رغم ما سبق وقاله عني وعن شكه بما صرت عليه إلا أني لم أفكر إلا في نسيانه

فهذا الرجل سيبقى حلقة مرتبطة معي ووالدتي وعليا تقبله كي لا احرم منها أو

أحرمه هوا من بقائها بجانبه فأي خلاف بيني وبينه سيكون له معنا واحدا إما أن

تذهب والدتي معي وتتركه أو أخرج أنا من حياتهما وأنسى حتى أن أزورها من

وقت لآخر , دخلنا وجلسنا في صالون الاستقبال وجلس زوجها معنا وهذا مؤشر

جيد فقد توقعت أن يغادر ويتركنا , قال ما أن جلس " كيف حالك وحال

زوجك ؟ مؤكد تتحدثين معه "

قلت متجنبة النظر لعينيه " بخير وسيصلون بعد يومين "

قال من فوره " يعني لن يطول بقائك هنا ؟ سيكون متعبا لك أن ترجعي

مجددا من أجل استقباله , ووالدتك تعشمت في أسبوع كامل تقضيه معها "

شعرت بالدماء جفت في عروقي ونظرت لوالدتي على الفور فمؤكد زوجها لا

يعلم بالخلاف بيني وبين آسر وأني أعيش في منزل لوحدي ولو علم ما استقبلني

فهوا لم يرضى بي إلا بعدما تحدث معه آسر وأخبره أني زوجته وشهد لي أمامه

فأن يعلم الآن بما بيننا ستكون كارثة , وقف وقال " خذي راحتك يا سراب

وأعدّي المنزل منزلك "

ثم غادر من فوره حيث لا أعلم ولم أهتم وقالت والدتي هامسة " سأجد

عذرا أخبره به فلا تفكري في المغادرة يا سراب "

نظرت لها وهززت رأسي بلا وقلت بحزن " لا حجة لي ولن يصدقك أبدا

لا بأس سأقضي معك هذان اليومان فقط ثم أرجع لمنزلي فليس في

صالحنا أن يعلم ما بيني وبين آسر "

قالت بجدية " سبق وقلتها له وأكررها يا سراب لن أتركك وسأغادر معك لو

رفضك يوما أو أذاك بكلمة وعمك ليس سيء طباع ستعرفينه بنفسك وتصدقي

كلامي , ولولا إصرار آسر لأخبرته أنك تعيشين وحدك وجلبتك معي هنا أو

ذهبت للعيش معك هناك خير من قلقي عليك طوال الوقت وكل ليلة يزورني

ألف هاجس أن يصبك مكروه ولن ينفعني الندم حينها "

نظرت ليداي في حجري وقلت " سأزورك في وقت آخر فالأيام

أمامنا طويلة "

أمسكت يدي وقالت " سراب أنتي اخترت هذا الوقت كي لا تكوني

هناك وقت عودته أليس كذلك ؟ فلا تذهبي "

لذت بالصمت ولم أرفع رأسي ولم أنظر لها فقبضت على يدي بقوة

وقالت " جربي أن تتحدثا إذاً ووضحا وجهات نظركما لبعض فأسلوب

الصمت والهروب لن يجدي "

قلت بغصة " لا يريد يا أمي , هذا الشيء هوا من فرضه لا أنا , يريد

الصمت وإخفاء كل شيء عني ولازال حتى الآن يخضعني لاختباراته

الغبية ولم يتعلم مما حدث أبدا ولا يرى نفسه مخطئا "

تنهدت وقالت " قد لا يكون يراه اختبارا يا سراب ومنظور الرجال

للأمور يختلف عنا نحن النساء "

رفعت رأسي ونظرت لها وقلت بعينان دامعة " وبما أفسره وما سيكون

غير ذلك ؟ توقفي عن الدفاع عنه يا أمي وضَعي نفسك مكاني "

ضمتني لحضنها وقالت بحنان " أشعر بك يا سراب أقسم أني أشعر بك

وأوبخه كلما اتصل بي ويتهرب دائما من إبداء رأيه فيما أقول وحين

هددّته بأن أجلبك هنا ولن يراك أبدا غضب مني "

قلت ببكاء " ليس من حقه أن يغضب وهوا من تركني , كم أشعر أني

وحيدة وحزينة يا أمي , ليتك فقط لم تتزوجي ووجدتك في انتظاري

وبقيتِ معي للأبد "

ضمتني بقوة أكبر وقالت بعبرة مكتومة " هذا قدرنا يا سراب , لقد حرموني منك

طفلة عمرها عامين فقط كبرتِ بعيدا عن عيني أتحسر عليك كل يوم وليلة وأتمنى

فقط أن يخبروني إن كنتِ حية أو ميتة لأرتاح , وحين عدتِ حُرمت منك

مجددا ولم أعد أعرف كيف أقسِم نفسي بينكما لنصفين "

بقيت على بكائي الصامت في حضنها لوقت حتى أبعدتني عنها ومسحت دموعي

وأوقفتني تريني منزلها الفخم الكبير الذي لا يسكنه أحد غيرهما والخادمات وعاهدنا

نفسينا أن نقضي هذان اليومان معا بلا حزن ولا دموع ونستغل كل دقيقة , وبالفعل

قضيت معها يومين لم تترك مكانا لم تخرجني له ولم نتناول وجبة في المنزل وكنا

نخرج للمطاعم والمنتزهات وقد خرج معنا زوجها مرة واحدة فقط بسبب أشغاله

وكان رحبا معي رغم يقيني أن كل ما يفعله من أجل والدتي لا من أجلي







*~~***~~*






نظرتُ ليدي المجبّرة ثم للواقف مستندا بباب غرفتي في المستشفى مكتفا يديه

لصدره ينظر لي بصمت فمددت شفتاي بعبوس وحوّلت نظري منه للواقف

بيننا يداه وسط جسده ينظر لي بغضب عاقدا حاجبيه أنتظر انفجاره الذي جاء

سريعا وقال بحدة " هل أعلم موقعي من كل هذا أم تروني طفلا أمامكما "

كنت سأتحدث فأشر لي إياس بإصبعه على شفتيه لأسكت فتنهدت بأسى ولذت

بالصمت فقال عمي بذات حدته " اللوم ليس عليك ولا عليه بل عليا أنا "

ثم نظر لإياس الذي حوّل نظره لي وقال بابتسامة " جيد اكتشفنا قدراتها

المخفية فقد أصابت واحدا منهم وهربت منهم وهي مصابة "

عضضت شفتي أمسك ضحكتي وقال عمي بغضب " لا يا سيادة الضابط

أسعدتني حقا ؟ قل الآن كيف تعلم عنهم ولا تخبرني "

قال بهدوء " كم مرة قلتها لك يا خالي , كنت فقط أراقب منزلهما من وقت

لآخر ووضعت جهاز تعقب في السيارة وحين اختفت إشارتها علمنا أن شيئا

ما حدث لها وكل هذه احتياطات غفلت أنت عنها حين عارضتُك في عيشهما

وحدهما وأنت رفضت .. أم نسيت ؟ "

قال له بضيق " ظننتها عاقلة وكبيرة وظننتك بعقل كبير ستعرف كيف

ترجعها وتأخذها معك "

ثم نظر لي وقال بذات ضيقه " وأنتي حتى متى كنتِ تنوين إخفاء الأمر

عنا ؟ حتى يقتلوك واستلمك جثة "

لعبت بطرف اللحاف بين أصابع يدي السليمة الملفوفة بشاش بسبب جرح

كفها وقلت بهدوء " قلت ألف مرة أني آسفة وأني كنت مخطئة يا عمي "

قال بغضب " وما سنفعل بأسفك إن حدث لك شي ؟ تكلمي "

تمتمت بعبوس " خرج إياس في الوقت المناسب وانتهى الأمر "

قال بذات غضبه " لا لم ينتهي وستخرجين من هنا معي لمنزلي

وصديقتك معك أيضا "

كان إياس سيتحدث فقاطعه قائلا بحزم " ولا كلمة أخرى , ظننتكم رجالي الذين

أعتمد عليهم في كل شيء وسلمتكم الضعيفات اليتيمات وخذلتموني , فإن لم يجدن

فيكم الأزواج فسيجدن فيا الوالد ولن تخرج واحدة منهما من منزلي ولن تريا

ظفريهما , ودُرر يوم سأسمع فقط أن عائلتها أزعجتها سأجلبها معهما ولن

أتضايق منهن عمري كله ولن أعتمد عليكم وعلى أمثالكم مجددا "

ثم نظر لي وقال بحزم " قفي هيا لنغادر "

نظرت لإياس الذي أشار لي بإصبعه أن أرفض فابتسمت بمكر وحركت

كتفي رافضة فنظر لي بتوعد تجاهلته وغادرت السرير قائلة " حاضر يا

عمي فقط لا تغضب مني "

فخرج مغادرا وأنا اتبعه أجر قدمي ببعض الصعوبة بسبب جرح ساقي حتى

مررت بإياس الذي أمسك بيدي موقفا لي وقال هامسا " ظننتك تعشقين

التحدي ورفض الأوامر فما تغير الآن "

نظرت له بابتسامة مشاكسة وقلت هامسة مثله " ما حدث منذ

يومين غيرني هل تصدق ؟ "

ضغط على يدي ونظر لي بمكر وقال " تتغيرين من ناحية عمك

فقط يا محتالة "

ضحكت بصمت وفي حركة خاطفة قبلت خده وقلت مغادرة من الباب

" أمري لم يعد في يدي فتفاهم مع خالك "

وخرجت للذي ينتظرني خارجا ولازال ينظر لي بضيق ثم قال مخاطبا

الذي خرج خلفي " عد لعملك بسرعة يكفيك استهتار "

ضحكتُ ضحكة صغيرة ولم أشعر حينها سوا بأني طرت للأعلى ووجدت

نفسي بين ذراعيه وقال ضاحكا " حاضر سيدي وسأوصلها في طريقي

ترى بنفسك لا يمكنها المشي "

فسار أمامنا قائلا ببرود " لازلت بكامل صحتي ولن أعجز عن حملها

لكن لا بأس بما أنه آخر لقاء لك بها "

سار بي خلفه قائلا " خالي وحد الله ما هذا الذي تقوله ؟ "

تجاهله تماما فتمسكت بياقة سترة بذلته وهمست مبتسمة

" تستحقها رغم أنه تأخر كثيرا "

نظر لي بضيق وقال " تصمتي أو أوقعتك على الأرض "

ضحكت وتمسكت به أكثر ودفنت وجهي في عنقه قائلة " أتحداك أن تفعلها

وسترى عمي ما سيفعل لك بما أني مصابة ويدي مجبّرة وجسدي كله

ضمادات وليس بإمكاني أخذ حقي منك "

توقفت حينها خطواته وسمعت عمي قائلا بأمر " أنزلها انتهت مهمتك "

أنزلني حينها قائلا بحنق " كان يمكنني تجاهلك وأخذها لسيارتي , فقط لتعلم

أني أحترمك ولا أريد عصيانك "

أشار لي بإصبعه على باب السيارة قائلا بحزم " بسرعة لأوصلك

وأجلب شقيقتك التي ستصل لمنزلها بعد قليل "

فتحركت من فوري وركبت في الكرسي المجاور للسائق وتوجه هوا لبابه

ليفتحه فنظرتُ لإياس الواقف مكانه وهوا يؤشر لي بيده على أذنه بمعنى

هاتف فهززت رأسي بلا مبتسمة وركب حينها عمي وأغلق الباب

ونظر لي وقال " بما كان يخبرك ؟ "

نظرت له بصدمة وقلت " لا شيء "

فتحرك بالسيارة مسرعا ومجتازا له قائلا بحزم " لن يروكم حتى يعرفوا

قيمتكم وأنّ ثمة من ورائكم فالرجل إن لم يجد شخصا سندا للمرأة يخاف

منه يتحول لحمار متوحش "

كتمت ضحكتي بيدي فقال بضيق " ما يضحكك ؟ "

قلت بضحكة " وهل هذا حالك مع زوجتك التي لا أحد لها ؟؟ "

نظر لي بغضب فقلت من فوري " آسفة نسيت أنه لها شقيق "

قال بحدة " بل أنا من لست كالبقية ولن أستغل ذلك أبدا يا سليطة

اللسان فاحترميني "

وكزته بمرفقي وقلت مبتسمة " مرحبا بك عمي في عالم الواقع , كنتَ

فعلتها سابقا ووضعت أصبعك في أعينهم "

نظر للطريق وقال بجدية " لأكون عادلا فها قد أعطيتهم الفرصة أولا

واستخفوا بي وبكما وسيريان الآن "

نظرت له باستغراب وقلت " أعطيتهم الفرصة قبلنا ! "

قال بحزم " نعم وهل تظني صمتي عنهم نائم عما يجري ؟ لا يا ابنة شقيقي

وسيعلمان الآن ما أضاعا من وقت "

رفعت كلتا يداي حتى المجبّرة وقلت بحماس " مرحى لعمي أرنا فيهما قدراتك "

قال ببرود " اجلسي مكانك فأنا لم أسامحك بعد ومصيرك مثلهما "

نظرت له بعبوس ولم أتحدث لأن أي كلمة ستفجره من جديد وسيلقي باللوم

علي مجددا وما سيخلصني منه حينها , نظرت للمرآة الجانبية حيث كانت

سيارة شرطة تتبعنا وهي لإياس بالتأكيد وما هي إلا لحظات وتحدث عمي

في هاتفه قائلا " للمركز فورا ولا أرى سيارتك مجددا أو كان حسابك معي "

نظرت له مبتسمة على صوت ضحكة إياس في الهاتف وقال شيئا لم أفهمه

فقال عمي بضيق " مخصوم من راتبك تحت بند العقوبات ولأول مرة في

تاريخك ولن تكون الأخيرة "

ثم أنهى الاتصال معه فنظرت للمرآة وللسيارة التي أطلقت صفارات الإنذار

واجتازتنا مسرعة وابتسمت حين تذكرت كيف منعه خالي اليومين الماضيين

من الدخول لي في غرفتي في المستشفى , لا أنكر أن نظرتي له تغيرت جذريا

بعدما احتجته ووجدته وكما قالت دُرر علمت أن له أهمية في حياتي وأحتاجه

مثلما اعتبر هوا أن لي قيمة عنده وقلق عليا وتعقب تحركاتي دون أن يكبلني

ويقيدني بأوامره وأفكاره المتعصبة , لكن عليه أن ينال عقابه من خاله كي

يعلم أنه لن يسكت له في القادم فلا يهزأ بي مجددا







*~~***~~*






نظرتُ لباب المركز الطبي أمامي وتنفست بقوة وشددت العزم للدخول وفي يدي

الورقة التي تحمل اسم الفتاة التي أرسلني لها خالها الذي يكون رئيس زوج دُرر في

عمله وزوج عمته وقال أن الأمر ليس بتلك السهولة وقد يضره شخصيا ووحدها

من ستخدمني في هذا الأمر فعليا أن أتأكد من سلامة دُرر وابنها دون أن يعلم أحد

فلن أرتاح والظنون تلعب بي هكذا , نظرتُ للورقة مجددا وغاب ذهني لحديثها

معي بعد عودتي وهي تطلب مني إيقاف البحث عن زوجها وإلغاء حتى المكافئة

المالية التي وَضعتْ فيها كل ما ترك لها مقدرا نقدا ولا أعلم ما حدث بعدي جعلها

تقرر ذاك القرار !! ركزت نظري على الاسم في الورقة ( سدين أشرف خياط )

ولا أعلم لما غاب تفكيري لتلك الفتاة في المستشفى التي حين خرجتُ من الطبيبة

مغادرا وجدتها مع الطبيب الذي يبدوا مشرفا عليها وكان يوبخها وكل ما قالته

له ووقع في أذني ( لا أحتاج لشهادة الكفاءة التي تجعلني أتغاضى عمن يحتاج

مساعدتي , فكيف إن كانت عجوز عاجزة عن الحركة تترجى أن يساعدها أحد )

تلك الفتاة جلبت لنفسها المشاكل لتساعد غيرها وكان ضميرها أهم عندها من

غرضها من عملها هناك , ولا أنكر أني ثاني يوم حين عدت لإخراج دُرر شيء

ما في نفسي تمنى أن أقابلها مجددا بالمصادفة فتلك الفتاة تبعث فيك الفضول من

تمسّكها بمظهرها الذي تعلم جيدا أنه عكسُ دواخلها وأنه سبب جُل مشاكلها على

ما يبدوا , طويت الورقة ودسستها في جيبي فبما أن الفتاة ليس لديها علم بقدومي

فعليها أن لا ألفت الأنظار بأني جئت من أجلها وهنا ستكون المهمة الصعبة فعليا

إيجادها وكل أملي في أنّ مركز كبير ومعتمد كهذا يكونوا يعلقون أسماء موظفيه

في ثيابهم كتعريف , لست أعلم ما غرضه حين لم يخبرها بقدومي ولا يريد أن

أخبرها أنه من أرسلني وكأنه يختبرها بي ولولا ثقة دُرر به لشككت في أمره

وما فهمته من كلامه أنه لن يظهر في الصورة أبدا وإن تعقدت الأمور سيخرجها

من المشكلة بمعرفته لكن الغريب كيف وثق من أنها ستساعدني بدون أن يطلب

هوا منها ذلك ؟؟ يبدوا يخشى أن يُكشف أمرها ويضغطون عليها فتشي به ورجل

شرطة مثله لن يكون سهلا أن تُكتب كهذه المخالفة في سجله , هززت رأسي راميا

منه كل تلك الأفكار ودخلت فالمهم عندي الآن أن أتأكد من سلامة دُرر ولا يعنيني

بأي طريقة سيكون , وسيكون عليا إقناع الفتاة فخالها قال بلسانه ( إن لم تخدمك هي

في هذه فلن يخدمك أحد وإن رفضت فالمشكلة بك وليس بها ) ولست أعلم ما يعني

ولا أفهمه فذاك الرجل يبدوا لي كثلة من الغموض والغرابة فهل خشي على نفسه

ولم يخشى على ابنة شقيقه ؟! دخلت وتوجهت لوجهتي متتبعا اللافتات وسلكت ممرا

طويلا حتى وصلت للجزء المخصص بأقسام التحليلات والمختبرات فهذا المركز كبير

يحوي حتى على أقسام للمرضى واللجنات طبية ومعروف جدا خاصة بعد القانون

الأخير الذي أصبحت به جميع المراكز المتخصصة في الإيدز تابعة للدولة , وكُثر

انتقدوا هذا القرار في البداية وظنوا أنه سيمنع أي شخص شك في نفسه من اللجوء

لهم مخافة احتجازه لكنهم اكتشفوا إيجابياته فيما بعد لأن من شك بإصابته سيلجأ

للتحليل والكشف ليرتاح وترتاح نفسيته حتى إن كان المقابل الاحتجاز إن كان

مصابا فلا أحد يختار العيش في دوامة الشكوك خاصة مع مرض كهذا , وصلت

صالة الاستقبال وتقديم نتائج التحاليل وكان ثمة فتاة منشغلة بكتابة شيء ما وكما

توقعت كان أسمها معلقا على جيب معطفها الطبي لكنه لم يكن الاسم

المقصود, رفعت نظرها بي وقالت " نفضل يا سيد بما أخدمك ؟ "

نظرت حولي وقلت " أنا في انتظار صديق لي سيصل أولاً فهل يمكنني

انتظاره هنا قليلا "

أشارت بيدها وقالت مبتسمة " بالتأكيد تفضل اجلس هناك "

ثم عادت لما تفعل وتوجهتُ أنا للصالون الجلدي الأسود الذي يأخذ مساحة

كبيرة من المكان وجلست هناك في انتظار الفتاة التي لا أعلم أين ستكون في

هذا الجزء الواسع من المركز ولا كيف سأجدها وما علمته منه أنها تعمل في

المختبرات أي أن فرص خروجها قد تكون شبه معدومة فلمْ يصنع بي خالها

خيرا أبدا بأن سدّها عليا من جميع الطرق ولم يخبرها لتنتظرني , مر الوقت

والدقيقة تلحقها الأخرى جالس مكاني أنظر لساعتي بتململ والجميع يتحرك

حولي إلا أنا وكلما خرجت فتاة ترتدي معطفهم الخاصة بهم حيث لكل قسم هنا

لون ياقة مخصص في المعاطف نظرت لاسمها بتمعن وبلا فائدة , هوا طلب أن

أكلمها اليوم ولا يمكنني المغادرة دون رؤيتها ولست أعلم حتى متى سأنتظرها

جلستْ قريبا مني امرأتان واحدة كبيرة في السن والأخرى أصغر منها ولاحت

في بالي فكرة أن أطلب من إحداهما أن تسأل عنها وبذلك لن يشك أحد بي أو

بها , وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى نادت التي خلف الطاولة قائلة

" سدين لحظة من فضلك "

فنظرت خلفي على الفور وكل ما في تفكيري التأكد من أسمها الكامل لكن عيناي

علقت على ملامحها ونظرتُ لها بصدمة حين وجدتُ أنها تلك الفتاة لا غيرها

فوقفت على طولي وركزتُ نظري على اسمها وهي تقترب من الطاولة النصف

دائرية وكان بالفعل ( سدين أشرف خياط ) فخرجت مني ضحكة صغيرة منخفضة

فمن الذي رتب لهذه المصادفة ! لم يكن في بالي أن تكون الفتاة ذاتها , ذات المظهر

والفصوص والوشم لم تتغير أبدا ولم يؤثر بها شيء مما سمعته في ذاك المستشفى

فما أغربها من فتاة متمسكة بقناعاتها مهما كانت العواقب ؟ وفوق كل ذلك خالها

عقيد في الشرطة وشقيقها ضابط مع زوج دُرر !! ومما لا شك فيه أنها واجهت

هنا أصعب مما واجهته في ذاك المستشفى , اقتربتُ منهما قليلا وتلك تتحدث

معها قائلة " المرأة هناك تسأل عنك "

وأشارت بالقلم في يدها حيث المرأتان اللتان جلستا جواري فالتفتتْ لهما

وتوجهت نحوهما دون أن تنظر جهتي فادعيت أني أنظر لساعتي وعدت

بخطواتي خلفها ثم جلست على الكرسي على مسافة منها ما أن وقفت

وقالت لهما " بما أخدمك يا أمي ؟ "

قالت المرأة الكبيرة في السن وهي تدقق بها " أنتي التي طلبناها ؟ "

قالت برحابة " أجل يا جدة وأنا في الخدمة تفضلا "

وكزت العجوز المرأة التي بجانبها وقالت من فورها " تحركي يا عائشة نرى

مركزا آخر , هذه لا يبدوا تفهم شيئا من شيء ومكانها السينما وليس هنا "

نظرتُ لقفاها أمامي بشيء من الفضول والترقب وكما توقعت ضحكت وقالت

بذات نبرتها الهادئة الرقيقة ورحابتها " جربيني يا جدة لا تحكمي عليا بتسرع "

قالت المرأة " ابني من الأطفال اللذين تلقوا اللقاحات في مستشفى جنوب العاصمة

ووصلنا كلام عن أنه يجب إخضاع جميع الأطفال للفحص والتحليل لشكوك

حول الحقن ونريد التأكد "

قالت من فورها " ابنك في أي يوم تحديدا ذهب لتلقي الجرعة "

أجابتها المرأة قائلة " اليوم السابع من الشهر الماضي "

قالت من فورها " هل ظهرت عليه أعراض زكام خلال الأسبوع الأول

أو طفح جلدي بسيط واختفت فيما بعد "

وطرحت عليها مجموعة من الأسئلة ثم قالت " ورد حديث عن هذا اليوم

لكنها شائعات أكثر من كونها صحيحة ولا أحد يريد التصديق "

قالت المرأة من فورها " وما يؤكد لنا أنها شائعات ؟ "

ضحكت وقالت " أخبرتك أنه لم يصدقنا أحد "

ثم أخرجت دفترا صغيرا من جيب معطفها وقلما وقالت وهي تكتب فيه

" أعطني أسمه وعمره وأحضريه لي في الغد واطلبيني بالاسم حسنا يا أمي "

أعطتها اسمه وعمره من فورها ثم قالت المرأة " باركك الله يا ابنتي فهذا ثالث

مركز ندخله ويرفضون طلبنا ويقولون أنها شائعات فقط لكن ما الذي يريح قلب

الأم , وقد دلتني عليك جارة لي أحضرت ابنها لكم "

أعادت الدفتر لجيبها وقالت " طلبك على رأسي يا أمي وإن حدث لي

شيء منعني من المداومة غدا فعودي في وقت آخر وأنا في الخدمة "

هزت رأسها بحسنا وقالت العجوز مركزة على وجهها " أنتي لما تفسدين

جمالك هكذا ؟ اغسلي وجهك ولدي ابن سأزوجك به لطيبة أصلك وحسنك "

ضحكت الفتاة من فورها وأمسكت أنا ضحكتي بصعوبة فشدتها المرأة معها قائلة

" أمي يكفي فنحن ما صدقنا أن وجدنا من يلبي لنا مرادنا فاتركي الفتاة وشأنها "

وغادرتا معا وتبعتهم هي عائدة من حيث أتت فوقفت وتبعتها وما أن مرت

بالقرب من الطاولة حتى قالت الجالسة خلفها مبتسمة " لم أرى من يزيد على

نفسه الأعمال مثلك ؟ كل يوم نصف ساعة زيادة عن وقت مغادرتك "

أشارت لها بيدا ضاحكة وتابعت طريقها ولازلت أسير خلفها حتى كنا في

ممر خالي تماما فاقتربت منها أكثر وقلت بهمس " يا آنسة "

نهاية الفصل ....

Continue Reading

You'll Also Like

1.5M 119K 52
قصة حقيقة بقلمي الكاتبة زهراء امجد _شال ايدة من حلگي بعد مصاح مروان رجعت كملت جملتي اكرهك انت اناني متحب بس نفسك كأنما معيشنا بسجن مو محاضرة !!! مروا...
265K 14.8K 59
.. بدأت 2023/5/23 ..انتهت 2024/5/5 الأخوة هم اليد القوية عندما تتهاوى بنا الايام..!! Brothers are the strong hand when the days fall apart..!! #ال...
509K 34.8K 63
حـقـيقيـة ٪100 أَرْبَعَةٌ لِبَوَاتِ يَدُورُ حَوْلَهُنَّ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الذِّئَابِ لَڪُلِ مِنْهُمَ غَايَةِ.... _متجبرات _قَوِيَّاتِ _شَامِخَاتٌ ...
696K 51.8K 16
عَالم مظلم مغمور بالغموض حكاية خطت ورُسمت بالوان الغموض والخفية سَنشاهد التقاء روحين للتصدي للماضي الأليم والمواجهة مع التحديات الجادية هل ستجد ال...