الفصل الأول

1.8K 45 1
                                    

- البداية

قرية دورست الواقعة في منطقة هافيغتون , قرية ريفية هادئة , منعزلة عن ضوضاء المدن وضجيجها , سكانها عاديون , نادرا ما يقع في حياتهم أي حدث مثير , أو خارج عن نمط الحياة اليومية ورتابتها ذات الأيقاع الواحد , فوصول رجل غريب مثل السيد دورين كوراليس , لا شك أذهل سكان القرية ووضعهم في حالة أثارة ودهشة وتساؤلات , دورين كوراليس , يوناني , وسيم الطلعة , طويل القامة , بات محور حديث سكان القرية.
أعلنت السيدة بوترتون , المسؤولة عن مركز البريد المحلي , مخاطبة السيد غودفري , بعدما غادر دورين الغرفة وهي تلاحقه لنظرات ملؤها الأعجاب.
" يبلغ طوله ستة أقدام وثلاث بوصات".
" نعم , من المؤكد أن الآنستين في منزل عائلة لوزار , تتنافسان لنيل أعجابه".
" تانيا تفوز دائما بأعجاب الرجال , أما جوليتت ,فلم تهبها الطبيعة أي جمال يؤهلها حتى لمنافسة أبنة خالتها".
" لا شك أنها ستغادرهم عندما تبلغ السن القانونية".
" مسكينة , يعاملونها مثل الخادمة تماما , فمنذ وفاة والديها من جراء حادث سيارة وهي تعيش تحت رحمة عائلة لوزار , تبعا لقرارهم بالأعتناء بها وتبنيها , قالوا أنها ستكون رفيقة لأبنتهم تانيا , وذلك يخفف من وحشة الطفولة المستوحدة , لكن جولييت لم تلق منهم ألا معاملة قاسية جافة , وها هي الآن في السابعة عشرة من عمرها وعليها أن تتولى تنظيف المنزل بكامله وترتبه بمفردها".
أنهى السيد غودفري حديثه , وتنهدت السيدة بوترتون ثم قالت :
" سمعت أن تانيا واليوناني أمضيا سهرة عشاء ورقص في فندق الصحراء".
ثم قالت السيدة غولد سميث التي كانت قد دخلت قاعة البريد خلال الحديث:
" يبدو أن السيد والسيدة لوزار دعيا السيد كوراليس للمكوث في منزلهما مي يكون برفقة تانيا .... راجيين أن يتم زفاف أبنتهما له في المستقبل العاجل , صحيح أن حالتهما المادية لا بأس بها , لكنهما ليسا أثرياء كما تعلمون , فدورين كوراليس أبن مليونير , يملك أبوه مراكب بحرية تجارية , ومن الطبيعي أن يسعيا لضمه الى عائلتهما".
وقالت السيدة سويل التي لسبب ما , لا تحمل أي مودة لجوليت:
" تانيا ودورين يشكلان ثنائيا رائعا , هذا أمر ظاهر , وأنا شخصيا سأسعد لرؤيتهما معا كزوجين".
لكن السيدة غولد سميث التي لا تشاركها هذا الرأي قالت:
" بالنسبة لي أرغب لو تفوز جولييت بأعجابه , فذلك يبرهن لتانيا وأهلها أن جولييت غير الفتاة المنبوذة الضائعة التي يحاولون أن يوهمونا بها".
صاحت السيدة سويل:
" جولييت".
وظهر الأشمئزاز على وجهها:
" لكنها قبيحة".
قاطعها السيد غودفري قائلا:
"ليست قبيحة , متوسطة المظهر بالأحرى , لنكون أكثر أنصافا , ولها عينان جميلتان وبشرة ناصعة.....".
" لا تملك ثقة النفس والرشاقة التي تتحلى بهما تانيا , خجولة جدا , لدرجة غير أعتيادية , مما يجعلني أتساءل عما أذا كانت تتصنع الخجل".
صاح السيد غودفري:
" تتصنع الخجل؟".
ثم تابع قائلا:
" لكن جولييت لم تزل في السابعة عشرة م عمرها , بينما تانيا لها أحدى وعشرون سنة من العمر".
قاطعته السيدة بوترتون:
" لا تنس أن جولييت لم تر شيئا من هذا العالم بعد , فهي سجينة في منزل خالتها وعائلتها , حتى أنهم رفضوا أصطحابها معهم الى اليونان في السنة الماضية حين ذهبوا لقضاء عطلة الصيف".
" خلال العطلة تمت معرفتهم بالسيد كوراليس , أليس كذلك؟".
" نعم , ألتقت تانيا به في مكان ما ثم قدمته الى والديها , من الأرجح أنهم أستمروا في مراسلته حتى نجحوا في دعوته لقضاء بضعة أيام في ضيافتهم".
" يبدو لي أنه يختلف تماما عن عائلة لوزار".
" وما تعنين بذلك؟".
" يظهر أنه يفوقهم مكانة في المجتمع , ثم أنه لا يبتسم أبدا , من النوع الذي يصعب التقرب منه , مما يجعلني أعتقد أنه يعتبر عائلة لوزار دون مقامه".
" كنه مهتم بتانيا".
في هذه اللحظة كانت تانيا تواجه أبنة خالتها وفي نظرتها غضب شديد , كانت تحمل فستانا أسود رمته في وجه جولييت قائلة:
" قلت لك منذ الأسبوع الماضي , أنه يحتاج للتصليح".
" هذا غير صحيح , قلت لي أنه يحتاج للتنظيف فقط".
" أذكر جيدا ما قلته لك , هيا قومي بتصليحه حالا , سأحتاج لأرتدائه هذا المساء".
أجابت جولييت:
" آسفة".
ثم أضافت وهي تحمل الثوب بعناية شديدة:
" سأصلحه حالا".
كانت تانيا ما تزال ترمق أبنة خالتها بحقد وغضب , وقالت:
" ثم عليّ أن أحذّرك أن تكفي عن محاولة لفت أنتباه دورين , فذلك يزعجه تماما".
" لكنني لم أحاول ذلك قطعا".
ضحكت تانيا بسخرية وقالت:
" ربما يجب أن أذكّرك أيضا , أنك بسيطة المظهر ويعتبرك دورين قبيحة , أتسمعين؟ فلا تحاولي أزعاجه من جديد".وفجأة قالت تانيا:
"لماذا صبغت شعرك؟".
ثم أطلقت ضحكة زنانة وأضافت:
" أعلم السبب , فعندما عدت من عطلة الصيف في اليونان , أطلعتك على صورة لدورين , وذكرت لك أنه يفضّل السمراوات , وعندما علمت أنه قادم الى أنكلترا بسبب أعماله , وأنه سينزل ضيفا في منزلنا لبضعة أيام , قررت صبغ شعرك أسود لجذب أنتباهه , أليس كذلك يا أميلي؟".
" أميلي ليس أسمي , أعني أنه ليس أسمي الأول , وطلبت منكم جميعا مرات عديدة أن تدعوني جولييت".
" أسمك أميلي في هذا المنزل , كان ولم يزل منذ مجبئك للمكوث معنا".
" لكن والدي أطلق علي أسم جولييت".
" ربما , لكننا نفضل دعوتك أميلي , لنعد الى موضوعنا السابق ,لماذا صبغت شعرك ؟ هيا قولي لي , يا لك من مسكينة , وقعت في حب صورة والشعر الأسود لم يساعدك أبدا , فدورين لم يلاحظ حتى وجودك".
أميلي!".
سمعت جوليت صوت خالتها تناديها من المطبخ , فأسرعت وفتحت باب الغرفة مجيبة:
"نعم خالتي؟".
" تعالي نظفي المطبخ , وعند أنتهائك أجمعي الحطب وزوّدي المدفأة لهذا المساء".
" نعم خالتي".
رمقتها تانيا بنظرة أزدراء وقالت:
" يا لك من جبانة , تخشين الأعتراض لأوامر أمي".
قاطعتها جولييت بصوت مرتعش خافت:
" ذات يوم , يا تانيا , ذات يوم سأملك الشجاعة الكافية للمقاومة".
وغادرت جولييت الغرفة وفي يدها ثوب تانيا الرائع.
في اليوم التالي قصدت جولييت مركز البريد لشراء بعض الطوابع.
قالت السيدة بوترتون:
" أهلا أميلي..... المعذرة أقصد جولييت".
ثم أضافت:
" ليس من السهل يا عزيزتي أن نتذكر أنك تفضلين أن نناديك جولييت بدلا من أميلي , لقد أعتدنا أن ندعوك أميلي لوقت طويل".
أومأت جولييت رأسها وهمّت بالو قصتها من جديد.
" كما تعلمين كنت في السادسة من عمري حين تولّى زوج خالتي وخالتي أمر تربيتي , وكما أخبرتك سابقا أسمي في تذكرة النفوس : جولييت أميلي هاردي".
أجابت السيدة بوترتون مقاطعة جولييت بلطف:
" نعم يا عزيزتي أذكر".
" لا حاجة للشرح من جديد".
ترددت جولييت قليلا لكنها قررت أن تكمل قصتها:
" كان والدي يدعوني جولييت دائما , لكن خالتي مود قررت أنها لا تحب هذا الأسم".
" لكنه أسم لطيف , لا أدري لماذا فضلت خالتك أسم أميلي بدلا من جولييت".
" هكذا حصل , وأرغمتني على قبول أسم أميلي ومنذ ذلك الحين يناديني الجميع بهذا الأسم".
شردت جولييت تتذكر الماضي وذلك اليوم الذي واجهتها فيه خالتها تعلمها أن أسمها منذ ذلك الحين , سيكون أميلي , وحين أعترضت جولييت والدموع تملأ عينيها , شارحة لخالتها أنها تكره أسمها أميلي وهي معتادة على أسم جولييت , أجابت خالتها بغضب:
" الأمر يعود لي , وعليك أن تتعلمي أمرين : الطاعة والأمتنان".
وبعدها أمرت السيدة لوزار أبنة أختها بكتابة هاتين العبارتين مئة مرة , كي لا يغادرا ذاكرتها أبدا.
" وهكذا يعرفني الجميع بأسم أميلي".
وفي هذه الأثناء كان السيد غودفري قد دخل دائرة البريد.
وهمست السيدة بوترتون:
نعم , أذكر عندما جاءت خالتك الى هنا قالت أنها وزوجها قد قررا تبنّيك , وأن أسمك أميلي لوزار".
" كان جولييت هاردي سابقا , وذات يوم سيعرفني الجميع بأسمي الصحيح".
قال السيد غودفري:
" وبلون شعرك الطبيعي أيضا".
ثم تابع :
" شعرك الأشقر جميل كما هو".
" أردته أن يكون بلون شعر تانيا ".
سألها السيد بوترتون:
" ولأي سبب؟".
وساد الصمت برهة , شرد ذهن جولييت تتذكر السبب الذي جعلها تغيّر لون شعرها من أشقر الى أسود.
فمنذ أن وقع نظرها على صورة دورين , غمر كيانها شعور غريب , أحست بهذا الشعور من جديد حين علمت أنه سيزور منزل خالتها , وتملكتها رغبة شديدة في أن تلفت نظره اليها , أرادت أن تفعل ما بوسعها لجذب أنتباهه , فصبغت شعرها بالأسود لعلمها أنه يفضّل السمراوات.
وردا على سؤال السيد غودفري , الذي لم ينتظر جوابا , قالت:
" ليس هناك أي سبب معيّن , أردت فقط أن يكون شعري أسود".
" من رأيي , أن على كل فتاة أن تقبل بما وهبتها الطبيعة من لون وجمال".
وبينما تابع السيد غودفري حديثه مخاطبا السيدة بوترتون , لاذت جولييت بالصمت , كانت تفكر بما قاله السيد غودفري , لم تهبها الطبيعة ألا القليل , بيما الأمر يختلف كليا بالنسبة لتانيا , قررت جولييت أن الأختلاف بينهما يعود الى التكوين الأساسي في عظام الوجه , وهو واقع أشبه بالقدر لا يمكن تغييره , ولم تكن محاولتها في لفت نظر دورين اليها , ألا فكرة غبية فاشلة.
وباتت تعرف تقاسيم وجهه بأدق تفاصيلها وأنطبعت عيناه السوداوان الكحليتان في مخيلتها , أما طيفه فكان يسكن أحلامها ليليا.أيقظتها ضحكة السيد غودفري من شرود أفكارها , وسألتها السيدة بوترتون قائلة:
" كم سيطول بقاء السيد كوراليس في ضيافة خالتك وزوجها؟".
"لا أعلم بالضبط , أعتقد أنه مرتبط بعمله في لندن".
" سمعت أنه يتولى أدارة أعمال والده".
أومأت جولييت رأسها وقالت:
" نعم , أخبرتني تانيا أن والده يعاني من صحة سيئة , وأن دورين المسؤول الوحيد عن جميع أعماله".
" سيرث ثروة ضخمة ذات يوم".
" لا شك في ذلك".
" سيترك رحيله فراغا كبيرا في حياة أسرة لوزار , لا بد أن وجوده برفقتكم كان له أثر سعيد".
" في الحقيقة ,يقضي معظم أوقاته برفقة تانيا , فهو صديقها قبل أن يكون ضيفا ألأسرة لوزار".
" سمعت أنه يقطن في جزيرة رودس".
" صحيح , كان يقطن هناك , ففي رودس تم لقاؤه بتانيا".
" هل يعيش مع والده الآن؟".
" يزور والده بأستمرار , سمعته يقول لخالتي ( مود) أنه ينوي السكن في جزيرة زاسوس , حيث أشترى منزلا مؤخرا , وأعتقد أنها جزيرة رائعة الجمال كما وصفها دورين, فمنازلها بيضاء مكسوة بالأزهار التي تتدلّى من جدرانها , وتملأ حدائقها , وبحرها رائع بزرقته الدائمة"
قال السيد غودفري وقد قطب حاجبيه:
" كان عليهم أصطحابك معهم".
" أنها مسألة تكلّف كثيرا من المال".
" لكنك منذ صغرك لم تحصلي على أجازة".
" ذات يوم في المستقبل ستكون لي عطلة ولا شك".
" أنك على صواب , فهذا ما أعتقده أيضا , أي بلد ستختارينه لقضاء عطلتك؟".
" اليونان طبعا , أرغب في زيارة الجزيرة التي يسكنها دورين".
وغادرت جولييت البريد منطلقة بسرعة نحو المنزل , حيث أستقبلتها تانيا بصوت ساخط:
" يا لك من مخلوقة كسولة".
وصاحت قائلة:
" أين كنت؟ حذائي بحاجة للتنظيف , أذهبي ونظّفيه حالا وكما ينبغي".
" لكنني لا أهمل واجباتي أبدا".
" كفي عن أجابتي , لعلك نسيت أنك تعيشين هنا تحت ظل أحساننا نحوك".
لم تجب جولييت , كيف لها أن تنسى ذلك وهو أمر يتردد على مسمعها كل حين , من قبل تانيا أو خالتها أو زوج خالتها , هرعت الى غرفة الغسيل وفي يدها حذاء تانيا , ووجدت عند وصولها مزيدا من األأحذية التي تحتاج للتنظيف , وسرت في عروقها دماء باردة , كم تود لو أن بوسعها أن تهرب , أن تهجر هذا المنزل وسكانه ,ولكن ألى أين؟ وليس بجعبتها ألا القليل من المال , قطع حبل أفكارها دخول خالتها الغرفة وفي يدها كومة من الأغطية الوسخة ...... وقالت:
" هذه بعض الأغطية تحتاج للغسيل".
وتركت الحجرة , سمعت جولييت خالتها تتحدث الى تانيا في الغرفة المجاورة:
" ...... لا تلومي ألا نفسك , ليست الغلطة غلطتنا أذا لم يعرض دورين عليك الزواج بعد".
وتلاشت أصواتهما حين تركا الغرفة وتوجها الى قاعة الجلوس.
شعرت جولييت كأن طعنة غاصت في قلبها , مجرد فكرة زواج تانيا بدورين تجعلها تتمنى الموت , لكنه لم يعرض عليها الزواج بعد , وفي أعماقها كان قلب جولييت يتوسل بصمت:
" لا دورين, لا تتزوج تانيا , أنتظرني أرجوك".
لكن دورين لم يكن يلاحظ حتى وجودها , فهي مجردة من أي جمال أو جاذبية , بينما جمال تانيا يبهر أي رجل يقابلها , تانيا أنيقة , رشيقة , تتقن أسلوب التحدث والتصرف في المجتمع , ولا شك أنها تلائم دورين الذي يتحلى بشخصية مرموقة ومظهر وسيم , وثقة قوية في نفسه وأمكانياته , وفي رأي جولييت أنه أجمل وأذكى رجل تعرفت عليه , هذا ما أستنتجته حين تمّ لقاؤهما لأول مرة , عندما وضعت يدها الصغيرة المرتعشة في يده لتحييه قائلة:
" أهلا".
وتولت خالتها أمر شرح سيرة حياتها لدورين قائلة:
" أميلي تكون أبنة أختي التي توفيت وزوجها في حادث سيارة , كانت أميلي في السادسة من عمرها حين تولينا أمر تربيتها والأعتناء بها , محاولين جهدنا أن نهبها الحب الذي فقدته".
وشردت أفكار جولييت الى ذلك اليوم حين وقع نظرها على دورين لأول مرة , أطلعتها تانيا على صورته , أحست جولييت بشعور غريب يغمر كيانها , وحاولت بشدة أقناع نفسها أنه من المستحيل أن تكون قد وقعت في حبه بهذه السرعة , وأن ما تشعر به مجرد أحساس بالغبطة لظهور رجل غريب ومثير في أطار حياتها المملة , خاصة أنه قادم من بلاد الأغريق..... بلاد قرأت عنها الكثير , لكنها ما زالت غامضة في ذهنها , تماما مثل دورين , لكن جولييت وجدت أنها تواجه شعورا قويا تحمله أتجاه دورين , أضطرت أن تخضع للواقع وهو أنها تحبه , الحب الأول في حياتها , فدورين الرجل الوحيد الذي أيقظ فيها هذه المشاعر , لا تعرف أي رجل آخر , بينما يختلف الأمر بالنسبة لتانيا التي تنعّمت بحياة أجتماعية مثيرة , تعرّفت خلالها على رجال كثيرين منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها.يغمر جولييت شعور بالنقص كلما قارنت نفسها بتانيا , وينبع هذا الشعور لا من أختلاف المظهر بينهما فحسب , بل من مكانتهما الأجتماعية أيضا , نشأت جولييت ضمن عائلة لم تهبها ألا القليل , بينما كرست هي أعواما من حياتها لخدمة هذه العائلة ,والأعتناء بحاجاتها وتدبير أمورها المنزلية... أشبه بخادمة , حتى شعرت مرارا بأنها أدنى من خادمة , فالمعاملة التي تلقتها من عائلة لوزار معاملة جافة , قاسية , مجرد من أي أحترام أو شفقة أو أعتبار , والحل الوحيد لأنهاء هذه الحياة التعيسة هو الهرب...... شعلة الأمل الوحيدة في أفق مخيلتها , شعلة تتمسك بها بقوة آملة ألا تنطفىء وألا بقيت هي في هذا السجن المرير , تحت السقف الأبدي , في منطقة صغيرة من العالم كادت تمقت جميع أرجائها.
فجأة سمعت صوت تانيا تنادي من بعيد:
" أميلي...... هل أنتهيت من تنظيف حذائي؟".
ودخلت تانيا الغرفة لتجد جولييت منهمكة بتنظيف الأحذية الباقية , وقالت هذه:
" نعم , تجدين حذاءك هناك".
" أذن , آتني به".
ضغطت جولييت على شفتها محاولة كبت الغضب الذي يغلي في أعماقها , باتت لا تحتمل طريقة معاملتها , وتتمنى لو تجد حلا لهذا الوضع....الى متى تذلّ هكذا؟ أجابت بغضب:
" لن يضرّك أن تنحني قليلا وتخدمي نفسك".
لكن تانيا أصرت على الجمود وأجابت بجفاء:
" آتني به حا".
عندئذ أطاعت جولييت ...... وأحضرت الحذاء لأبنة خالتها التي أنتزعته منها بغضب وراحت تتفحصه بدقة , وقفت جولييت تتأمل تانيا , ثم خطر على ذهنها أمر مهم كانت تفكر به منذ وقت طويل , فقالت:
" سأسأل خالتي أن كان بأمكاني الألتحاق بلمعهد التجاري للتخصص كسكرتيرة".
" لكنك سألتها من قبل".
" سأسألها من جديد".
توقفت جولييت عن الكلام حين فوجئت بدخول خالتها الى الغرفة , وسألت هذه بصوت قاس , مجرد من أي لطف:
" ما هذا الذي سمعته؟".
فأجابت جولييت بصوت مرتعش:
" كنت أقول أنني أرغب في الألتحاق بالمعهد التجاري لأكتسب تدريبا في حقل الشؤون المكتبية , أذا كان الأمر ممكنا طبعا".
" لكننا عالجنا هذا الموضوع من قبل , وكما قلت لك من قبل , أن زوجي قد صرف ما يكفي من المال على تربيتك المدرسية , وليس من اللياقة أن تتوقعي منه المزيد....... يا لك من جاحدة ناكرة للجميل".
" لكنني أعده بتسديد جميع التكاليف".
صاحت تانيا:
" أبي ليس مليونيرا".
وأضافت :
" لقد كلّفته ما يكفي".
شحب لون جولييت , وأستطردت تشرح لخالتها وتانيا أنه من الطبيعي أن تفكر بالمستقبل , وباليوم الذي تعيش فيه لوحدها....
"..... ثم أرغب بالسكن في منزل مستقل".
" أتعنين أن هذا المنزل لم يعد يليق بحضرتك؟ يا لك من فتاة بغيضة , ربما نسيت أنه لو لم يتولّ أهلي تربيتك لكنت نشأت في ميتم".
حينئذ وصل زوج خالتها متسائلا عما يجري , فسمع جولييت تقول:
" أذن , عليّ أن أمكث هنا وأبقى في خدمتكم طوال حياتي , خادمة مجّانية".
وما أن سمع زوج خالتها هذا , حتى قاطعها بصوت صارم:
" أذهبي الى غرفتك حالا , وأمكثي هناك حتى تقرري أن تعتذري لنا".

🌿اعدني الي احلامي🌿ان هامبسون 🌿 روايات عبير القديمه 🥀 Where stories live. Discover now