الفصل الرابع

Start from the beginning
                                    

عاد ذلك الجريح  لمحبسه واضطجع بفراشه بوهن وسط النظرات الحانقة لبعض السجناء من كثرة التدليل والاهتمام المحاوط بذلك البائس.

     :السجن لَمّ أوي اليومين دول يا جدعان، يعني واحد ياخدله حتة خربوش يتخيط بعشرة ولا خماشر غرزة،  لازم يعني  يفضل ينوّح زى النسوان؟ ده الواحد زمان كان ياخدله مطوة في بطنه ولّا سنجة تشق صدره نصين ولا كان بيقول أى حتى.

صاح بها أحد السجناء متهكماً وبالطبع لم يخفى عنّا أنه من أتباع المدعو أبوسريع اللعين

رمقه شريف بنظراته النارية حتى كاد أن ينقض عليه ليلقنه درسا لن ينساه لولا إنطلاق صافرة حرس السجن معلنة موعد الغداء، فاتجه اليه  أحد المساجين يجذبه للخارج  وقد سبق تعارفهما واستحسان كل منهما للآخر.

{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}

تلك هى الآية الكريمة التي راودته بتلك اللحظة فكانت كترياقٍ شافٍ لأسقامه وأوجاعه وأثلجت نيرانه التي أججتها كلمات ذلك المعتوه..
وهل من طبيبٍ أفضل من الله عز وچل وكلماته التي تُطيّب القلوب والأبدان.

**********
عودة للمشفى

وتحديدا بغرفة رحمة

وصل عمها وزوجته سريعا.

وبعدما أطمئنا عليها قصت عليهما ماحدث... وعند وصولها لنقطة خروجه المفاجئ اقتضب وجه محمود وتحدّث بنبرة حازمة لا تقبل الشك

محمود : أكيد  خاف طبعا نعمله محضر،  ونفد بجلده وهرب قبل ما نيج...

لم يستطع اكمال حديثه بسبب دخول ذاك الشخص وبيده حقيبة مملوءة  بالعصائر والكيك متجها نحو رحمة المتكئة على الفراش الطبي يضع جوارها ما يحمله

______:إتفضلي يا آنسة رحمة اشربي العصير ده، الدكتور قال انك محتاجة حاجة ترفع  سكرك عشان الخضّة اللي كنتي فيها من شوية، وادي حاجتك اللي كانت معايا.

أصابها البله وفتحت فمها، فكيف علم بإسمها ولم تخبره إياه؟
رحمة متوجسة : إنت عرفت إسمي ازاى؟
محمود : انت مين؟

______ بثبات ونظرات واثقة يملؤها الشموخ :  أنا عاصم العزاوي اللي خبطّها بعربيتي بدون قصد، وعلى فكرة انا مهربتش ولا حاجة أنا كنت بطمن على حالة الآنسة من الدكتور وبدفع حساب المستشفى واجيبلها حاجتها اللي كانت في العربية. ثم اتجه بناظريه إليها مكملا : عرفت إسمك من السي ڤي بتاعك اللي كان مع شنطتك

شعر محمود بالحرج الشديد وحمحم مردفا : اهلا وسهلا، انا محمود عم رحمة  معلش بقا إنّ بعض الظن إثم. وشكرا انك جبتها المستشفى وعملت اللازم

عاصم : لا أبدا ده واجبي يا حج، ومعلش بقا إذا كنت ضيعت عليها الوظيفة اللي كانت هتشتغل فيها، بس انا عندي مكتب استيراد وتصدير وعرضت عليها تشتغل معايا. لو مفيش مانع..

محمود : باين عليك ابن حلال وانا اكيد هبقا مطمن عليها وهى شغالة معاك بس ده شغلها وهى اللي تشوف عاوزة ايه..

ثم اتجه بأنظاره لرحمة مكملاً : ها يا رحمة هتشتغلي مع الاستاذ ولا هتاخدي معاد تاني من الشركة اللي كنتي مقدمة فيها؟

رحمة بيأس مصطنع : معاد تاني ايه بقا ماخلاص يا عمي دي فرصة بتيجي مرة واحدة وراحت عليا.. يظهر إن مليش نصيب فيها... خلاص انا هشتغل مع استاذ عاصم.

عاصم بجدية وقد تهللت أساريره : تمام يا آنسة رحمة إعتبري نفسك شغالة معايا من انهاردة. ومعاكي كمان أربع أيام أجازة ترتاحي فيهم عشان لما تيجي الشغل تكون رجلك بقت أفضل وتقدري تتحركي كويس..

كادت أن تعترض ولكن لم يترك لها فرصة فأكمل : من غير اعتراض يا آنسة  الدكتور قال انك محتاجة راحة يومين تلاتة عشان تبقي كويسة. وأظن السي ڤي ده بقا من حقي دلوقت طالما وافقتي تشتغلي معايا.

أذعنت إليه تلك المتمردة والتي لم تخضع يوماً لأحد سوى لشريفها،كما انصاع الجميع لطلبه بإيصالهم للمنزل.

كانت تلك الرحلة مختلفة تماما عن رحلتها الأولى، فها هى الآن ترتسم بزرقاوتيها ملامح الانتصار على نيل ما بغت وأخذت تشرد طوال الطريق فيما  اعتمر خُلدها.

بين أقدارٍ كُتبت وحوادث نَشبت هناك لمحة من مخططات البشر قد باركتها تدابير القدر وأشرفت على إتمامها ببراعة.

فلاااااااش باااااااك...

جلست رحمة وهبة تكملان خطتهما في الإيقاع بذلك العاصم

هبة : ها يا رحمة فهمتي هتعملي ايه؟ أهم حاجة المقابلة الأولى لازم يحس انها صدفة ويحس كمان بالذنب من ناحيتك وهو اللي يطلب منك تشتغلي معاه.

رحمة : ربنا يستر أنا مش عارفة ازاى هعرف امثل و اتعامل معاه وانا مش طايقاه وعاوزة اولع فيه.

هبة : لا ركزي بقا وامسكي أعصابك عشان خاطر شريف، وخدى بالك احنا عاوزينها ترسى على كدمات وبس بدل ما تقلب حادثة بجد ويتكسر فيكي حاجة لا قدر الله.

ونررررررررررجع تااااااااني

عادت من شرودها على صوت فرملة السيارة مُعلنة الوصول لوجهتهم كما وكزتها  زوجة عمها بإبداء الامتنان لذلك العاصم.

أحمق من ظن أنه الأذكى والقادر  على الإمساك بزمام الأمور جميعها وإخضاعها لسلطته وأهوائه لنيل مُبتغاه....
ومازلتِ حمقاء أيتها الرحمة فلولا إرادة الله سبحانه  لما آن لكِ أن تتقدم خططك الواهية قيد أُنملة..

********
بعد عدة أيام من ممارسة العمل بشركة عاصم العزاوي

عاد من وجهته وعلامات السرور على وجهه فاتجه لمكتبها على عجالة..

عاصم : وشك طلع  حلو عليا يا رحمة ودماغك دي دهب.
_______________

رصاصة الرحمة

بقلم :أمل الريفي

رصاصة الرحمةWhere stories live. Discover now