الفصل الثالث

675 22 0
                                    

3- الماضي لم ينته.......

" لا أفهم لماذا أتخذت عائلة لوزار على عاتقها أمر تربيتك؟".
" لم يكن ذلك ناتجا عن حبهما لي , هذا واضح , لكن خالتي أخبرت بعض الناس في القرية , أن تانيا تحتاج الى رفيقة تلعب معها , فخالتي لم تعد قادرة على أنجاب مزيد من الأطفال , وبعد مقتل أهلي في حادثة السيارة , قررت أن أنضمامي لعائلة سيخفف من وحدة تانيا".
تنهدت جولييت أذ أعادتها الذكريات الى طفولتها الحزينة , كم مرة تقبلت اللوم لما فعلته تانيا , وفي مناسبة الأعياد كانت هدايا تانيا تفوق سعرا وعددا تلك التي تلقتها هي , حتى ثيابها لم تكن ألا تلك الثياب التي ملّت تانيا من أرتدائها , فرمتها لجولييت , كم من مرة ذكّرتها خالتها أن تشكر القدر لحسن حظها وأ تظهر لزوج خالتها الأمتنان لأنه أحتضنها في منزله , وتكلّف عليها الكثير أزاء تربيتها المدرسية , كم من مرة سمعت جولييت هذا اللحن ,,فأن لم تنشده خالتها , فلا بد أن تتولى تانيا القيام بهذه المهمة , وهكذا مرت عليها الأيام وبلغت ربيع عمرها , وحن عبّرت لخالتها عن رغبتها بمتابعة دراستها والألتحاق بالمعهد التجاري , كان الجواب بالنفي , وقالت خالتها أن عليها أن تبقى في المنزل للقيام بأمور التنظيف والترتيب وغيرها , أحست جولييت برغبة جامحة لزيارة قريبها دورست , مضى على غيابها ثماني سنوات , لا بد أن القرية تغيرت كثيرا ,ترى ماذا حصل لعائلة لوزار؟
هل تزوج دورين تانيا؟ أمر ممكن , لكن جولييت لا تعتقد ذلك , فكما قالت لماغ , من المعروف عن الرجال اليونانيين أنهم لا يتزوجون من يعشقون.
سألت ماغ:
" كم عمر دورين كوراليس؟".
فأجابت جولييت :
" أربعة وثلاثون , كان في السادسة والعشرين من عمره عندما زارنا في قرية دورست".
" ما زال شابا أذن , كنت أعتقد أنه أكبر نا من ذلك".
" كان ناضجا بالنسبة لعمره دون شك , فهو خاض الحياة الأجتماعية في سن باكرة , تعرّف على نساء عديدات , لا بد أنه بلغ حد الملل الآن , أو ربما أستقر ضمن حياة زوجية برفقة أمرأة أنجبت له دزينة أطفال".
وراحا يضحكان معا لهذه الفكرة , ثم أضافت جوليت :
" دورين من النوع الذي يمل حياة مستقرة كهذه , فلا شك أنه وجد لنفسه عشيقة تملأ أوقات فراغه وتضيف عنصرا من الأثارة الى حياته الزوجية الرتيبة".
نظرت اليها ماغ نظرة تساؤل وقالت:
" كيف أحببت شخصا كهذا؟".
" كان عندئذ بالنسبة لي أشبه بأمير أحلامي , شغفت بمظهره الخارجي ولم أهتم بمعرفة أخلاقه وطباعه".
" أستكرهينه الى الأبد؟".
" نعم وأن أتيحت لي الفرصة يوما , لن أتردد في تحطيمه وجعل حياته جحيما طالما هو على قيد الحياة".
" جولييت كيف تقدرين على عمل شنيع كهذا , وأنت الفتاة الرقيقة اللطيفة التي عرفتها طيلى هذه المدة؟".
" لا تجزعي , فشعوري نحو دورين طبيعي جدا , خاصة بعد ما سبّبه لي".
" أذن علي أن آمل ألا يجمعكما القدر من جديد أبدا".
" لا أعتقد أن ذلك ممكن , فهو يعيش في اليونان وأنا هنا".
" رغم رغبتي ألا تصادفا بعضكما من جديد , فلا بد أن اللقاء به سيكون بمثابة نقطة نحوّل خطيرة في حياتك".
" صحيح".
" هناك صوتك طبعا , العنصر الوحيد الذي يصلك بالماضي , لكنه لن يعرفك من خلال صوتك فهذا أمر مستحيل".
" خاصة بعد ثماني سنوات , أعتقد أن صوتي تغيّر نوعا ما , لكن حتى لو لم يتغير فدورين لن يذكر نبرته... فهو نادرا ما أزعج نفسه بالحديث الى تلك الخادمة القبيحة , كان أهتمامه مركزا على تانيا الحسناء الفاتنة".
" هل كانت عائلة لورزار غنية؟".
" كانت أغنى عائلة في منطقة هافينغتون , لكن دورين كان يفوقهم ثراء ... ماغ ما رأيك بمرافقتي لزيارة قرية دورست؟ لا أدري لماذا ينتابني شوق عارم بالعودة الى حيث نشأت , لمجرد الأطلاع على التغيير الذي طرأ على المنطقة خلال السنوات الماضية".
" بكل سرور".
كانت قرية دورست قبل أعوام قرية منعزلة شبه منطوية على ذاتها , وها هي الآن منطقة متمدنة , بلغتها يد التقدم والتطور وطبعتها بطابعها الخاص أزداد عدد المباني وأفترقت الطرقات الجديدة معظم الحدائق.
قالت ماغ عند وصولهما الى القرية:
"دورست لا تبدو لي تلك القرية النائمة التي وصفتها".
فأجابت جولييت:
" هنالك كانت مزرعة السيد غودفري , باتت الآن ورشة بناء , ترى ماذا حل به؟".
" ربما تقاعد عن العمل , ويسكن الآن منزلا يتنعم فيه بالمال الذي تقضاه من بيع أراضيه".
عندما وصلت جولييت في سيارتها الى مركز البريد , توقفت وقالت:
" تغيّر مركز البريد قليلا , هناك غرفة أضافية في الجهة الخلفية من المبنى , أعتقد أن السيدة بوترتون غادرت عملها هنا , هيا بنا الى الداخل لنرى".كانت جولييت على صواب , فعند دخولها القاعة أستقبلها رجل غريب لم تقابله من قبل فسألته:
" هل تقاعدت السيدة بوترتون عن العمل؟".
" توفيت السيدة بوترتون منذ خمس سنين".
" آه..... آسفة".
ودفعهما هذا للخروج , دون أن تطرحا أسئلة أخرى .
جففت جولييت دمعتها قائلة:
" كانت السيدة بوترتون لطيفة جدا وعاملتني معاملة حسنة".
" ربما كان من الأفضل ألا تأتي الى هنا من جديد".
" قبل أن نعود الى البيت , أريد أن ألقي نظرة على منزل خالتي , من المستحسن أن نذهب سيرا على الأقدام , فهو لا يبعد ألا مسافة قصيرة , يقع وراء الغابة هذه".
الغابة ......حيث الشلال..... حيث , لأول مرة في حياتها , كانت مع رجل أحبّته لكنه أحتقرها.\وعندما أقتربا من المنزل صاحت جولييت بصوت يطغى عليه التعجب:
" لم تكن هذه المنازل هنا من قبل , أنها تستهلك معظم الأراضي التي كان يملكها زوج خالتي".
" أتعنين أنه ربما باعها لشركة بناء؟".
" هذا ما يجعلني أتساءل , فهو كان دائما يصر على الأحتفاظ بها لأنه مولع بالمناظر الخلابة التي تحيط بالمنزل , ولم يكن يحبّذ فكرة أي بناء آخر يقوم على أراضيه".
" صحيح , لقد شوّهوا المنظر تماما".
" لا شك أن ذلك سبّب له تعاسة كبرى , كان متعلقا بممتلكاته الى حد بعيد , وحريصا على الأحتفاظ بالمناظر الرائعة المحيطة بمنزله , وخاصة منظر البحيرة التي تواجه التل".
قالت ماغ والأبتسامة تعلو وجهها:
" بات منزله الآن محاطا بالأبنية الجديدة , يبدو أنه مشروع بناء حكومي".
ثم أضافت:
" لقد أخذ القدر بثأرك ونالت خالتك وزوجها وأبنتها ما يستحقون , لو كنت مكانك لرقصت من الفرح".
" لا , لن أرقص من الفرح , لكنني لا أشعر بالشفقة عليهم مطلقا , ترى هل ما زالوا يقيمون هنا؟ ...... ماغ , أنظري , ها هو السيد غودفري يقترب ناحيتنا".
" المزارع ؟ هيا بادريه بالحديث , أنني في شوق لمعرفة ما حصل".
وعندما أقترب السيد غودفري واجهته جولييت بأبتسامة على وجهها وقالت:
" المعذرة , أود أن أعلم من فضلك أما تزال عائلة لوزار تعيش هنا؟".
لم يبد على السيد غودفري أنه يعرف من يخاطبه فأجاب:
" طبعا , هل بودّك زيارتهم؟".
" ليس اليوم بالذات.... لا شك أن القرية تغيّرت كثيرا منذ كنت هنا آخر مرة".
" ومتى كان ذلك؟".
" آه... منذ أعوام عديدة".
" المعروف أن هذه القرية ستتغير كليا, فهنالك مشروع بناء ضخم , أنا مثلا كنت أملك مزرعة كبيرة , أضطررت الى بيعها لشركة التعمير التي تستثمر أموالها هنا".
" فكرة قرية جديدة لن تروق لعائلة لوزار , فربما سيفكرون في البيع أيضا".
" لقد حاولوا ذلك لكن دون جدوى , أذ يقع منزلهم على التلة ولا أحد يرغب هذا الموقع , كانت قيمة المنزل في الأراضي التي تحيطه , لكن منذ مصادرة الأراضي وأستهلاكها للبناء وشق الطرقات , فقد المنزل قيمته التجارية , أمر أحزن عائلة لوزار , خاصة السيد لوزار أذ خاب أمله وبدت عليه الشيخوخة المبكرة , لكن لا بد أنك تعلمين ذلك؟".
" لم أعلم أنهم يعانون من محنة مادية , كانوا من أغنى سكان هذه القرية".
" صحيح , كانوا فعلا أثرياء , لكن السيد لوزار خسر معظم أمواله بعد أن أستثمرها في مشاريع فاشلة , حاول مرارا بيع منزله لكنه لم يلق أي عرض للشراء".
" كانت لهم أبنة.....".
" تانيا..... تزوجت منذ أعوام لكنها طلقت زوجها وعادت لتعيش مع أهلها".
" أتى رجل يوناني الى هنا منذ ثماني سنوات تقريبا , وكان ضيفا في منزلهم....".
" أذكر ذلك , كانت تانيا تأمل أن يتزوجها لكن نواياه لم تكن جدّية , كان ساعيا وراء التسلية فقط , على أي حال , لم تقولي لي بعد متى كنت في دورست من قبل , هل تعرفت على قريبة لهم تدعى أميلي؟ ".
ضغطت جولييت على يد ماغ بأرتباك , أذ تضاعفت دقات قلبها لتطرّق السيد غودفري الى هذا الموضوع , لكنها نجحت بالمحافظة على هدوئها وأجابت:
" نعم".
" كانت فتاة لطيفة أليس كذلك؟".
" نعم... لكنها كانت قبيحة المظهر".
" ربما , لكن المظهر الخارجي ليس مهما".
سألته ماغ:
"أتعني أن ما في داخل الأنسان هو المهم؟".
فأومأ السيد غودفري رأسه وأجاب:
" أميلي.... طلبت منا أن ندعوها جولييت أسمها الأصلي , غادرت جولييت هذه القرية يوما , ولم نسمع عنها شيئا منذ ذلك الحين".
" لكن ما سبب هجرها هذه القرية؟".
تردد السيد غودفري قليلا ثم أجاب:
" من الأفضل ألا نتحدث في هذا الموضوع".
كادت جولييت تبوح للسيد غودفري بهويتها , لكن شيئا ما منعها عن ذلك... ولازمت الصمت , بعد دقائق قليلة تبادلوا التحية وعادت جولييت وماغ أدراجهما الى السيارة.
" لم يعرفك السيد غودفري رغم علامات الأستفهام التي بدت في عينيه".
" أعتقد أن صوتي بدا أليفا لديه , ربما توصل يوما الى وضع النقاط على الحروف".
" وما هو شعورك أتجاه ما حصل لعائلة خالتك؟".
" الحقيقة لا أشعر بشيء , أذ أصبحوا بالنسبة الي أشبه بأشخاص آخرين لا تجمعني بهم أية صلة".
" لو كنت في مكانك لكان اليوم أسعد يوم في حياتي".
" لو حصل ذلك لدورين كوراليس لشعرت عندئذ بفرح لا يوصف , فهو يستحق مصيبة كهذه".
وبدت في عيني جولييت شرارة قاسية وأضافت:
"لا .... مصيبة كهذه لن تكفي لأرضاء رغبتي بالأنتقام منه , أود رؤيته ينازع ألما".
" تتكلمين وكأنما لو أتيحت لك الفرصة , لن تترددي لحظة عن أخضاعه لتعذيب مرير ".
" صحيح , لو سنحت لي الفرصة لن أتركها تفلت من يدي , قبل أن ألحق به عذابا وألما يلتهمان روحه وجسده معا".

🌿اعدني الي احلامي🌿ان هامبسون 🌿 روايات عبير القديمه 🥀 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن