" شجن "

By Nadeen_Elf

18.1K 1.2K 904

علّمني حبّك أن أحزن وأنا مُحتاج منذ عصور لأمرأة تجعلني أحزن لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور لأمرأة تجم... More

" شجن " المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل العشرين والأخير

الفصل التاسع عشر

346 62 31
By Nadeen_Elf

الليل والنهار في تعاقب مستمر ؛ استعادت الشمس مكانتها وفردت بساط اشعتها الدافئة على الأرض تغتال حزن الشتاء
أزهرت الحدائق واخضرت الأشجار متأهبة لاستقبال الربيع بعد طول شتاء كانت عواصفه قارصة باردة .

داخل ذلك المنزل الذي لم تطله ألوان الربيع المبهجة بعد ؛ وتماماً على مائدة الطعام التي جمعت افراد المنزل
كان دونغهي يجلس بهدوء مقابلاً لها ؛ يتصيد نظراتها عبثاً ، يبحث فيها عن حب أورثته له بجنونها وشقاوتها فلا يجد لديها سوى الصد والنكران
ورغم ذلك لم يبخل عليها بفيض اهتمامه ؛ وحالما اوشكت على انهاء طبقها قدم لها المزيد من طعامه فكان ردها ان نهضت من مكانها ببرود معلنة شعورها بالشبع .

حاولت الانسحاب من غرفة الطعام لكن صوت ضربة قوية على الطاولة أجفلتها ؛ نظرت خلفها لتجده ينهض من مكانه بملامحه الغاضبة والنار تتقد مشتعلة من عينيه الحانقتين
سار نحوها بخطوات تدب الأرض بقسوة حتى وصل اليها وقبض على يدها متكلماً بنبرة مستعرة من بين اسنانه : يجب ان نتحدث حالاً والان .

قلبت نظرها بين الخالة والعم لي اللذين ينظران اليهما بدهشة ثم اعادت بصرها اليه ونبست بخفوت حتى لا يصل حسيس صوتها لسواه : توقف عن ذلك انت تفضح امرنا !

ثبت يدها التي كانت تحاول التملص من قبضته الشديدة عبثاً وشدها خلفه وهو يغادر المكان معلناً بأعلى صوته : لا يهمني شيء ...

نظر كلاً من الخالة وزوجها الى بعضهما بعدم فهم قبل ان تتنهد الخالة بثقل وشيء من التردد لاح في عينيها اتجاه زوجها الذي بان عليه الهدوء ولم يعلق ..

اما عند ذينيك اللذين اتجها نحو غرفة مكتبه ؛ بخطواته الواسعة رغم تعثر خطواتها التي تحاول اللحاق به بصعوبة بينما كانت تبذل كل ما في وسعها للفلات منه عبثاً
ادخلها مكتبه رغماً عنها واغلق الباب بقوة دون ان يترك يدها ؛ وامام محاولاتها اليائسة للخلاص دفعها برفق الى الجدار ليحاصرها بجسده الذي تهدرجت انفاسه واشتد ساعديه حولها غلظة امام مقاومتها الضعيفة له

ولما يئست من الخلاص صاحت فيه بغضب : ما الذي تحاول فعله ؟؟

رد عليها بقوة توازي قوتها : سبق واخبرتك ان علينا التحدث !

حاولت دفعه عنها بكل قوتها فلم يكن وهن يديها ليحركه ولو بقدر بسيط هو الذي احتدم الغضب بداخله فغدا اشبه بجدار حجري صلب وهو يصغي لصوتها المهزوز : ولقد اخبرتك ان لا شيء بيننا لنتحدث به ، لا املك ما اقوله ولا اريد الاصغاء لأي شيء ..

نفث أنفاسه بغيظ وضرب الحائط خلفها ليخفف من حدة غضبه : بل لديك الكثير لتقوليه لي ، انا من يجب ان يصغي لسبب افعالك ، لقد تحاشيت الحديث مطولاً حول أسباب رحيلك لكن الأوان قد ان لتفسري نفسك !

ترقرق الدمع في مآقيها وخرجت حروفها مبعثرة رغم ثبات مظهرها : ما الذي تريد الاستماع اليه ؛ ما الذي تريد ان تعرفه اكثر بعد ؟!
سبب رحيلي بات واضحاً ؛ مرضي كان العائق الأول والأخير بيننا ومهما حاولت تخطيه فلا جدوى من انكاره لانه سيتجلى بوضوح ليحطم سعادتنا !
أتريد مني اعتذاراً لانني عدت اليك رغم يقيني انني يجب ألا افعل ؛ هل ما تسعى خلفه هو اعترافي الصريح بأنني اخطأت بحقك وانني من تابعت هذه العلاقة السامة التي تؤذي كلينا تحت وطأة مشاعري ؟!

تناثرت دموعها كحبات اللؤلؤ على وجنتيها وهي تضيف : لك ذلك سيد دونغهي ؛ انا اعتذر لانني لاحقتك منذ البداية ، اعتذر لانني عاودت الظهور امامك وعبثت بنظام حياتك المثالية ، اعتذر لانني وقعت في حبك من البداية واعتذر لانني مجرد نصف منهوش لا يسعه ان يبلغ كمالك ومثاليتك ..
هل انت راضٍ الان ..؟!

شد قبضته بصمت أثقل بحة صوته عندما خرج رفقة انفاسه الحارقة : لست اريد اياً من اعتذاراتك هذه ، ما اردت سماعه مختلف تماماً عما تهذين به !
لقد سئمت تعلقك بالصمت وترك علاقتنا تتأرجح بين البوح والكتمان ، ما اريده هو اعتذاركِ لانكِ اخفيتِ حقيقة مرضكِ عني ..
ما اريده هو ان افهم لماذا رحلتِ وتركتني ؛ ولماذا اخترتِ تحمل عناء المرض بمفردك بدلاً من ان تسمحي لي بالوقوف الى جانبك وحمايتك بقدر استطاعتي ؟!
لماذا خلال كل تلك السنوات تركتني أتلوع بنار الألم واحاول بكل مشاعري ان اكرهكِ وألومكِ بدلاً من ان اعتني بكِ كما يجب ؟!

صاحت فيه من بين دموعها : لانني لا اريد لك ان تعتني بي ، لا اريدك ان تفني حياتك من اجلي وان تتعلق بقشة غريقة لا محاله !
ما قلته كان واقعاً لا فرار منه ؛ انت لست ملزماً بافساد حياتك بجواري ، انا امرأة بلا قدر ولا مستقبل
وانت ليس عليك التنبؤ بمستقبلٍ ضبابي بينما تنام كل ليلة وانت تخشى ان لا استيقظ صباحاً ..!

اضافت بوهن وهي تكتم شهقاتها : اردت لك ان تعيش حياة افضل من هذه بكثير ، اردت لك ان تكون مع امرأة تستحق حبك العظيم وان تحمي مشاعرك الثمينة لكنني فشلت ...
في كل محاولة لي للنسيان ؛ في كل محاولة للابتعاد كنت اعود اليك من جديد بينما اعلم انني اتمادى في انانيتي ومحاولتي لاستراق شيء منك قبل رحيلي ..

ابتلع غصة في القلب وحرقة روحه تشكلت غيوماً من دم في عينيه اللتين اكتسبتا حمرة غليظة وهو يجيبها : لقد كنتِ انانية حقاً بمحاولتك الاستفراد بكل مشاعرك تلك لنفسك يونمي ، المستقبل الذي تظنينه ضبابياً كان بوسعنا ان نعيشه الان لو لم تختاري الرحيل من البداية ، النهاية التي تخشينها علينا ان نواجهها سوية وان نحارب لدرئها معاً مهما كان الثمن ..!
انتِ لا تستطيعين المواجهة بمفردك ؛ لا يمكنكِ تحمل كل تلك الامور لوحدك ؛ ليس عليكِ القلق حول كل من حولكِ وتجاهل نفسك ايتها الغبية !!

مسحت دموعها بأطراف اناملها واشارت نافية بجمود : لكنني لا اريد ان اسحبك معي الى دوامات حياتي ، لن اتركك عالقاً بمتاهاتٍ لا نهاية لها ، لن نجني من الدوران في حلقة مفرغة سوى الألم

بصوت عراه الحزن من كل ذرات القوة نطقت : انا امرأة هالكة لا محالة دونغهي ولا اريدك ان تهلك معي ....

تركته بعد كلماتها تلك ومضت بخطواتها الواهنة تجر ذيول الأحزان ، قصتهما كُتِبت بحبر من الدمع ، كل لحظة سعادة غمرتهما كان حصادها عُجافاً وألما لا ينضب ....!
كل الطرق اليها بدت مسدودة في نظراته التي غشاها الدمع مدراراً وهو يراها تبتعد من امامه وتتلاشى كما تلاشت معها احلامه
كيف يحل هذه المعضلة المعقدة ؛ كيف يمحو كل ذلك الأسى من عينيها ويبدل تعاستهما لحياة ؟
كيف يواجه مرضاً يتشبث بهما ويغرس انيابه في سعادتهما ..؟!

يومين مرا ثقيلين كانت فيهما الأجواء راكدة في المنزل ؛ كل الأفواه تبدو حائرة والعقول تائهة عالقة بدوامات لا تنفك تدور بهم حول نتيجة واحدة لا فرار منها ..
وعلى مائدة الافطار صباح هذا اليوم ؛ تبدو الأطباق المتنوعة ممتلئة على حالها وكأن لا احد من بينهم يملك شهية لتناول طعامه
من بين ذلك الفتور الذي يشحن الأجواء بمشاعر سلبية كانت يونمي تقلب بصرها بين الوجوه الواجمة قبل ان تعلن انسحابها وهروبها من حصار تلك المشاعر الخانقة .

وعلى حذوها اختار دونغهي النهوض ومغادرة المنزل نحو عمله لعله يكون له مُنجداً من دهاليز افكاره التي تودي به اليها ..
وعلى تلك المائدة العامرة بالطعام بقيت الخالة تحدق في الطعام الذي لم يأكل منه احدهم قبل ان ترفع بصرها نحو زوجها الذي لازال على هدوئه المريب منذ عدة ايام

ارتأت الخروج عن صمتها اولاً لعلها تحثه على الافضاء بما يعكر صفو افكاره عندما تكلمت : انتَ لا تبدو بخير مؤخراً وكأنما هناك ما يجثم فوق افكارك ، ما الذي يزعجك بهذا القدر ؟

نظر اليها مطولاً يفكر بكلماته التالية لعله يختار ألطفها حتى لا يجرحها : هل كنتِ تعلمين بما يجري بين دونغهي ويونمي مؤخراً ؟

اشارت نافية بهدوء : لا اعلم ان كان هناك ما يجمعهما فعلاً ، لكنني على يقين ان شرارة الحب بينهما لم تنطقئ يوماً .

رد عليها بالصمت فأضافت بتردد : أيزعجك ان تجمعهما علاقة حب مجدداً ؟

تنهد بثقل قبل ان يصرح : لا اخفيكِ امراً انني بنيت على عودتها الكثير من الأحلام وعلقت امالي بها ان تخرجه من اعتزاله واعتكافه
لكنني الان بت اخشى ان مشاعرهما تلك ستؤذيهما اكثر مما تَسُرهما .. ولا اريد لدونغهي ان يتأذى اكثر ..

لم تعقب على كلماته فأضاف بحذر : وفاة والدته شكل امامه هاجزاً واذاه كثيراً ، لا اريد ان يعاني من ذات الألم مجدداً .

بتعقل ردت الخالة رغم نحيب عواطفها : اذاً انت ترفض اي علاقة محتملة بينه وبين يونمي بسبب حالتها ..!

هو لا يريد الاثقال عليها بمخاوفه ؛ هي زوجته التي يحبها والتي يشاركها كل امور حياته لكنه لا يجيد الكذب عليها لذلك نطق بصدق مطلق : لا استطيع الوقوف في وجهه أياً كان خياره ، لن ارفض فكرة ارتباطه بها اذا اراد ذلك لكنني ..

ابتلع بقية حروفه حتى لا يجرحها فكانت هي من كمل ما نقص من جملته : لكنك تتمنى ان لا يربط مصيره بها وان لا يتورط بمشاعره معها اكثر ..!

التزم الصمت ولم يعقب فتنافرت دموعها على ملامحها وهي تتحدث بأسى : دونغهي ثمين بالنسبة لي بقدر ما هي يونمي ثمينة ، لا اريد ان يتضرر احدهما لكنها حاولت ما بوسعها لحمايته على حساب قلبها ، تلك الصغيرة لا تستحق ان يتم التفريط بها !
هي ايضاً فقدت والدتها بسن مبكرة ، وعايشت فصول مرضها منذ صغرها ، هي ايضاً تكتم الكثير من الحزن بداخلها ولا تستحق المزيد ..

قبض بكفه على يد زوجته يكلمها برفق : اعلم ذلك جيداً ؛ يونمي عزيزة على قلبي ايضاً ولن افرط بها ابداً ، لنترك الخيار لهما ولندعهما يرسمان مسار حياتهما بنفسهما .

اشارت موافقة بقلة حيلة وهي تضمه باكية كطفلة صغيرة كأنما لم يكسوا الشيب شعرها ولم تملأ التجاعيد وجهها
ليس للحزن عمر محدود ، ولا احد كبير على البكاء ، حتى السماء تبكي فكيف لنا نحن البشر ان نمتنع عن البكاء ..!

من جهة اخرى ؛ في الشركة وتحديداً عند ذلك الرجل الذي يحبس نفسه في مكتبه مُنكَباً على عمله بنهم ينسيه ما حوله كمخدر مؤقت
استغرق في عمله عدة ساعات دون ان يلاحظ مرور الوقت حتى طرقت مساعدته الباب عليه اخيراً تستأذنه الرحيل بما ان موعد انتهاء العمل قد حان

سمح لها بالمغادرة وفضل البقاء وقتاً أطول ليرتب فوضاه الداخلية في عزلته وهدوئه اللذين لم يدوما طويلاً
صوت خطواتها وهي تقتحم المكان أجبره على رفع بصره عن جهاز الحاسوب لينظر اليها بهدوء متعجباً وجودها في الشركة حتى هذا الوقت المتأخر

نظر الى ساعته وهو يتكلم بصوت لبِق : ما الذي يبقيكِ هنا حتى الان ؛ هل كنتِ بانتظاري لاوصلكِ الى المنزل ؟

اشارت نافية وابتسمت بسكون جعله يضيق عينيه متردداً يفكر ما خلف تلك الابتسامة التي حرمته منها طويلاً ؛ تساؤلاته تلك لم تدم عندما وضعت مُغلفاً ابيض على طاولة مكتبه امامه واعتدلت بجسدها من جديد
نظر الى ذلك المغلف مطولاً ؛ يقرأ عنوانه مراراً وتكراراً حتى لكأنه يتهجى الحروف حرفاً حرفاً ليستوعبها

رفع بصره اليها مشدوها ونبس بغير تصديق : ما هذا ..؟!

بنعومة رددت : انه خطاب استقالتي سيدي الرئيس .

أسبل عينيه بضيق يكتم انفاسه الثائرة لمغالاتها بالبرود ونطق متمهلاً : ما الذي يعنيه ذلك ؛ لماذا تتركين العمل ؟

حاولت افتعال المرح في كلماتها : حان وقت الهروب ؛ لست نداً لكل ذلك العمل الوفير ولا اجيد تحمل هذا الضغط الشديد !

بغير اكتراث لحججها السخيفة كرر سؤاله : لماذا تستقيلين كيم يونمي ؟!

استكانت ملامحها للحظات عندما ادركت ان اسلوبها ذاك لن يجدي معه نفعاً ؛ ازدردت رمقها وتكلمت بهدوء : علي الاعتناء بصحتي والالتفات لمتابعة علاجي من حيث توقفت ؛ وبحالتي التي تستدعي مكوثي في المشفى لاوقات طويلة فان العمل لا يناسبني.

قطب حاجبيه غضباً ونهض من مكانه كالعاصفة ليصيح بنفور : لا يمكنك التوقف هنا ، لن اسمح لكِ بالعمل مرة اخرى اذا استهترتِ بعملكِ الان ؛ يمكننا استيعاب حالتك المرضية وجدولة عملك حسبها !

وقف امامها مباشرة مع نهاية كلماته فكان ردها امام عاصفته ركود غريب ؛ لامست يده بكفها وتمسكت فيه تتكلم بنبرة رجاء : لدي طلب وحيد منك دونغهي ، لا تنظر للخلف ابداً ، كل ما عليك فعله هو ان تعتني بنفسك جيداً واوصيك بخالتي خيراً
اعلم ان حالتي تتسبب بعذابها وقد تأثر المنزل بأكمله لما اصابني لكنني اريدك ان تبقى بجوارها مهما حدث لي وان تعوضها عني فانت الابن الثاني لها ووحدك من استطيع ائتمانه عليها ..

مع نهاية كلماتها رفعت نفسها قليلاً لتصل الى مستوى طوله ؛ تركت قبلة يتيمة على يمين خده جمدته في مكانه دون حراك وغادرت
لم يعلم لماذا ضُرِبت جذوره في الأرض وما الذي ثبته في مكانه كأنه قطعة من جليد !
اراد ان يجري خلفها ليمنعها ؛ اراد ان يتمسك بها ويخبرها انها حياته الوحيدة التي يرغب بخوض تفاصيلها وان الموت بعينه هو رحيلها .
اراد ان يفهم فحوى كلماتها الغامضة ، وسر ايداعها لتلك الأمانة الثقيلة على كاهليه وكأنها تودعه ..

لكنه بقي ثابتاً كجبل عظيم ؛ خارجه صخور صلبة لا يهزها ريح ؛ وداخله بركان يأكل نفسه غيظاً ..!

صباح اليوم التالي ؛ دخل المطبخ بخطواته الهادئة بحثاً عن كوب القهوة خاصته فوجده على الطاولة رغم غياب الخالة غير المعتاد عن المطبخ في مثل هذا الوقت من الصباح
تناول قهوته وحدق فيها بسكون ؛ تبدو داكنة اكثر مراراً من ايامه الماضية ، جاب بعينيه ارجاءها بحثاً عن أثرها فلم يجده
تنهد بثقل وارتشف القليل منها بصمت وغادر المطبخ ليمر على الصالة فوجد الخالة تجلس هناك شاردة الذهن دامعة العينين بينما يحاول والده التحدث معها بيأس فهي لا تصغي لأيٍ مما يقوله !

قطب حاجبيه متعجباً وتقرب منهما متسائلاً : ما الأمر ؛ ما الذي يبكيكِ يا خالة ؟

لم تجبه فوجه نظراته نحو والده الذي بدا حائراً لوهلة قبل ان يصرح له : لقد غادرت يونمي ..

قطب حاجبيه بعدم فهم وخرج صوته متلعثماً مستفهماً : الى اين ..؟

ردت الخالة بصوت نحيبها الثقيل : لقد قررت السفر بشكل مفاجئ من جديد ؛ يونمي سترحل عنا مرة اخرى وتأبى التراجع عن قرارها !!
تلك الصغيرة المتهورة غادرت المنزل دون علمنا ، كيف واتتها كل تلك القسوة لتودعني عبر اتصال قصير ظناً منها انه سيكون كافياً ؟!

تجمد الدم في عروقه وأخرست الصدمة لسانه وهو يستذكر كلماتها له في الأمس ؛ هي كانت تودعه ، امانتها له كانت بصدد رحيلها !
هو مجدداً أغفل الحقيقة خلف كلماتها ولم يفهم ايحاءات عينيها وبقي كالأحمق مشدوهاً عالقاً في الفراغ !!

لم يعلم كيف تحركت به ساقيه واسرع خارج المنزل بعد ان تناول هاتفه ومفتاح سيارته واسرع عبر الطرقات يسير بغير هدى
يضغط على ازرار هاتفه متعجلاً ويطلب رقمها المرة تلو الأخرى بالحاح منتظراً ردها الذي طال قبل ان تجيب اخيراً

صاح فيها بنقم : يونمي !!

لم يجبه سوى صوت انفاسها الساكنة هبت على قلبه كعاصفة نارية احرقت اعصابه وهو يردد بغضب : اين انتِ الان ، ما الذي تحاولين فعله ايتها الحمقاء ؟

طال صمتها قبل ان ترد بخفوت : حان موعد الرحيل دونغهي ؛ لقد فشلت بتحقيق الهدف الرئيسي من عودتي وما عاد هناك من موجب لبقائي .

كرر كلماته عليها ساخطاً : سألتك اين انتِ الان ؟؟

لم تجبه لكن صوتاً بعيداً بدا له كنداءات المطار خالطه صوت رجل يطلب جواز سفرها جعله يدرك يقيناً انه على الطريق الصحيح وهو يتجه نحو المطار
تكلم محذراً : اياكِ وصعود تلك الطائرة يونمي ؛ انا قادم اليك !

بانفعال اجابت : لا تفعل ، انا لا اريد رؤيتك بعد الان ..

ضرب المقود بيده متأففاً من أزمة المرور امامه ثم ولاها كل اهتمامه وهو يجيب : قولي انكِ لا تحبينني وعندها لن أجد سبيلاً اليك ، وما عدا ذلك فلن اسمح لكِ بالرحيل ابداً .

لم تقوى على الرد ؛ جلست بضعف على احد مقاعد الانتظار المترامية في جوانب المطار وحدقت بتذكرة سفرها طويلاً
انفاسها بدت متقطعة بائسة ؛ صوت نحيبها وشهقاتها المكتومة تهادى الى مسامعه ليتكلم بهدوء : انتِ تحبينني يونمي فلا تقاومي اكثر !

حركت رأسها نافية وهي تقطع اوصال تلك الدموع التي تنهمر من عينيها وحاولت التخفيف من ارتعاشات صوتها وهي تجيبه : ولانني احبك لا يمكنني ان اكون معك .

#انتهى
اتمنى يكون عجبكم
اول ما يوصل الفصل 40 فوت رح ينزل الفصل يلي بعده
الى اللقاء في الفصل الاخير اصدقائي

Continue Reading

You'll Also Like

6K 210 19
لما قالت المرحومه ' سلوى ' : "ان الطبع اللي بالبدن ما يغيره إلا الكفن وهذي حفيدة جزاع"
977K 29.8K 63
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...
3K 311 17
روايتي الثانيه ..تم كتابتها ونشرها بعد رواية طفولتي المشتتة...وانا الآن أنقلها على صفحتي هنا ...وسيتم نقل باقي رواياتي هنا .. أما بالنسبة لهذه الرواي...
18.3M 177K 72
الروايه منقوله💛. اتمنى تعجبكم💛. الكاتبه نفسها تبع روايه "تهزمني السمراء وانا ند الفرسان" : أديم الراشد💛.