ظلال

By Illusion_Mercy_2000

4.5K 215 549

على اختلاف الجنسيات و الطباع و العادات جمعتها الظلال صدفة في حفلة لا تمت لما هم عليه أو ما يشعران به بصلة.. ب... More

ظلال جمعها القدر..
أعداء أم أصدقاء؟!
آلام؛ شكوك؛ و مغفرة..
أربعة أحبال للقدر..
فلك؛ تروس ؛ و زمن..
أسرى إلى الأبد..
في انتظار العواقب..
أميرة القلوب المحترقة..
ناجون؛ضحايا؛و مقاتلون..
سبأ؛ الغد الجديد..
كل شيء و النقيض..
أجساد فانية..
ليلة من الجنون..
كفارة..
كتاب الحب..
عرش من رمال..
الليلة الأخيرة..
ما قبل الفراق..
سماء ملطخة بالدم..
قربان..
حتمي كالقيامة..
هيام و عتاب..
أنصاف حقائق..
هدنة و سلام..
أحاديث عابرة..
تنبؤات مبهمة..
نافذة على الروح..
عدو حميم..
زهرة عاصية..
حروب زائفة..
وصب دامي..
طرق متشابكة..
الحب و المخاوف..
سيدة العشائر..
بدايات مستحدثة..
أبناء المنفى..
رائد الهدنة..
ليل سرمدي..
رصاصة الرحمة..
حب طاغية..
ضحية الضحية..
نسيان مدبر..
عاصفة غير متوقعة..
فتيل الذاكرة..
حداد معلق..

سقوط الأقنعة..

160 4 21
By Illusion_Mercy_2000

-" سارة؟! ماذا تفعلين بحق الله هنا؟! من أعطاكِ الحق في التدخل ؟! و ما هذه الترهات التي تقولينها ؟!

ثار فادي إلا أن كل ذلك الهراء قد انتهى مع صراخ وسام ألما..
التفت سديم إليه..لقد كان يعتصر جرحه بقبضته حتى أدماه..

-" سيادة النقيب علينا أخذه إلى المشفى.."

أقرت سديم بينما لا تعرف أتقرب منه أم تهرب إلى أقاصي الأرض بعيدا عنه..لقد أقسمت على نفسها ألا تلمس جراحه أبدًا و الآن وضعها القدر وجها لوجه مع قسمها..

-" لن يضع الطبيب يده علي..و لن تضخ المسكنات في جسدي و لن أربط في السرير..أنا.."

قطع جملته موجة جديدة من الألم..تكالبت عليه الآلام و المشاعر لتقطع أنفاسه..فسحبت سديم كرسيا و جلست أمامه..
أخرجت هاتفها و سماعاتها تماما كيوم التقيا..
فتحت ذات الموسيقى و لكن وضعت أحد أطراف السماعة و تركت الأخرى..
هدأ وسام بعض الشيء..أخذ ينظر لها بعمق دون أن يكون قادرا على تخفيف قبضته عن جرحه..

-" انظر..لا بأس..لن يفعل أحدنا شيئا لا تريده..سيادة النقيب هنا..هو لا يدع أحدًا يؤذيك..أنت تثق به أليس كذلك؟!
أما أنا سألقي نظرة فقط على هذا الجرح و بعدها نتجه للمشفى سويا..فهنا لست أمتلك المعدات على أي حال.."

حاولت اقناعه بهدوء..يدها امتدت لتمسك بقبضته المحكمة على جرحه..
إلا أنه جفل من ملمس الصوف الذي صنع منه قفازاتها..

-" هل يضايقك؟! أعتذر..كان علي أن أنزعه أولا.."

نزعت القفاز و استقر كفها على أصابعه..فارتاح و خرج منه صوت كآنين طفل صغير يريد أن يلقي أحماله كلها على أمه..
فادي يحدج سارة بنظرات قاتلة..فتصمت سارة و تجيبه بنظرات متحدية..

-" توجد عيادة طبية في الفندق..هل نذهب إليها مؤقتا؟! "

اقترح فادي حلا وسطا لعله يساعد في كسر عناد صديقه طوبة طوبة و خطوة بخطوة..

-" لقد تلوث الجرح..يبدو أن الأستاذ وسام أهمل تغيير الضماد و تناول الأدوية..علينا أخذه لغرفة العمليات هذه المرة.."

قالت سديم و هي تشعر بأن أنفاسها أصابتها العدوى من أنفاسه فأصبحا يتشاركان ثقل هذا الألم سويا دون اتفاق مسبق..

-" لن أذهب.."

نظر بقوة في أعينهم..بينما هم بإغلاق أزرار قميصه تاركا جرحه النزيف و الميكروبات دون حائل أو منقذ..

-" أخبرتني دارين أنك تملك مشفى كبيرا هنا..لطالما أرادت هي أن تعمل به..أنا سأذهب معك..سأدخل معك غرفة العمليات إذا أردت و سيكون كل شيء تحت سيطرتك هناك فلا يوجد أحد يرغب في إغضاب صاحب المشفى أليس كذلك؟! "

بادلت سديم فادي نظرات قلقة و متوسلة على حد سواء..
إلا أن فادي كان جزءا منه قليل الحيلة أمام عناد صديقه و معاناته و الجزء الآخر  واقع تحت تأثيرها إلى حد خطير..

-" أستاذ وسام..انظر انك بالفعل تحترق..قد يسوء الأمر أكثر لذلك علينا بالوصول إلى الإمكانيات و الاستعداد قدر الإمكان لأي حالة طارئة.."

أخذ وسام نفسا عميقا في داخله و راقب نظرات صديقه و سديم المتوسلة على حد سواء..

-" ماذا بعد أن أذهب؟! تتركينني وحيدا مع عذاب الضمير..لقد احتملت أشياء كثيرة في حياتي..لكن هذا الألم لا أستطيع احتماله.."

خلعت سديم عنها وشاحها و وضعته على جرحه النازف و لم يعترض وسام اطلاقا..بل أغلق عينيه لثوانٍ معدودة مستمتعا بما حمله ذلك الوشاح من عبقها و دفئها..

-" لا يفر المرء من قدره يا أستاذ وسام..لقد كان في قدرنا أن نلتقي..لو أنني لم أكن في لبنان و كان قدري أن أنزع من داخلك هذه الرصاصة لسقطت علي من السماء و أنا في مكاني..
أنا و أنت تربطنا أحبال القدر فكيف لي أن أذهب إذا؟!
أستصدقني إن قلت لك أن ألم هذا الجرح و ندبته سيذهبون عنك و لكنهم لن يذهبوا عني أبدًا..
فالألم ألمي..الجرح جرحي و لكنها ليست دمائي.."

بدأت سديم في الانتحاب في هذه اللحظة..يشعر فادي بسكاكين تضرب في صدره و حبل يلف حول عنقه مانعا روحه من الاستقرار في جسده..مهددا بخنقه في أي لحظة..
و تاه وسام في كلماتها و دموعها هو الآخر و لكنه قبض على يديها التي تستقر بالشال على جرحه قبل أن يومأ لها برأسه ايجابيا أنه مستعد للذهاب..

###

انطلق الجميع إلى سيارة فادي..فادي في مكان القيادة و سارة بجانبه..
وسام و سديم في الكنبة الخلفية..
تجلس سديم بيد معلقة تحاول منع النزيف قدر الإمكان..

يراقبهم فادي بأعين يتطاير منها الشرر تارة..و تارة أخرى تغرق في الخوف و الدموع..و سارة تراقب الأجواء في صمت بينما ترسم خطة داخلها لإنهاء هذه المهزلة..

وصلوا للمشفى أخيرا..كان وسام فاقدا للوعي حين أدخلوه و طلبوا منهم الانتظار في الخارج فانصاع الجميع بما فيهم سديم..

-" هاه..يا للأسف..ما كنت أظنك أنت و وسام تلهثون خلف النساء الباكيات مرتديات أقنعة الضعف و البراءة.."

استفزت سارة فادي فلم يشعر بنفسه و إلا و قد أطبق أصابعه الحديدة على رقبتها يدهسها بلا رحمة..و تبتسم هي لتستفزه أكثر رغم تحول وجهها للأزرق..

-" سيادة النقيب.."

نادت سديم و لكنها وقفت على مسافة..لا تعلم إذا كان اقترابها سيحل المعضلة أم سيزيد الأمر سوءًا..

-" كلمة أخرى عنها و سأقتلك..لتكن هي شاهدتي..إن اقتربتي منها أكون عدوك..أكون قاتلك..هل تفهمين.."

نزع قبضته عنها أخيرا..فسعلت لبعض من الوقت بينما تضع يدها على رقبتها حيث تأذت منه..و اقتربت لتهمس في أذنه..

-" لست أنا من ينشغل بقتل الحشرات..أنت لي شئت أم أبيت..لأنني سأحرص على أن نموت سويا يا حبيبي..أنا لا أتركك على هذه الأرض و لا في السماء..لا أتركك حتى في الجحيم.."

طبعت قبلة على وجنته و لم تنتظر منه أي استجابة بل حملت نفسها و خرجت دون أي آثار لحزن، لخوف أو هزيمة..

حاول فادي السيطرة على أعصابه..ينظر ل ( سديم ) كمذنب يرجو الغفران..
عضلة قلبه ترتعش غصبا عنه..يخشى ما ستفكر به عنه..
اقترب ليغلق الفراغ بينهما..

-" أعتذر..أنا عادة لا أضع اصبعا على النساء..و لا أخرج عن شعوري بهذه الطريقة أبدًا..و لكن.."

حاول التفسير و لكنه أصبح عالقا لتكمل هي جملته..

-" لم يكن ذلك صراع رجل و امرأة يا سيادة النقيب..لا تقلق.."

صدمته ردة فعلها على الموقف أكثر من الموقف نفسه..هم بالاستفسار و لكن خرج الطبيب مارت من غرفة الطوارئ و سحب كل الانتباه..

-" إنه يرفض أي نوع من أنواع التدخل الطبي..حتى المحاليل يرفضها..
يرفض الدخول إلى غرفة العمليات و مصر أن تفتحي أنتِ جرحه و تنظيفه داخل غرفة الطوارئ..أنا لم أرَ هراء كهذا طوال فترة عملي..
أظن أن علي أن أستقيل.."

هم مارك بالذهاب و لكن أوقفته سديم حتى قبل فادي..

-" فقط أخبرني ما علي أن أفعل و أنا أقوم به..كيف علي أن أعيد فتح الجرح و أي شكل من أشكال الخياطة علي أن أعيد غلقه به و ماذا أتوقع أن أرى فإن رأيت غيره لا أرضخ لرغبته و أحضرك؟؟ "

فادي أدرك أخيرا أن مرافقته لتلك الفتاة يشبه ركوب قطار الموت في الملاهي..كل دقيقة معها تتركه مفتوح الفاه..مصدوما و مختلط المشاعر..
تصدمه بضعفها و قوتها في آن واحد..
كيف لها أن تنقلب من القلق إلى الإصرار و العزيمة..
و كيف لها أن تداوي جلادها مرتين؟!

-" أتعرفين ما تطلبينه و ما يقع على عاتقك من مسؤولية.."

كاد مارك أن يجن هو الآخر من ردة فعلها..كان يرى وسام مجنونا و الآن هو محاط باثنين من المجانين..

-" هل لديك حل آخر؟! إن لم يساعدنِ أحد هنا ماذا علي أن أفعل؟! أن أحاول إيجاد فيديو على اليوتيوب ؟! "

ضحك الرجلان على ما قالته..و مر شبح ابتسامة قلقة على شفتيها..

-" أتضحكون بحق الله؟! إنني مستعدة لفعلها..الرجل يعاني في الداخل و انظروا لما نتجادل به هنا.."

لا يزال شبح الابتسامة و الصدمة على ملامح الجميع..إلا أن القلق عاد ليسود الأجواء مجددا..

-" أي مسئولية قانونية أو شيء من هذا القبيل أنا أتولاها..أنت ستخبر الطبيبة بما عليها أن تفعله.."
أمر فادي، تحفزت سديم و استجاب الطبيب..
###

-" ظننت أنكِ أخيرا استجمعتِ شجاعتك لتركي أعاني ما أستحق من عقاب.."

نظر لها بضعف شديد..ذلك الضعف الذي ادخره تلك الليلة لعدم ثقته بها..إلا أنه مدرك في هذه اللحظة أنه سلم الروح و الجسد لها منذ زمن بعيد..
أنه ارتبطت بها دون أن يدري حتى و لكنه يعلم الآن أنها من كان ينتظرها منذ ولد..
أنها الوحيدة التي لا تؤذيه..

-" انظر..بعد قليل سأفتح ذلك الجرح و ستعود للنزيف مجددا..و لكن علي أن أخبرك شيئا قبل أي شيء..
أنا أحترم رغبتك و لي الشرف أن أكون من أداويك..
إلا أنني لست هنا لأعيد أحداث تلك الليلة..لست هنا لأقوم بما قمت به بشكل يحرق روحك كما كنت تظن أو كما الآن تنتظر..
أنا أخبرتك..غدا ينتهي الألم و لا أزال مصدقة لما قلته..
لا أزال أنوي الاجتهاد لأصل إليه..
إن كنت تنتظر مني عقابا فلا تفعل..أينما كنت على هذه الأرض و كيفما كانت الظروف التي تجمعنا أنا لا أؤذي عمدا..لا أؤذي رجلا سلمني جراحه و اعتذر مني..
أنت في مأمن مني حتى لو آذيتني..حتى لو قتلتني..
لأنه لا بأس..أنا أستطيع أن أحمل هذه الجراح نيابة عن كلينا..
ليكن النسيان نصيبك و التذكر نصيبي..
لتكن الدماء دماءك و الندوب ندوبي..
لتكن القسوة مذهبك إن أردت و ليكن العفو مذهبي دائما..
عاجلا أم آجلا سأذهب..و لكن حتى ذهابي لن يكون عقابا لك..
هل فهمتني.."

كانت تلك المرة الأولى التي تنظر فيها سديم في عيني شخص يحدثها مباشرة..
كانت دائما ما تخشى اتصال الأعين..فالأرواح تسكن هناك و اتصال الأرواح أعمق و أصعب في الفصل من اتصال الجسد..

لم يستطيع قول أي شيء..أغمض عينيه و فرت من عينه دمعة عاصية أما هي ففتحت هاتفها مجددا على تلك الموسيقى..
و شرعت في العمل..الفنية الطبية..المحلول..المضاد الحيوي..المسكن..و المسكن الموضعي..
و من ثم اتخذت مجلسها على الكرسي بجانب سريره بعد أن ارتدت القفازات الطبية..
كان مستسلما جدا لدرجة أنها لم تعرف أسقط نائما أو فاقدا للوعي أم أنه لا يزال يشعر بها و لكنه يتحمل الألم..
كانت تحاول أن تكون رقيق قدر الإمكان..و تعمل بتركيز شديد لانهاء الأمر سريعا قدر المستطاع..

قد انتهت و لا يزال يبدو هو مسالما كما كان..أطفأت الموسيقى و خفضت الأنوار في الغرفة ثم انسحبت من جانبه إلى جانب النقيب في الخارج..

-" كيف حاله؟! "

انتفض فادي فور رؤيتها..ليس قلقا عليه فقط بل لأنها كانت تبدو أسوأ من وسام حالا..

-"بخير..أو أنا أتمنى هذا على الأقل..روحه مضطربة بشدة أكثر من جسده بمرحلة و  لست أعرف حقا ماذا علي أن أفعل.."

استدنت على حافة الكرسي ثم جلست مستنزفة القوى..

-" ربما عليكِ البقاء إذا..وسام..لا أعرف حقا ماذا أقول و لكن ما حدث له لم يكن هينا..لقد أرادت لارا قتله و قتل نفسها تلك الليلة..
وسام قد طلب الطلاق حديثا..و لارا لا تقبل بالرفض حقا..
إنها تعشقه كالمجانين..أو بالأصح مهووسة به..لا أعرف أي التعبيرين أصح.. "

توقف فادي عند هذه الجملة لتصمت سديم تماما..
و تحاول إحاطة جسدها بيديها أكثر..
كانت تشعر بالبرد الشديد منذ الحادثة..برد لا يزول رغم أنهم في الصيف..

-" يمكنك الدخول بجانبه..أنا سأحضر بعض الطعام و الشراب من الكافيتريا و آتي..هذا إن كنتِ لا تمانعين بقائي طبعا.."

حاول فادي أن يفصلها عما كان يدور في خلدها أيًا كان..
و أومأ هي برأسها ايجابيا مع ابتسامة خفيفة كادت أن تشق قلبه إلى نصفين..

عاد ليجدها واقفة..متأهبة و كأن شيئا ما حدث أو يوشك على الحدوث..
وضع صينية الطعام على الطاولة الزجاجية أمام الكراسي الموضوعة على يسار سريره..

-" هل كل شيء بخير؟!"

سأل و قد توجه ليقف إلى جانبها..الاقتراب منها..الوجود في محيطها..فرصة أن يدعمها..كل تلك أشياء تعني له الكثير..

-" نعم..أنا فقط أحب زيادة الإطمئنان لا أكثر.."

مجددا تهديه نصف ابتسامة و تعاود لتجلس على أحد الكراسي و يتبعها هو..

-" نسيت أن أسأل أتحبين الشاي أم القهوة لذلك أحضرت الإثنين على أي حال..و أيضا بضعة سندوتشات..أعلم أنها لا تسد الرمق و لكن في الصباح يمكننا التوجه و الحصول على فطور جيد.."

أهداها ابتسامة صغيرة متوترة هذه المرة و هو يعرض عليها الطعام..يخشى أن ترده كالمرة السابقة..

-" لا داعي..هذا يكفي..أنا لست مولعة بالطعام علي أي حال.."

ضيق فادي ما بين حاجبيه و ترك كوب قهوته ليسأل..

-" لماذا أتقومين بحمية غذائية أو شيء من هذا القبيل؟!"

ظن هو أن الإجابة ستكون نعم..أنه سيلقي مزحة أو طرفة تعليقا على هذا الأمر..

-" أنا مريضة.."

أقرت سديم دون أن تنظر إليه بل تابعت مراقبتها لقيم وسام الحيوية التي أظهرتها الأجهزة..

أصبح فادي كمن ألقى عليه أحدهم دلوا من ماء مثلج..
و وسام الذي كان يستمع لكل شيء انقبضت يده على الملاءات تحته إلا أنه حاول التماسك قدر الإمكان كي لا يظهر كونه مستيقظا..

-" معذرة..لم أعرف ذلك..إذا يمكننا أن نحضر ما يناسبك من الطعام..أو دواءك أو شيء من هذا القبيل.."

ظهر التوتر على النقيب و نظرت إليه سديم في محاولة للتخفيف عنه..

-" سيادة النقيب..سأخبرك ملخصا للأمر منذ عامين و نصف حدث خطب جلل في حياتي..كان علي أن أتأقلم مع ذلك الأمر..و لكن مرضت معدتي كجزء من الاعتراض الصامت على ما حدث..
منذ ذلك اليوم و أنا غالبا أحتاج من ١٦ إلى ١٨ ساعة لهضم وجبة طعام واحدة..و يصاحب هذا بعض الآلام المبرحة..
لقد أخذت كل أنواع الأدوية..و لكن لا أعرف نهاية لهذا الأمر..
لم يكتب الله لي الشفاء بعد..
لذلك فإن وجبة الطعام هذه تكفيني..
أشكرك..لقد أتعبتك.."

حل صمت ثقيل..لم يستطيع هو أن يتقبل حقيقة ما قالته..
و يستغرب نفسه..كيف لفتاة غريبة أن تملك عليه كيانه..
أن تستوطن قلبه و أن تتركه بغصة أبدية لا يعرف فرارا منها..

-" كنتِ تقولين شيئا عن جدالي مع سارة.."

استجمع شجاعته ليسألها أخيرا..

-"لقد كان شيئا عفويا..أعتذر إن أزعجتك.."

لا تزال تتجنب النظر إليه مباشرة..تنظر تجاهه و لكنها لا تنظر إلى عينيه..

-" لا أبدًا..فقط أريد أن أفهم..كيف أبدو من الخارج بالنسبة لكِ.."

سأل بتوتر و على استحياء بينما وضع كوب القهوة و التفت لها بكامل جسده و انتباهه..

-" لا أعتقد أن ذلك عن كونك كيف تبدو من الخارج..بل على العكس من الداخل..كل ما أقوله الآن هو مجرد شعور..يحتمل الصواب و يحتمل الخطأ و أتمنى أن تتجاوز عن ما سأجانب الصواب فيه..
العلاقات في الحياة تنقسم إلى عدة أنواع..
الحب - بالنسبة لي- ينقسم إلى نوعين..
الحب الذي يسير فيه الأشخاص جنبا إلى جنب و النوع الآخر هو الذي يكون المرء فيه مع من يحب كالتوأم الملتصق..
رأسان و لكن تتداخل الوصلات العصبية و يشتركان في ذات الجسد..
في علاقتك أنت و سيادة النقيب سارة..أنتما تسيران إلى جانب بعضكما البعض..متوازيان إلا أن لكل منكما أرضه الخاصة و ملكيته الخاصة..
كالذئاب تماما..لا يتخطى أحدكما حدود الآخر..
سيادة النقيب لا تجد مشكلة في هذا..لأنها قادرة على الحصول على كل ما تتمنى..
الحرية..الحب..الكيان..العمل..
تعرف أنك لست تتحكم بها ليس لأنك لا استطيع لا لأنك لا ترغب..
تعرف جيدا أنك لا تخالف ضميرك لأجلها..لن تقتل لأجلها و هي لا تمانع ذلك..و لكن هي تقتل لأجلك..
لأن علاقتكما شيء كذاك..كشركاء في السكن و الحياة..تلك الشراكة تضمن لها شكل الحياة التي تريد و تتركها مطمئنة أنها إن أرادت يوما التخلي عن دورها كمقاتلة مستقلة تستطيع أن تستند عليكِ و تتجرد من دروعها و أسلحتها و تبقى فقط كامرأة..
لأنك حتى و إن لم تتحد معها في ذات الجسد لن تتخلى عنها أبدًا حتى و إن كانت هي غير قادرة على إكمال المسير..
ستحملها..ستخرجها من أرضها إلى أرضك..ستحميها..
النقيب فادي سيفعل لها كل ذلك..و لكن فادي لن يفعل أي شيء.."

كانت كلماتها تؤثر به..تتركه مفكرا بعمق في كل ما تقوله حتى أتت تلك الجملة الأخيرة..الجملة التي أسقطت كل أقنعته و دفاعاته..

-" ماذا يعني فادي لن يفعل لها ذلك؟! "

سأل و هو يشعر بارتجافة في قلبه سرت في باقي أوصاله..

تنهدت ثم قالت..

-" فادي رجل يعرف الحب على أنه اتصال كامل..يعني إن ضربنا حبيبة فادي فإن فادي يتألم..فادي لا يحكم مشاعره بين عطاء و أخذ و توازن كما يفعل النقيب بل إنه في حالة عطاء دائمة لأنه يشعر بأنه في حالة أخذ دائم..
دعنا نضرب مثالا..الآن أصيبت النقيب سارة ( حماها الله) برصاصة..
النقيب فادي سيكون بجانبها و سيدعمها حتى تتعافى..و لكنه أبدًا لن يمنعها عن العمل..سيترك الأمر يمضي دون صدمة أو جدال و سيحاول أن يتجنب ذات المخاطر في المرة المقبلة..
لكن فادي لن يفعل المثل..فادي سينحي كل العقلانية و التوازن..
سيثور..سيغضب..سينتقم..
قد يواجه قلقا كبيرا ليس فقط من رصاصة طائشة بل من أحرف الطاولة الحادة..من كوب الشاي الساخن..من برودة الجو..
فادي إن وضعت حبيبته طعاما مرا في فمها شعر به أولا..
لذلك فإن سيادة النقيب تغار على فادي..
لأن فادي عضو فعال بشكل منفصل عن النقيب..
فادي هو صديق وسام و لا يسمح أن يتأذى..
فادي قد يقع في العشق..قد يقتل بعيدا عن المنطق و الأكثر إخافة أنه قد يقتل بعيدا عن دوافع الضمير..
لأن فادي خلق في بيئة لا يعرف فيها سوى حاجته للنجاة بنفسه و النجاة بأحبائه..
لذلك فإن فادي و النقيب فادي لا ينفصلان عن بعضهما البعض أبدًا..حتى و إن كان النقيب هو من يأخذ الصدارة بحكم رتابة الأحداث و المشاعر..
أتمنى ألا أكون عقدت الأمر أكثر..لقد حاولت أن أشرح ما يجول في وجداني..و لكن أحيانا ما يدور في عقلي يبدو معقدا بالنسبة للعالم.."

انتبهت سديم أخيرا بأن دموع فادي كانت تنهمر على خديه..و ما إن انتبه هو الآخر حتى مسحها ثم زين شفاهه بابتسامة حزينة منكسرة..

-" كيف تعرفين كل ذلك عني؟! لقد تقابلنا البارحة فقط؟! هل أنتِ مشعوذة أو شيء من هذا القبيل ؟! أنا كنت قد نسيت فادي..كيف تعرفينه أنتِ بحق الله؟! "
حاول أن يمزج المزاح بالجد ليكسر حدة الأجواء..

-" ما يصنع المرء هو تفاصيله الصغيرة..يصادف فقط أنني أنتبه أحيانا لتلك التفاصيل..للأفعال..للكلمات..و أعيد تحليل الموقف ألف مرة أو يزيد..
و أحيانا استنتاجاتي تصيب.."

تمسكت هي بكوب الشاي و عادت لتنظر أمامها مجددا..
استراح فادي في كرسيه و سند رأسه..

-" يجب علي أن انتبه إذا و إلا سأكون كتابا مفتوحا لكِ في ظرف يومين.."

مزح مجددا و لكن المعنى خلف مزاحه كان جديا جدا..

-" لا أظن ذلك..أنا أعرف مشاعرك و لكن لا أعرف الأحداث..في غياب الحدث قد يساء تفسير المشاعر..
الفكرة..الخاطرة..الذكرى..الشعور..كل تلك الأشياء تنبع من مركز ما..
قد يصادف أن يميزها من حولك بشكل صحيح و لكن دون أن تفصح أنت عما بداخلك حتى تلك الاستنتاجات الصحيحة تظل ناقصة.."

كانت سديم تمنح كلاهما شعورا بالأمان لا يضاهيه شيء..
وسام - و رغم مشاعره المتحفزة - كان يسقط في النوم رويدا رويدا و هو يستمع إلى صوتها..

-" إننا الآن نتقاسم الأحداث الحاضرة..حتى و إن لم أفصح أنا و لم يفصح وسام..أنتِ بشكل ما تعلمين..أنا كنت دائما خلف قناع النقيب..وسام خلف قناع الشك..لارا خلف قناع الامتلاك..سارة خلف قناع التحرر..
و لكن منذ ظهورك تتساقط الأقنعة..
كأنك أجسادنا شفافة فينتهي بك الأمر ناظرة إلى أرواحنا..
و لكن أتساءل..خلف أي قناع تختبئين؟! "

كان ذلك سؤال فادي الأخير في هذه الليلة..سأله بنبرة جدية عميقة و لكن منخفضة في ذات الوقت..
لم يكن يعرف المغزى من سؤاله..أو أي شخصية فيه كانت تسأله..
أكان النقيب فادي يراها تهديدا للاستقرار الذي عاشه لسنوات طوال فيستجوبها..
أم كان ذلك فادي الذي يريد أن يكسر حصونها و يلتحم بها بلا رحمة تماما كما يريد وسام أو أكثر..

-" أقنعتي كثيرة..و أسماء شخصياتي أكثر..فكل قناع هو وجه لشخصية..و كل شخصية ما هي إلا جزء مني يؤدي دورا لا أستطيع أن أقوم به دون أن أنفصل عن حقيقتي البحتة..
هم أجزاء مني..و أنا كلهم على اختلاف الأوقات و الإحتياجات..
سديم تتألم ، تضحي، تستسلم..سبأ تقاتل، تغفر و تحب..و سحر كانت مرحة لكني أظنها ماتت..أما سيدرا فقد كانت بريئة جدا..عفوية و مندفعة..لست أعلم أهي باقية أم أنها أول من دفنت.."

أخبرته بجدية هي الأخرى..و لكنها رغم أنها تشعر بنظراته مثبتة عليها لم تلتفت إليه..

-" إذا فنحن بين سديم و سبأ..سديم تبكي و سبأ تنجو..سديم تتألم و سبأ تجابه الألم.."

تمتم فادي بهذه الكلمات لنفسه و لها على حد سواء..

-" كلاهما الآن متعبتان على أي حال.."

قالت سديم بابتسامه..

-" إذا علينا أن تتركهما للراحة..لقد أتعبناهما كثيرا على أي حال.."

بادلها فادي الابتسامة و حاول كلاهما أخذ قسط من الراحة بعيدا عن الظلال و الأقنعة..
بعيدا عن كل الخيوط و المؤامرات التي تحاك..

Continue Reading

You'll Also Like

15.9M 342K 56
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
2.6K 351 54
كنزة&الحُسَيْن هي مراهقة بملامح جادة جدا، طبعها يميل الى التزمت وجلد النفس، متكبرة قليلا، دائمة الصراع مع نفسها، تحب العزلة والانطواء،تعاني من الرهاب...
390K 31.6K 13
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
587K 26.8K 37
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...