"سبع خطوات وهنعمل زار، وهنلعب بالزهر وهيزول العار"
كلمات غريبة بتتقال في بيت الشيخ فرحات، الراجل البركة اللي الناس بتروح تاخد منه البركة كل يوم، اللي الناس بتروح تشكيله وتحكيله كل مشاكلها، وهو بدعوة واحدة بس كل حاجة بتتحل، أو يمكن بتتعقد اكتر واكتر، كل شيء جايز..
..........
عندنا في منطقتنا فيه جماعة بييجوا كل سنة يحييوا المولد ويلفوا في المنطقة بالطبل والزمر والزينة والاحتفالات، وتقريبا المنطقة كلها بتطلع ورا زفة المولد، منها فضول ومنها بهجة، والبعض بيطلع عشان عنده حاجة نفسه تتحقق..
يوم كامل كل الناس فيه بتدبح وتقدم الأكل في منطقة المولد ويفرحوا ويهيصوا وبعدها كل واحد بيرجع على بيته عشان يحارب سنة كاملة قبل ما يرجع المولد لمنطقتنا من تاني..
وعلى راس الزفة دي كان فيه راجل دايما حاضر اسمه الشيخ فرحات، بتعرفه بلباسه الأخضر والطاقية الخضرا والسبحة الخضرة، حتى اللحية بتاعته كانت مصبوغة بلون أخضر..
كان يمشي يبتهل وسط الناس بصوته والناس تتودد منه وتقرب منه اكتر واكتر، وقتها بتسمع عنه أساطير، كأنه مش من البشر، راجل من أصحاب الخطوة، كل يوم بيكون في بلد شكل..
بيروح عشان يفكر الناس بذكر الله ويحقق أمنياتهم، والانسان لما بيقع في مشكلة كبيرة أو بيضيق عليه الحال عنده قابلية يعمل أي حاجة، وعنده استعداد يصدق أي حاجة، مهما كانت..
المهم يتزرع جواه الأمل ان أمنياته هتتحقق، وفي قعدة بنات كنا قاعدينها عرفت من واحدة صاحبتي ان اتقدملها شاب في المنطقة حرفيا كل البنات كانت تتمناه، شكل وحسب ونسب وفلوس، تقريبا كان فارس أحلام كل البنات اللي لسة متجوزتش، بس الغريب ان صاحبتي دي كانت وحشة بكل المقاييس، وكان لغز كبير اوي، ازاي ساب كل بنات المنطقة وراح يخطب دي..
انا اسفة مش بسخر منها، بس دي حتى وشها مش مظبوط، عندها ضب ويمكن فيه حول طفيف في عنيها، كان فيه سر هموت واعرفه، خاصة اني كنت زي البنات بتمنى الشاب ده، وكمان انا داخلة في ٢٦ سنة ولسة..
احنا بقينا كتير اوي، ومع غلاء الاسعار الشباب بطل يتجوز أصلا، اللي عنده دين بقا بيحارب شهواته، واللي معندوش فاكتفى بالحرام، واحنا تقريبا مش هنتجوز خالص..
انفضت القعدة ومسكت انا صاحبتنا دي، كان اسمها عُلا، باركتلها بابتسامة مزيفة وقولتلها:
- تستاهلي يا عُلا وربنا يتمم على خير
- تسلميلي يا قمر
- بس بس
- مالك في ايه
- مش ناوية تحكي لصاحبتك وقعتيه ازاي ده
ضحكت بخجل ومعرفتش تتكلم، كانت على شكلها الوحش كمان ساذجة وغبية، لو واحدة مننا اللي اتقدملها الشخص ده مكانتش قالت غير بعد ما تخلف أصلا، بدأت استدرجها بالكلام بكل حنية وهزار لحد ما نطقت:
- كله من الشيخ فرحات
- الشيخ المعتوه بتاع الموالد ده
بصتلي بغضب شديد وقالت:
- دانتي اللي معتوهة، ده راجل بركة، مسافة ما عمتي زارته تاني يوم كان متقدملي فارس أحلام كل البنات
- طيب وده أزوره ازاي ده بيلف في الموالد طول السنة
- لا بيلف ست شهور، وست شهور في بيت الكرم بتاعه بيستقبل الناس
حسيت بلهفة غريبة من كلامها، واتكلمت بتوتر:
- وايه بيت الكرم ده
- ده البيت اللي بيستقبل فيه الناس ويحل مشاكلهم
قربت منها بدلال زي الست اللعوب وقولتلها:
- عُلا القمر، ما تعرفيني مكان البيت ده
ضحكت ضحكة عالية وقالتلي:
- ده عمتي خدت مني خمس الاف جنيه عشان تروح، وانا عشان انتي صاحبتي هاخد الفين جنيه بس
بصتلها بتعجب، بقا دي الغبية الساذجة، كنت غضبانة بس حاولت اتمالك أعصابي، اتكلمت بهدوء تاني:
- خلاص وانا هديكي الفلوس بس تعرفيني أروح امتا
- عامةً باقي شهر وتخلص كل الموالد، وهوصفلك بعدها المكان تروحي، ومبروك عليكي الجواز من اللي قلبك يختاره كمان
حسيت بإثارة غريبة من كلامها، وعشت في أحلام اليقظة، العريس الغني اللي عنده عربية وبيت كبير، اللي هروح أعيش معاه عشان يعوضني عن كل حاجة وحشة حصلت في حياتي، لدرجة اني أهملت كل حاجة في حياتي وبدات أعيش في عوالم الحب والرومانسية..
وعدى الشهر بطئ أوي، بس في النهاية عدى، وقابلت عُلا، ووصفتلي بيت الشيخ فرحات، وتقريبا كان محتاج ساعتين مشوار، بس علا قالتلي انها حجزتلي، مسافة ما هروح في ميعادي هدخل على الشيخ على طول..
خدت العنوان وصحيت الصبح بدري عشان محدش يلاحظ غيابي، ركبت عربية من أول الشارع لحد ما طلعت على الطريق السريع، وركبت عربية تانية عشان اوصل..
الغريب ان وسط شرودي كان السواق مشغل قرآن، ولما انتبهت من شرودي كان القارئ بيقول:
- ولا تتبعوا خطوات الشيطان
الكلمة نزلت على قلبي قوية اوي، حسيت انها رسالة واني ماشية في طريق غلط، بس تجاهلتها، اعتبرتها صدفة في زمن مبيعترفش بكلمة الصدفة من الأساس..
وكملت في طريقي باختياري، كنت واخدة معايا مرتب شهرين من شغلي، عشان اقدم اضحية عند بيت الشيخ زي ما اتقال، وبعد ساعة ونص نزلت من العربية وركبت عربية تالتة عشان توديني العزبة اللي ساكن فيها الشيخ..
مفيش ربع ساعة ووصلت للبيت، كان بيت كبير اوي، فخم، وفيه ناس كتير، كأنك داخل فرح، صواني الأكل في كل اوضة والناس قاعدين بياكلوا بنهم، قابلتني واحدة ست وبلغتها بإسمي، ابتسمت وقالتلي:
- جيتي في ميعادك، تعالي الشيخ مستنيكي
دخلت معاها لجوة البيت، البيت اللي كان مضلم من جوة وشكله مخيف، كنا كل ما بنمشي لجوة كل دوشة حولينا بتختفي، كأننا بننفصل عن العالم كله، وبندخل لقلب كهف مظلم..
الست خدت مني مبلغ كبير عشان الاضحية اللي هتدبح بإسمي برة، عشان المساكين ياكلوا والامنية تتحقق، وبعدها جابتلي ديك صاحي خلتني امسكه وقالتلي ادخل الاوضة اللي في اخر البيت..
كان الباب لونه اخضر فيروزي، بيشع ضوء غريب، خبطت على الباب بإيد مرتعشة ودخلت، سمعت صوت الشيخ بيقول:
"سبع خطوات وهنعمل زار، وهنلعب بالزهر ويزول العار"
بصتله باستغراب وقولتله:
- عار ايه يا شيخ
- عار العنوسة وقلة الخطّاب
- ايوة يا شيخ انا فعلا عايزة شاب كويس يتقدملي
- هنحققلك المراد، وهنكشف عن الخطر
- وايه هو الخطر
في لحظتها لقيت الباب بيتفتح وفيه واحدة ست داخلة، مسكت طباشير ابيض ورسمت على الأرض سبع مربعات، ووقفت في ركن الاوضة بعد ما خدت مني الديك، الشيخ طلب مني أخطو على المربعات دي لحد أخر مربع..
حسيت بخوف من جوايا بس مكنش فيه تراجع خلاص، كل حاجة لازم تكمل للنهاية، خطيت السبع خطوات، لقيتها جابت دف ودخلت علينا ست كمان، وبدأوا يضربوا بالدُف حوليا ويتكلموا بكلام غريب، مش مفهوم، وبدأوا يهزوني بقسوة عشان اتمايل يمين وشمال معاهم، بل وواحدة منهم شدتلي الحجاب عشان شعري يتهز مع الميل يمين وشمال..
فضلت اتمايل واتهز معاهم، ومع ضربات الدف كان الايقاع بيزيد، وبحس بنشوة غريبة، كأني عايزة اتهز اكتر واكتر، الدف بيضرب وانا بتهز والصوت بيعلى، ووسط الصياح ده واحدة منهم دبحت الديك على راسي..
عشان الدم يغرقني، ومع ذلك كنت بتهز اكترواكتر معاهم، في اللحظة دي ومن ركن الاوضة شوفت كائن بشع واقف، معرفش ظهر منين، كان انسان براس تيس، عنده قرنين كبار وملامحه ملامح حيوانية شرسة، وكانت نظرته كلها تجاهي أنا..
انا حسيت بفزع رهيب وقتها، كأني واقفة قدام الموت نفسه، صرخت، صرخت بأعلى صوتي، حاولت أهرب رجليا مساعدتنيش ووقعت في الأرض، زحفت ناحية الباب بس الاتنين ستات مسكوني بقوة، كانوا مانعني اني اقدر أهرب، او حتى اتحرك..
الشيخ قام من مكانه ومسك راسي بقوة، كنت بنهج بفزع، ببرق ناحية مكان التيس المخيف ده، لقيته بصوت قاسي قال:
- شايفة ايه قوليلي
فضلت اتهز، جوايا رعب بياكل في كل خلية مني، عاوزة انطق، اهرب من الكيان ده مش عارفة، صرخ فيا تاني:
- شايفة ايه قولي
- تيس، شايفة تيس شكله مخيف
وقتها همهم بكلمات غريبة، ومسافة ما بدأ يتكلم التيس بقا بيتحرك ويخبط راسه بعنف في الحيطة، وبدأ يخرج منه صوت خوار غريب، وقتها اتنفضت اكتر، كنت عايزة أهرب من المكان كله بأقصى سرعة..
وبكل اللي باقي من طاقتي بدأت اصرخ من تاني، وقتها الشيخ اتكلم وقال:
- مس عاشق شرير، تجيلي تاني بعد يومين وإلا هتعيشي في جحيم
قمت من مكاني وجريت زي المجنونة، ومن الرعب والظلام خبطت براسي في الحيطة بتاعت الممر خبطة رجت روحي من جوة بسبب الوجع، بس كملت، طلعت اجري لحد ما خرجت اصرخ وسط الناس..
الكل تجاهلني، محدش قرب مني، اللي سمعته واتقال عليا
"دي ممسوسة والشيخ هيعالجها"
خرجت اجري في الشارع وانا ببكي ومنهارة، ومن راسي كان فيه دم كتير نازل، وقتها بس بصيت للسما، وقتها بس قولت بأعلى صوت
"يارب"
وكأن الاستجابة جت في لحظة واحدة، لقيت عربية بتقف على الطريق وصاحبها بيسألني "مالك يا بنتي"
بصيتله وانا تايهة، ايه ده، الراجل ده انا اعرفه، كان اسمه عم "سليمان" راجل طيب اوي، وبيته في بلدنا وكل الناس بتحبه، لقيته مسكني من دراعي بقلق وقالي:
- مين اللي عمل فيكي كدا يا داليا
- أأأا
-
وانهرت في بكاء حار، بكاء خرجت فيه خوفي ورعبي، وألم الخبطة وانهياري، متكلمش، خدني في العربية وداني المستشفى، غيرت على الجرح، واشترالي هدوم تانية غير اللي متغرقة بدم الديك ده، دخلت غيرت في حمام المستشفى، وجبلي مية وعصير واحتواني زي ابويا بالظبط..
وبعد ساعتين كنت هديت خالص، ابتسم وطلب مني احكيله كل حاجة..
وبدموع كتير حكيتله كل حاجة بالتفصيل، بداية من كلام عُلا، لحد اللي حصل في بيت الشيخ فرحات..
لقيته اتكلم بهدوء شديد وقال
"يا بنتي كل الأمور دي تعتبر شرك بالله، مظاهر الاحتفال بالموالد والتقرب من الاضرحة بنية استجابة الدعاء او الاولياء، ربنا يا بنتي لغى أي وساطة بينا وبينه، في أي وقت لو فرشتي المصلية وقولتيله عايزة اتجوز هيسمعك، ودايما بيختار لينا الخير لأنه إله كامل، واحنا بسبب تأخير الاستجابة بنظن انه مسمعناش، بس هو بيكون سمع، وبيكون مختارلنا الخير كمان"
" يا بنتي عُلا صاحبتك دي اللي بتقولي عليها ساذجة وغبية شغالة مع فرحات، سمسارة بتضحك على الناس عشان يروحوا، وهي اللي بلغته بسبب زيارتك له، وانتي من قلة تفكيرك مخدتيش بالك انها قالت ان فلان اتقدملها، بس فات شهر كامل وهي متخطبتش أصلا، بس انتي عشان اتعلقتي بالفكرة نسيتي تاخدي بالك من كل ده"
كلامه نزل عليا زي السكينة دبحني، انا ازاي مخدتش بالي من كل ده، كمل كلامه وقال:
" فيه حاجة يا بنتي اسمها القدر، والقدر ده اتكتب قبل ما تتولدي من الأساس، مكتوبلك في كتاب محفوظ هتتجوزي ولا لا، هتخلفي ولا لا، وهتخلفي امتا، وهتخلفي مين، كل دي اقدار هتحصل يعني هتحصل، كل اللي علينا اننا ناخد بالأسباب، نتقي الله ونستقبل القدر بنفس رضية، بالخير والشر، عايزة تتجوزي، اتقي الله في نفسك وارضي ربنا وادعي، واستني قدرك ايا كان، والله لو مقفول عليكي الباب ٢٤ ساعة، بس قدرك مكتوب بالزواج هتتجوزي، ولو بتخرجي كل يوم، ومش مكتوبلك مهما عملتي مش هتتجوزي، اعملي كل الأسباب اللي تخلي ربنا يرضى عنك، ومتتدخليش في الاقدار اللي كتبها ربنا، لأن كلها لينا خير، لو بلاء فهو بيرفع ذنب، ولو خير فهي خير، المهم الرضا، المهم نعرف انها دنيا متستاهلش نعصي فيها ربنا"
اتكلمت بخوف وقولت:
" طيب والمس العاشق اللي قال عليه الشيخ"
" ده ولا شيخ ولا زفت، انا ياما عملت معاه مشاكل زمان، ده نصاب، واللي شوفتيه ده واحد بيخرج من باب سري لابس لبس تيس عشان يخوفك، والدبايح وكل ده فلوس بياخدها ويستفيد منها، وبيوهم الناس انه بيطعم المساكين وهو دجال كبير، احترمي القدر يا بنتي، القدر اللي رغم انك مشيتي ورا دجال خلاني بالصدفة اجي المكان ده رغم اني مكنتش جاي، وخلاني اقابلك، واوديكي المستشفى، وارجعك البيت من غير ما حد هيعرف حاجة، شوفتي القدر جميل ازاي، لو بنتحاسب على افعالنا فالفعل بتاعك يستحق فضيحة، او حد مش كويس يشوفك، انما القدر هو الخير، وما علينا الا اننا ناخد بالأسباب اللي ترضي ربنا، ارضي بالقدر يابنتي، ارضي بيه"
وقتها بس ابتسمت وقولت" رضيت والله"
............
روي عن رضا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه بقضاء الله وقدره، أنه قال: "ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
.......