الفصل التاسع

629 24 2
                                    

9- من يحب من؟

جلست جولييت على العشب الأخضر وفي يدها كتاب مغلق , لم يكن بوسعها التركيز في المطالعة , كانت عيناها تراقبان زوجها وتانيا يلعبان كرة المضرب معا , ووصلت ضحكاتهما الى مسمعهما , يبدو أنهما يتمتعان بوقت سعيد.
أحست جولييت بغيظ شديد , ولسوء حظها , قررت السيدة لوزار أن تنضم اليها في ذلك الحين بالذات , فأقتربت منها وفي يدها كرسي جلست عليه قائلة:
" يبدو أن أبنتي وزوجك يقضيان وقتا ممتعا".
" أرى ذلك يا سيدة لوزار , لست عمياء".
" أيزعجك وجودهما معا ؟ أقدّر وضعك يا عزيزتي , لكن عليك التيقن من أمر مهم وهو : تفادي الشعور بالغيرة , فأصدقاء دورين مهمون لديه وليس تعقلا منك أن تتوقعي منه التخلي عنهم لأجلك".
" لم أطلب منك أي نصيحة".
وأشتعل الغضب داخل جولييت فأضافت:
" على أية حال , كنت على وشك الأنهماك في المطالعة".
" حتى جئت أنا وأضفت الى غضبك".
" لكنني لست غاضبة".
" لا تحاولي النفي , فالغضب ظاهر على وجهك بوضوح , والغيرة بادية في عينيك , أرجوك لا تقاطعيني , فما سأقوله سيؤلمك نوعا ما , كان دورين وتانيا من أعز الأصدقاء وأحبّا بعضهما حبا عميقا , لكن شاء القدر أن يفصلهما , ومن الواضح الآن أنهما نادمان على ذلك......".
" سيدة لوزار , هل لي أن أذكّرك أنك تخاطبين زوجة دورين؟".
" لا , لم أنس هذا الواقع المؤسف ,لكن أنظري اليهما , ألا تبدو عليهما السعادة لوجودهما معا؟".
وتنهدت السيدة لوزار ثم أضافت:
" منذ لقائهما من جديد وهما يقضيان معظم أوقاتهما معا , ألم تلاحظي أنهما لا يزالان يحبان بعضهما؟".
نسيت جولييت أن من عادة خالتها أن تظهر وقاحة وقلة تهذيب بالغتين كلما فتحت فمها , فذلك يعود الى طبيعتها المتغطرسة.
وأجابتها بلؤم:
" حديثك مجرد من أي تفكير , فأنت وقحة , وسلوكك مخز".
ألتقطت جولييت كتابها الملقى على العشب وأضافت:
" والآن أرجوك دعيني وحدي......".
" كيف تجرؤين على أنتقاد سلوكي بينما يدل تصرفك على قلة التهذيب؟".
لكن جولييت لسبب ما بدأت تشفق على خالتها ... أذ أدركت أن هذه المرأة تفتقد عنصرا أساسيا في حياتها : الحب , فهي لم تعرف الحب أبدا , قضت عمرها وهي محاطة بجدار من الكبرياء والعجرفة , مما جعل التقرب منها مستحيلا على أي شخص كان , والآن تغمرها خيبة أمل عميقة , كم كان بودها رؤية أبنتها كزوجة لدورين .... غمر الهدوء جولييت ومات الغضب في داخلها , وعندما خاطبت خالتها من جديد كان صوتها ناعما رقيقا:
" سيدة لوزار , يمكنك البقاء برفقتي أذا شئت لكن عليك التحدث في موضوع آخر".
" بكل سرور , خبّريني عن اليخت الذي يملكه دورين".
وأخذت جولييت تتحدث عن اليخت بينما كانت خالتها تتأملها بأمعان , ولم تمر أكثر من لحظات معدودة حتى سمعت خالتها تهتف بصوت عال:
" الصوت! أنه صوتك , يذكّرني بصوت أميلي , أدركت منذ لقائي بك أن صوتك مألوف لدي لكنني عجزت عن تعيين التشابه".
" أميلي ؟ أبنة أختك التي هربت؟".
" نعم , كيف تعلمين ذلك؟".
" أخبرتني تانيا".
" ماذا أخبرتك عنها؟".
" القليل , يبدو أنكم لم تهتموا بأمر هروبها".
ظهر العبوس على وجه خالتها لكنه كان ناتجا عن أمر آخر يقلق تفكيرها فقالت:
" الصوت نفسه والأسم نفسه".
" الأسم؟".
" نعم , أسم أميلي الآخر كان جولييت أيضا".
" صدفة غريبة".
وفي هذه اللحظة وصل دورين وتانيا لينضما اليهما , وقالت تانيا لاهثة:
" كانت لعبة ممتعة حقا".
" دورين لماذا لا تأخذ تانيا الى الداخل لتتناول شرابا مرطبا؟".
وأنقبض قلب جولييت عندما سمعت خالتها تتفوه بهذه الكلمات , وقررت التدخل فقالت:
" حان وقت الأستعداد لطعام اغداء".
وهمّت بالذهاب ثم أضافت:
" دورين , هل سترافقني؟".
" فيما بعد".
أحتقن وجه جولييت غضبا , لكنها أبتلعت كلماتها وتوجهت الى الداخل , وعندما وصلت صالة الفندق تذكرت أنها تركت كتابها على العشب في الخارج , فعادت أدراجها على مضض , لم تكن تريد العودة الى هناك , وبينما كانت تقترب منهم تخفيها الأشجار سمعت خالتها تقول:
" تانيا! عرفت بمن تذكرني جولييت".
" بمن؟".
" بأميلي , فالصوتان متشابهان تماما".
" صحيح , الصوت دون شك , دورين ألم تلاحظ هذا التشابه بينهما؟".
" لا أعتقد".
" هذا لأنك لم تظهر أي أهتمام بأميلي".
وقالت السيدة لوزار:
" أليست صدفة غريبة ؟ فأميلي تدعى جولييت أيضا".
فصاح دورين لسماعه ذلك :
" صحيح؟ لم أكن أعلم ذلك".
" هذا لأننا كنا نفضل مناداتها أميلي , فأمي قررت أن أسم جولييت لا يلائمها".
" ماذا؟ أتعنين أن أميلي أسم أخترتوه لها؟".
" كانت تفضل أن ندعوها جولييت , أميلي أسمها الثاني ,لكن ألا ترى أن جولييت أسم لا يوافق قباحة مظهرها؟".ولسماعها ذلك قررت جولييت العودة الى الفندق قبل أن يلاحظوا وجودها , وقبل ان تفقد السيطرة على هدوئها وتتفوه بكلمات ستندم عليها في النهاية , فعادت الى غرفتها حيث همّت بالأستعداد لتناول طعام الغداء.
دخل دورين بعد لحظات قليلة فقالت له:
" أعليك قضاء معظم أوقاتك برفقة تانيا ؟ يحسب الناس أنك تزوجتها بدلا مني".
" ومن أين لك الحق بالأعتراض ؟ فقدت جميع حقوقك كزوجتي حين أعترفت لي بالسبب وراء زواجك لي".
" لكن تانيا تهزأ مني".
" ليكن ذلك درسا لك".
" لست على أستعداد لتحمّل هذا الوضع , لن أسمح لك بهمالي على هذا الشكل".
أقترب منها دورين وأمسك بذراعها بقوة جعلتها تصرخ ألما وقال :
" لا أتلقى أوامر من أمرأة , أتفهمين ذلك؟".
" دورين أنك تؤلمني".
" وسأستمر في تعذيبك حتى يصبح واضحا لديك أنك هنا تتلقين الأوامر ولا تصدرينها , فألزمي مكانك وألا ندمت ". وتخلى عنها متوجها الى الباب فقاطعته بصوت مرتعش:
" هل ستتصرف على هذا النحو طيلة بقائنا هنا؟".
" وماذا تعنين ( عل هذا النحو ) ".
" أعني هل تنوي تمضية أوقاتك برفقة تانيا وتركي بمفردي؟".
" نعم أنوي التمتع بوقتي وبرفقة تانيا".
نظر اليها بأزدراء وسخرية ثم أضاف :
" آسف أذا أزعجك الوضع , لكن اللوم يقع عليك".
" أذن تود الأنتقام؟".
" ولماذا يهمك الأمر ؟ فأنت تنوين الأنفصال عني في السنة القادمة".
الأنفصال ...... نعم ذلك مشروعها من دون شك , لكنها أدركت الآن أن الأنفصال عن دورين سيمهد الطريق أمام تانيا للأستيلاء عليه.
" لنفرض أنني قررت ألا أنفصل عنك؟".
" قرري ما تشائين لكن بقاؤك معي سيكون خاضعا لشروط عليك التقيّد بها".
" وما هي؟".
" القبول بأن تلعبي دور الزوجة اليونانية".
" أن أصبح عبدة لك ؟ أبدا".
لم يجب دورين بل فتح باب الغرفة وخرج.
راحت تانيا تتجول داخل اليخت متأملة أرجاءه معبرة عن أعجابها وتقديرها ورغبتها بالسفر على متنه.
وقال لها دورين:
" رغبتك ستتحقق فأنت مدعوة للسفر معنا الى زاسوس , ما رأيك؟".
" دورين هذا لطف منك , أمي مضطرة للعودة الى أنكلترا لكن بأمكاني البقاء من دون شك".
وقالت السيدة لوزار مخاطبة أبنتها , وغير مبالية لوجود جولييت :
" بكل تأكيد يا عزيزتي , لا تدعي فرصة كهذه تفلت من يدك".
تجمد الدم في عروق جولييت , فهي للمرة الثانية في حياتها تخضع للذل والأهانة ومن الرجل نفسه , معاملته لها أشبه بمعاملة السفاح لضحيته , لن يطول تعذيبه لها فهي ستغادره حال وصولها الى زاسوس.
" أعلينا مغادرة ايخت الآن؟".
وأجاب دورين على سؤال تانيا:
" لا تنسي أن اليخت في حالة تصليح , لا نستطيع البقاء هنا لوقت طويل".
" آه , صحيح , نسيت ذلك يا عزيزي دورين".
وتوجهوا الى الفندق من جديد , كانت جولييت تتمنى لو أن بمقدورها مغادرة دورين على الفور , فهي لم تعد تقوى على تحمل المزيد من الأحراج , لكنها لم تر أي سبب يدعوها للرحيل الى أنكلترا مباشرة , تاركة حاجياتها في زاسوس , وخاصة أنه لم يكن بجعبتها سوى القليل من المال.
قضى دورين معظم أوقاته برفقة تانيا خلال الأيام الثلاثة التي تلت , بقيت جولييت بمفردها فقررت أن تستغل فرصة وجودها في رودس لزيارة الأماكن الأثرية المهمة , كانت صباح كل يوم تنضم الى مجموعة من السياح للتجوال حول الجزيرة:
وسألها دورين مرة خلال تناولهما طعام الفطور:
" الى أين ستذهبين اليوم".
" ولماذا يهمك الأمر؟".
" مجرد لباقة مني لا أكثر".
" شكرا , لا تزعج نفسك".
" جولييت أريد منك الأعتناء بنفسك".
لم تجب جولييت , كانت تحاول تفسير عواطفها نحوه ,لماذا يؤلمها أهماله لها؟ لماذا تشعر بعذاب رهيب يمزّق أحشاءها ؟ أهي تعاني من الغيرة؟ لا .... مستحيل...
" لم تسعدني دعوتك تانيا لمرافقتنا الى زاسوس".
" ولم لا ؟ فتانيا صديقة أعرفها منذ زمن".
ضحكت جولييت وأجابت:
" أنت أول رجل يرافق أمرأة أخرى خلال شهر العسل مع زوجته".
" وما الذي يجعلك تعتقدين أنها كانت أمرأتي؟".
" كانت في الماضي ومن الأرجح أنها عادت تتربع على لعرش نفسه".
" كانت ؟ ومن أخبرك ذلك؟".
" لا أحد , أعرف ذلك".
قال وهو ينظر اليها بأمعان :
" تعرفين ذلك؟ أمر غريب".
" وأين الغرابة ؟ الأمر واضح".
" توصلت الى أفتراض خطير وعليك الآن تزويدي بتبرير له".
" لست مستعدة لدعم أفتراضي أو أيجاد تبربر له , يكفي أنني أعلم أنكما كنتما عاشقين في الماضي".
وساد الصمت بينهما , بدا التفكير على وجه دورين ثم قال :
" كما أخبرتك سابقا , أنك تثيرين حيرتي , فهنالك غموض يحيط بك".
وبدا عليه العبوس ثم أستطرد قائلا:
" وكأن هناك شيئا تخفيه عني , مما يجعلني أتساءل من جديد عن هدف زواجك مني".
" تعرف الهدف".

🌿اعدني الي احلامي🌿ان هامبسون 🌿 روايات عبير القديمه 🥀 Where stories live. Discover now