"الساقية دي ملعونة يا بنتي"
بدأت جدتي كلامها بالجُملة دي وهي على فراش المرض، جدتي اللي كان اسمها نوارة، وهي فعلا كانت نوارة البلد كلها، بكل اللي عملته وهي ست عامية مبتشوفش، بس كانت بتشوف بنور الله..
...........
الساقية دي اتلعنت بظُلم ما بعده ظُلم، وكأن الإنسان دايما حابب يكون له السبق في إفساد الأرض والنسل، الإنسان اللي بيخرب أكتر ما بيعمر، وبيهد اكتر ما بيبني، وبيظلم اكتر ما بيعدل..
والساقية دي كانت هناك، من يوم ما وعيت على الدنيا، كانت مصدر للماية لكل الأراضي الزراعية في المكان، وكانت الحياة ماشية بسلاسة وهدوء زمان، والخير كان مغرق الكل بلا استثناء، كانت النخوة والاخلاق متأصلة جوة الناس لأقصى درجة..
لدرجة ان لو ست مشيت في الشارع كان الكل بيفضل باصص في الأرض لدقايق طويلة لحد ما تعدي من قدامهم وتختفي، لحد ما ظهرت جواهر الغانية، غازية محدش عارف أصولها، ولا جت منين، بس عملت بيت صغير جمب الساقية هي وراجل اتقال انه جوزها وقعدوا فيه..
بعض الناس قالوا انها كانت رقاصة في الخمارات في العاصمة، وحصلت معاها مشاكل كبيرة خلتها تيجي للبلد، ومحدش عارف ازاي اتحايلت على صاحب أرض الساقية واشترت الأرض كلها، وبقت مالكة في بلدنا..
وكانت بداية الفساد لما كانت تقعد على الطريق عشان تتفرج على الفلاحين وهما راجعين آخر النهار من الأراضي بتاعتهم، كانت بتقعد بلبس غاوي، فاضح، كأنها النداهة اللي بتغوي الناس عشان تقتلهم..
في البداية كان الكل بيتجاهلها، خاصة الرجالة اللي كانوا بيرجعوا من الغيطان، بس هي للأسف كانت بتتمادى، كانت فتنة ماشية على الأرض، واحدة ست جميلة، مكتملة الإنوثة، كأنها حورية اتجسدت على الأرض..
وبدأت الرجالة تتفتن بالست دي، بعض الفلاحين كانوا بيتعمدوا انهم يعدوا كذا مرة عشان يشوفوها، والبعض بقا بيطيل النظر ليها، والبعض بقا بيفكر فيها ليل نهار، لدرجة ان لأول مرة الرجالة بقوا بيسخطوا على ستاتهم، وحصلت مشاكل كتير اوي في البيوت بعد ما كانت البيوت مسكونة بالمودة والرحمة..
وبدأت جواهر مع غروب كل شمس تصطاد الفلاحين، كانت بتقعد بلبس فاتن قدام الساقية تستنا الفلاحين المتأخرين، وكانت بتطلب من الفلاح اللي معاه الحمار او البهيمة بتاعته المساعدة، ومسافة ما كان بيقرب منها كانت بتغويه، وبتاخده ورا الساقية عشان تعمل معاه الفاحشة، وقتها كان جوزها بيظهر بالسلاح، ويمسكهم بالفعل المشين ده..
كان الفلاح العاري بيترعش ويتنفض قدام جوزها، هو عارف ان جزائه القتل، او السخط من أهل البلد كلهم لو السر اتعرف، ان راجل يعمل الفاحشة بحليلة جاره كانت جريمة عظيمة عمرها ما حصلت في بلدنا أصلا..
وقتها كانوا بياخدوا منه البهيمة او الحمار، وياخدوا منه كل اللي معاه من فلوس او اشياء ثمينة، ويخلوه يمشي وهو مكسور النفس، فاقد للبهيمة بتاعته، وكانوا تاني يوم يروحوا السوق يبيعوا البهيمة وياخدوا تمنها الكبير لنفسهم..
كانوا شاطرين اوي في الشغل ده، خاصة مع غروب الشمس، كل الفلاحين رجعوا ونادرا لما يلاقوا حد متأخر، تطلب منه جواهر المساعدة، يروح يساعدها، تغويه وتاخده لورا الساقية،. يمسكهم جوزها وياخدوا كل اللي مع الراجل..
رجالة كتير نفسيتهم اتكسرت، واللي خسر بهايمه، واللي أهمل أرضه، كأنها كانت ملعونة، أي راجل بيقرب منها بيتلعن ويقع في حالة نفسية غريبة..
لحد ما كان راجع محمد ابن الحاج رضوان من الغيط بتاعته في ليلة ومعاه البهيمة بتاعته والحمار، واول ما قرب على الساقية لقى جواهر قدامه بشكلها المثير، كانت بتتكلم بدلال وبتطلب منه المساعدة، اتكلم بغضب وقتها وقال:
- ابعدي عني يا ست انتي
كان رد فعله غريب، هي مش متعودة ان فيه راجل بيقاومها، بل وبيكلمها بعنف، حاولت معاه بشتى الطُرق بس هو كان صارم، حازم، وقتها اتضرب على راسه من ورا بشومة ضخمة، وظهر الشيطان جوز جواهر، مقدرش يقاوم فكرة ان محمد يمشي ومعاه بهيمة غالية وحمار يجيب سعر حلو..
خدوه ورموا جثته جوة الساقية بعد ما ربطوه بحجارة كتيرة عشان يستقر جسمه في الآخر، وقتها زاد الموضوع عن حده، وناس كتير فقدت حيواناتهم، النفوس بقت مكسورة والرجالة بقوا مبيشتغلوش، المشاكل زادت والناس حالها بقا في الأرض..
لحد ما وصل الخبر للحاج رضوان، الشيخ الهُمام اللي كل الناس بتحبه، كان وقتها داير في البلد ينادي على ابنه اللي بقاله اسبوع غايب، وعرف ان جواهر بتغوي الرجالة بالليل، وكان عنده شك كبير ان ابنه حصله حاجة هناك، لأن آخر واحد شاف محمد كان جاره في الغيط، وشافه وهو ماشي ناحية الساقية..
اتخفى الشيخ وخد معاه رجلين يراقبوه، وعدى بالليل بالبهايم من قدام جواهر، جواهر اللي أول ما شافته نادت عليه عشان تغويه، رفض الغواية وكمل مشي، وقتها هجم عليه جوزها عشان يضربه، بس هو كانت عنده بصيرة، قدر يلتحم مع الراجل، ويضرب فيه، وقتها ظهر الرجلين التانيين ومسكوا جوز جواهر وربطوه، بس جواهر كانت اختفت تماما، محدش عرف يلاقيها..
وقتها الخبر انتشر واعترف الراجل ان هو اللي قتل محمد ابن الحاج رضوان وكان متفق مع جواهر عشان يسرقوا أهل البلد، واتجمعت رجالة البلد كلها، الكل كان ثاير، غضبان، غضبان على اللي حرمه من بهايمه وكسر نِفسه، مسكوا الراجل دبحوه ورموه في الساقية بعد ما طلعوا جثمان محمد وأكرموه بالدفن..
ومن يومها وقفت الساقية للأبد، والأرض بقت خراب، أرض اتعملت عليها غواية وفاحشة وسرقة وقتل، أرض قهرت الرجال وخلتهم يتنازلوا عن دينهم ومبادئهم، أرض شهدت كل شر ابن آدم..
بس كلها سنتين وظهرت جواهر من تاني، بعض الناس شهدوا انها كانت بتعمل طقوس عند الساقية، طقوس غريبة، مخيفة، وقتها أهل البلد راحوا يجروا عند الساقية، واتفاجئوا بجواهر بتعمل سحر وبتكتب طلاسم غريبة، كانت عايزة تسحر مية الناس، واحدة ست من أهل البلد ضربتها بشومة قتلتها، وقبل ما الناس يمسكوها كانت شالتها ورمتها جمب جوزها، جوة الساقية..
وانتهى الموضوع، أو بعض الناس كانوا فاكرين ان الموضوع انتهى، بس النداهة خرجت من البير، جواهر الغانية بقت بتنادي الرجالة بالليل، كانت أول نداهة تظهر في الريف، وكان الراجل يقرب فيقع في بير الساقية ويموت..
وبعض الستات شهدوا انهم شافوا شيطان بيخرج من الساقية كل ليلة وهما راجعين مع اجوازهم من الغيط، كتير اوي شهدوا ان الساقية بيخرج منها شيطان وواحدة ست، جنية بتغوي الرجالة عشان يقعوا في البير والشيطان يقتلهم..
واتهجر الطريق تمامًا، والمكان ازداد وحشة، وبقا مكان ملعون، كل اللي بيقرب منه بيتقتل، أو بيتجنن، أو بيشوف الشيطان، واتحللت الجثث في الساقية واتهجر المكان للأبد..
صفحة الكاتب على فيس بوك: أحمد محمود شرقاوي
..............
خلصت جدتي الحكاية وانا ماسكة في ايديها بقوة، ابتسمت وظهر عليها المرض اكتر وقالت:
- حكيتلك عشان تتعلمي يا بنتي، ربنا حرم السرقة والفاحشة والقتل والسحر لأنها جرايم قادرة تهلك بلاد كاملة، والغانية وجوزها عملوا كل حاجة، قتلوا وسرقوا وفعلوا الفاحشة وسحروا الساقية بسحر كبير، سحر خلى قرين الغانية وقرين جوزها شياطين قادرة تتجسد، وقادرة تحارب وتقتل، جرايم كسرت رجالة وخربت بيوت وخلت البلد كئيبة، سودة..
سألتها ببراءة:
- طيب وليه البلد بقت كويسة دلوقتي يا جدتي والناس دايمًا بتضحك
ابتسمت ابتسامتها الأخيرة وقالت:
- بكرة تعرفي يا حبيبتي
وسكتت جدتي، سكتت للأبد، نوارة ماتت، أبويا دخل علينا وفضل يهزها بخوف وفجأة دموعه سالت وفضل يحضن فيها ويتنفض..
أمي وقعت في الأرض وانهارت في البكاء، ماتت الست نوارة، الست اللي كانت ماشية ليل نهار بآيات وأحاديث ربنا، الست اللي كانت بتشوف بنور ربنا رغم انها عامية، الست اللي أثبتت ان العمى عمى القلوب مش الأبصار..
البلد كلها طلعت في جنازتها، الناس كلها كانت بتبكي عليها بسيول من الدموع، رجالة وستات وأطفال، حتى الحيوانات كانوا ماشيين ورا الخشبة، كلاب وقطط من اللي كانوا بياكلوا على ايديها، كأنهم كانوا بيودعوها..
كان يوم صعب على البلد كلها، اول مرة تبقا فيه جنازة بالحجم ده، اللي بيبكي بهيتسريا، الحيوانات بتشيعها، لدرجة ان محدش قدر من حزنه يشيل الجثمان يحطه في التراب غير بعد معاناة، واتدفنت نوارة البلد، وقتها الشيخ وقف على قبرها، واتحكالي كل كلمة قالها بعد ما كبرت
"الست نوارة ماتت، وليست على الله بعزيز، بس ادعولها من قلوبكم، ادعوا للست اللي ربنا عوضنا بيها بعد ما اتلعنت البلد بسبب الفواحش ووجود الغانية في بلدنا، ادعوا للست اللي كانت سبب ان البركة تحل على بلدنا من تاني بسببها..
شتان بين واحدة ست كانت بتنشر الفاحشة وتفسد في الارض
وبين ست عاشت بكتاب الله وأحاديثه، عاشت تطعم الطير والحيوان وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
بين ست اتسببت في خراب البلد، وست عمرتها من تاني..
بين ست خلت الناس يصيبهم الاكتئاب والحزن، وبين ست خلت الصغير قبل الكبير يبتسم
وقتها عرفت، عرفت ان جدتي عملت فوق مانا ما اتخيل، عرفت ان جدتي من الناس اللي طهروا البير، عرفت ان جدتي هي الست اللي قتلت الغانية وهي بتسحر المية، ايوة جدتي هي اللي قتلتها وقتها، الله يرحمك يا نوارة..
واوعدك لما اكبر هحاول بكل الطرق اعمل زيك، امشي في كل مواقف حياتي بكتاب ربنا وأحاديث رسوله، ابقا رحيمة بالانسان والحيوان وحتى الجماد، ابقا ست بمليون ست، ست قادرة تبني جيل كامل وتأثر في بلد كاملة..
............
لسة معانا حكايات غريبة، بعضها حقيقي وبعضها مستوحي من أحداث حقيقية ، حكايات مخيفة ان شاء الله بنحكيها يوميا ، لو حابب توصلك الحكايات وكل قصصي، كل اللي عليك تعمل فولو لصفحتي الشخصية الوتباديه عشان يوصلك كل جديد..
ومتنساش تدعمني بنجمه وتعليق برأيك وشير للقصة
وعرف المحتوى لصديقك المُقرب عشان يترعب معانا
..........
القصة دي صدقة على روح أمواتنا كلهم، افتكروا الناس الطيبة بتوع الزمن الجميل، جدك وجدتك، وادعولهم بالرحمة والمغفرة،. ادعوا لكل أموات المسلمين..
.........