حصون من جليد

By Durah2016

734K 13.4K 1.5K

غرفة ذات جدران قاتمة اللون رغم طلائها الفاتح ومكتبة برفوف ضخمة خشبية مدعمة بالحديد كي لا تتآكل مع مرور الزمن... More

1
2
3
4
5
6
7
8
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
50
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62 the end

28

10.1K 203 15
By Durah2016






الفصل الثامن والعشرون

نظرت لها بصدمة وهي تدخل بثياب منسقة وأنيقة كأنها ذاهبة

لحفل ونظرة متعالية متعجرفة , اقتربت وجلست على إحدى

الأرائك قائلة " لم يخبرني أحد أنه ثمة ضيوف قادمون "

وجلست دون أن تسلم عليهما لتهينني بذلك قبل أن تهينهما هما

وزاد الموقف سوءً نظرة الازدراء التي وجهتها لسراب بما أن

ترجمان متأنقة أما سراب فلم تخلع عباءتها , ضغطت قبضتاي

بقوة أحاول إفراغ غيظي وإحراجي فيهما وتابعت هي قائلة بنظرة

ساخرة " لم تعرفينا بضيوفك يا دُرر يبدوا أنهما من محيطك "

كنت سأتحدث لأحدّ من الموقف دون مشاحنات لأني أعرف ترجمان

وسراب جيدا , لكن سراب سبقتني قائلة " لا يحتاج أن تعرفنا بك

مؤكد أنتي زوجة زوجها التي يشتكي منك في كل مكان "

عضضت شفتي وأنزلت رأسي للأسفل , آه منها ستكبر المشكلة

الآن فهذه يبدوا أنها جاءت تنوي شيئا ستحققانه لها , هذا ولم تنطق

ترجمان بعد وإن رفعت كماها يعني شجارا محتما وهي المنتصرة

فيه طبعا , ضحكت تلك ضحكة سخرة وقالت " يبدوا صديقتكم

تصور لكم أمورا خيالية "

وكما توقعت هي تعتقد أني أنا من قلت لهم هذا بينما سراب أرادت

أن توهمها أن أواس من يتحدث عنها وهوا لا يفعل ذلك ولا حتى

أمامي ولم يذكرها عندي قط , رفعت رأسي وقلت " ما رأيكما

في نزهة في الحديقة أريد أن تريا قفص العصافير الكبير "

وقفت ترجمان من فورها قائلة " فكرة جيدة فيداي تأكلانني حقا "

وضعت حينها وجد ساق على الأخرى وقالت " تعلمين أن أواس

يرفض الخروج من هنا أم تريدي أن يسجنك ويعاقبك ثانيتا "

صررت على أسناني بقوة أمنع نفسي من الكلام ليس خوفا منها

ولا من أجلها بل من أجل الرجل الذي يكون زوجا لنا ومن فتح

منزله لاستقبال ضيوفي , قالت ترجمان بضيق " اسمعي أنتي

سكتنا لك كثيرا احتراما لدُرر فقط فأرينا عرض كتفيك الآن

واخرجي فنحن من محيطها وليس محيطك فما يبقيك هنا "

أدرت عيناي للأعلى وتنهدت بأسى فها قد وقع ما كنت أخشى

وتكلمت ترجمان , هذه الوقحة تظنهما ستنشران وتروجان ما

تقوله عني ولا تعلم أن ذلك أبعد ما قد يفعلانه وأنهما تربيتا

معي ونعتبر أنفسنا شقيقات , رمت شعرها للخلف وقالت

ببرود " وما بك تضايقت هكذا ؟ نحن نتحدث فقط "

قالت بذات ضيقها " وحديثك لا يعجبنا فاخرجي على

قدميك قبل أن تخرجي متدحرجة على الأرض "

قالت سراب " اجلسي يا ترجمان واقطعيها من الصورة "

ثم نظرت جهة وجد وقالت " إن أخبرك عقلك أننا سننقل ما

تقولين عن دُرر فأنتي مخطئة فنحن نعرفها من عشرين عاما

ولا نستغرب صمتها عنك حتى الآن لأن هذا طبعها "



*~~***~~*



جمعت الأوراق ووضعتها في الظرف وقلت " كلما زادت

المدة كلما وجدنا عليه مصائب أكبر ودماره سيكون

على يدي هذه المرة "

كتف يداه مستندا بهما على الطاولة وقال " وما بقي أمامك الآن "

قلت بجدية " البعض من جرائمه أيضا ولقاء مع الوزير وقتما

سأتأكد من إمكانية القبض عليه ومحاسبته "

لوا شفتيه وقال " كل مهمة أصعب من الأخرى فكيف ستقابل

الوزير وتضمن أن يقف معك وهوا من رفض فضحه سابقا

وأقاله من القضاء فقط , بل وكيف ستجعله يدخل البلاد مجددا

وهوا يعلم أنه محمي جيدا هناك ولن يصل له أحد فحتى إن

قدمت عليه مليون دليل فلن تسلمه تلك البلاد "

قلت بشرود ونظري للأرض " سيأتي تأكد من ذلك يا فؤاد فأمر

حفيدته سيجعله يأتي بالتأكيد , أما كيف سأقابل سيادة الوزير جابر

حلمي وأقنعه فهذا ما يؤرقني , لكني لم أسمع عنه إلا عدله

وإنصافه لصاحب الحق "

تنهد وقال " معك حق فمن وقف تلك الوقفة من سنوات مع فتاة

يتيمة لن يتباطأ عن فعل غيرها فقد أصبح بطلا في أعين

الجميع بسبب تلك القصة "

هززت رأسي بنعم في صمت ثم وقفت وحملت الملف الذي

حوا أدلة جديدة عنه وغادرت من عنده عائدا للمنزل لأضع

هذه مع باقي المجموعة واتصلت لأتأكد من إرسال الحارسين

للمنزل فاللعب معه لن يكون سهلا وعليا أن أكون حذرا , أدفع

عمري ثمنا لأراه خلف قضبان السجن ليعاني كما عانيت منه

وغيري الكثيرين وستأتي على وجهك يا علي رضوان فأنا

أكثر من يعلم ما تعنيه لك حفيدتك , وصلت المنزل ودخلت

وقابلتني الخادمة قائلة " عثمان ليس في حديقة سيدي

ليأخذ آني لسوق "

أخرجت هاتفي قائلا " سأتصل به وأرى أين يكون "

وتابعت وأنا أفتح القائمة " هل وصل الضيوف "

قالت من فورها " نعم سيد لكن ... "

قلت وأنا أدس الهاتف في جيب بنطالي بعدما لم يجب

على اتصالي " لكن ماذا ؟؟ "

قالت " سيدة وجد دخل هناك "

فنظرت لها باستغراب فأنا طلبت من الخادمة مراقبة جميع

تحركات وجد بما أني لم أعد أسجنها في الغرفة لتَحسن

سلوكها قليلا ولأنه ليس عليا أن أثق بها كان عليا معرفة

جميع تحركاتها , قلت " هل دُرر من طلبت إخبارها "

هزت رأسها بلا وقالت " هي سأل من هنا وحين علم

بديوف سيدة دُرر لبس وذهب لهم "

فتركتها وتوجهت حيث المجلس فيبدوا أن تنبيهي أن لا

تحتكا ببعض ضربتاه عرض الحائط




*~~***~~*



نظرت لترجمان وقلت " تبقى زوجة زوجي فلننهي هذا النقاش

وليحترم كل منا الآخر "

قالت بضيق " لي توجهي هذا الكلام ؟؟ وجهيه لها قبلي فهي

من دخلت بالشر منذ البداية "

تنهدت وقلت " ترجمان إن كان لي معزّة لديك فلننهي هذا أنا أريد

رؤيتكما والاطمئنان عليكما لا أن نمضي الوقت في المشاحنات "

جلست حينها بتململ وقالت " من أجلك فقط وإلا كنت علمت

كيف أتصرف معها "

كانت تلك ستتحدث طبعا لولا أوقفها الصوت الرجولي الفخم

الذي نادى من الخارج " وجد "

الصوت الذي جعل عينا سراب وترجمان تتجهان للباب بينما

علت الصدمة ملامحها هي بادئ الأمر ثم ابتسمت بتعالي حين

نظرتا لها ووقفت وخرجت باستعلاء كما دخلت وسمعتُ بعدها

صوته يتحدث ولم أفهم ما يقول ثم ضحكتها الرقيقة العالية فشعرت

حينها بشيء ما علا في جسدي وكأنها جزيئات من كهرباء لتجتمع

في قلبي وآلمته بشدة , لاحظت مؤخرا أنه لم يعد يضربها ويسجنها

فهل هذا يعني أنهما تصالحا وغيّر من معاملته لها ؟ ومناداته لها الآن

وضحكها أكبر دليل !! حسنا وما في ذلك هذا أفضل لهما وهي

زوجته مثلي بل وقبلي وعلى هذا أن لا يزعجني

" هيييه دُرر "

رفعت رأسي وقلت " نعم يا ترجمان "

قلت بضيق " ساعة نكلمك وأنتي في عالم آخر تماما "

لذت بالصمت ولم أعلق فقالت سراب بهدوء " يبدوا أنها تأخذ

كل الحيز لديه , لا تنزعجي يا دُرر أنتي أجمل وأفضل منها

ومؤكد سيميل لك نهاية الأمر "

نظرت للأسفل وابتسمت بحزن فلا يعلم ما يجري هنا غير سكان

هذا المنزل والحقيقة قد تعجبكما وتتشفيان فيها لكنها لا تعجبني فحتى

إن كان لا يعاملني مثلها فأنا لديه وهي في ذات المكانة فها قد علمت

الآن لما لم تحمل منه حتى الآن وقد يكون ذلك سبب كل ما بينهما

تأففت ترجمان وقالت " لا أعلم كيف تستحملينها ولما تزوجك وهوا

متزوج بل علمت أنه اختارك بمحض إرادته فما تفسير كل هذا "

ابتسمت بسخرية ولم أعلق بشيء , وهذا أكثر ما يؤلمني يا شقيقتاي

تزوجني واختارني لمآرب في نفسه من أجل لعبة سخيفة أسمها

انتقام وأنا من يدفع ثمنها لأني وجدت نفسي جزئا فيها وبلا ذنب

دخلن الخادمات بعدها بجميع أنواع العصائر والمرطبات والكثير

من الكعك والحلويات وانشغلنا بتعليق ترجمان وسراب عليها رغم

أن سراب كانت تتحدث قليلا كما أنها أكلت قليلا أيضا وعلى غير

عادتها عندما تجد أمامها طعاما شهيا , فهل الحب ما فعل فيها هذا

وما الذي جعلها تحبه بسرعة ؟ أحسدها لأنها تعلم ما تريد وما يريد

قلبها ووجدت شخصا يستحق أن تعطيه مشاعرها وإلا ما أحبته

بل أحسدها أكثر على صراحتها بالتحدث عن مشاعرها نحوه

أما أنا فلم آكل شيئا وشعرت بأن أي رغبة عندي للطعام تبخرت

بل حتى في الحديث والضحك لقد تعكر مزاجي حقا وأفسدت

تلك عليا فرحتي بقدومهما



*~~***~~*



غادر ونظري يتبعه حتى اختفى فماتت ابتسامتي المصطنعة

وتمنيت أن قتلته لكن لا بأس كل شيء في وقته سيكون أفضل

هه وتخاف على مشاعرها كثيرا يا نصف الرجل , نعم أحِبها كما

تريد وتعلق بها أكثر لتكون ضربتي لك موجعة أكثر وأكثر وأقسم

أن أجعلكما تبكيان بعضكما دما وحسرة لذلك عليا تحملك قليلا هذه

الفترة وسترى بعدها أفعالي , تحركت من هناك بعدما رسمت على

وجهي ابتسامة رقيقة جديدة ومزيفة ولحقته حيث دخل لمكتبه ولم

يغلق الباب ولم يشعر بدخولي لانشغاله بالأوراق معطيا ظهره لي

فجلست على طرف الطاولة وقلت " أواس لما لا تأخذنا رحلة

كتلك حين تزوجنا وحتى زوجتك الأخرى معنا "

نظر لي حينها نظرته الكريهة تلك ثم عاد لما يفعل وقال

" هلا فسرت لي سبب تغيرك هذه الأيام "

تنهدت بحزن تمثيلي وقلت " وجودي في ذاك المستشفى ووصولي

لحالة الموت غيرتني كثيرا وأقسم لك أن الأفلام مفبركة وحين

اكتشفت من كان يريد تدميري بها وحصلت على تلك الذاكرة

الخارجية خبأتها كي لا يحقق ما يريد "

نظر لي مطولا ثم قال " ومن يكون هذا "

قلت من فوري " زوج لصديقة قديمة لي "

وضع الأوراق مكانها والتفت لي بجسده وقال " جميل وأين

كان كل هذا لم تقوليه من قبل وتبرئي نفسك "

نظرت لقدماي اللتان ألعب بهما في الهواء وقلت " أردت أن

تعرف بنفسك وأن تشعر بي وأعترف أن العناد أيضا لعب دورا "

قال بجمود " أريد اسمه لأتحقق وإن كنتِ صادقة نال جزائه "

قلت بعد صمت " الكاتب رضا الحارث "

نظر لي مطولا بصدمة ثم قال " هل جننتِ أنتي ! ألا تعلمي أن

هذا أسم زوج شقيقة وزير الداخلية "

قلت من فوري " أعلم وهوا أعني فهي كانت صديقة لي

وفعلها للانتقام مني "

قال بسخرية " العبيها على غيري يا وجد , تعطيني أسم رجل

لن أستطيع التحقق من صدق اتهامك له , لا لن ينجح هذا معي "

سحقا لهذا الداهية يحلل كل شيء ولا يثق بأحد أبدا , علّقت

نظري به وقلت بحزن ودموع ملئت عيناي " لن تصدقني كنت

أعلم ذلك ولهذا لم أتحدث فمن سيصدق الحقيقة لا أنت ولا

غيرك , خذني لمنزل والدتي وسأريك صورتي مع شقيقة

الوزير في امتحاناتنا في الجامعة لتتأكد "

تركني حينها وخرج دون أن يضيف شيئا فقفزت من على الطاولة

مبتسمة بانتصار فستركبه الوساوس وليريني كيف سيتهم ذاك أو

يتحقق من صدق ما قلت له رغم أني متأكدة من أنه لم يصدقني

ولن يفعلها خصوصا وتلك تحتل قلبه وعقله فعليا إزاحتها قليلا

من المشهد ولا شيء سيكون أقوى من أن أشعل غيرتها لتصبح

مزعجة بالنسبة له وأعرف أواس جيدا حين ينزعج من أحد

خرجت بعدها من المكتب وتوجهت لممر غرفتي وما أن وضعت

يدي على مقبض الباب حتى استدرت بسرعة لأجد تلك الخادمة

التي ادعت أنها دخلت إحدى الغرف , جميل يبدوا وضعها لمراقبتي

وهي من أخبرته أني دخلت للضيوف لكن لا بأس فليتأكد من خلالها

أني تغيرت حقا فسأجعل أمرها في صالحي أكثر من صالحه




*~~***~~*



خرجنا من منزل دُرر ووقفنا في الشارع حيث كانت سيارة إياس

تنتظرني وزوج سراب على وصول نمسك في أيدينا صندوقي هدايا

محلات زوجها ونظرت له وقلت " زوجها هذا فرصة لا تعوض

لولا تلك الحرباء التي تزوجها قبلها "

تنهدت وقالت " لا أعلم لما أشعر أن في عينيها الكثير من

الكلام ولا تريد قوله , تبدوا لي حزينة جدا وأكثر منا "

هززت رأسي بأسى وقلت " تعرفينها جيدا لم تتكلم حياتها عما

يؤرقها ويحزنها وليس بيدنا شيء سوا أن نتمنى لها السعادة "

ثم نظرت جهة سيارته التي أطلق منبهها ليستعجلني وعدت

بنظري لها وقلت " وأنتي توقفي عن جنونك فلم أصدق

كلامك ذاك عن الحب "

ابتسمت بألم وحزن ولم تعلق فقلت بضيق " لن تجني من حبك

له شيئا يا غبية سوا أن يزداد في قسوته عليك "

نظرت لطرف الشارع حيث ظهرت سيارة زوجها وقالت

" الحب لا يسأل يا ترجمان "

ثم عادت بنظرها لي وقالت بابتسامة حزينة " واكتشفت

أنه يجعلك تغرقين فيه وأنتي لا تعلمي وتعيشين عالما

خياليا بأنك تكرهين ذاك الشخص ومستغنية عنه حتى

يفجعك بالحقيقة دفعة واحدة "

تأففت لإصرار منبه سيارته ثم قلت مغادرة جهتها

" إذا استعدي للخسائر المتتالية يا حمقاء "

ثم ركبت السيارة ووضعت الصندوق في الخلف وأغلقت

الباب وانطلق قائلا بضيق " لم يكفيكما كل هذا الوقت في

الداخل لتلصقا في الشارع ؟؟ "

قلت ببرود " شقيقتي ومشتاقة لها وممنوعة من رؤيتي والتحدث

معي عبر الهاتف فلن يكفيني ولا أسبوعا كاملا معها أو مع دُرر "

قال ببرود أشد " زوجها وله الحق عليها "

ثم شغل مسجل السيارة بأغنية أجنبية وكأنه يريد أن ينتهي

النقاش عند هنا ولا يسمع ردي فتجاهلته ونظرت جهة النافذة




*~~***~~*



غادرت ترجمان لحظة وقوف سيارة آسر أمامي ففتحت الباب

وركبت وأغلقته وتركت صندوق هديتها في حجري أشغل نظري

ويداي به حتى وصلنا والصمت رفيقنا كرحلة قدومنا هنا , أوقف

السيارة مكانها المعتاد وترجلنا لنكمل الرحلة سيرا على قدمينا حتى

فتح باب المنزل ودخل قبلي قائلا " الليلة بعد العشاء سنذهب

لمنزل عمي صابر "

كان هذا فقط ما قاله موليا ظهره لي ومتابعا سيره حتى اختفى في

الداخل فتنهدت بقلة حيلة وأغلقت الباب ودخلت وتوجهت من فوري

لغرفتي وضعت الصندوق هناك ثم دخلت الحمام وتوضأت استعدادا

لصلاة المغرب وبعدما صليت دخلت المطبخ وأعددت له العشاء واقفة

بشرود عند الموقد أنتظر أن ينضج , أما أنا فلم أحسب نفسي فيه لأني

شبعت من الطعام الذي أكلته هناك , كان كل شيء مميز وطعمه لذيذ

حتى أغلفة العلب والأطباق التي وضع فيها الكعك والحلويات شيء

فوق الخيال لكني شعرت بطعمه مرا , جميع تلك الأصناف رأيتها

سيئة ولم أرغب بها , زوجها يبدوا لديه الكثير من المال من منزله

وهداياه ورغم هذا لا أرى دُرر سعيدة أبدا وحتى ترجمان يُعتبر حال

زوجها ميسورا لكنها تعيسة فلا سُعدتُ أنا الفقيرة المعدومة ولا هما

فآخر ما توقعته أن لا يكون المال سببا للسعادة , قد يكون لأنه ليس

ملكا لهما فلو كانت دُرر تملك كل أمواله وهوا غير موجود لكانت

سعيدة بالفعل , تأففت وهززت رأسي ورفعت المقلاة من على النار

وسكبت ما فيها في صحن وأخرجت السلطة والزيتون ثم جهزت له

الطعام على الطاولة في الخارج وطرقت باب غرفته ففتحه وخرج

منها في صمت مجتازا لي وتوجه نحوها من فوره وتوجهت أنا

بعده لغرفتي ليوقفني صوته وأنا عند الباب قائلا " ألن تأكلي ؟؟ "

التفت له وقلت " أكلت هناك "

فنظر لصحنه وبدأ بالأكل دون تعليق , تأملت أن يقول اجلسي وإن لم

تأكلي كما كان يفعل في السابق لكنه لم يهتم , تنهدت بأسى ودخلت

الغرفة وأغلقتها خلفي وجلست على الأريكة بحزن وبدأت بضرب قلبي

بقبضتي , غبي لماذا أحببته وما فيه يستحق مشاعرك لما أنا أول من

ضعفت بيننا لتحب سجانها فتبقى بذلك سجينة له لآخر عمرها , كلما

تذكرت كيف كنت أعيّره بحاله وفقره وهوا يضحك ويحاول إغاظتي

كرهت نفسي أكثر فكم كنت أطعن رجولته ولا أكترث وهوا يقابل ذلك

بالمزاح والضحك , مسحت الدمعة التي نزلت وأمسكت علبة الهدية

لأشغل نفسي بشيء آخر وأزلت غلافها وكانت علبة راقية جدا فتحتها

ليفاجئني ما كان فيها وبدأت بإخراجهم , بيجامة حريرية بيضاء بها نقوش

سكرية بأكمام طويلة وبنطلون طويل غاية في النعومة والجمال وقميص

نوم من قطعة واحدة وقميص آخر قصير بأكمام قصيرة ولكنه ليس

قميص نوم وجميعها من نفس القماش وبنفس اللون , أخرجت العلبة

الأخرى الموجودة فيه وفتحتها فكان فيها مجموعة استحمام مع عطر

من ماركة مشهورة , لابد وأن ثمن هذه الأشياء يساوي راتب آسر

أعدت الأغراض للعلبة وأغلقتها , للأسف لن تنتفع بها واحدة مثلي

تنام في غرفة وزوجها في غرفة , حسنا على الأقل أنام في شيء

غير فستاني هذا الذي بدأت ألوانه تختفي شيئا فشيئا فإذا ما استثنينا

قميص النوم فالقطعتين الأخيرتين يمكنني النوم بهما كما استخدام

العطر ومجموعة الاستحمام فلأشم رائحة طيبة مني وإن كان

لن يستنشقها أحد غيري




*~~***~~*



نظرت للسقف وتنهدت بضيق وقلت " أعان الله ذاك المسكين

عليك بعدما سيتزوجك "

تأففت ووضعت يداها وسط جسدها وقالت " ترجمان أنتي بالذات

لا أريد أن تكرري جملة أمي هذه , أليس من حقي أن أفكر في

كل هذا في حفل عقد القران , أنا أتزوج مرة واحدة وليس مرتين "

قلت ببرود " ها قد قلتِها بنفسك عقد قران وليس زواج "

قالت بتذمر " ولكنه بالنسبة لي أهم منه فهي المرة

الأولى التي سيراني فيها "

ضحكت وقلت " من يسمعك يضن أنك منقبة أو لا

تخرجين أبدا , فما يدريك إن رآك أو لا "

جلست مقابلة لي على سريرها وفتحت صندوقها مجددا وقالت

" وإن يكن رآني في الجامعة أو الشارع أو السوق فهوا لم

يراني متزينة وبدون حجاب وزوجة له وهذا الأهم في الأمر "

اتكأت أمامها وقلت " على حالك هذا ستقبّلينه أمام الناس

ما أن تريه "

نظرت لي بصدمة فوجهت يداي بحركة دفاعية أمام وجهي

لأستقبل ردة فعلها لكنها فاجأتني بقولها مبتسمة " لا أستبعد

ذلك , ما أروعه يا بشر لأنه زوجي فقط "

نمت على ظهري وبدأت بالضحك بقوة وهستيرية فضربتني

بالوسادة وقالت " أصمتي يا حمقاء سيجتمع الجميع علينا "

جلست ومسحت دموعي التي نزلت من كثرة ما ضحكت

وقلت " لن أفوت لقائك به إذا , أريد أن أرى المشهد وهوا

يهرب منك خجلا وأنتي تلحقينه "

أغلقت الصندوق وقالت " غبية هل تضني الجميع مثلكما

أنتي وزوجك "

نظرت لها ببرود وقلت " سدين ليس لأني أطلعتك على

حياتي مع شقيقك تسخري مني "

قفزت عليا وحضنتني وقالت " لا أعرف كيف سأعيش

بعيدا عنك ؟ لقد اعتدت عليك "

دفعتها بعيدا عني وقلت ضاحكة " من يسمعك يضنك سلسبيل

التي ستذهب مع زوجها وليس سيعقدون قرانك ويتركك

لنا لأجل غير مسمى "

انفتح حينها الباب ودخلت منه عمتي وقالت " سدين خطيبك

أخبر إياس أنه سيتكفل بجميع ما ستشتريه للعقد فانظري

ما ستغيرين وما ستضيفين "

قفزت حينها بحماس وقالت صارخة " رائع سأشتري ذاك

الفستان , كم هوا رائع يا بشر "

نظرتُ لعمتي وهززت رأسي وقلت " ابنتك هذه ميئوس

من حالتها "

مسحت دمعتها وقالت بحزن " يبدوا أنهن سيغادرنني

بالواحدة وسأبقى وحدي "

وقفت وتوجهت نحوها وضممت كتفيها بذراعي وقلت

" وأين ذهبت أنا فلن يتزوجني أحد ويخرجني من هنا "

قفزت حينها سدين خارج السرير وقالت " غدا سأذهب

لشرائه لا اصدق هذا "

قالت عمتي " ولما لم تخبري إياس عنه ؟ ألم يقل سيشتري

لك ما تريدين "

قالت بهدوء " لا أستطيع تكليفه بسعره الخيالي فلا تنسي أن ورائه

زواج سلسبيل وضيوف كثر فكل من يعرفه في الشرطة سيأتي

هذا غير معازيم خالي رفعت , والمزرعة هذا العام لم تنتج جيدا "

تنهدت وقالت " لعل حالها يتحسن بعدما سننتقل لها فإياس

مؤكد قرر ذلك من أجل تطويرها "

نظرت لها وقلت باستغراب " ننتقل لها !! "

نظرت لي وقالت " نعم ألم يخبرك ؟؟ "

تنفست بقوة وغيظ , منذ متى كان يخبرني بشيء فكم يهوى

وضعي في هذه المواقف المحرجة , قلت ببرود

" لم يخبرني يبدوا أنه نسي ذلك "

قالت سدين " وماذا بشأن عمله هل سيقطع كل

هذه المسافة ليأتي "

قالت من فورها " بل سينتقل هناك "

يا عيني وهذا خبر جديد أسمعه الآن فقط , قالت سدين بعبوس

" وما بكم تبعدون المسافة عن زوجي يالكم من حسودين "

ضحكت عمتي حينها وهزت رأسها وقالت " أعانه الله عليك "

تجاهلتها وأمسكت يدي وسحبتني منها قائلة " تعالي لنرى

في الإنترنت إن باعوا الفستان أم لا لأبحث عن مشابه له "



*~~***~~*




بعدما تناول عشائه وصلى في المسجد خرجنا قاصدين منزل

العائلة التي ربته , مؤكد هم من يطلبون منه أخذي لرؤيتهم لما

كان أخرجني ولا فكر بي طبعا فنحن لم نزرهم منذ تلك المرة فما

سيضطره لفعلها اليوم وأنا كنت خارج المنزل نهارا فقد ظننته بعدها

سيسجنني لأسابيع , قضينا عندهم ساعتين في مرح وضحك متواصلين

يجعلك تنسى همومك وتنسى الدنيا وما فيها وكأنهم لا يعيشون بهذا الفقر

والعوز ولا يفكرون حتى إن مات آسر غدا ما سيفعلون بحياتهم وكيف

ستصبح ؟ ارتجف قلبي بل وجسدي أيضا من الفكرة فحتى أنا عليا أن

أفكر كيف سأتصرف وأعيش بعده بل يبدوا أن المسألة عندي تعدت

حدود المال بكثير فلم يعد هدف وجوده في حياتي كمصدر للقمة العيش

والسكن بل شيء لا يمكنني تصور الحياة من دونه , نظرت له وإسراء

جالسة في حضنه تحاول دغدغته كما يفعل معها دائما وهوا يضحك

ويدغدغها أيضا وهم يضحكون عليهما , يبدوا لي نفسية آسر تحسنت

كثيرا اليوم فحتى هم لاحظوا أنه الفترة الماضية شديد الصمت والبرود

أبعدت نظري عنه عندما نظر لي ووجدني أنظر له مبتسمة وشغلت

نفسي بيداي في حجري وقالت والدتهم " داليا جددي القهوة مجددا

ليشرب منها شقيقك "

همت بالوقوف فأوقفها صوته قائلا وهوا يبعد إسراء عن حجره

" لا داعي سنغادر الآن فعليا أن أنام مبكرا "

وقفت لوقوفه ووقفت هي أيضا وقالت " لم نشعر بالوقت معكما

أبدا , افعلاها دائما وتعاليا دون أن نطلب ذلك ككل مرة "

نظرت لها باستغراب من كلماتها فهل جلبني هنا بدون طلب منهم !

ولكن لما ؟ نظرت له فكان يدس هاتفه في جيبه وقال " فرصة

أخرى نأتي لوقت أطول , تصبحون على خير "

ثم خرج وتبعته بعدما ودعتهم , غريب لما جلبني هنا الليلة !!

لابد لكي أرى صورة تناقض ما رأيت في منزل دُرر , أراد أن

يريني العالم من جانبه الآخر كي لا أتحسر على حياتي معه وكأنه

يقول لي هناك من حالهم أعسر منا وسعداء جدا بذلك لكني حقا لم

أتذمر ولا بيني وبين نفسي ولم أقارن , خرجنا نسير في الشارع

الطويل الشبه مظلم لا شيء يُسمع فيه سوا خطواتنا نسير بجانب

بعض ولا صوت سوا الصمت الذي أصبح رفيقنا الدائم , لما لا

نصبح زوجين طبيعيين ؟ لما لا ننسى كل ما كان وحدث ؟ لماذا

يحاسبني على أمور ندمت عليها حقا ؟ ماذا سيحدث إن تبادلنا

الحديث والضحك طوال هذه الطريق , ماذا في الأمر إن أمسكنا

بأيدي بعض كأي زوجين سعيدين ؟ تنهدت بحسرة وحيرة ثم

نظرت له فكان يسير ونظره على خطواته يضع يده الأخرى

في جيبه والتي بجانبي تركها حرة , نزلت بنظري ليده ثم نظرت

لخطواتي أيضا وفي حركة لا أعلم غبية أم جريئة مددت طرف

أصابعي ليده فلامستْ أطرف أصابعه فأمسكتُ بها إصبعيه الخنصر

والبنصر إمساكا ضعيفا بالكاد أمسكهما فحوّل نظره ليدينا سريعا ثم

نظر لوجهي وأنا لازلت أهرب بنظري للأسفل وزدت من قبضتي

عليهما وكل ما أخشاه أن ينفض يدي عن يده بعيدا لكنه رفع رأسه

ينظر للشارع ولم يستل أصابعه من يدي رغم أنه لم يبادلني الأمر

وترك يده مفرودة كما كانت لكنه لم يرفض هذا حتى وصلنا المنزل

الذي أصبح قريبا ولم أتمنى حياتي أن يبتعد أكثر إلا الآن , تركت

أصابعه عندما وصلنا أمام الباب ففتحه ودخل ودخلت أنا خلفه وكنت

سأغلقه ففوجئت به لازال يقف عنده وأغلقه هوا ثم دخل مجتازا

لي وتوجه لغرفته من فوره وتركي واقفة مكاني ثم وقف عند

الباب وهوا يفتحه والتفت لي فجأة وكان سيقول شيئا لكنه

يبدوا غير رأيه فدخل وأغلقه خلفه


*~~***~~*
جلست على السرير مكتفة يداي لصدري أهز قدمي بضيق وأنتظره

ولن أنام قبل أن يأتي , بعد وقت فتح باب الغرفة ودخل ونظر لي

بنظرته الباردة الجديدة ثم توجه للطاولة رمى مفاتيحه عليها ومحفظته

وساعته وأخرج هاتفه ووضعه هناك أيضا ثم دخل الحمام , جديد هذا

الأسلوب هل هذا كله غضب من حديثنا في ملعب السلة ؟؟ حركات

مراهقين سخيفة فلا يتخيل أني سأراضيه بأفعاله هذه , خرج من الحمام

وتوجه لجهته من السرير وجلس فقلت قبل أن ينام " أراك قررتَ

مغادرة المدينة وتغيير مكان عملك وأنا آخر من يعلم وكأني جدار

بل وأظهرتني أمام عائلتك بمظهر مخزي للغاية "

رفع اللحاف ودخل تحته ونام قائلا " لم أرى منك شيئا مماثلا

أُشرفك به "

قلت من بين أسناني " لم أقلل احترامك أمامهم يوما أليس كذلك "

تأفف ولم يتحدث فقلت بضيق " أعلم أني حشرة في نظرك

فاجعل لي اعتبارا أمامهم ولو كاذبا "

رفع نفسه على مرفقه ملتفتا لي ونظره في عيناي وقال بحدة

" هل فكرتِ للحظة إن كنتِ تستحقين مكانة كزوجة هل قارنت

تصرفاتك معي بتصرفات غيرك من الزوجات ؟ هل تطلبين

شيئا لا تعطيه يا ترجمان "

فتحت فمي لأتحدث فصرخ بي " يكفي ولا كلمة أو أقسم أن

تنامي على الأرض الليلة وتسقيها بدموعك "

ثم انقلب على جانبه موليا ظهره لي , هه معتوه يضن أن بإمكانه

أن ينزل دمعة من عيني ويذلني , لا لم تنجبه أمه بعد من يبكيني يا

إياس , نمت أيضا مولية ظهري له وقلت ببرود " تذكر فقط أن

المعاملة ستكون بالمثل "

رمى حينها اللحاف وغادر السرير وخرج من الغرفة ولم يرجع

*~~***~~*

رفعت نظري للباب الذي انفتح ودخل منه دون أن ينظر جهتي

ولا أن يلقي بسلامه وتوجه من فوره للحمام ليستحم وينام طبعا فهوا

يغيب طوال النهار ويأتي منهكا ليلا لينام ويبدوا لازال غاضبا مني

من ليلة أمس حتى أنه لم يأتي وقت العشاء بل رافقتني للطاولة زوجته

تلك بنظراتها المتفحصة والساخرة طوال الوقت وكأنها تستفزني بها

وقفت وتوجهت للخزانة وغيرت ملابسي ثم أخذت المصحف وجلست

على الأريكة لأني لم أنهي قراءة أحزاب اليوم , بعد وقت خرج من

الحمام بمنشفة على خصره فقط وتوجه من فوره للخزانة فأنزلت رأسي

أكثر للمصحف بين يداي رغم أني لم أعد أرى شيئا من حروفه بسبب

توتري فهذه المرة الأولى التي يلبس فيها ملابسه هنا وليس في الحمام

بما أنه لا غرفة ملابس هنا , توجه بعدها للسير وارتمى بثقله عليه

لتخرج منه تنهيدة التعب تلك وكأنه ينتظر من الصباح أن يستلقي وينام

ليلحقها تأففه القوي وكأنه ينقصه تعبير على ضيقه واستيائه , بعد قليل

رفعت نظري له فكان نائما على ظهره ويضع وسادة على وجهه , ظننته

نام حتى حرك يده ليعدلها فقلت بهدوء " إن كنت منزعج من النور

أطفأته ونزلت لأكمل قراءتي في الأسفل "

ولم يجب طبعا بل انقلب موليا ظهره لي والوسادة لازالت على

رأسه فتنهدت بضيق ووقفت وأطفئت الإنارة وتوجهت لجهتي من

السرير وشغلت ضوءه الخافت ونمت بجانبه أمسك كتيب الأذكار

أحاول الرؤية لأستفيد من هذا الوقت فلن أنام من الآن , بعد قليل

نظرت جهته وكان على حاله موليا ظهره لي والوسادة على رأسه

ومن حركته الخفيفة يبدوا لم ينم بعد , أبعدت نظري عنه مجددا

وسرحت في أحرف كلمات الكتيب في يدي , أعلم أني أخطئ وأني

سأبات ملعونة لأنه نائم وهوا غاضب مني وهذا أكثر ما يؤرقني

لكني لم أخطئ بهذا الحجم , لم أغلق باب الملحق على نفسي لأثير

مشاكل معه كما قال ولم أفكر في عصيانه بالخروج ليلا وهوا سبق

ونبهني ومهما حاولت الشرح وتبرئة نفسي فلن يصدقني وسأفشل

كما حدث البارحة , أغلقت الكتيب وأعدته للدرج ثم نمت وانقلبت

جهته وهوا على حالته تلك فقلت بهدوء " أواس لما كل هذا

الغضب مني ؟ أقسم لم أتعمد فعل ذلك "

والنتيجة لم يجب أيضا , يا إلهي كيف أتصرف مع هذا الرجل ؟ لم

أرى حياتي شخصا سريع الغضب مثله وصعب الإرضاء هكذا , لا

أريد أن أنام غاضبا مني يكفيني ليلة البارحة نمت تلعنني الملائكة

ومؤكد ستلحق بهذه الليلة غيرها , تنفست بقوة وأغمضت عيناي أردد

عبارات التشجيع وأحث نفسي على ما أفكر في فعله فعليا إرغامها وإن

بالإكراه , ثم فتحتهما ببطء واقتربت منه قليلا حتى أصبحت ملتصقة

بظهره متجاهلة نبضات قلبي المجنونة وتوتري وخجلي ثم أرحت يدي

على خصره بخفة ودفنت وجهي بين ضلوعه وقلت بشبه همس

" آسفة ولن أخرج ليلا ولن أذهب هناك مجددا أقسم لك "

خرج حينها من صمته وقال وصوته يخرج من تحت الوسادة

" من أجلي هذا أم من أجل أن لا يغضب الله منك "

تصلبت جميع مفاصلي وأطرافي من تفكيره هذا ومن تصريحه

به ثم قلت " لا تنسى أنك نمت البارحة غاضبا أيضا "

ثم زحفت مبتعدة عنه فقال حينها من فوره " لا تبتعدي "

بقيت أنظر له بصدمة فأبعد الوسادة عن وجهه وقال بحزم

" دُره عودي "

فعدت من فوري ملتصقة بجسده وخبئت وجهي في ضلوعه

مجددا وقلت " حسنا لا تغضب أكثر "

فأمسك حينها يدي من على خصره ساحبا لها أمام صدره ثم رفعها

أكثر وقبلها وأعادها على صدره مجددا ولازالت يده تحتضنها وقال

بصوت مرتخي وكأنه يستسلم للنوم " أعلم أن كل هذا لكي لا

تنامي ملعونة فابقي هنا وهكذا "

فما كان مني إلا الاستسلام والمهم الآن أنه رضي عني ولن ينام

الليلة أيضا غاضبا مني , دفنت وجهي في ظهره أكثر عندما ارتخت

يده لتسقط يدي منها دليل أنه نام , لو أفهمك يا أواس لو ترحمني فقط

وترحم نفسك فقد أصبحت أعجز حتى عن فهمي أنا , عن فهم نفسي

وقلبي وأنا أرى حياتنا كلغز كبير يصعب عليا حله وتفسيره ولم أعد

أستطيع ترجمة تصرفاتك معي ولا مشاعرك نحوي بسبب ذاك

العائق وهوا رفضك للأبناء فما معنى ذلك غير أنك تبني حياة مؤقتة

معي تعلم أنها ستنتهي بفراقنا ولا تريد أن تربطني بك بأي شيء .

وعلى تلك الأفكار والهواجس استسلمت للنوم أيضا



*~~***~~*



دخلت الحمام استحممت باستخدام مجموعة الاستحمام تلك لتحول

الحمام بأكمله لشيء برائحة عطرية غاية في الروعة وبعدما

جففت جسدي وشعري جيدا لبست البيجامة الحريرية ورششت

من العطر أيضا ولولا هذا الحمام لكنت أشعر أني في فندق فخم

وراقي , ليثه يوجد هنا مرآة لأرى نفسي فيها بهذه الثياب التي لم

أكسبها يوما رغم أنها مجرد بيجامة لن يراها أحد غيري , جمعت

شعري الرطب جانبا وخرجت ولازالت بضع قطرات صغيرة

تنزل منه , نظرت لباب غرفته المفتوح ثم نظرت للمطبخ فلم يكن

فيه فلما فتحها يا ترى وهوا لازال بالداخل !! ترى ما كان يريد قوله

عند دخولنا هل كان يريد جرحي بكلامه على تصرفي ككل مرة أم

كان سيقول شيئا آخر , إن كان كلاما جارحا فقد تراجع عنه ولأول

مرة وإن كان كلاما غير ذلك فهوا حاول على الأقل وكلا الأمرين في

صالحي , ابتسمت بسعادة ثم ماتت تلك الابتسامة حزنا على حالي وأنا

أنتظر منه درة رضا فقط , لما لا يحبني أيضا لكان غفر لي بسهولة

تحركت ووقفت بحيث كانت الغرفة من الداخل مقابلة لي فكان نائما

على السرير وظهره للباب , غريب لما تركه مفتوحا على غير العادة

هل يشعر بالحر في هذا الجو الخريفي البارد قليلا أو لا يكون مصابا

بالحمى ويشعر بالحرارة لذلك فتحه ؟؟!! لعبتِ الهواجس بي لتأخذني

قدماي له فورا حتى اقتربت من الباب أراقبه بحذر فكان جامدا تماما

ولا يتحرك , كنت سأغادر لغرفتي لكن قلبي لم يطاوعني فماذا إن كان

مريضا وحدث له شيء سأبقى ألوم نفسي لآخر عمري , دخلت الغرفة

بخطوات خافتة وعلى رءوس أصابعي بعدما نزعت حدائي المنزلي حتى

وصلت عنده ولففت السرير ونظرت له فكان مغمضا عينيه وتنفسه يبدوا

طبيعيا لكن وجنتيه محمرتان , مددت يدي ببطء حتى لامست أطراف

أصابعي جبينه ففتح عينيه من فوره ونظر لي باستغراب عاقدا حاجبيه

فعدت خطوة للوراء وقلت بتلعثم " لــ لقد ..حرارتك تبدوا مرتفعة

آسر هل أنت مريض "

قال بصوت فيه بحة واضحة " لا لست مريضا "

رفعت شعري الرطب خلف أذناي ولم أعرف ما أقول ولا أبرر

وقد زاد توتري وهوا ينظر لي من أعلى لأسفل نظرة تفحصيه فما

كان أمامي من خيار سوا أن أهرب من هناك بما أنه لم يتحدث ولم

يصرخ بي فتحركت مسرعة وما كدت أصل للباب حتى حوطت

ذراعه خصري وسحبتني بقوة فلم أشعر سوا بأني ارتطمت بشيء

صلب خلفي جعلني أشهق بقوة وفزع , طوق خصري بذراعيه

فقلت برجفة " لا آسر ليس الآن "

لكنه يبدوا لا يسمعني أو لم يهتم لما أقول فقد استمر في شد ظهري

لصدره وهوا يحرك شعري بوجهه حتى شعرت بشفتيه على عنقي

فزاد جنون دقات قلبي وأمسكت بيديه بقوة وقلت " آسر حرارتك

مرتفعة جدا عليك أن تذهب للمستشفى "

زاد من شد ذراعيه حولي وقال بهمس " لا يحتاج الأمر

ذلك ستنخفض الآن حين يزول سبب ارتفاعها "

لم افهم ما يعني وما يقول فيبدوا أنه يهذي بسبب الحمى ؟ حاولت

الخلاص منه لكن محاولاتي كانت عبثا , لا ليس هكذا ولا الآن فما

تزال الفجوة بيننا كبيرة أريده برضا نفسٍ منه .. باقتناع بتقبل تام لي

لفني جهته ولم يأبه لا لخوفي ولا ارتباكي ولا ارتجاف جسدي وشفتاي

أمسك وجهي بيديه وتقدم يدفعني لأسير للخلف وهوا يوزع قبلاته على

وجهي حتى ارتطمت بحافة السرير ووقعت معه فوقه ويبدوا هذا كان

غرضه , قبّلني بعمق فلم استطع المقاومة لقد سقطت جميع حصوني

ومنذ بدأ بتقبيل وجهي وكاذبة إن قلت قاومته ورفضت ذلك بل مررت

كفاي على كتفيه حتى حوطت بهما عنقه وبادلته الأمر بجرأة لم أستطع

تفسيرها سوا بأنها انتصار الحب وتدفق المشاعر وانتصارها على أي

شيء آخر وحتى الحواجز بيننا والتحفظات انهارت لحظتها , وفي غمرة

تلك اللحظات وما يقودها من تهور واندفاع ابتعد عني فجأة واقفا على

طوله فوقي ثم مسح شفتيه بإبهامه بقوة وقال من بين أسنانه

" سحقا "

فجلست وتراجعت للخلف أنظر له بخوف من ملامحه الغاضبة

فصرخ قائلا " ماذا جاء بك هنا وبهذه الثياب وهذا العطر

هل هذا من ضمن خططك العديدة "

نظرت له بصدمة ولم أعرف ما أقول فصرخ مجددا

" تكلمي يا كيس القمامة "

لتنزل دموعي من فورها فركضت مغادرة السرير ودافعة له

من أمامي بقوة وخرجت من الغرفة ركضا حتى دخلت غرفتي

وأغلقت بابها خلفي وارتميت على الأرض أغلق فمي بيدي

وأكمل بكائي ونحيبي





*~~***~~*




استيقظت مفزوعة وقفزت جالسة على صوت رنين هاتفي فأمسكته

بأصابع مرتجفة وقد انفتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة وأنا

أرى اسم والدة مصطفى يضيء الشاشة وانتهى الاتصال عندها ليقع

نظري على الساعة فيه وسرعان ما عادت للاتصال مجددا , ماذا

تريد مني وفي هذا الوقت وهي لم تتصل بي منذ تركتُ منزلهم !!

غادرت السرير وخرجت به ركضا حتى وصلت غرفة والدتي

وطرقت الباب بتكرار حتى فتحته وخرجت لي من نومها

وقالت بقلق " رغد ما بك ماذا حدث ؟ ما بهم إخوتك ؟ "

أمسكت يدها وقلت " لا شيء يا أمي جميعهم بخير لا

يرتفع ضغطك علينا في هذا الوقت المتأخر "

مسحت وجهها تستغفر الله ثم قالت " ماذا بك إذا ؟؟ "

عاد الهاتف للرنين مجددا فمددته لها بيد مرتجفة وقلت

" هذه عمتي تتصل لا أعلم ما تريد مني وفي هذا

الوقت تحديدا "

قالت بهدوء " عساه خيرا أجيبي عليها فلن تتصل في

هذا الوقت بلا سبب "

ضربت خدي وقلت بدمعة تدحرجت عليه " أخاف أن تكون

علمت بكلام خالد مع إياس عن خطبته لي , ستفضح أمري

بين خلق الله جميعهم "

دفعت يدي والهاتف فيها وقالت " أجيبي عليها واتركي التكهنات

جانبا أو أغلقيه وانسي أمرها وعودي لغرفتك ونامي "

مسحت عيناي وأنفي ثم نظرت لشاشته وفتحت الخط ويدي لازالت

ترتجف بقوة ووضعته على أذني ليخرج لي فورا صوتها الصارخ

ببكاء " تنامين يا حبيبة أهلك ونحن نبكي وننحب "

انفتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة وتيبس لساني ونظري

على وجه والدتي التي تنظر لي بفضول وحيرة وقلق وتابعت تلك

بذات بكائها وصراخها " هل ارتحتم منه الآن بعدما أحرقتم قلبه

على ابنته ولم تتركوه يراها ولا في آخر أيامه "

أمسكت فمي بيدي أكتم شهقتي وانسابت دموعي بغزارة على

صوتها قائلة بنحيب " مات مصطفى مات لعلك ترتاحين الآن "

ليقع مني الهاتف أرضا وعيناي لازالتا معلقتان بوالدتي التي كانت

تقول كلاما لا أفهمه ولا أسمعه فلست أرى سوا حركة شفتيها

وهي تهزني من كتفاي ولم يكن في أذني سوا صوتها الباكي

( ماآت ... ماآت ... مات مصطفى )

المخرج للمبدعة أغاني الوفاء لأجلك

قضمت أظافرها من شدة التوتر...
فهاهي حصونها تنهد واحداً تلو الآخر...
لطالما كانت متمكنة من مشاعرها، محكمة بإغلاقها...
فكيف تجرأ ذاك الدخيل على التسلل الى مملكتها ...
حتى أصبح يأخذ حيزاً كبيراً من تفكيرها،،مشاعرها،، أمانيها...
لا،لالالم تقع في بحر غرامه ولن تقع فقد عاهدت نفسها ، الا تسلم قلبها لتلك البيضة المسلوقة،، تلك الكتلة من الغرور ...
ستقاوم وستزيد من حالة التمرد ...
نعم هذا الحل ،فخير الدفاع الهجوم...

نظرت الى اظافرها ، لقد قضمتهن جميعاً في حالة الاشعور،، فوقفت وغادرت الغرفةوهي تتنهد من قلب...

<ترجمانتي كون بخير>
♥ أغاني الوفاء لأجلك♥

نهاية الفصل ....

Continue Reading

You'll Also Like

319K 6.4K 32
هى ملاك على هيئه انسان تعمل نادله فى مطعم التقت به احبته فتزوجها وعاشت معه فى غموضه واسرارة ترى ماسيحدت معها ترقبوا لتعرفوا مصيرها معه
8.4K 412 11
بعد مرور سنوات على إعتكاف قلبها الحب بعد تجربتها المريرة معه ، يقتحم زبون مكان عملها يطلبها هي بدل عن القهوة اللذيذة ، مصرحا أنه يرغب بها كزوجة دون...
745K 51K 22
قتلوا الفتى البريء ودفنوا جثته حيًا في أرض البلدة، حرموه من الدفء بين أذرعتهم وألقوه في النيران والحُجة كانت وصول الدفء لجسده، الآن عاد الفتى ينتقم و...
1M 36.3K 43
روايتي الرابعة " مستمرة " كُتبت بواسطة : الجُّود بِنت آل مطّلق 🤎