همسات في ليلة ماطرة

3K 108 6
                                    

زمجر الريح فتبعه هزيم رعد، وكأن هناك تسابق في السحب ما لبث أن قصف البرق ولمع شرارة في الأفق، وهكذا تغير الجو الصحو الذي كان في الصباح إلى أمطار تتدفق على شباك نوافذ مكتب رودلف، دلفت إلى مكتبه تلك المساعدة روزا، بعد أن طرقت عدة طرقات على الباب، رغم أنها لم تسمع منه استجابة، لكنها فتحت الباب لعلمها أنه في الداخل ولم يترك مكتبه منذ الصباح. وجدته يراقب الزجاج المتقطر، وذهنه شارد سارح لعالم آخر، اقتربت منه بهدوء لينطق برق

-سيدي أنا مغادرة هل تحتاج إلى شيء قبل أن أغادر؟.
بقيت تنتظر جوابه لكنه كان لا يزال تائها في مشاهدة المطر نطق بعد وهلة يتساءل:

-المطر رائع أليس كذلك؟

تساءلت ببلاهة: ها!!

بالطبع تعجبت من سؤاله فهي لم تتوقع إجابة كتلك يبدو أنه يشكو من شيء ما، فقد لاحظت تعكر مزاجه منذ الصباح خاصة بعد مجيء تلك المرأة الغريبة. ابتسمت ابتسامة باهتة وربتت على كتفه.

-سيدي هل أنت بخير؟

نظر إليها كمن عاد لوعي للتو يبتسم لها عنوة: ماذا قلت ؟

-قلت سأعود إلى المنزل، إلا إذا كنت تحتاج مني شيء يمكنني الذهاب لاحقا.

ساد صمت وخيم كان يحدق بها وبتفاصيل وجهها كأنه يبحث عن ضالته فيه، زفر بتنهيدة قوية لينظر إلى السقف، كمن يحاول كبت الدموع في مقلتيه، وما لبث أن أخرج يديه من جيبه ليضعهما على كتفيها، وأدار بجسدها نحو الباب.

-آنسة روزا سأدعوك للعشاء اليوم.

تصرفاته الغريبة لا تعجبها إنه لا يبدو كعادته، فمنذ أن عايشته وهو كجبل جلدي لا يهزه الريح، وها هو أمامه مشوش مهزوز، قد لا يلاحظ تغيره أي شخص فملامحه الجاد، ووجه البليد لا يظهر أي تعابير تذكر، دائما ما يراه ناس في حالة ثبات وجدية، تصرفاته التي تبدي الصرامة لا يعطي أي شخص فرصة للاقتراب منه حتى يعرفه تماما، فقط كانت هي الوحيدة التي استطاعت تميز تغير مزاجه، لعل ذلك رفقتها اليومية له في المنزل والعمل. ابتسمت له بعفوية ليحاوط ذراعه وسحبته معها إلى الخارج.

-حسنا، لنذهب، فأنا حقا جائعة.

ترجلا أمام ذلك المطعم الفاخر، و على شرفته تتوزع الطاولات وبها مضلات تظل الزوار، روائح شهية تنبعث منه، ومضيا إليه ليستقبلهم أحد الندل أمام الباب مرحبا بهم.

-لقد حجزت طاولة هنا قبل الظهر، هل يمكن أن ترشدنا إليه.

-نعم سيدي، هل يمكنك أن تخبرني عن اسم الحجز؟

-رودلف ماركانتونيو.

-نعم، صحيح تفضل من هنا.

وجه هما إلى طاولة بالقرب من زاوية تطل على الشارع الفسيح، ومن خلالها يمكن رؤية حركة السير، وأضواء الليل الساحرة، في تلك الأثناء كانت الأمطار لا تزال تتساقط وأخذت تداعب زجاج النافذة، و أمام ذلك المشهد البهيج، جلسا ينظران إلى القائمة يحاولان اختيار وجبة لذيذة، فأطرب مسامعهم الموسيقى الكلاسيكية الهادئ التي تصدر من عازفة البيانو.

بجعة في عرين الأسدWhere stories live. Discover now